المسلمون وصياغة الذهنية

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ترتبط شخصية الانسان بطبيعة أفكاره وصياغة ذهنيته، لذلك من أهم متطلبات بناء الشخصية، أن يبدأ الانسان بالخطوات الصحيحة لصياغة الذهن، وقد بدأ المسلمون في صدر الرسالة ابان البعثة النبوية الشريفة، مشروعهم الاصلاحي الكبير، بإيقاد وتطوير الذهن الاسلامي الذي يبتني على دعائم دينية واخلاقية صحيحة وراسخة، لتنطلق هذه الذهنية في تكوين القاعدة الفكرية الضخمة، التي تنبعث منها الافكار الانسانية العظيمة الى عموم سكان العالم.

بناء الشخصية الاسلامية

للثقافة كما هو متعارف دور كبير في بناء الشخصية السليمة، لذلك أكد الاسلام على الضرورة القصوى في تطوير الذهنية الاسلامية على الدوام، من اجل مواكبة الجديد من الافكار والاحداث معا، ولابد من إلغاء الركائز القديمة التي لم تعد تصلح للتعامل مع الواقع العالمي الراهن، في المجالين الفكري والعملي، بمعنى يجب تجديد الثقافة، ومحو الدخيل عليها، ومعالجة المريض منها، لهذا يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، كما جاء في كتابه الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين) حول هذا الموضوع:

(لبناء الشخصية الإسلامية ثقافياً نمر بمرحلتين طبيعيتين هما: الهدم أولاً.. والبناء ثانياً.. فالمرحلة الأولى هي تحطيم الثقافات الاستعمارية الغازية، وهدم البنى الفكرية المستوردة. وهذا يعني معرفة الأمراض الكامنة في جسد الأمة الإسلامية، ومعرفة كيفية تحقق الهيمنة الاستعمارية علينا، وما هي خططه ومؤامرته التي يحركها ضد الإسلام من وراء الكواليس؟، وذلك لأن الإنسان ما لم يعرف المرض لا يستطيع معرفة العلاج).

ولابد أيضا من معرفة الأسباب التي تدفع امة المسلمين نحو التخلف، في زمن يتسابق فيه الجميع من اجل الرفعة والسمو واثبات الذات، كذلك ينبغي معرفة نقاط الضعف لدى الطامعين المستعمرين والتابعين لهم من الحكام الدكتاتوريين، وايضا لابد من معرفة الاسباب الفعلية التي تقف وراء تمزق امة الاسلام، وذلك من اجل احتواء المشهد بالكامل ومعرفته، ومن ثم سبر اغواره، لوضع الحلول والبدائل المطلوبة، من أجل الحفاظ على كرامة الامة وعلو شأنها، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (علينا معرفة أسباب تخلّفنا، وعلل استعمارنا واستغلالنا وعوامل سيطرة الديكتاتوريين والعملاء علينا، وأسباب تبعض المسلمين وتشتتهم إلى دويلات متناحرة؟).

معرفة السياسة الاسلامية

وطالما كان الهدف صياغة الذهنية وبناء الشخصية الاسلامية، فإن معرفة الخطوط السياسية العامة أمر لا مناص منه، أي وضع الاستراتيجية السياسية بعيدة المدى، بما يتواءم مع العصر ومستجداته، وبما يكفل التكافؤ الاسلامي مع الامم والتيارات الفكرية الاخرى التي تنبثق منها، لاسيما تلك التي تكن العداء للاسلام وتتربص به، وطالما أن السياسة لها الاهمية الاكبر في هذا السياق، ينبغي فهمها بالصورة الادق والافضل، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي:

(لمعرفة الحلول والأجوبة علينا أن نعرف السياسة الإسلامية، كيف هي وكيف تطبق في الظروف الحاضرة؟ الاقتصاد الإسلامي والاجتماع في الإسلام، والزراعة، والتجارة، والصناعة، والجيش، والحرب، والسلم، والعلاقات الدولية، والأحلاف، والمعاهدات، وتحقيق الحرية، وتوزيع القدرات في مراكزها الطبيعية؟ ذلك أن لكل واحد منها أسلوباً وطريقة خاصة في الإسلام يجب معرفتها ثم معرفة كيفية تطبيقها في الزمن المعاصر).

ولابد من ربط المعرفة السياسية بالوعي والمستوى الثقافي للمسلمين، لذا ينبغي أن لا تقتصر مهمة التثقيف على المسلمين المقيمين في البلدان الاسلامية فقط، لأن هذه التحجر والانغلاق يؤدي الى تراجع الفكر الاسلامي وضموره، إذ يحذر الامام الشيرازي من هذا الخطأ قائلا:

(إن الاقتصار على تثقيف المسلمين المتواجدين في بلاد الإسلام فقط بالثقافة الإسلامية يؤدي إلى تحجيم الحركة الإسلامية وعدم توسعها، ومن هنا فإن من الضروري نشر الوعي الإسلامي المتكامل في البلاد الأجنبية أيضاً).

التبليغ وتعميق الوعي

ويؤكد سماحته عل أهمية التبليغ ونشر الاسلام والاستفادة من المسلمين المتواجدين في البلاد الاخرى قائلا سماحته في هذا الصدد:

ينبغي (تثقيف المسلمين المتواجدين في البلاد الأجنبية بالثقافة الإسلامية وتعليمهم كيفية التبليغ للإسلام، وإعداد المسلمين في البلاد الأجنبية الكبيرة، ففي فرنسا يوجد ما يقارب أربعة ملايين مسلم، وفي ألمانيا أكثر من هذا الرقم، وفي الصين أكثر من مائة مليون مسلم، وكذلك في الاتحاد السوفياتي، وفي أمريكا ثلاثة ملايين من المسلمين السود، وأعداد كبيرة من غيرهم أيضاً، وفي بريطانيا ما يقارب المليون.. إلى غير ذلك).

هكذا يمكن الاستعانة بالاعداد الكبيرة من المسلمين، في نشر الثقافة الاسلامية لترسيخ الصياغة الذهنية السليمة لدى الجميع، ونظرا لأهمية تحقيق هذا الهدف الهام، جعل الاسلام من تعلم بعض العلوم واجبيا عينيا، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي:

(لقد جعل الإسلام تعلّم بعض العلوم واجباً عينياً، والبعض الآخر واجباً كفائياً، والسؤال هو لماذا كل ذلك؟ إن من أسباب ذلك: رفع المستوى الفكري للمسلمين وجعلهم علماء في كافة المجالات حتى لا يكونوا عرضة للتمزق والتحطم إثر ضربات الأعداء وحتى يستطيعوا المقاومة أمام الأعداء، بل وجرّ الأعداء إلى صفوفهم أيضاً، إذ يكونون بأقلامهم مناراً للضالين وسراجاً للمسترشدين وضياءً للجاهلين، ذلك أن المسلم الجاهل لا يستطيع إقناع الآخرين بأفكاره عكس العالم العامل).

تفعيل الدور الاعلامي

ومن بداهة القول، أن الاهداف الكبرى، لا يمكن تحقيقها بعيدا عن دور الاعلام المؤثر، إذ يلعب الاعلام دوره الكبير في صياغة الذهنية الاسلامية ونشر المبادئ الفكرية العظيمة للدين الاسلامي الحنيف، إذ من الصعب جدا تحييد هذا الدور أو إغفاله، لذا تتسابق الثقافات والاديان الى الاعلام، حيث يسيطر اليهود مثلا على ماكنة الاعلام العالمية، من خلال الأموال الكبيرة التي يمولون بها هذه الماكنة، التي تتدخل بدورها في صنع القرار العالمي في الكثير من الاحيان، لذلك من المهم جدا أن تصل صورة الاسلام وجوهره الحقيقي الى بلدان وشعوب العالم أجمع، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا في كتابه المذكور نفسه:

(من الضروري إعطاء الأجانب نظرة صحيحة عن الإسلام، ويتم ذلك عبر:

أ ـ تثقيف ملايين المسلمين المقيمين في البلاد الأجنبية.

ب ـ تأسيس وتكوين محطات الإذاعة والتلفزة، والمجلات والصحف.

ج ـ تأسيس مؤسسات التبليغ الإسلامي في كل دولة أجنبية، وتكون مهمة كل مؤسسة تكوين فروع وممثلين عنها في كافة أنحاء الدولة، ليكونوا على أقل تقدير ألف ممثل وفرع، مهمتهم بيع ونشر وتوزيع الكتب والمجلات. وإلى جانب ذلك يقومون بمهمة الاتصال بشعوب تلك البلاد ومثقفيها وتكوين علاقات معهم مقدمة لهدايتهم وتوجيههم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/نيسان/2012 - 8/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م