التحقيق الجنائي النزيه ارساء للعدالة الجنائية

رياض هاني بهار

ان القضاء النزيه والمستقل يشكل قوام العدالة الجنائية الفعالة بتوظيف سيادة القانون لمحاربة جميع اشكال الإجرام، وانها مناسبة للقضاء ليقوم بدوره الوظيفي في ضمان العدالة وشروط المحاكمة العادلة وتوقيع العقوبة للانخراط في دينامية مكونات الدولة لبناء المجتمع الحداثي والمواطنة، وستكون لامحالة فرصة للجمعيات الحقوقية الدولية لتقييم دور القضاء الوطني في ضمان شروط المحاكمة العادلة توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف باعتباره حصناً منيعاً لدولة الحق وعماداً للأمن القضائي، ومحفزاً للتنمية، وتعد إجراءات مكافحة الجريمة من أهم وأخطر المراحل التي تتحقق من خلالها مفاهيم العدالة الجنائية، حيث أثبتت التجارب العملية أن فاعلية جهاز الشرطة تساعد بطريقة فعالة في مكافحة الجريمة، وذلك بتقليل فرص ارتكاب الجريمة أو الإفلات من العقاب، وذلك بالتحريات الجادة بجمع الأدلة المادية التي تثبت وقوع الفعل الإجرامي وتحدد مرتكبه حتى تستطيع محكمه التحقيق توجيه تحقيقها بالشكل الذي يصل بها إلى الحقيقة، ويتمكن القاضي من إنفاذ القانون بشكل يحقق العدالة الجنائية.

وتضطلع الشرطة منفردة بمختلف المهام المتعلقة بمنع الجريمة وتحقيق العدالة الجنائية منذ القدم، إلا أنه مع ظهور القوانين الجنائية الحديثة وانتشار مبادئ حقوق الإنسان وظهور مبدأ الفصل بين السلطات، انضمت أجهزة رسمية أخرى إلى استراتيجيات منع الجريمة وتحقيق العدالة الجنائية كمجلس القضاء الاعلى، كما انضمت أجهزة أخرى رسمية وغير رسمية مع تقدم نظريات منع الجريمة وتفسير الظاهرة الإجرامية منها الباحثون الاجتماعيون والأطباء النفسانيون والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام والأندية الاجتماعية والرياضية والجمعيات والمنظمات الخاصة، تعد العدالة الجنائية هدف المشرع وغايته سواء فيما يتعلق بالاستدلال أو التحقيق الإبتدائى، أو المحاكمة، أو إجراءات تنفيذ العقوبة.

فلا شك أن العدالة الجنائية بما تعنيه من الكشف عن الحقيقة بالنسبة لجريمة معينة تنسب إلى شخص معين أو إلى أفراد معينين تتطلب منذ البداية ألا يؤخذ البريء بذنب لم يرتكبه، ولكن ورغم هذا التوسع الهائل في العناصر التي بدأت تسهم في تحقيق العدالة الجنائية إلا أننا نلاحظ في الواقع أن أجهزة الشرطة هي التي تتحمل العبء الأكبر في هذا المجال حيث تقوم بمهام اكتشاف الجرائم وضبط الجناة وجمع الاستدلالات والأدلة، إلى جانب أنها وحدها المخولة قانوناً والمدربة على طرق التدخل لمنع الجريمة والقبض على الجناة، كما أنها الجهة الرسمية التي تحتفظ بالمعلومات الجنائية التي تمكنها من التعامل مع المجرمين.

كما تقوم الشرطة بالجزء الأكبر من إجراءات نظام العدالة الجنائية، التحقيق الجنائي هو علم اكتشاف الجريمة ومكافحتها، وهو علم مستقل يعتمد في تطبيقه على مجموعة علوم أخرى كعلم النفس والاجتماع والإجرام، كما يستهدف ضبط الجريمة وقبض الجناة إلى جانب منع الجريمة أو الحيلولة دون وقوعها، كما يلاحظ أيضاً أن الخبرة في التحقيق الجنائي ليست بالأمر الميسور والمكتسب عن طريق الدراسات النظرية، لكنه في واقع الأمر حصيلة جهد شاق وممارسة فعلية لكل ما يتعلق بهذا الحقل العلمي المتشعب الواسع الأطراف، ولا يعني هذا التقليل من الدراسات النظرية، بل على العكس فقد كان للعلماء أفضل الأثر في وضع قواعد للتحقيق الجنائي، ترتكز على تسخير العلوم لمحاربة الإجرام وكشف الجريمة.

ويجب الاشارة الى مدونة السلوك والأخلاق المهنية للموظفين المكلفين بتطبيق القانون لقيت قدرا من الاهتمام في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار 24/169 المؤرخ في 17 ديسمبر 1989 يتضمن مدونة سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وتشمل الموظفين الذين يمارسون صلاحية الحفاظ على النظام العام كرجال الشرطة.

فالمادة 1/ من المدونة تؤكد على أنه يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون أن يؤدوا الواجب الملقى على عاتقهم وفق مقتضيات التشريعات الجاري بها العمل في جميع الظروف.

المادة 2/ يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون بأن يحترموا أثناء قيامهم بواجباتهم، الكرامة الإنسانية ويحمونها، ويحافظون على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ويوطدونها.

المادة 3/ لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم.

المادة 4/ يجب على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون المحافظة على سرية ما في حوزتهم من أمور ذات طبيعة سرية، ما لم يقتضي خلاف ذلك الاقتضاء بأداء الواجب أو متطلبات العدالة وذلك بإفشاء المعلومات التي تتصل بالحياة الخاصة للأفراد أو تضر بمصالح أو سمعة الآخرين.

المادة 5/ يتعين على الموظفين المكلفين لإنفاذ القانون حظر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية.

المادة 6/ يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون حماية صحة الأشخاص المحرومين من حريتهم وضرورة توفير العناية الطبية لهم كلما لزم الأمر.

المادة 7/ يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون عدم ارتكاب أي فعل من أفعال فساد الذمة وتأمرهم بمواجهة جميع هذه الأفعال ومكافحتها بكل صرامة.

حيث تتولى الضبط والتحري وتلقى البلاغات الجنائية وتشرف على الحراسات وتقوم بالقبض والإيقاف، ولهذا فإن الشرطة تلعب دوراً هاماً في إقامة العدالة الجنائية، كعنصر من عناصر مكافحة الجريمة.

الخلاصة:

من هذا المنطلق جدير بنا ونحن نفكر في آفاق العدالة الجنائية بالعراق، أن نقف وقفة تأمل، والتحلي بروح نقدية وعلمية لتقييم ما تحقق في بلادنـــا إلى اليوم، والوقوف عند الإكراهــات والصعوبات والعوائق التي تواجه نظامنا الجنائي الحالي، وخاصة على مستوى آليات قانون الإجراءات الجنائية، على مستوى آليات مكافحة الجريمة ومن ضمنها اجراءات التحقيق وكذا تأهيله ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الواحد والعشرين.

ان اناطه التحقيق الجنائي الى اشخاص غير مؤهلين مهنيا واخلاقيا سيودي الى كارثه واستخفافا بالحق وان التباطؤ وعدم الدقة في الإجراءات والتسرع في تكوين فكرة بمجرد البلاغ والسطحية في تفسير الحوادث والصاق التهم والتشهير وعدم الحيادية هي احدى اساليب الأنظمة الشمولية وهو موروث سيء وان تراكم الاخطاء مبعث سخط يومي من الاجراءات التعسفية التي تمارس من القائمين بالتحقيق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/نيسان/2012 - 8/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م