شبكة النبأ: أثارت الصراعات والنزعات
بين السودان وجنوب السودان المستقل حديثاً مخاوف تجدد الحرب الشاملة
بين البلدين، حيث ان تزايد التوتر بينهما منذ اعلان جنوب السودان
الاستقلال عن السودان بموجب تسوية سلمية انهت عقودا من الحرب الاهلية
بين الطرفين، وفي اعنف قتال منذ الانفصال استولى جنوب السودان في
الاونة الاخيرة على منطقة هجليج هي مناطق الحدودية والغنية بالنفط،
خصوصا وان السودان تواجه أزمة اقتصادية طاحنة منذ حصل الجنوب على معظم
إنتاج البلاد من النفط منذ استقلاله، ويمثل النفط عصب الحياة الاقتصادي
في شمال وجنوب، ولهذا فقد يشهد السودان وجنوبها حروب جديدة بسبب اشتداد
مشاعر الغضب والاستياء من الأزمة الاقتصادية والسياسية ناهيك الصراعات
القبلية المناطقية.
كما تُظهر عملية النهب التي تعرّض لها مجمع الكنيسة في عطلة نهاية
الأسبوع في الخرطوم الوحشية المتزايدة التي تواجه مئات الآلاف من سكان
العاصمة السودانية، والذين تعود أصولهم إلى ما يعرف الآن بدولة جنوب
السودان المستقلة. وبعد سبع سنوات على توقيع اتفاق بين الخرطوم
والمتمردين الجنوبيين، بغية إنهاء عقود من الحرب الأهلية، وبعد تسعة
أشهر على تقسيم البلاد إلى دولتين، تسببت الاشتباكات الأخيرة عند
الحدود في إثارة المخاوف من عودة الحرب الاهلية.
في حين يرى محللون من المرجح أن تتوقف نتيجة القتال الحدودي
المتصاعد بين السودان وجنوب السودان على أي الاقتصادين المترنحين
سينهار أولا وليس على التفوق العسكري النسبي لاي منهما. بينما يرى
محللون اخرون رأى محللون ان فرضية الدخول في حرب شاملة"مستبعدة"،
ويعتبر هؤلاء ان المعارك في "هجليج" لا تعدو كونها "خروقات محدودة"
حدثت في اوقاتئمتكررة، وان الارادة السياسية للبلدين لا تميل الى خيار
الحرب باعتباره "رهانا خاسرا" للطرفين.
تناحر عرقي
في سياق متصل فعندما بدأت كميات البنزين في النقصان في جوبا عاصمة
جنوب السودان هذا الشهر استشعر المحامي بيتر بشير جباندي أن قوة شريرة
لها يد في الامر، وبدلا من أن ينحي باللائمة على نقص شديد في الدولارات
التي تحتاجها الدولة الوليدة لشراء الوقود المستورد فان جباندي أشار
الى السودان العدو اللدود لجنوب السودان. وقال بيتر ان من المرجح أن
الخرطوم متواطئة في هذا الامر مع مهاجرين من منطقة القرن الافريقي،
وبعد ذلك بأيام قليلة عبر نائب في البرلمان السوداني عن استيائه من
وجود مئات الالاف من مواطني الجنوب في الخرطوم وبعضهم لا يحمل جوازات
سفر ولم يقم بزيارة الجنوب قط وطالب بطردهم ووصفهم بأنهم "طابور خامس،
وخاض السودان وجنوب السودان حربا أهلية كانت هي الاطول والاعنف في
افريقيا واستمرت حتى عام 2005 قبل أن ينفصل الجنوب، وتكررت الاشتباكات
بين الدولتين في منطقة حدودهما المنتجة للنفط والمتنازع عليها وتعني
العداوة العميقة بينهما أنهما قد يستمران على هذا الحال حتى تنهار
احداهما، وكان الجانبان على شفا حرب شاملة عندما انتزع جنوب السودان
هذا الشهر السيطرة على منطقة هجليج المنتجة للنفط من السودان قبل أن
ينسحب منها في مواجهة ضغط دولي وما تصفه الخرطوم بهزيمة عسكرية، وخفف
انسحاب الجنوب من هجليج من الازمة المباشرة لكن العواقب السياسية
والاقتصادية للهجوم تقلل من قدرة الجانبين على تجاوز الماضي الاليم
لصراعهما الذي استمر لعقود وحل قضاياهما المتنازع عليها في أي وقت قريب،
وأجج الصراع على هجليج على جانبي الحدود شكوكا عرقية قديمة وأثار مشاعر
وطنية قوية وعزز اعتقاد قادة بأن السلام مستحيل مادام أعداؤهم القدامى
في السلطة، ويشير تهجم جباندي اللاذع على الاصول العرقية لاصحاب محطات
البنزين الى المدى الذي وصل اليه انعدام الثقة بين الجانبين.
وقال جباندي "معظم محطات الوقود هنا يديرها أشخاص ولاؤهم مشكوك فيه
لذا يمكن أن يستخدموا كعملاء للعرب." وأضاف "حان الوقت لاتخاذ قرارات
واضحة حتى يصبح الاقتصاد في أيادي أبناء جنوب السودان، ويقول محللون ان
زعماء البلدين يواجهون ضغوطا من سياسيين يحظون بالنفوذ ويروجون
للمواجهة ويرفضون التوافق مع عدوهم، ويكتسب هؤلاء المتشددون اليد
العليا شيئا فشيئا على جانبي الحدود حيث تعني الاقتصادات المتدهورة أن
الزعماء أكثر اعتمادا الان من أي وقت مضى على فكرة أنهم صارمون ضد
الاعداء لكسب الشرعية في الداخل، وقبل انفصال جنوب السودان كان كثيرون
يأملون أن يحول تعاون متبادل في مجال النفط دون وقوع صراع فالجنوب الذي
لا يطل على مسطحات مائية يحتاج الى أنابيب تمر عبر السودان لتصدير نفطه
الى الخارج، لكن خلافات حول مدفوعات النقل والحدود وقضايا أخرى أوقفت
الانتاج المشترك بالكامل تقريبا، وقال نهيال بول رئيس تحرير صحيفة (ذا
سيتيزن) المستقلة التي تصدر في جوبا "يعمل كل طرف على تغيير نظام الحكم
في الطرف الاخر." وأضاف أنه يشكك في أن الطرفين يستطيعان حل خلافاتهما
عبر طاولة المفاوضات، ووصف الرئيس السوداني عمر حسن البشير حزب الحركة
الشعبية لتحرير السودان الحاكم في الجنوب مرارا في الاسابيع القليلة
الماضية بأنه "حشرة"، ولا يسبب الوصف ارتياحا في منطقة افريقيا الوسطى
حيث كان متشددو الهوتو في رواندا يصفون خصومهم من قبيلة توتسي بأنهم "صراصير"
قبل أن يحاولوا القضاء عليهم في الابادة الجماعية عام 1994، ويكرر
التلفزيون الرسمي السوداني وصف الحشرة كثيرا ويرفقه بلقطات لجنود
يصيحون وجثث لمقاتلين من الجيش الشعبي لتحرير السودان ورئيس جنوب
السودان سلفا كير وهو يعلن في حزن انسحاب قواته من هجليج، وبعد اعلان
القوات المسلحة السودانية "تحرير" هجليج تدفق الالاف الى شوارع الخرطوم
وطالب البعض بسقوط كير وانهاء المحادثات. وتردد بكثرة بشكل خاص هتاف
يدعو القوات المسلحة الى دخول جوبا، ولا يبعث ذلك على التفاؤل بالنسبة
لمعارضي حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير ومؤيدي المصالحة مع
الجنوب. ويتمتم البعض بأن السلطات السودانية تستغل الحرب لملاحقة
معارضيها، وقال فاروق أبو عيسى رئيس قوى الاجماع الوطني في السودان وهي
جماعة تضم احزاب المعارضة الرئيسية في البلاد ان الحكمة تختفي في أوقات
الحروب، وأضاف أن حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان ارتكب خطأ بمهاجمة
هجليج وأن الامر صب في مصلحة حزب البشير. وأضاف أن السلطات السودانية
ضيقت هامش الحريات وحقوق الانسان في السودان منذ أزمة هجليج مستغلة
الدعم الشعبي للتحرك العسكري في وصم منتقدي الحزب الحاكم بأنهم جواسيس
وخونة، وقال ان الامر يضر بقضية المعارضة السودانية وسعيها للتخلص من
نظام حزب المؤتمر الوطني واستعادة الديمقراطية وحكم القانون، وبالنسبة
للمتشددين لم تكن هجليج سوى ذريعة، والطيب مصطفى من أقارب البشير
وتعتبر صحيفة الانتباهة التابعة لحزبه أكثر الصحف انتشارا في السودان.
وصورت الصحيفة دخول جنوب السودان هجليج على أنه دليل على أن مجموعة من
قادة حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان عازمة على الاطاحة بالنظام في
الخرطوم "واستعمار" الشمال، وأضاف في مقابلة في المكاتب المتواضعة
للصحيفة في الخرطوم ان الحل الوحيد للمشاكل بين الشمال والجنوب هو
الاطاحة بالحركة الشعبية لتحرير السودان، ويرجح أن القوى الغربية تترقب
اشارات على العودة الى الاسلام الاصولي الذي طغى على السياسة السودانية
في التسعينيات من القرن الماضي عندما كان السودان يستضيف المتشددين مثل
أسامة بن لادن. ومازال حظر تجاري فرضته الولايات المتحدة قائما، وتنامت
المشاعر الوطنية في جوبا التي يصف البعض فيها أهالي الشمال بأنهم من
العبيد العرب.
وفي كلمة مفعمة بالعواطف ألقاها أمام البرلمان مع بداية الازمة أجج
كير مشاعر أهالي الجنوب بأن طالبهم بالاستعداد للحرب وعاتب الامين
العام للامم المتحدة بان جي مون لانه طلب من الجيش الشعبي لتحرير
السودان الانسحاب من هجليج، وانضم مئات الاشخاص الذين قالوا ان الصراع
على الحدود بين البلدين ما هو الا فصل في صراعهم الممتد مع الحكومة
التي يسيطر عليها العرب الى احتفالات بالشوارع بعد كلمة كير بل ان
البعض طالب الجيش الشعبي لتحرير السودان بالسيطرة على أبيي وهي منطقة
أخرى متنازع عليها، وبعثت سيطرة الجنوب على المنطقة النفطية باشارة
لكثيرين مفادها أن الجنوب يمكنه تحقيق نصر ضد جيش السودان الاكبر بكثير
من جيشه وضد القوة الجوية الكبيرة للشمال. بحسب رويترز.
وقال الفريد لادو جوي وزير البيئة في مسيرة شارك فيها نحو ألف شخص
غالبيتهم من الشبان "لسنا خائفين من جيش السودان.. تمكنا من الفوز
باستقلالنا وسنفوز بهجليج وأبيي." وأحرق شبان في المسيرة العلم
السوداني ورددوا هتافات "يسقط البشير" و"يسقط بان جي مون، وحتى الصحف
المستقلة والمعارضة الصغيرة في برلمان جنوب السودان اشادت بالجيش
لتلقينه الخرطوم درسا بعد غارات جوية قال الجنوب ان السودان يشنها بين
الحين والاخر في أراضيه، وشعر الكثيرون بخيبة أمل عندما أمر كير
بالانسحاب، وقال صحفي اذاعي يدعى مادينج نجور في برنامج ساخن بعد ساعات
من اعلان الانسحاب "هذا قرار كبير وأقول لكم جميعا ان الكل لا يشعرون
بالدهشة وحسب وانما يشعرون بخيبة الامل بسبب الانسحاب، وقال بول رئيس
تحرير صحيفة (ذا سيتيزن) ان كير سحب القوات من هجليج بعدما تعرض لضغوط
دولية متنامية لكنه قد يأمرها بالعودة اليها ليظهر قوته أمام البشير،
وأضاف "لا اعتقد أن الجيش الشعبي لتحرير السودان سينسحب بالكامل من
هجليج. سيحتفظون بأجزاء.. ثم يعودون، ويرى محللون أن سببا واحدا يجعل
كير يلعب بكرة النار مع الخرطوم هو حشد الدعم الشعبي خاصة بين أفراد
جيش الجنوب الذي يقدر بعض المسؤولين أن عددهم يصل الى 200 ألف جندي،
وقد تساعد المواجهة مع الشمال كير على تشتيت الغضب الشعبي من أزمة
اقتصادية طاحنة سببها وقف انتاج النفط والذي يصل الى 350 ألف برميل
يوميا في اطار خلاف مع الخرطوم على مدفوعات النفط، وارتفعت أسعار
الغذاء كما أصبح الحصول على الوقود والاسمنت وبعض الادوية أصعب لان
الموردين يحصلون على الدولار بشق الانفس، وقال دبلوماسي غربي في جوبا "الحكومة
لا توصل أي شيء.. لكن سيكون هناك دعم لكير اذا ظل متشددا مع البشير في
مواجهة أي صدام عسكري متوقع، وتبقى أفضل فرصة لتجنب المزيد من الصراع
ووقوع كارثة اقتصادية عبر محادثات تجرى بوساطة من الاتحاد الافريقي لكن
يبدو أن استئناف المحادثات غير مرجح لان كل طرف يراهن بشكل متزايد على
سقوط الطرف الاخر.
تسوية النزاعات
من جهته قال وزير الدولة السوداني لشؤون النفط اسحق ادم جماع ان
استيلاء جنوب السودان على حقل نفط سوداني قضى تقريبا على الأمل في ان
تتمكن الدولتان من تسوية نزاعاتهما قريبا وان الخرطوم قد تطالب بتعويض
قبل العودة الى المحادثات، وسيطرت دولة جنوب السودان على منطقة هجليج
النفطية في وقت سابق الأمر الذي زاد مخاوف اندلاع حرب شاملة مع السودان
لكنها أعلنت انها بدأت الانسحاب في أعقاب انتقادات حادة من الامين
العام للامم المتحدة بان جي مون، وتصاعدت حدة التوتر منذ ان أعلن جنوب
السودان استقلاله عن السودان في يوليو تموز بموجب تسوية سلمية انهت
الحرب الاهلية السودانية، وأدى القتال المتقطع على مدى شهور بين
الجانبين الى تعطيل المحادثات المتعلقة بترسيم الحدود المشتركة
والمدفوعات النفطية وقضايا أخرى، وقال جماع ان القتال الاخير في هجليج
التي تنتج نحو نصف انتاج السودان البالغ 115 الف برميل من النفط يوميا
قلل احتمال توصل الجانبين قريبا الى اتفاق. وأضاف انه يعتقد ان فرص
التوصل الى اتفاق باتت بعيدة للغاية وأن السودان سيضع شروطا لن يعود
الى المفاوضات دون تحقيقها، ومضى يقول ان السودان خسر نحو 40 الف برميل
يوميا من انتاجه بسبب القتال لكنه أضاف ان السودان لديه احتياطيات
تكفيه قرابة ستة أشهر قبل ان يشعر بتأثير النقص في مصافيه، وقال جماع
ان المسؤولين يُقَيمون ايضا الاضرار التي لحقت بعدة منشات نفطية في
هجليج من بينها منشأة المعالجة المركزية التي تخدم ايضا حقلين للنفط في
جنوب السودان ومحطة كهرباء، وتابع ان الشروط الخاصة باستئناف المحادثات
ستشمل على الاقل التعويض عن تلك الاضرار وخسائر اخرى رغم ان ذلك من شأن
المفاوضين، وأضاف ان السودان سيطلب تعويضات عن الخسائر والتكاليف التي
تكبدها خلال "غزو هجليج" وقد ينبغي اضافة بنود سياسية اخرى الى شروط
عودة السودان الى المفاوضات، واستحوذ جنوب السودان عند الانفصال على
ثلاثة أرباع انتاج البلاد السابق من النفط وهو المصدر الاساسي للعملة
الاجنبية والايرادات الحكومية لدى الجانبين. لكن جوبا أوقفت في يناير
كانون الثاني انتاجها البالغ 350 الف برميل يوميا تقريبا بعد خلاف مع
الخرطوم حول المبلغ الذي يتعين عليها ان تدفعه لتصدير النفط عبر خطوط
أنابيب ومنشآت أخرى في السودان، وتصاعدت حدة التوتر باطراد منذ ذلك
الحين مع معاناة الجانبين من ارتفاع أسعار السلع الغذائية وانخفاض قيمة
عملتيهما في السوق السوداء، وقال جماع في تكرار لتصريحات مسؤولين آخرين
ان السودان سيعوض ما فقده من إيرادات النفط بعد انفصال الجنوب عن طريق
زيادة صادراته من المنتجات الزراعية والذهب، وقال ان الحكومة تمضي قدما
كذلك في برنامج لزيادة انتاج السودان النفطي باضافة حقول جديدة في
مناطق التنقيب وتحسين معدلات الاستخراج، وقال جماع ان السودان لديه
احتياطيات كافية لتعويض فقدان انتاج حقل هجليج لحين استئناف الانتاج
هناك الذي قال انه سيتم قريبا جدا رغم لكنه احجم عن تحديد موعد لذلك،
وقال ان هناك نوعين من الاحتياطيات هما الاحتياطي الموجود بالفعل في
المصافي والاحتياطي الموجود في خطوط الانابيب الذي يمكن ايضا استخدامه
في واقع الأمر، وقال ان السودان يستطيع الاستمرار في تشغيل مصافيه ستة
أشهر دون اي نقص في النفط الخام قبل ان يحس بغياب نفط هجليج، وقال جنوب
السودان ان سيطرته على هجليج التي يسميها كثير من الجنوبيين بانتو جاءت
بهدف الدفاع عن النفس بعد ان شن السودان هجوما بريا منها، لكن جوبا
التي تعرضت لضغوط دولية قالت انها بدأت الانسحاب من المنطقة لتوفير
اجواء مواتية لاجراء محادثات. وقال الجيش السوداني في وقت لاحق انه "حرر"
المنطقة، وقالت جماعة للمراقبة عن طريق الاقمار الصناعية ان بعض الصور
تظهر ان القتال دمر فيما يبدو جزءا من منشات هجليج، وقالت الجماعة ان
الصور التقطت يوم 15 ابريل نيسان لكنها لا توضح الموعد الذي دمرت فيه
المعدات والجانب الذي دمرها.
اعلان للحرب
كما قال سكان ومسؤولون محليون ان طائرات حربية سودانية قصفت سوقا
في عاصمة ولاية الوحدة المنتجة للنفط بجنوب السودان في هجوم وصفه الجيش
الجنوبي بأنه اعلان حرب، ونفى السودان شن أي غارات جوية لكن الرئيس عمر
حسن البشير زاد من التوتر السياسي باستبعاده العودة الى المفاوضات مع
الجنوب قائلا ان حكومة جوبا لا تفهم سوى لغة البنادق، وفي الموقع خارج
بلدة بنتيو المنتجة للنفط انه رأى طائرة مقاتلة تسقط قنبلتين قرب جسر
يربط بين منطقتين في بنتيو عاصمة الوحدة رغم ان من المستحيل التحقق من
الجهة التي تتبعها الطائرات. وشاهد منافذ عرض السلع بالسوق مشتعلة وجثة
أحد الاطفال، واصدر مكتب الامين العام للامم المتحدة بان جي مون بيانا
يقول انه "يدين القصف الجوي لجنوب السودان بواسطة القوات المسلحة
السودانية ويدعو الحكومة السودانية الي وقف الاعمال العسكرية على الفور،
وجعلت اسابيع من القتال السودان وجنوب السودان على شفا حرب شاملة أكثر
من أي وقت مضى منذ انفصال الجنوب في يوليو تموز الماضي، وانفصل الجنوب
عن السودان في العام الماضي دون تسوية طائفة من النزاعات المريرة بشأن
وضع الحدود المشتركة وملكية اراض رئيسية وقيمة الرسوم التي يجب ان
يدفعها الجنوب لنقل نفطه عبر السودان، وأدت النزاعات الى وقف كل انتاج
النفط الذي يدعم اقتصادي البلدين، وقال المتحدث باسم جيش الجنوب فيليب
اجوير بعد قصف بنتيو "البشير يعلن الحرب على جنوب السودان. انه شيء
واضح، وقال اجوير وبعثة الامم المتحدة في جنوب السودان ان شخصين قتلا
في الغارة الجوية، وقالت هيلدي جونسون الممثل الخاص للامين العام للامم
المتحدة الى جنوب السودان ان "عمليات القصف التي تتم دون تمييز ويترتب
عليها خسائر في ارواح المدنيين يجب ان تتوقف، وقالت البعثة ان ضباطها
شاهدوا قنبلة تسقط على السوق وثلاث قنابل قرب جسر. ونقلت عن أحد ضباطها
قوله "احترق صبي حتى الموت عندما اشتعلت النيران في الكوخ الذي كان فيه
نتيجة لانفجار في منطقة سوق روبكونا، وتقع بنتيو على بعد نحو 80
كيلومترا من الحدود المتنازع عليها التي لم يتم ترسيمها بوضوح مع
السودان، ونفى السودان شن أي هجمات في المنطقة. وقال الصوارمي خالد
المتحدث باسم الجيش السوداني ان بلاده ليس لها علاقة بما حدث في ولاية
الوحدة وانهم لم يقصفوا أي مكان في جنوب السودان، وفي اعنف قتال منذ
الانفصال استولى جنوب السودان في وقت سابق من الشهر الجاري على منطقة
هجليج المنتجة للنفط والمتنازع عليها مما اثار مخاوف من العودة الى
الحرب الشاملة. واعلن جنوب السودان بعد ذلك انه بدأ الانسحاب في اعقاب
انتقاد حاد من بان جي مون الامين العام للامم المتحدة، وزار البشير
الذي كان يرتدي الزي العسكري منطقة هجليج وهبط من الطائرة وسط تهليل
جنوده ومسؤولين تجمعوا على ارض المطار، وتعهد وهو يتحدث الى قوات الجيش
السوداني بعدم التفاوض مع جنوب السودان بعد ان احتل المنطقة، وقال
للقوات السودانية في ثكنة قرب حقل نفط هجليج على الحدود المتنازع عليها
انه لن يتفاوض مع حكومة الجنوب. بحسب رويترز.
والتقط صحفي من رويترز كان في جولة رسمية بالمنطقة فيلما لخطوط
انابيب مدمرة والنفط يتسرب منها في حقل هجليج الذي لحقت به اضرار شديدة
كما لحق دمار شديد بمنشأة المعالجة المركزية ومحطة الطاقة ومنشات
البنية الاساسية الاخرى، واتهم عبد العظيم حسن عبدالله وهو عامل نفط في
هجليج قوات جنوب السودان بمهاجمة الحقل النفطي، وقال انهم يعرفون كيف
يقومون بالمهمة كاملة وانهم دمروا وحدة الكهرباء الرئيسية كما دمروا
منشات المعالجة الاخرى، وقال اللواء كمال عبد المعروف وهو قائد بجيش
السودان قاد المعارك في هجليج ان قواته قتلت 1200 جندي من قوات جنوب
السودان في القتال الذي دار في المنطقة وهي رواية نفاها جنوب السودان،
وقال صحفيون يسافرون في جولة رسمية في المنطقة انهم شاهدوا جثثا ملقاة
على الارض في الطريق المؤدي الى الثكنات. وكان يوجد علم جنوب السودان
واضحا على زي بعضهم لكن لا يتسنى دائما التحقق من جنسياتهم، ونفى اجوير
تقرير عبد المعروف. وقال "عدد الاصابات في صفوف جيش تحرير شعب السودان
منذ 26 مارس لم يتجاوز 50، وحصل جنوب السودان على الاستقلال في استفتاء
بموجب اتفاق سلام وقع في عام 2005 أنهى عقودا من الحرب الاهلية بين
الخرطوم والجنوب.
ولايات الجنوب
في حين قصفت مقاتلات حربية سودانية مجددا مدينة بنتيو الحدودية في
جنوب السودان وكبرى مدى ولاية الوحدة النفطية موقعة قتيلا على الاقل،
وهزت انفجارات عنيفة المكان حين استهدفت المقاتلات جسرا استراتيجيا
واحد الاسواق مما ادى الى مقتل طفل على الاقل وجثته المتفحمة، وصرح
ماك بول المدير المساعد للاستخبارات في جنوب السودان "لقد تعرض الجسر
والسوق للقصف ... وارسلنا فريقا للتحقق من عدد القتلى في هذه الهجمات"،
واضاف ان الحصيلة المؤقتة هي مقتل طفل واصابة ثلاثة مدنيين بجروح،
وتابع "انه تصعيد خطير وانتهاك لاراضي جنوب السودان .. برايي انه
استفزاز واضح"، وسقطت القذائف التي استهدفت الجسر الواقع على طريق بين
بنتيو والحدود مع السودان (60 كلم الى الشمال)، وتصاعدت سحب الدخان من
السودان من السوق الذي اندلعت فيه النيران بينما راح المدنيون
المذعورون يركضون في ارجائه، وتاتي هذه الغارة على بنتيو التي استهدفت
في السابق من قبل سلاح الجو السوداني غداة اعلان جيش جنوب السودان
الانسحاب الكامل من منطقة هجليج النفطية التي تقع على الحدود بين
البلدين والمتنازع عليها بينهما، وبررت السلطات في جوبا الانسحاب من
المنطقة التي سيطرت عليها قواتها في العاشر من نيسان/ابريل بعد طرد
الجيش السوداني منها، بالسعي الى تفادي نشوب حرب مع الخرطوم. بحسب
فرانس برس.
مقتل مئات الجنود السودانيين الجنوبيين
الى ذلك اعلنت الخرطوم ان مئات الجنود السودانيين الجنوبيين قتلوا
في المعارك الدائرة للسيطرة على هجليج، اهم المناطق النفطية في البلاد،
وقال نافع علي نافع المقرب من الرئيس السوداني عمر البشير ان عدد
القتلى في صفوف الجيش السوداني الجنوبي و"المرتزقة" في معركة هجليج
يبلغ 400، بحسب المركز الاعلامي السوداني القريب من الاجهزة الامنية،
ولم يوضح عدد الجنود السودانيين الذين قتلوا كما لم ينشر الجيش اعداد
الضحايا في صفوف الجانبين، وشاهد مصور من فرانس برس حوالى مئة جريح في
مستشفى بالخرطوم، وخلال احتلاله هجليج على مدى عشرة ايام، اكد جيش جنوب
السودان ان 19 من جنوده قتلوا اضافة الى 240 جنديا سودانيا، وتعذر
التحقق من اي من هذه الارقام، ولم يسمح السودان للصحافيين او لمراقبين
اخرين بالتوجه الى منطقة هجليج خلال المواجهات مع الجنوب الذي اكد
الاحد انه انهى سحب قواته، ويأتي هذا الانسحاب بعد مساع دبلوماسية
مكثفة لتجنيب الطرفين خطر توسع النزاع، وتؤكد الخرطوم انها هزمت جنوب
السودان وارغمته على الانسحاب. بحسب فرانس برس.
يتبادلان الاتهامات
بينما اتهم كل من السودان وجنوب السودان المستقل حديثا الاخر بشن
هجمات جديدة علي اراضيه في الوقت الذي لم يبد فيه اي من الطرفين علامة
على الرضوخ للضغوط العالمية للعودة لطاولة المفاوضات، وقال جنوب
السودان ان القوات السودانية هاجمت قرى على عمق عشرة كيلومترات على
جانبه من الحدود وشنت غارات جوية على سلسلة من المناطق من بينها ولاية
الوحدة المنتجة للنفط بجنوب السودان، وقال ماك بول نائب مدير المخابرات
العسكرية في جنوب السودان للصحفيين في بلدة بنتيو الحدودية بجنوب
السودان ان جنوب السودان يعزز قواته لانه يرى ان الجيش السوداني يعزز
قواته ايضا، ونفى السودان هذه الاتهامات وقال انه صد هجوما"ضخما" شنه
مقاتلو الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال في ولاية جنوب
كردفان على الجانب السوداني من الحدود. ويقول السودان بشكل روتيني ان
المتمردين يسيطر عليهم جنوب السودان، وتزايد التوتر بين السودان وجنوب
السودان منذ اعلان جنوب السودان الاستقلال عن السودان بموجب تسوية
سلمية انهت عقودا من الحرب الاهلية بين الطرفين، وفي اعنف قتال منذ
الانفصال استولى جنوب السودان في وقت سابق من الشهر الجاري على منطقة
هجليج المنتجة للنفط والمتنازع عليها مما اثار مخاوف من العودة الى
الحرب الشاملة. واعلن جنوب السودان بعد ذلك انه بدأ الانسحاب في اعقاب
انتقاد حاد من بان جي مون الامين العام للامم المتحدة، وحث الرئيس
الامريكي باراك اوباما الزعماء يوم السبت على استئناف المفاوضات
المتوقفة بشأن سلسلة من الخلافات على الاراضي والمتعلقة بالنفط قائلا
انه مازالت توجد فرصة لتفادي الحرب، ولكن لم يحدث تراجع في اللهجة
العدوانية خلال مطلع الاسبوع، ووصف بول الهجمات السودانية بانها غزو
خطير لاراضي جنوب السودان، وقال اسحق ادم جامع وزير الدولة السوداني
للنفط لرويترز ان فرص توصل الجانبين الى تسوية قريبا بعيدة جدا الان
وقال ان الخرطوم ربما تطلب تعويضا عن الاضرار التي لحقت بهجليج قبل
العودة الى المحادثات، واضاف ان السودان فقد نحو 40 الف برميل يوميا من
الانتاج النفطي بسبب القتال ولكنه اضاف ان السودان لديه احتياطيات تكفي
لما يصل الى ستة اشهر قبل ان يشعر بالتأثير على مصافيه، واي عودة الى
القتال على نطاق واسع سيكون له تأثير مدمر على البلدين اللذين يعتمدان
على النفط وسيدفع اللاجئين والمقاتلين الى النزوح الى المنطقة
المجاورة، وادى القتال بالفعل الى وقف معظم انتاج النفط الذي يدعم
الاقتصاد المتعثر لكل من السودان وجنوب السودان. بحسب رويترز.
قال شهود ان مئات المسلمين اقتحموا كنيسة يستخدمها الجنوبيون في
الخرطوم مما اثار المخاوف من ان الاشتباكات التي دارت في الاونة
الاخيرة بين السودان وجنوب السودان تذكي التوترات العرقية في المدينة،
وتقطن السودان اغلبية مسلمة في حين ان معظم الجنوبيين يعتنقون المسيحية
ومعتقدات افريقية تقليدية، ومازال يوجد في الخرطوم مئات الالاف من
الجنوبيين واشخاص من مناطق قريبة من الحدود المشتركة ويواجه الكثير
منهم مأزقا قانونيا، وعرض مسؤولون بجنوب السودان على الصحفيين امس
الاحد حقلا نفطيا قالوا انه تعرض لقصف القوات الجوية السودانية، وشاهد
مراسل لرويترز ثلاث حفر خلفتها القنابل في حقل نفطي تديره شركة النيل
الاعظم للبترول لكن دون اضرار بالمنشات النفطية نفسها، وحصل جنوب
السودان على استقلاله بعد استفتاء نصت عليه اتفاقية السلام التي وقعت
بين طرفي الحرب الاهلية السودانية عام 2005 التي انهت عقودا من الحرب
التي اسفرت عن مقتل نحو مليوني شخص. |