الالماني غونتر... يثير حفيظة اسرائيل بانتصاره لإيران

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: اثارت القصيدة التي اطلقها الشاعر الالماني غونتر مؤخرا حفيظة اسرائيل واخرجها عن دائرة الصمت، بعد ان اعلنت تنديدها المطلق بالقصيدة ومواقف الشاعر من ورائها، فيما لم تتردد وسائل اعلام اسرائيلية في الصاق التهمة الجاهزة دائما (معاداة السامية) بغونتر.

ويهاجم غونتر من خلال قصيدته التي نشرت في المانيا مؤخرا السياسة العنصرية التي تمارسها اسرائيل، معتبرها مصدر تهديد للامن العالمي، منددا بمواقفها العدائية ازاء ايران ومشروعها النووي مطالبا المجتمع الدولي بالحد من سلوكيات تل أبيب العدوانية.

اسرائيل تهدد سلام العالم

ففي قصيدة بعنوان "ما يجب ان يقال" نشرت في صحيفة سودويتشه تسايتونج اليومية انتقد جراس (84 عاما) مبيعات السلاح الالمانية لاسرائيل. وجراس من المدافعين عن قضايا الفكر اليساري والمنتقدين للتدخلات العسكرية الغربية في دول مثل العراق.

ولقيت قصيدته انتقادات في المانيا حيث يعتبر أي انتقاد شديد لاسرائيل من المحرمات. ولم تتعاف مصداقية جراس الاخلاقية تماما بعد اعترافه عام 2006 بأنه خدم يوما في أحد أجهزة النظام النازي.

وجاء اعتراف جراس قبيل نشر سيرته الذاتية التي صدرت بعنوان "تقشير البصل" والتي تذكر تفاصيل خدمته في الحرب العالمية الثانية. وكتب جراس في قصيدته المثيرة للجدل يقول "لماذا أقول الان فقط... ان اسرائيل القوة النووية تمثل خطرا على السلام العالمي الهش بالفعل.. لان هذا ما يجب أن يقال والذي قد يكون اوانه فات اذا قيل غدا." وأضاف "وكذلك لاننا كألمان يحملون ما يكفيهم ربما نصبح شركاء في جريمة منتظرة."

ومضى جراس الذي فاز بجائزة نوبل في الاداب عام 1999 عن روايات منها "الطبل الصفيح" التي توثق فظائع التاريخ الالماني خلال القرن العشرين يقول في قصيدته "انا لن اظل صامتا لانني سئمت النفاق الغربي."

ويعتقد على نطاق واسع ان اسرائيل تملك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط وهو امر لا تنفيه اسرائيل ولا تؤكده. ومن الممكن ان تحمل القنابل النووية الاسرائيلية بواسطة غواصات دولفين التي اشترتها اسرائيل من المانيا.

وهددت اسرائيل باتخاذ اجراء عسكري سواء حصلت على دعم امريكي ام لم تحصل لوقف ما تعتبره تهديدا نوويا من جانب ايران. وتقول طهران انها تطور التكنولوجيا النووية لاغراض سلمية تماما.

وقالت المانيا مؤخرا انها ستبيع لاسرائيل غواصة سادسة من طراز دولفين وتتحمل جزءا من التكلفة لكنها حذرت حليفتها اسرائيل من ان اي تصعيد عسكري مع ايران قد تكون له مخاطر غير محسوبة.

ودعت القصيدة "منظمة" دولية الى تولي السيطرة الدائمة على كل من الاسلحة النووية الاسرائيلية ومنشات ايران النووية. ووصفت صحيفة فيلت جراس بأنه "العدو الابدي للسامية" في مقال بالصفحة الاولى تعليقا على قصيدته التي جرى تداولها بشكل واسع قبل نشرها.

وقالت الجمعية اليهودية الامريكية في برلين ان قصيدة جراس محاولة لنزع الشرعية عن سياسة اسرائيل الامنية. وقال ديدره بيرجر مدير الجمعية "حول جونتر جراس الوضع رأسا على عقب من خلال الدفاع عن نظام وحشي (في ايران) الذي لم يتجاهل الاتفاقات الدولية لسنوات عديدة بشكل منهجي فحسب بل دهسها." وأضاف "جراس يضر بشكل مروع بالصداقة بين المانيا واسرائيل عندما يصف السياسات الامنية اللازمة لاسرائيل بأنها جريمة..."

وعندما سئل متحدث باسم الحكومة الالمانية عن قصيدة جراس في مؤتمر صحفي رفض التعقيب لكنه قال ان الفنانين في ألمانيا يتمتعون بحرية التعبير.

وشجب غونتر غراس "الصمت المعمم على هذه الوقائع" التي يصفها بانها "كذبة ثقيلة" لان "تهمة معاداة السامية ستوجه مباشرة" الى الذي ينتهك هذا الصمت. ويتساءل الكاتب "لماذا اقول الان فقط (...) ان القوة الذرية لاسرائيل تهدد السلام العالمي الهش في الاساس؟ لانه ينبغي ان نقول الان ما قد يفوت اوانه غدا". وتابع غراس "لن اسكت بعد الان لاني سئمت من نفاق الغرب" حيال اسرائيل "المسؤولة الفعلية عن هذا التهديد".

وطالب ايضا "باشراف دائم ومن دون عراقيل على الترسانة النووية الاسرائيلية والبرنامج النووي الايراني من قبل هيئة دولية تعترف بها الحكومتان". ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية القصيدة "بالرديئة".

وقال يغال بالمور المتحدث باسم الخارجية ان "عمل غونتر غراس الذي يتراوح بين الخيال والخيال العلمي سيئة جدا وذوقها رديئة. قصيدته رديئة وتفتقد للباقة".

من جهته رأى المؤرخ الاسرائيلي توم سيغيف في مقال في صحيفة هارتس بان الكاتب الالماني هو "مثير للشفقة اكثر مما هو معاد للسامية". واضاف ان "المقارنة بين اسرائيل وايران غير عادلة لانه على عكس ايران لم تهدد اسرائيل ابدا بازالة دولة ما عن الخارطة".

وكتب المعلق شاي جولدن في صحيفة معاريف ان تصريحات غونتر غراس "لا تشير بالضرورة الى معاداة السامية ولكن الى رفضه تحمل مسؤولية جرائمه التاريخية". واضاف "اتفق تقريبا مع كل ما قاله لكنه ببساطة لا يمتلك الحق التاريخي او الاخلاقي لقوله"، في اشارة منه "لخيانة مبدا التكفير الذي يجب على كل الماني الالتزام به دائما عن الحديث عن اسرائيل واليهود".

وكان كاتب الافتتاحيات هنري برودر رد امس مباشرة على غراس في صحيفة "دي فيلت" معتبرا انه "كانت لديه باستمرار مشكلة مع اليهود لكن لم يعبر يوما عنها بهذا الوضوح قبل هذه القصيدة". واعتبر برودر ان غراس "هو نموذج المثقف المناهض للسامية" والالماني "الذي يلاحقه الخزي والندم" والذي لن يشعر "براحة النفس" الا مع زوال دولة اسرائيل.

وفي بيان، اعتبر افرايم زوروف مدير معهد سايمون فايزنتال في اسرائيل المتخصص في ملاحقة النازيين السابقين ان "غراس يتكلم بالنيابة عن مجموعة كبيرة من الالمان يبدون محترمين في الظاهر لكن لديهم اراء معادية للسامية لا يمكنهم التعبير عنها في المانيا انما يمكن توجيهها ضد اسرائيل التي اصبحت رمزا لليهود المبغوضين".

واضاف زوروف "بما الهجمات ضد افراد يهود تعتبر غير مقبولة سياسيا في المانيا، فان الالمان المعادين للسامية يصبون جام غضبهم على اسرائيل للتعبير عن رفضهم للمحرقة ولرفع اي مسؤولية عنهم". في العام 2006 اقر غونتر غراس المعروف بمواقفه اليسارية انه كان عضوا في المنظمة النازية "فافن اس اس" في شبابه.

وتابع زوروف ان "التعليقات المشينة لغراس لا تشكل مفاجاة في الواقع لان اقراره بالانتماء الى منظمة +فافن اس اس+ اثر كثيرا على نزاهته". ورفض الناطق باسم الحكومة الالمانية ستفن زايبرت التعليق على النص باسم "حرية الفكر".

فضيحة مطلقة

في السياق ذاته ندد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو مجددا في مقابلة مع الصحافة الالمانية بغونتر غراس صاحب قصيدة مثيرة للجدل حول اسرائيل، واصفا اياها ب"الفضيحة المطلقة".

وقال نتانياهو في مقابلة مع صحيفة "فلت ام سونتاغ" ونشرت مقتطفات منها السبت "اعتقد ان كلمات غراس تشكل فضيحة مطلقة". واضاف "ان ياتي ذلك من حائز جائزة نوبل الماني وليس على سبيل المثال من مراهق في حزب للنازية الجديدة، يجعل من الامر ايضا اكثر مدعاة للسخط".

وقال انه "نجح في تحريف المغزى حيث يصبح المعتدي الضحية والضحية المعتدي"، و"حيث يتحول الذين يسعون الى الدفاع عن انفسهم ضد التهديد باطفاء (الحريق)، الى تهديد للسلم العالمي، وحيث يصبح الاطفائي لا مسبب الحريق هو الخطر الحقيقي".

واعلنت الدولة العبرية انذاك الكاتب الالماني شخصا غير مرغوب فيه، وتكثفت بيانات الاستنكار في اسرائيل وكذلك في المانيا. وقال نتانياهو ايضا في هذه الصحيفة التي تقيم مجموعة اكسل سبرينغر التي تملكها علاقات وثيقة مع اسرائيل "هناك واقع لا يجاريه غراس: اسرائيل لا تهدف البتة الى تدمير ايران. ان ايران هي التي تنوي على العكس تدمير اسرائيل وتدعو علنا الى ذلك وتعمل له عبر صنع قنبلة ذرية لهذا الغرض".

ايران ترحب

من جهتها نوهت ايران بغونتر غراس لشجبه في قصيدة تهديد اسرائيل، واشاد نائب وزير الثقافة الايراني جواد شمقدري بالكاتب الالماني في رسالة موجهة الى "الكاتب المتميز غونتر غراس" لانه "قال الحقيقة" مبديا امله في ان تسهم (القصيدة) في "ايقاظ الضمير الغربي النائم"، بحسب وسائل الاعلام الايرانية.

ويدعو القادة الايرانيون دوما الى ازالة اسرائيل، القوة النووية الوحدية في المنطقة، والتي يصفونها بالورم السرطاني في الشرق الاوسط. الا ان طهران اكدت مرارا انها لا ترغب في الحصول على السلاح الذري.

وكتب شمقدري في رسالته الى غونتر غراس "قرأت قصيدتكم التحذيرية التي تظهر بشكل مذهل انسانيتكم وحس المسؤولية لديكم". واضاف شمقدري ان "قول الحقيقة لا بد ان يوقظ الضمير الغربي النائم والصامت والكتاب بريشتهم اكثر قدرة من الجيوش على تفادي حصول المآسي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/نيسان/2012 - 4/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م