المواقع الاثرية... شواهد تتحدى الحروب والكوارث

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: عندما تمضي الحضارات وتأتي غيرها لتصبح من الماضي في دورة من التأريخ لا تنتهي او تتوقف، يتحول تراثها جزء من التأريخ وتكون مهمة البحث عنها والتقصي عن حقائقها واثارها وكشف اسرار نشوئها واندثارها من الامور التي لا غنى عنها اذ انها ارث يشمل الانسانية جمعاء وهو تراث عالمي لا يجوز إهماله او تجاهله، لذا فان مسألة توفير الحماية اللازمة والرعاية الكاملة واستثنائها من كل الازمات والنزعات السياسية والاقتصادية والثقافية التي قد تمر بها بعض البلدان في حقبة او زمن م، في مقدمة أي عمل او مشروع قد يتم الاتفاق عليه او تبنيه.

ولعل الشواهد كثيرة على فقدان العديد من المدن والبلدان بعضاً من تأريخها نتيجة لإهمال متعمد او بسبب الحروب والعنف او السرقات المنظمة او لسيطرة الجماعات المتشددة على بعض المناطق التاريخية كما فعلت حركة طالبان عندما سيطرت على افغانستان في بدايات العقد المنصرم بعد ان قامت بتدمير اهم المعالم التاريخية فيها برغم المناشدات الدولية والمطالبات المتواصلة من المنظمات الدولية وبالأخص منظمة "اليونسكو" التابعة للأمم المتحدة 

ان الاهتمام بالتراث الانساني والتعامل مع الاثار بمهنية ودقة وحرص شديد للمحافظة عليها وتجنب اندثارها وضياعها سوف يعزز التواصل الانساني بين الاجيال ويعرف الاجيال اللاحقة –اذا وصل الماضي اليهم بأمان- بضخامة حضاراتهم الانسانية وجهد من سبقهم حتى وصل الحال الى ما عليه، خصوصاً وان عجلة الزمن مستمرة في الدوران وان الحاضر سوف يتحول الى تأريخ يقرأ ويدرس، وقد اكد الخبراء والباحثين صعوبة المهمة في التحري والتنقيب والبحث من اجل اكتشاف الحضارات المجهولة والاثار المندثرة من دون توفير الجهد والوقت والمعدات اللازمة والتي قد لا تتوفر للجميع، الا ان الجهود الاستعانة بالجهود الدولية والمنظمات المختصة قد يسهل الامر ويحول المستحيل الى واقع ملموس.

المواقع الاثرية في سوريا

اذ يحذر خبراء الاثار من مخاطر التدمير والنهب المحدقة بالكنوز الاثرية في سوريا، بما فيها اثار مدينة تدمر والاثار اليونانية والرومانية في افاميا، بسبب الاضطرابات التي تشهدها البلاد منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية فيها قبل اكثر من عام، واكثر الاثار تعرضا للخطر، هي تلك الواقعة في مناطق ساخنة خرجت من سيطرة القوات النظامية، ونشطت فيها حركة سرقة القطع الاثرية من المتاحف ومواقع الحفريات، وتقول مديرة المتاحف في سوريا هبة الساخل "في الاشهر الثلاثة او الاربعة المنصرمة، سجلت الكثير من عمليات النهب"، وتضيف "في افاميا، لدينا مقطع مصور يظهر لصوصا ينتزعون فسيفساء بواسطة آلة ثقب، وفي تدمر تنشط حركة سرقة الاثارات والتنقيب عنها بشكل غير شرعي"، وبحسب هبة الساخل، فان مواقع تاريخية اخرى في البلاد كانت هدفا للصوص الذين يستفيدون من اعمال العنف التي تجتاح البلاد، وتقول انه على الرغم من ان سرقة الاثار امر موجود في سوريا منذ سنوات، الا ان وتيرتها ارتفعت بسبب الاضطرابات التي حرمت بعض المواقع التاريخية من الحماية اللازمة.

من جهة اخرى، يقول الناشطون المعارضون مستندين الى مقاطع فيديو مصورة، ان الجيش السوري قصف عدة مواقع اثرية من بينها قلعة المضيق في ريف حماة، خلال عملياته لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتقول هبة الساخل ان البلاد غنية بالأثار بحيث "يمكن ان يحفر المرء في اي مكان ويجد آثارا"، وتضيف "اعتقد ان اولئك الذين ينهبون الاثارات هم من السكان المحليين انفسهم، يفعلون ذلك بدافع التكسب ولا يدركون اهمية هذه الاثارات التي يعثرون عليها"، وقد كان متحف مدينة حماة في وسط البلاد فريسة للصوص الاثار، بما في ذلك الاسلحة القديمة المعروضة فيه وتمثال يعود الى العصر الارامي، والى شمال غرب مدينة حماة، اصيبت قلعة شيزر المطلة على نهر العاصي باضرار، وسرق تمثال روماني من الرخام من متحف افاميا، وعمل لصوص الاثار على التنقيب والحفر وسرقة الاثار في مواقع عدة في البلاد، ويرجح الخبراء ان تكون القطع الاثرية المسروقة يجري تهريبها عبر لبنان او دول مجاورة اخرى، لتباع في السوق السوداء، وتظهر مقاطع بثها ناشطون على شبكة الانترنت تعرض قلعة المضيق في ريف حماة لقصف القوات النظامية. بحسب فرانس برس.

كما تعرضت للنهب مدينة ايبلا الاثرية الواقعة في محافظة ادلب، التي تركزت فيها العمليات العسكرية والاشتباكات بين القوات النظامية والمنشقين عنها في الاسابيع الماضية، وتقول هبة الساخل ان مسلحين احتلوا قلعة الحصن، التي بناها الصليبيون والتي كانت من اهم الوجهات السياحية في سوريا قبل الازمة، واخرجوا الحراس منه، ويقول مدير الحفريات الاثرية في سوريا ميشال مقدسي ان اكثر المواقع عرضة للخطر هي المناطق الواقعة الى شمال الهضبة الكلسية والتي تضم مئات الاديرة والكنائس القديمة، شمال غرب البلاد، ويقول "برأيي هذه المنطقة هي الاكثر عرضة للخطر الان، لانها ليست تحت الاشراف المباشر لدائرة الاثار"، وحضت منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة مؤخراً الدول الاعضاء والهيئات الدولية الى حماية التراث الثقافي الغني في سوريا وضمان عدم تعرضه للسرقة والتهريب من البلاد، وقالت اليونسكو في بيان "ان الإضرار بتراث بلد هو اضرار بروح الشعب وهويته".

وكان معارضون سوريون طالبوا منظمة اليونسكو بـ"التحرك الفوري" من اجل وقف "تدمير المعالم الاثرية" في سوريا، متهمين النظام السوري بانه "يستهدفها" اثناء عملياته العسكرية، ومطالبين باضافة عمليات التدمير هذه الى قائمة "جرائم النظام"، وكانت اليونسكو ادرجت ستة مواقع على لائحة التراث العالمي، وهي احياء دمشق القديمة، وحلب القديمة، وقلعة المضيق وقلعة الحصن، ومدينة بصرى القديمة، ومدينة تدمر، والقرى الاثرية شمال سوري، ويرى رئيس قسم الآثار في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في بيروت مارك غريشماير ان الاثارات السورية تكتسب اهمية استثنائية من حيث انها شاهدة على التطور البشري، ويقول "الامر الرائع في سوريا هو انها تشهد على نشوء القرى الاولى في التاريخ"، وتقول هبة الساخل ان السلطات بدأت بنقل القطع الاثرية لحمايتها من السرقة او التدمير، مشيرة الى وجود "خطة لنقل هذه القطع الى المصرف المركزي"، وتضيف "آمل من المجتمع الدولي ان يوجه رسالة الى الشعب السوري مفادها ان تراثه على المحك"، وتختم هبة الساخل "هذا التراث ليس ملكا لا لحكومة ولا لرئيس، انه ملك لكل السوريين، وملك ايضا للبشرية جمعاء، فلا يجب ان يتعرض للتدمير حتى وان كان البعض يطالب بالحرية".

قصر دار الأمان الافغاني

الى ذلك تحول قصر دار الأمان الرائع الذي بناه الملك أمان الله في كابول سنة 1920 إلى معلم أثري عظيم يشهد على ماض مجيد في بلد أنهكته الحرب، فسقفه مثقوب ونوافذه أصبحت من الذكريات وواجهته نسفتها القذائف، وصمم مهندسون فرنسيون وألمان القصر من أجل حاكم استمر عهده عشر سنوات وساهم في تحديث بلده قبل أن يرسل إلى المنفى، وكان القصر يتمتع بكل مزايا المباني الملكية الأوروبية، من منحوتات على شكل أسود تتربع على اعمدة إلى حديقة مربعة وأشكال هندسية دائرية من طراز "آر ديكو" على واجهته، لكنه تماما كمعالم كثيرة في العاصمة وكعشرات آلاف السكان، وقع ضحية القصف العنيف في التسعينات عندما نشبت في كابول حرب أهلية بين طالبان ومقاتلين من تحالف الشمال، ولم يخصص الأفغان ولا المجتمع الدولي أي أموال لإعادة بنائه، وأصبح قصر دار الأمان المقفل في وجه الأجانب مشرع الأبواب في غرب المدينة، وقد لجأ إليه في العام 2010 نحو 300 فرد من قبيلة كوشي البدوية قبل أن يتم طردهم، ومذاك، بات القصر يرمز إلى حلم السلام المفقود في أفغانستان التي تتخبط في الحرب منذ أكثر من ثلاثين سنة. بحسب فرانس برس.

ويقول محمد غول (52 عاما) الذي يبيع المشروبات والوجبات السريعة بالإضافة إلى مسدسات بلاستيكية للأطفال في كشك بالقرب من القصر "كلما نظرت إلى القصر أشعر بالغضب وأعجز عن الكلام"، ويضيف "إذا تحسن الوضع في هذا البلد، يستطيع الجميع العيش بسلام، لكن بعد رحيل الأميركيين، ستنشب معارك كثيرة، مزيد من الحروب ومزيد من المعارك"، وبعدما أتى الائتلاف الدولي الذي شكله حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة إلى أفغانستان سنة 2001 للبحث عن أسامة بن لادن وطرد متشددي طالبان من الحكم، بدأ يكافح ضد تمرد طالبان إلى جانب الجيش والشرطة الأفغانيين، لكنه لم ينجح في التغلب عليه، وتجنا للوقوع في مستنقع مكلف جدا، أعلنت القوة الدولية أنها ستسحب قواتها (130 ألف جندي راهنا) في أواخر العام 2014، ومن المتوقع أن ينخفض عدد قوات الأمن الأفغانية من 352 ألف عنصر اليوم إلى 228 ألف عنصر بعد العام 2004، ما قد يضاعف انعدام الأمن في البلاد، ويتخوف الكثير من الأفغان من هذا التحول.

ويقول محمد غول "الشرطة والجيش الأفغانيان؟، إذا حصل انفجار أو عملية انتحارية، لا يمكنهما فعل شيء"، وقد عبرت مجموعة الأزمات الدولية عن الموقف نفسه في تقرير نشر مؤخر، وجاء في التقرير "كما بنيت أعمال العنف الواسعة الناجمة عن حرق نسخ عدة من القرآن في قاعدة باغرام العسكرية الأميركية في شباط/فبراير 2011، تدل كل المؤشرات على وضع سياسي هش قد يتدهور بسرعة ويؤدي إلى حرب أهلية"، وفي الجهة الأخرى من القصر، استؤنف بناء برلمان جديد بعد سنوات من التأخير بينت الصعوبة التي تواجهها أفغانستان في إعادة فرض استقرار ديمقراطي مزعوم، ويقول سينا دوراني وهو طبيب "يائس" في الثلاثين من العمر "إذا غادر الاميركيون أفغانستان، سيتكرر ما حصل في العامين 1990 و1991"، مضيفا "لو كنت رئيس أفغانستان، لوقعت معهم اتفاقا كي يبقوا هنا ألف سنة إضافية".

ليبيا تعرض قطعا أثرية رومانية

من جهتهم قال الحكام الجدد في ليبيا وهم يعرضون مجموعة أثرية للمرة الاولى منذ استعادتها ان قوات موالية لمعمر القذافي سرقت قطعا أثرية رومانية عندما فرت من طرابلس ووضعتها في أكياس وخططت لبيعها في الخارج، وتم استعادة القطع الاثرية في 23 اغسطس اب عندما اعترض مقاتلون مناهضون للقذافي قافلة من الموالين له تتجه جنوبا من طرابلس، وتتضمن المجموعة 17 رأسا حجريا معظمها في حجم كرة التنس وقطع من الصلصال يرجع تاريخها الى القرن الثاني أو الثالث الميلادي، وقال صالح الجابي مدير ادارة الاثار بالحكومة الليبية الجديدة ان كل هذه القطع الاثرية ترجع الى العصر الروماني لكنها متأثرة بشدة بالطابع المحلي، وقال الجابي في مؤتمر صحفي انه تم ضبطها في سيارات تخص ميليشيا القذافي وهو ما يبين انهم ربما كانوا يخططون لتهريبها خارج البلاد لتمويل معركتهم، والرؤوس الحجرية المنحوتة في المجموعة فصلت فيما يبدو عن التماثيل، وعرضت هذه القطع على الجمهور للمرة الاولى في مراسم جرت عندما سلمتها لجنة امن حكومية الى ادارة الاثار، وقال الجابي ان هذه المجموعة مهمة لانها نادرة للغاية، واضاف ان هذه القطع تؤكد اسهام الشعب الليبي في الحضارة الانسانية المبكرة، وكانت ليبيا موطنا لبؤر استيطانية بدأت في مستهل القرن الاول تقريبا بعد الميلاد، وولد أحد أباطرة الرومان وهو سيبتيموس سيفيروس في بلدة ليبتيس ماجنة وهي المكان الذي تقع فيه بلدة الخمس الليبية حاليا. بحسب رويترز.

وحول مسقط رأسه الى بلدة رومانية نموذجية ومازالت اجزاء كبيرة منها سليمة، وقال مسؤولون انهم ليسوا واثقين من ان هذه القطع سرقت من مؤسسة حكومية لان المتخصصين ما زالوا يقومون بجرد للقطع الاثرية التي تمتلكها الحكومة، وقال مصطفى ترجمان وهو مسؤول امني بالقيادة المؤقتة في ليبيا انه تم استعادة المجموعة الاثرية في اليوم الذي كان المقاتلون المناهضون للقذافي يزحفون فيه نحو طرابلس واجبروا معظم القوات الموالية على الفرار، وقال ترجمان ان الثوار عثروا على وحدة من جنود القذافي في طريق المطار الذي يؤدي جنوبا الى طرابلس، وأضاف انه وقعت معركة شرسة ترك على اثرها جنود القذافي عددا من العربات وفي احداها كان يوجد كيس به هذه القطع، وقال ان تأخير اعادة القطع الاثرية يعود لاصابة رئيس الوحدة التي اعترضت رجال القذافي في اشتباك بعد ذلك مباشرة، وبعد عودته من العلاج الطبي في الخارج نبه الحكومة الجديدة، ونجا التراث الثقافي لليبيا من القتال الذي استمر نحو سبعة أشهر نسبيا دون اضرار، وكانت اكبر سرقة تم الابلاغ عنها مجموعة ضخمة من العملات القديمة والمجوهرات والتماثيل، وفقدت من قبو بنك في مينة بنغازي في بداية الحرب.

موقع "ماركاهواماتشوكو" ينزع ثوب النسيان

فيما توصف بانها "ماتشو بيتشو الشمال" ونجمة السياحة في البيرو مستقبلا، انها مدينة في جبال الانديس تعود الى 1600 اي اكثر بالف سنة من موقع الانكا الشهير، تبرز تدريجا نازعة عنها ثوب النسيان وطوق النبات، محتفظة مع ذلك باسراره، وترمز ماركاهواماتشوكو الواقعة في مقاطعة ليبرتاد (شمال) الى كل الافات التي تعاني منها الكثير من الكنوز الاثرية في البيرو، فلا تزال الكثير من الالغاز تلف هذه المدينة لا سيما حول سكانها ومعناها، خصوصا انها تعرضت للنهب منذ فترة طويلة ففقدت قطعا كانت لتساعد على فك بعض اسراره، وهناك ايضا سباق لإنقاذها من الخراب، ويوضح كريستيان فيزكوندي رئيس فرق علماء الاثار "لا نعرف الى اي حضارة تنتمي هذه المدينة مع اننا نعرف ان المباني شيدت بحدود الاعوام 350-440" بعد الميلاد مضيفا "لقد كانت المركز الاهم في جبال الانديس البيروفية قبل حضارة الانكا" (كان هناك حضارات اخرى مهمة قرب الساحل).ويضيف "لا نعرف من اين اتى اول سكان المدينة"، ولا يعرف ايضا لماذا فرغ المكان من سكانه قرابة العام 1200 قبل قرنين من بلوغ حضارة الانكا ذروتها والذي وجدوا على الارجح لدى وصولهم اليها بعض الانقاض والرعاة. بحسب فرانس برس.

ولا تزال الانقاض الاثرية موجودة وتحتل هضبة مساحتها 240 هكتار على ارتفاع 3700 متر، وهي تتضمن مباني ضخمة احيانا مع جدران حجرية يبلغ ارتفاعها 10 الى 15 متر، وقد يكون الارتفاع اعلى اذ ان التراب المتراكم عبر القرون لا يزال يخفي اجزاء منه، ويقول البريطاني جون هورد المستشار لدى المنظمة غير الحكومية "غلوبال هيريتدج فاند" التي تدافع عن التراث في الدول النامية "لقد شاهدت اماكن رائعة للغاية وهذا الموقع احداها"، ويضيف "ما لفتني خصوصا وهو شفافية المكان برمته فهو مفتوح للغاية وقد بني لفرض الاحترام ولإظهار سلطة سلالة حاكمة على ما اتصور"، وكان الموقع مركزا سياسيا ودينيا على الارجح عاصر حضارة واري في الجنوب، وقد وصل اشعاع ماركاهواماتشوكو الحضاري الى شمال البيرو والاكوادور الحاليتين، وكان السكان ينطقون بلغة "كويي" المحلية التي شارفت على الاختفاء في القرن العشرين، وتخضع مدينة ماركاهواماتشوكو وتعني باللغة المحلي "شعب الرجال المعتمرين قبعة على شكل صقر" لدراسات مختلفة منذ العام 1900، الا ان الموقع لم يحظ يوما بمشروع ضخم للمساعدة على لجم تردي حالته، ومنذ قرون قام سكان محليون باستخراج حجارة وصقلها وتحويلها سياجا او بناء مساكن او حتى تزيينها.

ويروي لويس البرتو ريباثا رئيس بلدية هواماتشكو المجاورة "قبل سنوات اعادت عائلة رأسا حجريا كانت تحتفظ به منذ سنوات في منزلها وكان يحتل مكانا كبيرا جدا"، ويضيف فيزكوندي "لقد تم نهب هذا الموقع الا ان البقايا البشرية القليلة المتوافرة ستحلل بتقنية (جي اتش اف)"، وبقي هذا الموقع يقبع طويلا في ظل ماتشو بيتشو (جنوب شرق) الشهير جدا وهو احد المواقع في القارة الاميركية الذي يستقطب اكبر عدد من الزوار، الا انه يستعد لانطلاقة جديد بعدما "تبنته" منظمة "غلوبال هيريتدج فاند"، وتنص شراكة مع الحكومة البيروفية على تقديم مساعدة علمية لدرس ماركاهواماتشوكو والمحافظة عليه وتأهيله من اجل سياحة مستدامة، والهدف المعلن يتمثل بادراج الموقع على قائمة التراث العالمي للبشرية التي تضعها اليونيسكو وتضم من الان 11 موقعا بيروفي، وسينضم ماركاهواماتشوكو في حال تحقق ذلك الى الموقع البيروفي الاخير المدرج العام 2009 وهو كارال اقدم مدينة ضمت حضارة في القارة الاميركية والواقعة على ارتفاع خمسة الاف متر، ويؤكد ذلك الجهود التي تبذلها البيرو في الفترة الاخيرة للمحافظة على مواقعها الاثرية الرائعة وتنويع سياحتها لتجنب الاعتماد المفرط والاستغلال المفرط لماتشو بيتشو، جوهرة السياحة البيروفية.

لغز قبر آخر أباطرة الإنكا

في سياق متصل لطالما شكل قبر أتاهوالبا آخر أباطرة حضارة الإنكا مادة دسمة للأبحاث والتكهنات لكن لغز هذا القبر الذي لم يكتشف يوما قد يحل عما قريب في الإكوادور في قلب منطقة الأنديز، وتزخر منطقة سيغتشوس على بعد 70 كيلومترا عن جنوب العاصمة كيتو في الجزء الغربي أسفل سلسلة جبال الأنديز بالقلاع والقصور والاضرحة التي تعود إلى امبراطورية الانكا التي كانت قائمة قبل اكتشاف القارة الأميركية والتي تحمل في طياتها أسرارا كثيرة، وبعد عشرة أعوام من الأبحاث، من الممكن أن تكون المؤرخة الإكوادورية تامارا إستوبينيان حلت أحد أكبر هذه الألغاز، فقد اكتشفت في حزيران/يونيو 2010 "موقعا أثريا لحضارة الإنكا" بالقرب من بركان كوتوباكسي الشهير، وبالنسبة إلى هذه الباحثة من المعهد الفرنسي للدراسات الخاصة بمنطقة الأنديز، لا شك في أن مثوى أتاهوالبا الأخير يقع تحت كومة الصخور هذه بالقرب من نهر ماتشاي في إقليم مالكي، وشرحت المؤرخة "تعني كلمة (ماتشاي) المغارة أو الحرم الذي توجد فيه مالكي، هذا الموقع الذي يضم اثار ماتشاي ينتمي الى منطقة مالكي وتعني كلمة (مالكي) جثة سلف الإنكا أو مومياءه، بالتالي قد يكون المقصود بمالكي ماتشاي الموقع الذي دفن فيه جثمانه". بحسب فرانس برس.

وقد ساهم إكتشاف صرح معماري مقسم إلى عدة قاعات مستطيلة الشكل من الاحجار المصقولة، في تعزيز هذه الفرضية، ويؤدي المدخل إلى نوع من الأهرام المبتورة تسمى "اوشنو" التي كان عرش الإمبراطور يسند إليها بالقرب من شلال ماء صغير كان على الأرجح يشكل "حمام الإنكا"، وكان أتاهوالبا آخر أباطرة إمبراطورية الإنكا التي شملت كولومبيا الحالية وتشيلي والأرجنتين وقد أعدم على أيدي المستعمرين الإسبان في العالم 1533 لكن لم يعثر يوما على موميائه، وباتت هذه الارض اليوم ملكا لمربي ديوك تشارك في قتال ديوك وهو من التقاليد المحلية، ويحلو للبعض الاشارة الى صدف التاريخ إذ تروي الأساطير ان ديكا قد صاح وقت وفاة أتاهوالب، ويبدو أن السلطات المحلية تؤيد أيضا هذه الفرضية إذ أنها قد ضربت طوقا لحماية المنطقة تمهيدا لاحتمال إجراء اعمال تنقيب فيه، وجورج لومني مدير المعهد الفرنسي للدراسات الخاصة بمنطقة الأنديز يؤيد رأي الباحثة الإكوادورية وهو يشير الى أن هذه الاراضي كانت جزءا من أملاك أتاهوالبا الخاصة، أما في ما يخص المومياء فهو يقول "من المحتمل جدا أن تكون قد مرت بهذا المكان أو بقيت فيه لمدة ما".

وقد صرحت وزيرة التراث في الإكوادور ماريا فيرناندا إسبينوزا "هذا الاكتشاف هو في غاية الأهمية بالنسبة إلى علم الآثار في الإكوادور والمنطقة"، ويبدو أن تامارا براو عالمة الآثار الاميركية من جامعة واين ستيت في ولاية ميشيغان التي تشارك أيضا في الأبحاث في منطقة سيغتشوس هي أيضا مقتنعة بهذه الفرضية وكشفت "ان الموقع محفوظ بشكل مذهل ويكتسي أهمية فائقة من الناحية العلمية"، وتوضح "تامارا تفيد ان مالكي هي مومياء الانكا وماتشاي هو مكان الراحة، وبما ان مومياء اتاهوالبا لم تكتشتف ابدا ربما تكون هن، او لا تكون"، وتثير هذه الاكتشافات اهتمام المجتمع العلمي على الساحة الدولية، ومن المزمع أن يمول المعهد الوطني للتراث الثقافي في الإكوادور أعمال تنقيب جديدة ابتداء من هذه السنة لسبر أغوار مالكي-ماتشاي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/نيسان/2012 - 3/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م