الاليزيه... بين ابعاد هولاند او طرد ساركوزي

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: مع ازياد حدة المنافسة بين المرشحين في فرنسا يواجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مجموعة من تحديات الكبيرة خصوصا بعد الارقام الاخيرة التي اظهرتها نتائج الجولة الاولى للانتخابات، ويرى بعض المراقبين ان حلم ساركوزي في نيل ولاية ثانية قد اصبح صعب المنال بسبب ما وصفوه بسياسته الفاشلة في ادارة شؤون البلاد هذا بالإضافة الى نجاح الحملة المضادة التي يتبعها الخصوم في هذه المنافسة، وفي هذا الشأن يسعى المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند الفائز بالدورة الاولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية والرئيس نيكولا ساركوزي الذي اعترض الفرنسيون بتصويتهم على ادارته للازمة الى كسب اصوات الوسط واليمين المتطرف التي ستكون مفتاح الفوز في الدورة الثانية في 6 ايار/مايو. وغداة انتخابات حققت فيها الجبهة الوطنية (يمين متطرف) بزعامة مارين لوبن نتائج تاريخية، بدأ المرشحان الاساسيان مواجهة غير مباشرة على امل الفوز في الدورة الثانية.

وسيحاول هولاند الذي يحظى بدعم كل اليسار مع انضمام الشيوعيين وانصار البيئة، ان يجتذب اصواتا من خارج معسكره خلال تجمع في بروتانيه (غرب). وامضى هولاند "الواثق" من قدرته على ايصال اليسار الى الحكم بعد غياب دام 17 عاما، قسما من الليل وهو يعد خطابه. وصرح هولاند "لم احقق النصر بعد لكنه قريب، ولا يبعد سوى بضعة ايام".

وسيواجه هولاند ساركوزي في الدورة الثانية التي لا تزال نتائجها غير محسومة ولو ان المرشح اليساري يمكنه ان يعتمد على تجيير اصوات من اليسار المتطرف ومن انصار البيئة بينما يبدو احتياطي الرئيس اقل حجما. من جهته، سيتوجه ساركوزي الى تور (وسط) حيث يواجه معادلة صعبة في الايام ال15 المقبلة اذ عليه ان يكسب تاييد ناخبي الوسط واليمين المتطرف في آن معا. اما مرشح الوسط فرنسوا بايرو الذي ركز على الغاء ديون واعادة احياء القطاع الصناعي في فرنسا، فاعلن انه سيتوجه الى المرشحين الاساسيين وانه سيحدد موقفه بناء على ردودهما.

وكتبت صحيفة "لو فيغارو" ان "ساركوزي بحاجة الى دفع اولا من ناخبي لوبن الذين سيجدون انفسهم لوحدهم في الدورة الثانية وذلك على الرغم من النجاح الذي حققته مرشحتهم ... واي امتناع عن التصويت سيشكل بالطبع دفعا للمرشح الاشتراكي".

وبحسب النتائج شبه النهائية التي نشرتها وزارة الداخلية، فان هولاند حصل على 28,63% من الاصوات امام ساركوزي (27,08%) الذي خسر رهان حزبه بالفوز من الدورة الاولى وبالتالي الاعداد لانطلاقة جديدة بحلول الدورة الثانية. وحلت لوبن في المرتبة الثالثة مع 18,01% يليها مرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون (11,13%) ومرشح الوسط فرانسوا بايرو (9,11%).

ولم يتجاوز المرشحون الخمسة الباقون عتبة ال5% ونتائجهم كالتالي: ايفا جولي (بيئة) حصلت على 2,28% ونيكولا دوبون اينيان (سيادي) 1,80% وفيليب بوتو (تروتسكي) 1,15% وناتالي ارتو (تروتسكية) 0,57% واخيرا جاك شوميناد (مستقل) 0,25%. واظهرت عدة استطلاعات للراي اجريت ويجب بالتالي التعامل مع نتائجها بحذر ان هولاند سيفوز في الانتخابات الرئاسية مع 53,56% من الاصوات امام الرئيس المنتهية ولايته.

من جهته، اعرب ساركوزي ايضا عن "ثقته" واقترح اجراء "ثلاث مناظرات" مع منافسه بين الدورتين تشمل "المسائل الاقتصادية والاجتماعية والشؤون الدولية". الا ان هولاند رفض مفضلا الاكتفاء بمناظرة واحدة كما هي العادة في فرنسا. واعتبرت صحيفة "ليبيراسيون" ان الخيار الذي يطرح امام الناخبين الفرنسيين الان هو "ايجاد مخرج مشرف من الازمات الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية مع ادراك ما يمكن ان يكون عليه مستقبل البلاد، بدل الاستمرار في احياء اسطورة فرنسا التي تعيش على امجاد تاريخها فتستعيد ماضيها وتعزز حدودها".

من جهتها، شككت الصحف الاوروبية بفرص ساركوزي في البقاء في الحكم، وشددت كلها على نتائج لوبن في الدورة الاولى. واعتبرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية ان هولاند "يتصدر موجة اليسار" الا ان النتائج "المفاجئة" التي حققتها لوبن خففت من الحماس. وجاء عنوان افتتاحية الصحيفة "انتصار حلو مر لليسار". وابدت الصحف البريطانية قلقا في حال فوز هولاند خصوصا وانه اعلن عن حملة على القطاع المالي. بحسب فرنس برس.

اما الصحف الالمانية فقد رات في نتائج الدورة الاولة "تصويتا بدافع الغضب". واعتبرت "لا ريبوبليكا" اليسارية الايطالية ان ساركوزي "تلقى صفعة في السباق الى الرئاسة"، وجاء عنوان صفحتها الاولى "هولاند في الصدارة واعصار لوبن". وسخرت صحيفة "كومرسانت" الروسية قائلة ان الفرنسيين امام خيار بين "شرين" يحتم عليهم اختيار "الاقل سوءا"، في اشارة الى المرشح الاشتراكي هولاند. واعتبرت "فيدوموستي" ان "ساركوزي هو الرئيس الاول في الجمهورية الخامسة الذي يخسر في الدورة الاولى"، الا انه "لا تزال امامه فرصة للفوز". وقالت لوبن ان "معركة فرنسا بدأت للتو" وان "الامور لن تعود ابدا كما كانت عليه"، معتبرة انها "زلزلت النظام".

وتعتبر النتيجة التي حققتها الاعلى لاي سياسي من اليمين المتطرف قد تمنحها وزنا اكبر خلال الدورة الثانية وفي الحياة السياسية عموما في السنوات المقبلة. وقال المقربون منها انها ستعلن في الاول من ايار/مايو موقفها قبل الدورة الثانية، الا ان موقف ناخبيها موضع تدقيق واهتمام خاص. فقد اظهر استطلاعان (ايبسوس وهاريس انتراكتيف) ان بين 44 و69% من ناخبيها سينتقلون الى ساركوزي وبين 17 و18% الى هولاند. في الماضي، لم يعط اليمين المتطرف اي توصيات حول التصويت في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

واكدت نتيجة هولاند (57 عاما) توقعات استطلاعات الراي التي اشارت منذ اشهر الى فوزه فوزه بفارق كبير في الدورة الثانية التوقعات، اذ بات في موقع قوة ليصبح الرئيس الاول من اليسار منذ عهد فرنسوا ميتران (1918-1995). وركز هولاند الذي يفتقد الى الخبرة الوزارية، على الرصانة مشيرا الى انه يريد ان يجسد رئاسة "عادية". وفي هذا الاطار، حدد هولاند خطه القائم على اولويتين هما توظيف الشباب والنمو بدون أن يثير حماسة حاشدة، غير انه بقي ثابتا في برنامجه، وقد نجح في تحويل الانتخابات الى استفتاء ضد ولاية "الرئيس الطاغي الحضور". في المقابل، حاول ساركوزي الذي تراجعت شعبيته الى ارقام قياسية طيلة اشهر، ان ينأى بنفسه عن حصيلة ادائه الداخلي والتخلص من صورته ك"رئيس للاثرياء" من خلال الاقرار بالذنب مرات عدة.

من جانب اخرعبر الناخبون الفرنسيون عن خيبة أملهم من الحملة الانتخابية وقال كثيرون انها تجاهلت المشكلات الحقيقية في البلاد عشية الجولة الاولى لاقتراع من المتوقع أن يسفر عن منافسة بين الرئيس نيكولا ساركوزي ومنافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند في جولة الاعادة التي ستجرى الشهر القادم. ونظم مئات المتظاهرين الشبان مسيرة في باريس رافعين لافتة كتبوا عليها "هم لا يمثلوننا".

وقال دانكان وهو طالب عمره 19 عاما لرويترز عند تجمع المظاهرة أمام بورصة باريس "لا يحظى مرشح على ما يبدو بمصداقية بالنسبة لي. المال يتحكم في السياسة." وفي الشوارع الهادئة في العاصمة الفرنسية عبر كثير من المارة عن خيبة أملهم لان المرشحين الرئيسيين لم يركزوا على التحديات الرئيسية التي يواجهها ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو مثل البطالة التي وصلت الى أعلى مستوى لها في 12 عاما.

قال فريدريك لوفيفر وهو رجل أعمال حر "الحملة لم تكن جادة بما يكفي. القضايا المهمة لم تناقش...ركزوا على حجج صبيانية وألقوا باللوم على بعضهم البعض." وانخرط المرشحون على مدى أسابيع في مناقشات حول اللحوم الحلال وتكلفة استخراج رخصة للقيادة. حتى المرشحون الذين يتصدرون السباق سعوا لجذب الاضواء من خلال مقترحات رمزية الى حد كبير مثل خطة هولاند لحذف كلمة "عنصر" من الدستور ومحاولة ساركوزي تقديم موعد دفع المعاشات الشهرية ثمانية أيام. بحسب رويترز.

وكان من المتوقع أن تعطي خيبة الامل في الاحزاب الرئيسية دفعة للمرشحين المتشددين مثل مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف وجون لوك ميلينشون المدعوم من الحزب الشيوعي اللذين جاءا في الترتيب الثالث والرابع في استطلاعات الرأي. والفائز الكبير الاخر سيكون الامتناع عن التصويت حيث يشير استطلاع للرأي الى أن ثلث الناخبين تقريبا سيلزمون منازلهم. وقال أحد المتظاهرين عند بورصة باريس "لا أحد من المرشحين في هذه الانتخابات يمثلنا. لن أدلي بصوتي. انه التصرف الوحيد الممكن للتمرد."

النيابة العامة تحقق

على صعيد متصل اعلنت النيابة العامة في باريس انها فتحت تحقيقا لمعرفة الاطراف الذين يقفون وراء نشر تقديرات عن نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية قبل موعد اقفال صناديق الاقتراع الساعة 20,00 (18,00 ت غ). ويشمل التحقيق وكالة فرانس برس ووسيلتي اعلام بلجيكيتين ووسيلة اعلامية سويسرية وموقعا على الانترنت مقره في نيوزيلندا وصحافيا بلجيكيا ارسل تقديرات عبر تويتر، بحسب ما اعلنت النيابة العامة في باريس.

وتحركت النيابة العامة في باريس بناء على طلب من لجنة استطلاعات الرأي. وقال سكرتير هذه اللجنة جان فرنسوا بييون لوكالة فرانس برس "هناك وقائع تبدو لنا جرمية" مضيفا انها تخص "مؤسسات صحافية وافرادا". وبموجب قانون يعود الى العام 1977 فان القانون يحظر نشر اي اشارة حول نتائج انتخابات قبل اقفال صناديق الاقتراع الساعة 20,00. وتعهدت تسع مؤسسات لاستطلاعات الرأي بابقاء استطلاعاتها "سرية" حتى الساعة 20,00. كما حذر نائب عام الجمهورية فرنسوا مولان بانه سيفتح تحقيقا قضائيا في حال حصول اي خرق لهذا المنع، والذي سيعاقب بغرامة تبلغ 75 الف يورو، في حال تم تشر تقديرات نتائج قبل الموعد المحدد.

وفي وقت سابق نشرت المواقع الالكترونية لوسائل اعلامية بلجيكية وسويسرية وكندية مثل قناة "ار تي بي اف" العامة الفرنكوفونية وصحيفة لوسوار وهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية وموقع "20 دقيقة" وراديو كندا تقديرات النتائج الصادرة عن معاهد استطلاع فرنسية. عندها قررت فرانس برس مستندة الى مصادرها الخاصة، نشر التقديرات بدورها، مرسلة الى مشتركيها من وسائل الاعلام حصرا تنبيها اولا عند الساعة 18,46 تعلن فيه تأهل المرشحين فرنسوا هولاند ونيكولا ساركوزي للدورة الثانية.

وقال المدير العام لفرانس برس ايمانويل هوغ ان "فرانس برس (وكالة) دولية وفرنسية، كيف نتصور ان يتلقى مشتركونا من منافسينا الدوليين معلومات بشأن الانتخابات الرئاسية الفرنسية قبل ان تطلعهم فرانس برس عليها"، معتبرا ان "التصرف بشكل مغاير سينم عن غياب الحس الصحافي". واضاف هوغ "لقد اعلنا قواعدنا قبل يومين، لم نخرق أي حظر، لكن حين تم خرقه، قمنا بواجبا مع الالتزام بقواعدنا بشكل صارم، ولا سيما الدقة والموثوقية". وأكد "كانت فرانس برس في غاية الوضوح برفضها اي خبث في الجدل القائم بشان نشر نتائج استطلاعات الرأي".

وحذرت وكالة فرانس برس في مذكرة الى مشتركيها بان "بث هذه المعلومات الى الجمهور العريض هو مسؤولية يتحملها العملاء وحدهم" مضيفة انها لن تبث "اي معلومات حول التقديرات الى عموم مشتركيها عبر خدماتها على الانترنت قبل الساعة 20,00". ونشرت عدة وسائل اعلام اجنبية كبرى معلومات فرانس برس غير ان معظم المواقع الالكترونية الفرنسية التزمت بالحظر المفروض حتى الساعة 20,00.

واعربت بعض رئاسات التحرير ردا على اسئلة فرانس برس عن "دهشتها" لسلوك فرانس برس الذي يشكل سابقة في انتخابات فرنسية. واشادت فرانس سوار الصحيفة التاريخية الفرنسية التي لم تعد تصدر الا على الانترنت بقرار فرانس برس معتبرة ان "الوقت حان للتخلي عن القواعد التي .. ليس لها اي معنى اذ لم يعد يتم احترامها، لانه لم يعد يمكن احترامها".

وكتب الصحافي بيار هاسكي مؤسس موقع "رو 89" الاعلامي الالكتروني، في رسالة على موقع تويتر "اف ب تعطي المعلومات لزبائنها، والفرنسيون يستعلمون لدى سويسرا وبلجيكا: لقد سقط قانون". والخيار محسوم بنظر نيكولا دوموران مدير صحيفة ليبيراسيون الذي قال لفرانس برس "افضل ان ادفع ثمن تقارير على ان ادفع مخالفات" في اشارة الى المخالفة المفروضة على نشر نتائج استطلاعات قبل الساعة 20,00 والتي يمكن ان تصل الى 375 الف يورو. غير انه كان اكد ان صحيفته لن تتردد في مخالفة الحظر ان حصلت على ارقام من مصادر موثوقة.

انكار مساعدة ليبيا

من جانب اخر تراجع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن انكار انه أجرى محادثات مع معمر القذافي عن بيع مفاعل نووي الى ليبيا منذ حوالي أربع سنوات قبل أن تساعد باريس في الاطاحة بالزعيم الليبي الراحل في عام 2011. وبات استعداد فرنسا لتقديم مفاعل نووي الى ليبيا القذافي قضية ساخنة قبل الانتخابات ليطغى على دور ساركوزي الرئيسي في المساعدة في الاطاحة بالدكتاتور من السلطة في العام الماضي الامر الذي يصوره في كثير من الاحيان باعتباره احد انجازاته.

وكان ساركوزي الذي تراجعت شعبيته قال انه لم يكن "واردا على الاطلاق" بيع مفاعل نووي نافيا ادعاء الرئيس السابق لمجموعة اريفا الفرنسية النووية. وقال ساركوزي واصفا الاتهام يوم الاربعاء بانه "خيالي" ان محطة لتحلية مياه البحر فقط كانت قيد البحث في عام 2007 لكنه اقر بانها كانت تتطلب مفاعلا نوويا لتلبية احتياجاتها من الكهرباء. بحسب رويترز.

وقال ساركوزي في مقابلة مع محطة تلفزيون بي.اف.ام "ظل هذا المشروع في مرحلة من مراحل مشروع لان القذافي انزلق بعدها بعدة اشهر الى حماقة التدمير. "لم يكن هناك امكانية لان يصبح ذلك حقيقة واقعة." وقال ساركوزي "هل لليبيا الحالية أو السابقة الحق في الحصول على محطة لتحلية مياه البحر بتكنولوجيا فرنسية لتشغيل التوربينات؟ الجواب هو نعم."كان ذلك يتماشى مع كل القواعد الدولية لم يكن هناك أي غموض."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/نيسان/2012 - 3/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م