فورميلا واحد في البحرين... فاز الشعب وخسر النظام

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لم تتوقع السلطات البحرينية ان تعود نتائج تنظيمها لسباقات الفورميلا واحد بشكل سلبي على صورتها بعد ان سعت الى تلميعها في عيون المجتمع الدولي، فمظاهر البطش والقمع الحكومي بدت اكثر جليا امام الصحفيين الذي قدموا لتغطية فعاليات السباق، على الرغم من محاولة اجهزة النظام منع وسائل الاعلام من تغطية ما يدور في البلاد من اضطرابات سياسية وشعبية كبيرة.

فيما اكد معظم المراقبين على وجود تخبط كبير في ادارة الازمة داخل اروقة حكم البحرينية، وافتقاد من يشرفون على تسيير الامور للموضوعية والحنكة، خصوصا ان من دفع الى اقامة السباق في هذا الوقت الحساس.

حيث اعتبر الكثير من المحللين ان اقامة السباق في هذا الوقت كان فرصة سانحة للشعب البحريني لإيصال حجم المعاناة التي يمر بها وهو يقاوم النظام الديكتاتوري الرافض للإصلاح.

وكان سباق الجائزة الكبرى بالبحرين فرصة للحكومة لإظهار ان الحياة عادت الى طبيعتها في المملكة بعد ان اجبرتها بواعث القلق الامنية بشأن الاحتجاجات على تأجيل سباق العام الماضي ثم الغائه بعد ذلك.

لكن الكثير من مقاعد مدرجات حلبة السباق كانت خاوية رغم وسائل الترفيه الوفيرة التي استهدفت اجتذاب اصحاب المراهنات. وقال مسؤولون ان عدد المتفرجين بلغ 28 الف شخص في الحلبة التي تتسع لنحو 45 الف شخص. وأبدت بعض الفرق احباطها من تركيز الاهتمام على الشؤون السياسية. وقالت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني ان فريقا يعمل لصالح القناة اعتقل وتعدت الشرطة بالضرب على سائقهم وأبعدته عنهم.

وخرج الاف الاشخاص الى الشوارع للمشاركة في احتجاجات تطالب بالديمقراطية في القرى الشيعية المنتشرة حول العاصمة المنامة في مطلع الاسبوع والقى المتظاهرون القنابل الحارقة على قوات الامن التي ردت باطلاق الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية وطلقات الخرطوش.

وظهر ولي عهد البحرين الامير سلمان بن حمد ال خليفة في نهاية السباق وهو يبتسم ويصافح متفرجين اخرين. وكان ولي العهد هو الذي جلب السباق الى البحرين عام 2004 ليكون اول سباق للفورمولا 1 في المنطقة.

وعثر على أحد المحتجين ميتا السبت بعد ان قال ناشطون من المعارضة انه تعرض للضرب على ايدي الشرطة مما اجج غضب الاغلبية الشيعية التي تشكو من تهميش العائلة السنية الحاكمة لها منذ فترة طويلة ومما تقول انها معاملة وحشية تتعرض لها منذ قمع احتجاجات العام الماضي.

ورفض مسؤولو فورمولا 1 والمسؤولون البحرينيون الاقتراحات التي قالت انه ما كان يتعين اجراء السباق اذ لم يكن للاضطرابات اي تأثير يذكر على اولئك الذين كانوا داخل حلبة السباق.

وترعى سباق البحرين سلسلة من الشركات العالمية الكبرى. وشركة تومسون رويترز الشركة الام لوكالة رويترز هي الراعية لفريق وليامز في فورمولا 1.

وكانت شركة فودافون التي ترعى فريق ماكلارين الذي يضم السائقين البريطانيين لويس هاميلتون وجنسون باتون واحدة من الشركات الراعية القليلة التي تعلق على السباق قائلة انها لم تقدم اي استضافة ولم ترسل موظفين وكررت بواعث قلقها على ماكلارين. واضافت ان قرار الاستمرار يخص الفرق وفورمولا 1 وليس الرعاة.

والبحرين حليف عسكري مهم للولايات المتحدة وهي المملكة الوحيدة في الخليج التي هددتها بشدة انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة العام الماضي واطاحت برؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن.

وسحقت حكومة البحرين احتجاجات العام الماضي وأبعدت المتظاهرين عن الشوارع وغيرت معالم دوار اللؤلؤة الذي كان المتظاهرون يعتصمون فيه. ولقي 35 شخصا بينهم افراد امن حتفهم في تلك الحملة. وظل التوتر مستمرا في المناطق الشيعية منذ ذلك الحين وزادت حدة الاشتباكات في الشهور الماضية.

وشاهد عاملون في فريقين واقعتي القاء قنابل حارقة وغادر بعض أعضاء فريق فورس انديا البحرين. لكن أغلب المشاركين في السباق لم يشعروا بالعنف الذي يدور أغلبه خارج العاصمة.

ويعتقد ان حكومة البحرين انفقت 40 مليون دولار لاستضافة السباق الذي يعد رمز فخر للعائلة الحاكمة منذ ان جلبت السباق للمنطقة عام 2004. واجتذب السباق عندما اقيم اخر مرة في البحرين عام 2010 اكثر من 100 الف زائر.

وبينما توافد الى البحرين مراسلو الصحافة الرياضية لتغطية السباق رفضت السلطات منح صحفيين اخرين من غير المراسلين الرياضيين من رويترز ووكالات أنباء أخرى تأشيرة دخول للمملكة. وقالت القناة الرابعة ان فريقها كان يعمل بدون ترخيص.

وتمكن متسللون من تعطيل موقع فورمولا 1 بشكل متقطع وخربوا موقعا آخر دعما لما وصفوه بكفاح شعب البحرين في مواجهة الظلم وقال برني ايكلستون رئيس فورمولا 1 لرويترز انه لا يعتقد ان اعمال العنف ستلحق الضرر بمستقبل سباق فورمولا 1 في الشرق الاوسط.

وقالت جين كينينمونت وهي محللة في معهد تشاثام هاوس البحثي في لندن "فيما يتعلق بمعركة العلاقات العامة لقد كان خسارة للحكومة. ولكن لم يكسب احد بشكل عام.. اعتقد انها زادت من الانقسامات الموجودة.

ونظر المتظاهرون الذي تجاهلتهم الى حد كبير وسائل الاعلام العربية الشاملة التي يهيمن عليها الخليج الى سباق الجائزة الكبرى على انه فرصة لعرض مظالمهم على الصعيد الدولي ويبدو ان الحكومة حققت هدفا خاصا بها بمنع دخول بعض الصحفيين غير الرياضيين.

وقال الناشط المعارض علاء شهابي ان السلطات قالت بشكل اساسي انهم سيكونون فقط محل ترحيب اذا كانوا يغطون فقط السباق ولكن البعض ذهب لاكتشاف ما يحاولون ان يخفوه.

وقال ان كل استراتيجية الاعلام في العام الماضي جاءت بنتائج عكسية. واضاف انه تم التركيز على شركات للعلاقات العامة تم التعاقد معها من اجل توصيل رسالتهم الى الصحفيين.

وتريد احزاب المعارضة التي تضم شيعة علمانيين واسلاميين بالاضافة الى بعض السنة اصلاحات ديمقراطية تعطي البرلمان سلطة تشكيل الحكومات وتنهي السيطرة الصارمة لعائلة ال خليفة على الحياة العامة. وتريد عناصر اكثر راديكالية بين المحتجين التخلص من النظام الملكي تماما. وتشعر هذه العناصر بغضب من استمرار عمليات القتل نتيجة الاشتباكات اليومية مع الشرطة. ويشتركون جميعا في الاحساس بالتمييز في المعاملة من قبل نخبة مترسخة حول العائلة الحاكمة التي استدعت القوات السعودية العام الماضي للمساعدة في سحق الانتفاضة.

ومازال 14 رجلا حكمت محكمة عسكرية بسجنهم لقيادتهم الاحتجاجات العام الماضي قابعين في السجون احدهم في حالة خطيرة بعد اضرابه عن الطعام منذ اكثر من 70 يوما.

وتقول جمعية الوفاق المعارضة ان عدد القتلى في الاحتجاجات منذ العام الماضي ارتفع الان الى اكثر من 80 مع سقوط قتلى كثيرين بسبب تأثير الاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع.

ويبدو ان الحكومة التي تشكك في اسباب الوفاة وترفض المحتجين بوصفهم مشاغبين فوجئت بالتشكيك في روايتها. وصورت حركة المعارضة كلها بانها تحركها مصالح طائفية شيعية وبارتباطها بايران وقالت ان اضطرابات البحرين ليست احد احداث الربيع العربي. بحسب رويترز.

وخففت واشنطن الانتقادات بسبب حرصها عل عدم تعريض العلاقات مع بلد يعتبر رئيسيا لجهودها بالتنسيق مع السعودية لاحتواء ايران للخطر. ولكن مسؤولين غربيين انضموا الى جماعات حقوقية في توجيه بعض الانتقاد للبحرين مع نجاح حركة المعارضة في كسب تغطية لمسيرات ضخمة واحتجاجات على الرغم من محاولة ضخمة من جانب الشرطة لجعلها لا تخرج عن نطاق احياء بعيدة عن المنامة والطرق الرئيسية.

وظهرت علامات على ان بعض النخبة في البحرين اعترف بان استضافة هذا الحدث كانت له نتائج عكسية باعطاء المعارضة هدفا. وقال احد كتاب العمود ذلك في احدى الصحف وهو امر نادر في بلد تخضع فيه كل الصحف والاذاعات بشكل فعلي لسيطرة الحكومة.

وقال محمد مبارك جمعة في صحيفة اخبار الخليج انه كان واضحا ان وسائل اعلام معينة شنت حملة في الايام الاخيرة بهدف واحد وهو الغاء فورمولا 1. واضاف انه يجب على البحرين تغيير سياستها الان بشان استضافة مناسبات كبيرة.

وحمل نحو 7 الاف متظاهر لافتات تطالب باجراء اصلاحات ديمقراطية. ورفع البعض لافتات تصور سائقي الفرق المشاركة في السباق على انهم افراد بشرطة مكافحة الشغب يضربون المتظاهرين. فيما قال الناشط الحقوقي نبيل رجب ان الحكومة تستخدم سباق (فورمولا 1) لخدمة حملة العلاقات العامة التي تقوم بها. واضاف ان الحملة لا تسير في الطريق الذي يريدونه.

وقال صحفيون لرويترز في منطقة الدراز القريبة من العاصمة المنامة ان الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع في محاولة لابعاد المحتجين عن الوصول الى دوار اللؤلؤة الذي كان نقطة تجمع المتظاهرين خلال انتفاضة العام الماضي. ورد المتظاهرون باطلاق القنابل الحارقة.

وقال ناشطون ان اشتباكات وقعت في عدة احياء. وقال محمد المسكاتي عضو جمعية شباب البحرين لحقوق الانسان ان الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية وقنابل الصوت ضد حشد من مئات المحتجين الذين كانوا يحاولون الوصول الى طريق رئيسي في حي البلاد القديم وهو حي شيعي في المنامة.

وهذا الحي هو مسقط رأس صلاح عباس حبيب (36 عاما) الذي عثر على جثته ملقاة على سطح أحد المنازل. وقالت جمعية الوفاق الوطني الاسلامية المعارضة ان القتيل كان ضمن مجموعة محتجين ضربتهم قوات الامن خلال الاشتباكات.

ومن بين الذين جرى اعتقالهم في ذلك الاحتجاج زينب الخواجة ابنة الناشط عبد الهادي الخواجة الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة لمطالبته بانهاء حكم العائلة الحاكمة والمضرب عن الطعام منذ اكثر من 70 يوما. وتقول عائلته انه توقف عن شرب الماء يوم الجمعة الماضي مما يثير المخاوف على حياته. وقال الناشط الحقوقي نبيل رجب ان وضعه بالغ الخطورة واذا مات فان ذلك سيفجر غضبا جماهيريا عارما.

وقال وزير الخارجية البحريني خالد بن احمد ال خليفة على موقع تويتر "اتمنى ان يعود المضرب عن الطعام الى صوابه وان يتوقف عما يقوم به. لا أحد يريد موته." ومن بين القرى الاخرى التي وقعت بها اشتبكات الدير وكرباباد.

وقال جان تود رئيس الاتحاد الدولي للسيارات ان سباق البحرين لن يلحق اضرارا طويلة الامد بسباق فورمولا 1 رغم احتجاجات الشوارع. وقال للصحفيين في حلبة البحرين "لست متأكدا ما اذا كانت كل الانباء متعلقة بواقع ما يحدث في هذا البلد."

وقال وزير الخارجية البحريني على موقع تويتر انه تلقى اتصالا من نظيره البريطاني وليام هيج يطالبه فيه بضبط النفس والدخول في حوار. وأضاف الوزير خالد بن احمد ال خليفة "كررت موقف البحرين من الالتزام بضبط النفس في وجه العنف والالتزام بالحوار والاصلاح.. كلنا نريد الاصلاح وكلنا نريد السلام فلماذا لا نعمل جميعا سويا.. لماذا العنف.."

التضخم يسجل أعلى مستوى

من جانب آخر أظهرت بيانات أن التضخم في البحرين ارتفع في مارس اذار الى أعلى مستوى في ثلاث سنوات ليسجل 4.7 بالمئة على أساس سنوي بعد ان هبطت الاسعار قبل عام وسط اضطرابات سياسية وهو ما خفض الارقام التي على اساسها وضعت البيانات.

ونمت اسعار المستهلك في البحرين -وهي مصدر صغير للنفط خارج أوبك- بمعدل اربعة في المئة على أساس سنوي في فبراير شباط الماضي بعد انخفاضها 0.3 بالمئة في المتوسط العام الماضي في أول انكماش للاسعار تشهده البلاد منذ 2002.

وافادت بيانات الجهاز المركزي للمعلومات ان نمو الاسعار على أساس شهري في البحرين -التي شهدت العام الماضي أسوأ اضطرابات منذ تسعينات القرن الماضي- هبط بحدة الى 0.6 بالمئة من 1.5 بالمئة في الشهر السابق.

وتوقع محللون استطلعت رويترز اراءهم في مارس اذار أن يبلغ معدل التضخم في المملكة 2.0 بالمئة في 2012 قبل أن يرتفع الى ثلاثة بالمئة في العام القادم.

واظهرت البيانات ان تكلفة الاسكان والمرافق كانت الاسرع نموا في مارس وقفزت بنسبة 2 بالمئة عن الشهر السابق. وكانت هذه التكاليف قد قفزت بنسبة 14.2 بالمئة على أساس شهري في مارس 2011 عندما أعلنت الحكومة الاحكام العرفية في اطار حملة لاحتواء احتجاجات.

وارتفعت اسعار المواد الغذائية 0.6 بالمئة على أساس شهري في مارس بعد صعودها 8.3 بالمئة في فبراير مسجلة والذي كان اسرع معدل نمو في عامين على الاقل.

وقالت ليز مارتنز الاقتصادية في اتش.اس.بي.سي "المناخ الاقتصادي ضعيف ونرى ان التضخم الشهري مازال غير مقلق نسبيا حتى وان ارتفع المعدل السنوي بعض الشيء بسبب بيانات المقارنة."

وشهدت البحرين -التي تربط عملتها بالدولار الامريكي- تراجع النمو الاقتصادي الى 1.3 بالمئة على اساس فصلي في الربع الاخير من 2011 فيما يشير الى أن الاضطرابات السياسية مازالت تؤثر على الاعمال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/نيسان/2012 - 3/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م