الفقر في مصر... إشكالية اقتصادية تحولت الى ظاهرة

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: يعد الفقر اهم واخطر المشاكل الازلية التي يعاني منها المجتمع المصري والتي تفاقمت بشكل واضح في الفترة الاخيرة بسبب الاوضاع المتقلبة والمشاحنات السياسية التي تشهدها البلاد بعد ثورة 25يناير كانون الثاني التي اسهمت بأسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، والتي اثرت بشكل كبير على مسيرة الحياة اليومية للمواطن بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع نسبة البطالة وازدياد معدلات التضخم في بلد يعتمد اغلب مواطنية على ما توفره الحكومة من دعم ومساعدة.

وطبقاً للأرقام الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي في نوفمبر الماضي، لا يغطي الدخل الشهري لما يقرب من 77% من الأسر الضعيفة في مصر احتياجاتها الشهرية. ويوضح تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي في ديسمبر بناء على بيانات حكومية لعام 2009، أن محافظات صعيد مصر واجهت بالفعل خطراً كبيراً بسبب انعدام الأمن الغذائي المرتبط بأوضاعها الاقتصادية غير المستقرة.

وطبقاً لعلياء حافظ، مسؤولة برامج التغذية في مكتب برنامج الأغذية العالمي بالقاهرة، يجري حالياً تقييم عواقب أحداث العام الماضي على الأمن الغذائي للأسر وهشاشتها. وأشارت أن هناك أدلة غير مؤكدة تشير إلى تفاقم الفقر في صعيد مصر وارتفاع نسب سوء التغذية في المنطقة. وعلقت على الموضوع بقولها أن "سوء التغذية مشكلة لا تتحسن كما أنها غير مستقرة. وربما تزداد معدلاتها بسب الأوضاع غير المستقرة".

ويقول الخبراء أن سوء التغذية في مصر لا يرتبط بنقص الغذاء، ولكن يرتبط بنقص فرص الحصول على الأغذية المناسبة، مما يؤدي إلى حدوث نقص في المغذيات الدقيقة الأساسية. وقد أظهرت بيانات عام 2009 أن 30 بالمائة من السكان في صعيد مصر يعانون الحرمان من الأغذية ذات السعرات الحرارية المناسبة في حين يفتقر 49 بالمائة منهم للتنوع الغذائي. كما يعاني ما يقرب من ثلث سكان صعيد مصر من نقص في الحديد، والزنك، أو فيتامين أ. ويؤدي نقص الحديد إلى فقدان التركيز وانخفاض الإنتاجية وهو ما يؤثر على التعليم والعمل. وحسب علياء حافظ، فإن "مرض فقر الدم يؤثر على الأطفال بصورة رئيسية بسبب تزايد احتياجات أجسامهم".

وحسب الدكتور محمد، من جامعة المنيا، قد يؤدي نقص فيتامين أ إلى مرض العمى الليلي، بينما يؤدي نقص الزنك إلى الالتهاب الرئوي والإسهال الشديد، وهما مشكلتان صحيتان شائعتان بين الأطفال في محافظة المنيا. وقد علق على الموضوع بقوله أن الموضوع عبارة عن "حلقة مفرغة، حيث يضعف الإسهال والالتهاب الرئوي الجهاز المناعي، ويؤدي ضعف الجهاز المناعي إلى زيادة الإسهال والالتهاب الرئوي".

يقول الخبراء أن سوء التغذية في مصر لا يرتبط بنقص الغذاء، ولكن يرتبط بنقص فرص الحصول على الأغذية المناسبة، مما يؤدي إلى حدوث نقص في المغذيات الدقيقة الأساسية وأدرك ناصر علي حسام مرسي الذي يعمل حمالاً في وسط شمال مصر حاجته للحصول على مصدر آخر للدخل عندما بدأ يعاني من مشاكل صحية في منطقة أسفل الظهر العام الماضي. فقرر الحصول على قرض لشراء دراجة نارية. وكانت وجهة نظر مرسي أن الدراجة النارية ستساعده في إعالة زوجته وأطفاله الخمسة. كما أن العمل عليها سيمكنه من تسديد القرض الذي حصل عليه بقيمة 3,500 جنيه مصري (580 دولار أمريكي).

لكن الأمور أخذت تسير نحو الأسوأ عندما تمت سرقة دراجته وبعدها بفترة وجيزة اندلعت احتجاجات كبرى في جميع أنحاء مصر في فبراير 2010 أدت إلى الإطاحة بالرئيس المصري حينذاك حسني مبارك. ومنذ ذلك الحين يسعى مرسي جاهدا من أجل تغطية نفقاته في بلدته مغاغه الواقعة على بعد 175 كم جنوب القاهرة ـ وما بين ديونه ومشكلات ظهره، أصبح كسب المال الكافي لإطعام زوجته وأطفاله الذين تتراوح أعمارهم بين شهرين و16 عاماً تحدياً حقيقياً. وهو ما علق عليه مرسي قائلاً: "لا أجد ما يكفي من الطعام لأنه لا يوجد المزيد من العمل".

ولكن مرسي ليس وحده الذي يعاني. فحسب نبيل جميل محمد، أستاذ طب الأطفال بجامعة المنيا والرئيس الإقليمي للحزب السياسي للإخوان المسلمين، بمثل "الفقر النتيجة العادية لثورة 25 يناير". وأوضح أن زيادة الفقر لها تأثيرين تمثلا في ظهور حالات جديدة من سوء التغذية، ومواجهة الأسر التي كانت تعاني بالفعل من سوء التغذية لمزيد من الضغوط للحصول على الغذاء اللازم. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

ففي مدينة قلين بمركز مغاغة حيث يعيش مرسي يعتمد الكثير من الناس الآن في غذائهم على الفول (المطبوخ والمهروس) وسندوتشات الطعمية. ولا يشتمل غذائهم اليومي على أية فاكهة أو خضروات أو منتجات ألبان كما أن آخر مرة تناول فيها معظمهم اللحوم كانت في شهر نوفمبر الماضي أثناء عيد الأضحى. وقد حصلوا على تلك اللحوم بفضل تبرع الجمعية الشرعية المحلية التي تعتبر بمثابة الذراع الاجتماعي لحزب الإخوان المسلمين.

وفي هذا السياق، أكد عوض عبد الحافظ رئيس الجمعية الشرعية الخيرية المسؤولة عن مدينة قلين، أنه تم تسجيل نحو 30 أسرة جديدة ضمن الأسر المحتاجة لدى جمعيته خلال العام الماضي. وربما يعود الفضل في التدني النسبي لهذا العدد إلى أن مغاغة لم تشهد نفس مستوى العنف الذي اجتاح العاصمة المصرية ومنطقة دلتا النيل.

وأوضح أن الجمعية تقوم حالياً بتقديم وجبة كل أسبوعين إلى حوالي 650 أسرة في مغاغة كما تقدم للأسر إعانة بدل غذاء شهرية قيمتها 20 جنيه مصري (3 دولار) لكل طفل في الأسرة. وهذا يوفر دخلاً شهرياً تكميلياً للأسرة يتراوح ما بين 200 و300 جنيه مصري (33-50 دولار أمريكي). وتأتي أموال الجمعية الشرعية من 1000 متبرع تقريباً، ولكن الاضطرابات الاقتصادية التي تشهدها مصر أثرت على حجم هذه التبرعات أيضاً، حسب قول عبد الحافظ الذي أشار إلى أن "حدوث انخفاض طفيف في حجم التبرعات منذ قيام الثورة".

نقص الوقود

على صعيد متصل تعاني مصر من نقص الوقود وقد بدأ صبر الناس ينفذ وسط مخاوف من أن تتسبب الأزمة في تعطيل إنتاج الخبز المدعم قال عمر مصيلحي، وهو صاحب مخبز في مدينة الجيزة: "إنني أتنقل من محطة وقود إلى أخرى كل يوم للعثور على الوقود اللازم لتشغيل المخبز، ولكنني لا أستطيع أن أفعل هذا لفترة طويلة، وإذا ازدادت الأمور سوءاً، فسوف أضطر لإغلاق المخبز".

وتجدر الإشارة إلى أن معظم المخابز المدعومة في مصر تحتاج إلى وقود الديزل لتشغيلها، وقد اضطر بعضها إلى إغلاق أبوابه في محافظة المنوفية في دلتا النيل، على سبيل المثال. يصطف الرجال والنساء والأطفال في طابورين طويلين خارج مخبز مصيلحي في انتظار حصولهم على حاجتهم من الخبز. ومن بينهم أيمن فرحات، الذي قال "أنا أشتري 20 رغيفاً من هذا الخبز بجنيه واحد، في حين أن العدد نفسه يباع بأربعة جنيهات في المخابز غير المدعومة. وهذا يدل على مدى أهمية هذه المخابز لأشخاص مثلي". ويقول مراقبون أن العجز في إمدادات الوقود يبلغ 35 بالمائة، بينما تلقي الحكومة باللوم على الاكتناز. وتصطف آلاف السيارات خارج محطات البنزين منذ الصباح الباكر، في حين تتكون طوابير طويلة خارج مراكز بيع أسطوانات الغاز.

وقد أكد وزير البترول جهود الحكومة لحل هذه الأزمة قائلاً: "إننا نبذل قصارى جهدنا لحل المشكلة، ولكن ما يحدث أمر غير طبيعي، فبعض الناس يأخذون الوقود المدعوم ويبيعونه في السوق السوداء". وكانت وزارة البترول قد زادت إمدادات الديزل من 36,000 إلى 38,000 طن يومياً، وإمدادات البنزين من 16,000 إلى 18,000 طن، وأسطوانات الغاز من مليون إلى 1,3 مليون أسطوانة، ولكن على الرغم من هذه الإجراءات، ترد تقارير عديدة عن معارك حول الوقود، مما يعكس سخط المواطنين والحاجة إلى مزيد من التدخل الحكومي.

ومن الجدير بالذكر أن خدمات الإسعاف هي أيضاً عرضة للخطر. فقد قال نعيم رزق، مدير العمليات في نقطة إسعاف القاهرة الرئيسية أن "السائقين يذهبون إلى محطات الوقود منذ ساعات الصباح الأولى، وفي بعض الأحيان يقضون اليوم كله في الانتظار، ولكن عندما يأتي دورهم، يُقال لهم أن الوقود قد نفذ". وعندما اتصل شرطي برزق مؤخراً طالباً مساعدته بعد أن أصيب في معركة ضد مسلحين في ضواحي القاهرة، لم يجد رزق سيارة إسعاف بها ما يكفي من الوقود لاصطحاب الشرطي المصاب إلى المستشفى، واضطر زملاء هذا الأخير للاتصال بوزارة الداخلية لاقتراض بعض الوقود.

من جانبه، قال محمد عبد الله، وهو سائق سيارة إسعاف في العقد الثالث من عمره، أن وظيفته أصبحت أكثر توتراً. "هناك دائماً طوابير طويلة في محطات البنزين ... وهذا يمنعني من الوصول إلى المرضى في الوقت المناسب، مما يعرضني لغضب أقارب المرضى دائماً".

إعادة النظر في الدعم

من جهتهم يعتقد بعض الاقتصاديين أن الأزمة الحالية قد تجبر الحكومة على إعادة النظر في سياسة دعم الوقود. فقد أنفقت مصر ما يعادل 83,3 مليار دولار على دعم الوقود على مدى السنوات الخمس الماضية، وفقاً لوزارة البترول. ولكن رشاد عبده، وهو اقتصادي بارز في جامعة القاهرة، يرى أن "حوالي 60 بالمائة من هذا الدعم يذهب إلى أشخاص لا يستحقونه...مما يجعل من الضروري بالنسبة للحكومة إعادة النظر في هذا الدعم".

وتقوم الحكومة حالياً بإعادة النظر في دعمها للمؤسسات الصناعية الكبرى، التي تحصل على 70 بالمائة تقريباً من دعم الوقود. حيث جاء في تعليق غراب، وزير البترول، أنه "إذا تمكنا من خفض دعم الوقود بنسبة 10 بالمائة، فسيصبح بإمكاننا توجيه هذه الأموال لبناء المنازل أو المستشفيات أو المدارس". كما نقلت عنه صحيفة المصري اليوم يوم 11 مارس قوله: "نحن بحاجة لتقديم الدعم إلى مستحقيه". ووفقاً للتصور الوارد في خطة حكومية أخرى، يمكن إصدار قسائم تمكن المواطنين الأكثر فقراً من شراء غاز الطهي مقابل ما يعادل 83 سنتاً أمريكياً، بينما يدفع غيرهم خمسة دولارات لكل أسطوانة.

النظام الصحي

 في السياق ذاته تفتقر المستشفيات إلى المعدات الطبية والأعداد الكافية من الأطباء والممرضات المدربين يقول الخبراء أن النظام الصحي الحكومي في مصر يعاني من حالة فوضى ويحتاج إلى تمويل أفضل من أجل الوصول إلى مزيد من الناس وتقديم رعاية صحية أكثر فعالية. وقال خيري عبد الدايم رئيس نقابة الأطباء المصرية أن "نقص المعدات والممرضات والأطباء جعل مستشفيات البلاد في حالة اختلال وظيفي كامل، والمرضى القلائل الذين يحصلون على علاج طبي لائق يتحتم عليهم دفع تكلفته".

كما ذكرت منظمة الصحة العالمية أن مصر تعاني من انتشار الأمراض المزمنة بمعدلات مرتفعة، بما في ذلك أمراض الكبد والتليف الكبدي وسرطان الخلايا الكبدية، وتعاني أيضاً من معدلات عدوى ناجمة عن التدخلات الطبية وعلاج الأسنان والإسعافات أعلى من العديد من الدول الأخرى التي لديها ظروف اقتصادية واجتماعية ومعايير صحية مماثلة.

وقال محمد عبد الحميد العضو البارز في نقابة الأطباء أن "المستشفيات تستقبل عدداً كبيراً من المرضى كل يوم، مما يضع عبئاً كبيراً على الموازنة الوطنية للصحة". وطبقاً لجريدة المصري اليوم، فإن الإنفاق الصحي بلغ 3.9 بالمائة (4.5 مليار جنيه أو 750 مليون دولار) من إجمالي الموازنة في مصر في عام 2011. ويقوم عبد الحميد وزملائه بالضغط من أجل زيادة الإنفاق الصحي إلى 15 بالمائة من الموازنة، ولكن هذه قد تكون مجرد أمنيات نظراً لعجز الموازنة المتوقع في العام القادم نتيجة لارتفاع تكلفة الانتخابات وزيادة رواتب موظفي الدولة.

وأكد عبد الحميد أن "إصلاح القطاع الصحي لا يمكن أن يحدث بدون المال الذي سيمكن مسؤولي الصحة من شراء المعدات والأدوية، وتحسين الظروف داخل المستشفيات، وتدريب الأطباء والممرضات. كما أن وجود موازنة صحية منخفضة في السنة المالية القادمة يعني أن أوجه القصور الصحية في هذه البلاد سوف تستمر لعام آخر".

وقد ازداد الموقف سوءاً نتيجة لحقيقة أن الخدمات الصحية الوطنية لا تغطي 40 بالمائة تقريباً من سكان مصر البالغ عددهم 83 مليون نسمة، لأن التأمين الصحي الحكومي يقتصر على العاملين في الحكومة والقطاع الخاص فقط؛ إذ يتم خصم اشتراكاتهم في التأمين الصحي من رواتبهم مباشرة. ويقول الخبراء أنه بالرغم من أن تلك الحقيقة يمكن أن تتغير إذا وافق البرلمان على قانون التأمين الصحي الجديد المقترح، إلا أن مشكلة التمويل ستظل قائمة.

ويعتبر مرضى الغسيل الكلوي من الفئات التي تحصل على خدمة متدنية. فطبقاً لما ذكره أكرم الشاعر، رئيس لجنة الصحة في مجلس الشعب، أصيب الشهر الماضي 30 شخصاً بالتهاب الكبد الوبائي سي بعد خضوعهم للغسيل الكلوي في إحدى مستشفيات مدينة كفر الزيات الصناعية التي تقع على بعد 60 كيلومتراً شمال القاهرة. كما ذكر عبد الحميد أباظة، مساعد وزير الصحة، أن هناك 44,000 مريض يعانون من الفشل الكلوي في مصر، وتنفق الحكومة 900 مليون جنية مصري (150 مليون دولار) لعلاجهم سنوياً. ولكن الشاعر يقول أن طرق العلاج في المستشفيات تترك المرضى عرضة لخطر الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي.

وقال شريف مراد الخبير الطبي وأستاذ أمراض الكلى في جامعة عين شمس: "نظراً لأنه من النادر تنظيف أو تعقيم أجهزة الغسيل الكلوي، أصبحت عملية تنقية الدم أثناء الغسيل الكلوي أكثر خطورة"، مضيفاً أننا "لهذا السبب ينبغي أن نبحث عن بدائل أخرى".

نقص الانسولين

من جانب اخر تعاني مصر من نقص حاد في الدواء منذ عدة أشهر نظراً لعدم بذل الحكومة جهوداً كافية في هذا الصدد. ويشير مصنعو الدواء إلى ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق الدولية وانخفاض أسعار الدواء في الأسواق المحلية، مضيفين أن الرقابة الحكومية على أسعار الدواء أضرت بسوق الدواء. ويشكو مرضى السكري من نقص الانسولين في المستشفيات الحكومية. أفادت إحدى الأمهات المنكوبات لإحدى الصحف المحلية بأنها ظلت تذهب إلى مستشفى أبو الريش في القاهرة لعدة شهور من أجل الحصول على الانسولين لابنها المصاب بمرض السكري.

وفي تصريح لصحيفة الميدان، قالت الأم "ولكن في كل مرة أذهب يقول لي مسئولو المستشفى أنهم ليس لديهم هذا الانسولين. وهذا معناه أنني مضطرة لشراء الانسولين من الصيدليات الخارجية، وهو ما يجعل الأمر مكلفاً بدرجة لا أستطيع تحملها". وحسبما ذكر أشرف إسماعيل رئيس معهد السكري، المؤسسة الطبية الرئيسية في مصر التي تقدم العلاج لمرضى السكري، يوجد في مصر خمسة ملايين مريض بالسكري، من بينهم حوالي 60 بالمائة يحتاجون إلى الانسولين، ويشمل هذا العدد 400 ألف طفل. وأضاف إسماعيل أن "معظم هؤلاء الأطفال أصيبوا بالمرض نتيجة لأسباب وراثية".

السل وتفشي الفقر

من جهة اخرى يساهم الفقر المتفشي في المناطق العشوائية في مصر في انتشار الأمراض المعدية مثل السل يرى الخبراء أن ارتفاع معدلات الفقر وازدحام وسائل النقل العامة وتزايد الأحياء الفقيرة المترامية الأطراف تهدد بتبديد المكاسب التي تحققت في مجال القضاء على مرض السل في مصر. وعلى الرغم من إصدار الحكومة في الأيام الأخيرة لأرقام جديدة تبين حدوث انخفاض كبير في معدل الوفيات الناجمة عن السل، إلا أن خبراء في مجال الطب والرعاية الصحية حذروا من عدم قدرة الحكومة على القضاء على هذا المرض من خلال اتباع نهج طبي ضيق، بل ينبغي عليها معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل جذور المرض، إذا أرادت تجنب زيادة كبيرة في حالات العدوى.

وقال محمود عمرو، وهو خبير في أمراض الصدر بجامعة القاهرة: "إن أحيائنا الفقيرة ووسائل النقل الخاصة بنا وسوء الأوضاع الاقتصادية للملايين من المصريين تجعل الكثير من الناس عرضة لهذا المرض. وسيواصل السل تحطيم حياة الآلاف من الناس طالما لم يتم إحراز تقدم في هذه المجالات". ومن الجدير بالذكر أن عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير 2011 قد قذف بالاقتصاد المصري في دوامة الانهيار. ففي عام 2011، أصبح 25,2 بالمائة من المصريين فقراء، مقارنة مع 21,6 بالمائة في عام 2009، ويعيش أكثر من نصف هؤلاء الفقراء في صعيد مصر، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التابع للحكومة. من جانبه، أشار أحمد عطية رئيس الجمعية المصرية لمكافحة السل، وهي منظمة غير حكومية محلية، إلى أنه "على الرغم من كون معظم مرضى السل من الفقراء، فإن الفقر في حد ذاته ليس هو المشكلة...بل تكمن المشكلة في الظروف المعيشية التي يتسبب فيها هذا الفقر".

وفي عام 2007، كان هناك 12,2 مليون شخص يعيشون في 870 حياً فقيراً في جميع أنحاء البلاد، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وحيث أن عائلات بأكملها تعيش في غرف ضيقة وتتقاسم دورات المياه والأزقة المليئة بمياه الصرف الصحي، فإن هذه الأحياء الفقيرة، طبقاً لما ذكره خبراء مثل عمرو، تعتبر تربة خصبة لانتشار الأمراض الخطيرة مثل السل.

ويمثل هذا المرض القاتل الأكبر الثالث في مصر، بعد التهاب الكبد الوبائي سي والبلهارسيا، وفقاً لأمير بسام وكيل لجنة الصحة في البرلمان. من جهتها، أفادت نعيمة القصير، ممثلة منظمة الصحة العالمية في القاهرة، أن مصر واحدة من تسع دول، من أصل 23 دولة في إقليم شرق المتوسط (الذي يمتد إلى باكستان)، تحتضن 95 بالمائة من مرضى السل في المنطقة. كما ربطت القصير، خلال مقابلة أجرتها مؤخراً مع محطة تلفزيون سي بي سي، بين مرض السل والفقر وسوء التغذية، الذي يبدو أنه يتزايد في مصر أيضاً، مشيرة إلى أن "سوء التغذية يمثل مشكلة كبيرة للأطفال والكبار على حد سواء".

وعلى الرغم من هذه التحديات، نجحت مصر في تحقيق تقدم ملحوظ في مجال مكافحة السل، وفقاً لوزارة الصحة. حيث أدلى وزير الصحة، فؤاد النواوي، بتصريحات لوسائل الإعلام مؤخراً بين فيها أن آثار مرض السل قد انخفضت بنسبة كبيرة خلال الفترة من 1990 إلى 2011: إذ انخفض عدد حالات السل الجديدة من 34 حالة لكل 100,000 شخص إلى 18 حالة لكل 100,000 شخص سنوياً. وأضاف أن معدل انتشار مرض السل، وهو العدد الإجمالي للإصابات في أي سنة من السنوات، انخفض من 79 لكل 100,000 شخص إلى 24 لكل 100,000 شخص، كما انخفض معدل وفيات السل كل عام من 4 إلى 1,1 لكل 100,000.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر تقدم العلاج المجاني لمرضى السل في نحو 32 مستشفى لعلاج أمراض الصدر تابعة لوزارة الصحة، وتأمل في القضاء على المرض تماماً بحلول عام 2019.

ولكن خبراء مستقلين يقولون أن معدل انتشار السل أعلى بكثير من الأرقام الرسمية التي تشير إلى وجود 18,000 مريض جديد كل عام. بحسب المصدر السابق.

وفي تعبير عن تلك الشكوك التي تساور بعض الجهات، طالب أحد نواب البرلمان وزارة الصحة بتقديم جميع الإحصاءات الخاصة بمرض السل في جميع المحافظات. وأضاف باسل عادل خلال جلسة للبرلمان أن "الشعب يملك الحق في معرفة كل الحقائق. وينبغي على وزير الصحة أن يخبرنا عن التدابير الوقائية التي تتخذها وزارته لمنع انتشار هذين المرضين" في إشارة إلى مرضي السل والتهاب السحايا. "يجب اتخاذ إجراءات فورية للسيطرة على هذين المرضين، وإلا فإن الحكومة الحالية ستكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها حكومات النظام السابق".

ويبدو أن عدد المرضى في مستشفيات الصدر المصرية، على سبيل المثال، يكذب المزاعم التي تؤكد أن عدد الإصابات بمرض السل آخذ في الانخفاض. حيث قال محمود عبد العزيز، رئيس مستشفى الصدر بالعباسية: "لدينا 50 سريراً في قسم مرض السل، وهذه الأسرة دائماً مشغولة. عندما يُعالج أحد المرضى، فإنه يخرج لكي يحل محله شخص آخر على قائمة الانتظار".

من جانب اخر يقول الخبراء أن قدرة مصر على تحقيق تقدم في مجال مكافحة السل يتوقف على نجاحها في تحسين الظروف المعيشية لسكان الأحياء الفقيرة، وجعل قطاع النقل العام أقل ازدحاماً، والحد من الفقر. وعلق بسام، وكيل لجنة الصحة، على ذلك بقوله أن "معظم المرضى من الفقراء المقيمين في أحياء فقيرة ويستخدمون وسائل النقل العام المزدحمة دائماً، وبالتالي فإنهم ينقلون العدوى إلى الآخرين بسهولة شديدة...كما أن سجون البلاد تمثل أيضاً بؤراً للعدوى".

ووفقاً لأشخاص مثل بسام، فإن سجون مصر، التي وصفها العديد من تقارير حقوق الإنسان بأنها قذرة وغير صالحة للاستخدام البشري وتعاني من نقص حاد في الرعاية الصحية، تخرج إلى المجتمع عدداً كبيراً من مرضى السل. ولهذا السبب يقوم متخصصون من وزارة الصحة بزيارات منتظمة إلى السجون للتأكد من أنها لا تتحول إلى مراكز لعدوى السل، حسب عصام المغازي، رئيس إدارة مكافحة السل في وزارة الصحة. وأضاف المغازي: "يجب علينا اتخاذ اجراءات صارمة للقضاء على هذا المرض. لذا فإننا بحاجة إلى مساهمة جميع الأطراف في هذا الجهد، وإلا فإن هذا المرض قد ينتشر كالنار في الهشيم".

الحمى القلاعية

من جانب اخر يقول خبراء محليون ودوليون أن ظهور سلالة جديدة من مرض الحمى القلاعية في مصر قد أدى إلى مقتل آلاف من رؤوس الماشية، وعرض سبل عيش المزارعين للخطر، كما أنه قد يشكل تهديداً للأمن الغذائي الإقليمي بأكمله. وفي هذا السياق، دعت منظمة لأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في 22 مارس الماضي إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة للسيطرة على مرض الحمى القلاعية قبل تفشيه على نطاق واسع، ومنع انتشاره في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط؛ الأمر الذي قد تكون له تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي في المنطقة".

وحسب محمد الفلو، وهو مسؤول بيطري في قرية ساويرس بمحافظة القليوبية، التي تدخل ضمن الإطار الجغرافي لمحافظة القاهرة الكبرى، "إذا تسبب الفيروس في نفوق عددً أكبر من الماشية، فإن ذلك سيؤدى إلى تفاقم المعاناة الاقتصادية لعدد كبير من الناس، ولايمكن أن تكتفي الحكومة بمجرد الكلام وترك المزارعين يواجهون هذه المأساة بمفردهم".

ويصيب فيروس الحمى القلاعية الحيوانات مشقوقة الظلف، خاصة الأبقار والأغنام والماعز والخنازير، ويسبب نقصاً خطيراً في الإنتاج. وقد أدى المرض إلى نفوق 8,355 حيواناً وإصابة 54,137 حتى الآن، معظمها من العجول، حسب فرج، مساعد وزير الصحة المصري لشؤون الطب البيطري. وتقول منظمة الفاو أن هذا المرض يعرض 6,3 جاموسة وبقرة، و7,5 مليون من الأغنام والماعز في مصر للخطر.

وأضاف مساعد وزير الصحة أن جهود التطعيم مستمرة، وأن الأطباء البيطريين يقومون بزيارة مزارع الماشية في جميع أنحاء البلاد لتطعيم الماشية، وينصحون المزارعين بفصل قطعان الماشية والحيوانات الأخرى عن بعضها لمنع انتشار الفيروس. غير أن سعيد بيومي، وهو طبيب بيطري من القليوبية، أفاد أن الحكومة تستخدم لقاحات قديمة قد لا تكون فعالة.

ويعتمد حوالي 90 بالمائة من سكان قرية ساويرس البالغ عددهم 4,000 نسمة على الماشية لتوفير اللحوم والحليب. وهو ما جعل عبد الحليم عبد السلام، وهو مزارع من ساويرس في العقد الخامس من العمر، يتساءل قائلاً: "أي مستقبل ينتظرني أنا وعائلتي في الوقت الذي يقضي فيه المرض على مواشينا الواحدة تلو الأخرى؟ هذه الأبقار هي مصدر دخلنا الوحيد، وموتها يعرض مستقبل الأسرة بأكملها للخطر".

وكان عبد السلام قد فقد أربعة من أبقاره الثمانية منذ شهر فبراير الماضي، وأصبحت البقرات الأربع المتبقيات تنتجن كمية أقل من الحليب مما أدى إلى انخفاض دخله الأسبوعي من 700 جنيه مصري (116 دولاراً) إلى حوالي 300 (50 دولاراً)، مما يجعل إطعام أسرته أمراً في غاية الصعوبة. وأضاف عبد السلام: "قبل أن يتسبب هذا المرض في نفوق الماشية، كنا نستطيع على الأقل تناول الطعام وتسديد الديون، ولكن هذا لم يعد أمراً سهلاً الآن ... لم يتبق لدي سوى أربع بقرات فقط، وإذا قضى عليها الفيروس، سنموت أنا وأولادي جوعاً في أسوأ الأحوال، أو نلجأ إلى التسول في أحسنها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م