السودان وجنوبه وهجليج... حرب نفط مقدسة

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: لايزال التوتر سيد الموقف في ما يخص القضية السودانية التي باتت اليوم واحدة من اهم قضايا المنطقة خصوصا بعد تجدد النزاع بين الشمال والجنوب والذي اعاد الى الاذهان سنوات الحرب والاقتتال المرير, ويرى بعض المراقبين ان الوضع الحالي هو وضع خطير بنسبة لسكان الدولتين المتجاورتين الذين يعانون الكثير من الازمات والمشاكل على الصعيدين الامني والاقتصادي ويتخوف الكثير منهم من اتساع رقعة الخلاف اكثر مما هو علية الان الامر الذي قد يسهم بإعادة الصراع السابق وتجدد الحرب الاهلية من جديد والتي قد تكون باهضه التكاليف بنسبة للجانبين، وفي هذا السياق قال السودان ان تكلفة الدخول في صراع شامل مع جنوب السودان لن تمنعه من استعادة السيطرة على حقل هيجليج النفطي المتنازع عليه وان حقول النفط المستغلة حديثا ستساعد في دعم اقتصاده الذي يواجه صعوبات.

ويعتقد محللون ان نتيجة تصعيد القتال الحدودي من المرجح ان يحددها اي من الاقتصادين المتعثرين سينهار اولا بدرجة اكبر من البراعة العسكرية. وقال السفير السوداني لدى كينيا كمال اسماعيل سعيد "على الرغم من التكلفة المرتفعة للحرب وعلى الرغم من الدمار الذي يمكن ان تحدثه ...فان خياراتنا محدودة للغاية. يمكننا تحمل بعض التضحيات حتى نتمكن من تحرير ارضنا." واردف قائلا للصحفيين في نيروبي "نعم (التكلفة) باهظة بالنسبة لنا لكن ذلك لن يعوقنا ولن يمنعنا من بذل كافة الجهود لتحرير ارضنا. "خضنا حربا بدون نفط لعدة سنوات وبقينا قادرين على تسيير امورنا... في واقع الامر ...الانباء الجيدة هي اننا طورنا مصادر اخرى وحقولا نفطية وهو ما سيعوض خسائرنا فعليا."

وتسبب القتال بشأن المدفوعات على عبور النفط والاراضي في تراجع انتاج الخام في كلا البلدين. وحقل هيجليج النفطي حيوي لاقتصاد السودان لانه ينتج نصف انتاجه النفطي البالغ 115 الف برميل يوميا والذي بقي تحت سيطرته عندما انفصل جنوب السودان في يوليو تموز الماضي. ومن ناحية اخرى اوقف الجنوب بشكل كامل انتاجه البالغ 350 الف برميل يوميا لانه لا يوافق على رسوم العبور التي يطلبها الشمال.

وتسببت الاشتباكات التي وقعت في تبديد الامال بأن يتوصل السودان وجنوب السودان قريبا الى اتفاق بشأن قضايا مثل اعادة ترسيم الحدود بينهما التي تمتد 1800 كيلومتر وتقسيم الديون ووضع المواطنين في اراضي كل من الجانبين. واصر سعيد على ان بامكان الخرطوم تحمل الصراع الاخير الذي رفع اسعار المواد الغذائية وخفض قيمة العملة بينما يحاول المسؤولون تعويض الخسارة المفاجئة في الايرادات. وقال ان الانتاج من الحقول الجديدة في غرب كردفان وفي دارفور وفي ولايتي النيل الابيض والنيل الازرق سيعوض معظم الخسائر من هيجليج. واضاف "اعتدنا انتاج 115 الف برميل يوميا قبل الهجوم وفقدنا نحو 40 الف برميل وسنحصل الان على 30 الف برميل اخرى."

ودفع البلدان بالفعل اقتصاديهما لحافة الانهيار منذ انفصال الجنوب الذي أدى لانقسام صناعة النفط الحيوية الى شقين. وترتفع أسعار المواد الغذائية على جانبي الحدود كما تعاني العملة بينما يسعى المسؤولون جاهدين لتعويض الانقطاع المفاجئ للإيرادات في دولتين تعانيان بالفعل جراء سنوات من الحرب وسوء الادارة والعقوبات التجارية الامريكية. لكن الجانبين على ضعفهما يعتقد كل منهما أن له اليد الطولى على خصمه وهو ما يفسر جزئيا تصاعد القتال رغم الحقيقة الواضحة أن أيا منهما لا يمكنه فعليا خوض حرب.

وقال بيتر بشير جباندي النائب عن الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمجلس الوطني في الجنوب خلال مناقشة في جوبا بثتها الاذاعة "الخرطوم تقاتل من أجل البقاء." وأضاف "الخرطوم من الناحية الاقتصادية خلاص.. تنهار." ومع اجتياح ثورات شعبية منطقة الشرق الاوسط توقع الكثيرون في الجنوب أن يلقى عمر حسن البشير الذي يرأس السودان منذ انقلاب 1989 قريبا مصير زعيمي مصر وليبيا. ويقولون انه لو استطاع الجنوب الصمود بضعة أشهر أخرى فمن المؤكد أن يطيح الشعب السوداني بنظامه ويستبدل به اخر أكثر قبولا لمطالب جوبا. وعلى الجانب الاخر ترى الخرطوم احتمالا كبيرا لان يفلس الجنوب الذي يعاني بالفعل من تمرد داخلي وانتشار الفقر ويدخل في حالة فوضى لا يمكن السيطرة عليها. بحسب رويترز.

والنتيجة هي ما يصفها هاري فيرهويفن الباحث في جامعة اكسفورد الذي درس الشأن السوداني باستفاضة "بحرب استنزاف" ينتظر فيها كل طرف انهيار الاخر داخليا أو نفاد الاموال والوقود اللازمين لخوض الحرب. ومازال لدى السودان الذي يمتلك طائرات ميج وانتونوف ميزة هائلة من حيث القوة الجوية التي يقر المتحدث العسكري لجنوب السودان أن قوات الجنوب لا يمكنها في مواجهتها الا "أخذ تدابير احترازية".

جنوب السودان ينسحب

في السياق ذاته وفي تطور جديد قال جنوب السودان انه سيسحب قواته من منطقة هجليج النفطية المتنازع عليها مع السودان بعد أكثر من أسبوع من سيطرته عليها الامر الذي ادى الي تراجع الدولتين عن شفا حرب شاملة. وأعلن السودان الانتصار وقال انه "حرر" المنطقة بالفعل وعرض التلفزيون الحكومي لقطات لمئات الاشخاص الذين احتشدوا في شوارع الخرطوم وهم يرددون الهتافات ويلوحون بالاعلام.

وكانت سيطرة جنوب السودان على المنطقة أثارت احتمال اندلاع اول حرب علنية بين دولتين افريقيتين مستقلتين منذ خاضت اثيوبيا حربا ضد اريتريا التي كانت حديثة الاستقلال في الفترة بين عامي 1998 و 2000. وتصاعد التوتر منذ انفصال جنوب السودان واعلانه الاستقلال في يوليو تموز بموجب اتفاق سلام أبرم في عام 2005 واستحوذ على معظم احتياطات النفط المعروفة في البلاد.

ولم تتفق الدولتان بعد بشأن ترسيم الحدود بشكل كامل وأدى الخلاف بينهما بالفعل الى وقف كل انتاج النفط تقريبا الذي يقوم عليه اقتصاد الدولتين. وقال وزير الاعلام في جنوب السودان للصحفيين في العاصمة الجنوبية جوبا ان رئيس الجنوب سلفا كير أمر بالانسحاب غير المشروط للقوات. وقال بارنابا ماريال بنجامين انه في ضوء أوامر سلفا كير "تعلن جمهورية جنوب السودان انه صدرت أوامر لقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان بالانسحاب من بانثو (هجليج)."

وأضاف ان الانسحاب ياتي استجابة لنداءات زعماء العالم "لتهيئة الاجواء لاستئناف الحوار مع السودان". وكان الامين العام للامم المتحدة بان جي مون دعا الجنوب للانسحاب. ومضى قائلا ان جنوب السودان يعتقد مع ذلك ان هجليج التي يسميها كثير من الجنوبيين بانثو هي اراض تابعة له ويريد تقرير مصيرها من خلال التحكيم الدولي.

وفي السودان قال وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين ان القوات المسلحة تمكنت من "تحرير بلدة هجليج" وتطهيرها من قوات جنوب السودان. واضاف الوزير في كلمة بثها التلفزيون ان القوات المسلحة السودانية مستعدة لمواصلة العملية حتى نهايتها حتى يطمئن شعب السودان.

واوضح ان القوات المسلحة تحركت للحفاظ على ما تبقى من المنشات النفطية. وبعد الاعلان انطلقت احتفالات في العاصمة السودانية حيث تسببت انباء سيطرة الجنوب على هجليج في باديء الامر في صدمة كبيرة للكثيرين.

وخلال تجمع حاشد حضره الوف الاشخاص اشاد الرئيس عمر حسن البشير بما وصفه بانه انتصار عظيم للقوات المسلحة السودانية. وقال ان رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان يقول انهم انسحبوا من هجليج مضيفا ان ذلك لم يكن انسحابا. ومضى قائلا ان السودانيين دخلوا هجليج بعد ان هزموهم ودخلوها بالقوة موضحا ان الجنوبيين ما زالوا يفرون. وقال ان جنوب السودان هو الذي بدا الحرب لكن السودانيين هم الذين حددوا نهايتها.

وكانت القوى العالمية حثت جنوب السودان على الانسحاب من هجليج اثر الاجتياح الذي وصفه بان جي مون بانه اعتداء على سيادة السودان. وفي اشارة على الاثر الاقتصادي الذي قد يترتب على التصاعد الاخير في التوتر قال فيليب أجوير المتحدث باسم جيش جنوب السودان في وقت سابق ان القصف الجوي السوداني أدى الى اشتعال النار في منشأة المعالجة المركزية في هجليج.

واضاف أن طائرة "من طراز ميج قصفت المنشات النفطية في هجليج وأصيبت احدى المنشات.. منشأة المعالجة المركزية التي تفصل الماء عن النفط الخام" وقال مسؤول نفطي ان السودان خسر حوالي 40 الف برميل يوميا من الانتاج بسبب القتال. وكان جنوب السودان الذي لا يطل على سواحل بحرية قد أوقف بالفعل انتاجه البالغ 350 الف برميل يوميا بسبب خلاف مع الخرطوم بشأن المبلغ الذي يتعين عليه ان يدفعه لتصدير النفط عبر السودان من خلال خطوط انابيب وميناء على البحر الاحمر ومنشات أخرى. وكان جزء كبير من نفط الجنوب يمر عبر منشات المعالجة في هجليج حتى اغلاقها. بحسب رويترز.

و قال البشير ان السودان لا يريد رسوما من جنوب السودان لمرور صادراته النفطية وهدد بابقاء خط الانابيب النفطي في السودان مغلقا أمام صادرات الخام من الجنوب. وقال البشير الذي كان يتحدث الي حشد من الاف الاشخاص في الخرطوم ان السودان لا يريد تلك الرسوم ولن يفتح خط الانابيب. واضاف انه لن يسمح بمرور النفط من جنوب السودان عبر اراضي السودان "حتى لا يذهب دولار واحد الي هؤلاء المجرمين."

البشير يهدد

من جهته هدد الرئيس السوداني عمر حسن البشير بالإطاحة بحكومة جنوب السودان، فيما تتزايد الجهود الدولية لمنع نشوب حرب شاملة بين البلدين بعد ان استولى جنوب السودان على منطقة هجليج النفطية. وقال الرئيس السوداني في كلمة القاها امام تجمع شبابي للمؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم "من الان فصاعدا شعارنا هو تحرير المواطن الجنوبي من الحركة الشعبية وهذه مسؤوليتنا امام اخواننا في جنوب السودان".

وذهب البشير الى حد وصف الحركة الشعبية لتحرير السودان ب"الحشرة". وقال "لا يمكن ان نقول لها الحركة بل نقول لها الحشرة وهدفنا القضاء على هذه الحشرة نهائيا". واضاف البشير في لهجة تصعيدية "هناك خياران اما ان ننتهي في جوبا او ينتهون في الخرطوم، وحدود السودان القديمة لا تسعنا نحن الاثنين". وشدد البشير على ان الجيش السوداني سينتصر في المعركة التي تدور مع جنوب السودان في حقل هجليج الذي ينتج اغلب انتاج السودان من النفط.

واضاف "هجليج ليست (المعركة) النهائية، النهائية ستكون في جوبا" عاصمة جنوب السودان.

وجاء كلام البشير امام نحو ثلاثة الاف شاب من حزب المؤتمر الوطني، وهم ينشدون اغاني جهادية. ورغم تهديدات البشير الا ان مسؤولا في وزارة الخارجية قال ان السودان تتبع النهجين العسكري والدبلوماسي.

من جانبها دعت جوبا الى اجراء محادثات مع السودان لمنع تصاعد النزاع على الحدود بين البلدين بعد ان هدد الرئيس السوداني عمر البشير بالاطاحة بالسلطة في جوبا. وصرح بارنابا ماريال بنجامين وزير الاعلام في جنوب السودان "لا يمكن ان نحل هذه المسالة الا من خلال محادثات مع الاتحاد الافريقي". واضاف "لم ندخل جمهورية السودان، وليست لدينا اية خطط لتغيير النظام في السودان .. وليست لدينا اية خطط لغزو السودان". وقال بنجامين "اعتقدنا اننا نستطيع ان نحل هذه المسالة سلميا فقط على طاولة المحادثات، ولكن السودان يستخدم هجليج قاعدة لشن هجمات على الجنوب". واضاف "هم الذي يريدون ان يفرضوا التغيير على جنوب السودان - لقد اعلنونا دولة عدوة". بحسب فرنس برس.

وكان الجيش السوداني اعلن شن هجوم مضاد لاستعادة منطقة هجليج التي كان جيش الجنوب سيطر عليها قبل اكثر من اسبوع. واكد الجيش ان قواته باتت على بعد بضعة كيلومترات من مدينة هجليج، ولم يعد ينشر معلومات ملموسة حول الوضع الميداني منذ ذلك الوقت. من ناحية اخرى اكدت وزارة الخارجية السودانية ان صورا اظهرت ان متمردين من منطقة دارفور يقاتلون الى جنوب قوات جنوب السودان في منطقة هجليج. واستند مسؤول في الوزارة على صور نقلها الاعلام الدولي تظهر مسلحين من حركة العدالة والمساواة "يقاتلون الى جانب جيش جنبو السودان".

الا ان المتحدث باسم الحركة جبريل ادام بلال صرح انه شاهد الصور وقال انها تظهر اشخاصا يرتدون الزي التقليدي للشعب السوداني ولا يوجد ما يشير إلى أنهم من الحركة. واكد ان الحركة "لا تقاتل الى جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان مطلقا". واعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشان التهديدات، ودعت الى وقف فوري للقتال. من جانب اخر اكدت مجموعة سودانية متمردة انها قتلت 79 من افراد الجيش السوداني وعناصر القوات شبه العسكرية في كمينين في ولاية النيل الازرق المجاورة لجنوب السودان والتي تشهد معارك عنيفة منذ ايلول/سبتمبر.

 وقال ارنو نغوتولو لودي الناطق باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان-الشمال ان الجنود وافراد الميليشيا ال79 قتلوا في كمينين نصبا في منطقة تبعد نحو 35 كلم عن الدمازين عاصمة النيل الازرق. واوضح لودي ان 67 جنديا وعنصر ميليشيا قضوا في في كمين نصب لقافلة عسكرية، كما قتل اثنا عشر اخرون في الهجوم الثاني. واضاف "في احد الكمينين سقط لنا ثلاثة قتلى وجريحين"، موضحا ان خمسة متمردين اصيبوا بجروح في الهجوم الاخر. كذلك اشار الى اسر تسعة اشخاص بحسب قوله. وقال "اننا نراقب تحضيراتهم (...) ولهذا السبب نجحنا"، حتى وان حاولت القوات الحكومية التنكر بانها من المتمردين.

وكان المتمردون اشاروا في 12 نيسان/ابريل الى مقتل 13 جنديا ومتمردا واحدا في النيل الازرق، لكن الجيش نفى هذه الحصيلة. واشار لودي الى تجدد المعارك في النيل الازرق منذ العاشر من نيسان/ابريل عندما استولت قوات جنوب السودان على منطقة هجليج الواقعة في ولاية جنوب كردفان المجاورة حيث يوجد بئر نفطية ضخمة. وشنت القوات السودانية من جانبها غارات جوية على جنوب السودان.

واتهم المتحدث باسم المتمردين الخرطوم باستخدام موضوع هجليج لتعبئة ميليشياتها ومقاتلين اخرين ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان-الشمال. ويؤكد الجيش الشعبي لتحرير السودان-الشمال الذي كان حليفا اثناء الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب واليوم متمرد على الحكم في جوبا، انه غير مدعوم من سلطات جنوب السودان. وتدور المعارك منذ اشهر بين القوات الحكومية والمتمردين في النيل الازرق وجنوب كردفان، الولايتين السودانيتين الواقعتين على الحدود مع جنوب السودان واللتين قاتل قسم من سكانهما الى جانب الجنوبيين خلال الحرب الاهلية مع الشمال.

من جانب اخر تهدد المجاعة ولاية جنوب كردفان بحسب واشنطن والامم المتحدة. واكد المبعوث الاميركي الى السودانيين برنستون لايمان ان الوضع "يتفاقم سؤا" مشيرا الى ان ارسال مساعدة انسانية قد يسمح ب"وقف المعارك في هذه المنطقة ويخلق مناخا مؤاتيا اكثر للسلام". وصرح لايمان للصحافيين عقب محادثات في البلدين ان الجانبين يريدان طريقا للخروج من الازمة، وانه يضغط على جنوب السودان للانسحاب من منطقة هجليج النفطية التي احتلها.

وكان مجلس الامن الدولي قد بحث احتمال فرض عقوبات ضد السودان وجنوب السودان لاقناع البلدين بالخروج من "منطق الحرب"، ولكن لايمان اوضح انه من السابق لاوانه في هذه المرحلة الافصاح عن الموقف الاميركي حيال هذه المسألة. واكد لايمان من جهة اخرى ان السودان اعطى "موافقته المبدئية" على السماح بنقل المساعدات الانسانية الى جنوب كردفان وان كانت الخرطوم تتساءل عن "كيفية تطبيق" هذا الامر. بحسب فرنس برس.

وتشهد جنوب كردفان وهي اخر ولاية نفطية للسودان منذ انفصال جنوب السودان، مواجهات منذ حزيران/يونيو 2011 ادت الى سقوط مئات القتلى بين الجيش السوداني والمتمردين الجنوبيين السابقين. الى ذلك قالت بعثة الاتحاد الافريقي والامم المتحدة في دارفور انها تخشى ان يستغل متمردو هذه المنطقة الواقعة غرب السودان والتي تشهد حربا اهلية التوتر بين جوبا والخرطوم. وجاء تعليق رئيس البعثة ابراهيم غمبري ردا على ثلاثة هجمات شنها متمردون في دارفور .

وقال في بيان "في اطار التوتر المستمر بين السودان وجنوب السودان اشعر بقلق كبير لان الحركات المسلحة تسعى الى زعزعة الاستقرار في دارفور". واشار بان كي مون الى انه "يتوجب على الدول التي لها نفوذ على الحكومتين ان تضاعف الجهود في هذا الظرف الدقيق". واوضح ان "اخر شيء يحتاج اليه شعبا هذين البلدين هو حرب جديدة من شأنها ان تسقط عددا كبيرا من الضحايا وتدمر فرص السلام والاستقرار والازدهار لجميع السودانيين".

مسعى أمريكي

على صعيد متصل تسعى الولايات المتحدة جاهدة لاقناع السودان وجنوب السودان بالتراجع عن حافة الحرب مع تصاعد التوترات بين البلدين الذي ينذر بتقويض اتفاقية السلام التي ساندتها واشنطن وأدت الى استقلال جنوب السودان العام الماضي. وقال برنستون ليمان مبعوث حكومة الرئيس باراك أوباما الخاص للسودان ان الوضع اصبح "ازمة بالغة الخطورة" تنذر بصراع أوسع بين البلدين. وكان الجانبان اشتبكا في حرب استمرت عقودا قبل ان يتوصلا في نهاية الامر الى اتفاقية سلام في عام 2005.

وقال محللون إن واشنطن التي سعت جاهدة الى ضمان انفصال جنوب السودان بسلام العام الماضي بموجب شروط اتفاقية 2005 تجد نفسها دون وسيلة تذكر للتأثير. وقال جوناثان تيمين مدير برنامج السودان في المعهد الامريكي للسلام وهو مؤسسة بحثية في واشنطن تمولها الحكومة "لم نشهد مثل هذا المستوى من العداوة منذ سنين. والخيارات الجيدة المتاحة للولايات المتحدة الان محدودة."

وقال ليمان متحدثا عبر الهاتف من الخرطوم خلال رحلة زار خلالها أيضا جوبا عاصمة الجنوب ان حكومة اوباما تعمل من اجل اقناع الجانبين بالدخول في محادثات بشأن مشاغلهما الامنية الرئيسية وفي الوقت نفسه محاولة تهدئة التراشقات الكلامية الحادة. واضاف قوله "لن يكون الامر سهلا. المشاعر محتدمة للغاية. ومن المهم ان نجمع الطرفين وزملاءنا في المجتمع الدولي حول هذه المسألة الاساسية المتصلة بالامن." بحسب رويترز.

واعلن الرئيس السوداني عمر حسن البشير الحرب على جنوب السودان متعهدا بتلقين الجنوب "درسا أخيرا بالقوة" بعد ان احتل حقل نفط هجليج بينما اتهمت جوبا البشير بالتخطيط "لابادة جماعية". وفضلا عن نزاع حقل هجليج ما زالت الخلافات دائرة بين البلدين بشأن موضوعات من بينها الحدود ومقدار ما يجب ان يدفعه جنوب السودان الحبيس مقابل مرور نفطه عبر اراضي السودان وتقاسم الدين الوطني. وقال ليمان انه حث جنوب السودان على الانسحاب من هجليج ويعتقد ان زعماء جنوب السودان فوجئوا بالادانة الدولية القوية لهذه الخطوة.

واضاف ليمان قوله ان الولايات المتحدة ستسعى بالاشتراك مع الاتحاد الافريقي والجامعة العربية من اجل الحوار في ثلاث نقاط امنية رئيسية وهي انشاء منطقة حدودية منزوعة السلاح تمتد 20 كيلومترا وانهاء مساندة المقاتلين بالوكالة وايقاف قتال المتمردين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق بالسودان.

وقال ليمان "هذا يجمع ثلاث قضايا امنية مهمة تكمن حقا خلف هذه السلسلة من الاشتباكات التي تدور منذ يونيو حزيران الماضي." وتابع ليمان بقوله ان الولايات المتحدة تأمل أيضا ان تستخدم الصين نفوذها حينما يقوم سلفا كير رئيس جنوب السودان بزيارة. والصين شريك اقتصادي رئيسي للسودان وجنوب السودان. وكان مجلس الامن التابع للامم المتحدة ناقش امكانية فرض عقوبات على السودان وجنوب السودان اذا لم يتوقف القتال وهو احتمال قد يكون نذيرا بكارثة للبلدين اللذين اصبحا بالفعل على حافة انهيار اقتصادي. وقال ليمان "أرجو ان ترسل حقيقة انه يجري النظر في العقوبات اشارة الى الجانبين مفادها ان الامر جد خطير فهو يؤثر على السلام والامن الدوليين ويجب على الطرفين العمل معنا جميعا للسيطرة عليه."

اهمية هجليج

في السياق ذاته تقع فهجليج على مقربة من منتصف الحدود البالغ طولها 1800 كيلومتر بين البلدين، ولكن لم يتم ترسيم الأجزاء الرئيسية من الحدود بعد ولا توجد سجلات تاريخية كافية (بسبب النزوح الواسع النطاق للسكان أثناء توسيع المنشآت النفطية) أو ذكريات حية من أجل التعرّف بسهولة على مسار خط حدود عام 1956.

وتقع هلجيج بين أبيي، وهي منطقة أخرى متنازع عليها، وجبال النوبة في ولاية جنوب كردفان في السودان، حيث تقوم القوات الحكومية منذ يونيو 2011 بمحاربة المسلحين (للحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال) الذين على صلة بالمتمردين السابقين الذين يمسكون بالسلطة الآن في جوبا. كذلك، تقع هجليج على مقربة من مدينة جاو الحدودية التي استولت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال في نهاية فبراير.

وأثناء المفاوضات التي أدت إلى اتفاق السلام الشامل في عام 2005، تمّ الاتفاق على إدراج هجليج (المعروفة باسم بانتو لدى الجنوبيين الذين يدّعون أنها لطالما كانت في ولاية الوحدة) ضمن منطقة أبيي، وهي إحدى "المناطق الثلاث" (بالإضافة إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق) التي لم يتم إقرار مسألة تبعيتها للشمال أو الجنوب، بصورة كاملة بموجب هذا الاتفاق. وبالرغم من غياب القرار، قامت القوات السودانية باحتلال أبيي منذ مايو 2011 وبقي أكثر من 100,000 شخص من سكان أبيي الذين نزحوا في شهر مايو لاجئين في جنوب السودان.

وبعدما رفضت الخرطوم الحدود الأولية لمنطقة أبيي التي قامت إحدى اللجان الدولية بتحديدها، قامت المحكمة الدائمة للتحكيم بإعادة ترسيم تلك الحدود في عام 2009 من خلال إصدار حكم قام إلى حد كبير بتقليص مساحة المنطقة واستثنى منها منطقة هجليج. ومع أنّ هذه المحكمة لم تصدر أي قرار بشأن مسار الحدود بين الشمال والجنوب، فقد أصرّت الخرطوم على أن الحكم ترك هجليج في ولاية جنوب كردفان التابعة للشمال، وهو تفسير يوافقها الاتحاد الأفريقي الرأي فيه. من جهةٍ أخرى، فإن جنوب السودان الذي يقول أنه مستعد للتفاوض حول القضية، يصرّ على أن هجليج تقع جنوب الحدود، في ولاية الوحدة التابعة للجنوب.

من الممكن الربط ما بين التصعيد الأخير وقضايا رئيسية لم يتم حلّها منذ توقيع اتفاق السلام الشامل، مثل ترسيم الحدود وتقاسم عائدات النفط والمناطق الثلاث. (فكان من المفترض مثلاً أن يقرّر سكان أبيي خلال استفتاء في عام 2011 ما إذا كانوا سينضمون إلى الجنوب أو لا، غير أنّ هذا لم يحدث بعد). وتهدّد الاشتباكات الأخيرة أيضاً اتفاقية هامّة تمّ توقيعها بين جوبا والخرطوم في مارس 2012، من شأنها أن تسهّل بقاء مئات الآلاف من الجنوبيين في السودان. فبدون تلك الاتفاقية، كان عليهم تسوية أوضاعهم، وهو أمرٌ شبه مستحيل لوجستياً، أو المغادرة بحلول 8 أبريل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جنوب السودان ما زال غير مجهز لاستيعاب مثل هذا التدفق الضخم والمفاجئ من العائدين، بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين.

وقال المحلّل المخضرم في الشؤون السودانية، جون أشورث: "لا أريد أن أقول أن اتفاق السلام الشامل كان ناقصاً، لأنه كان أفضل ما يمكن توقّعه في ذلك الوقت، ولكننا الآن نجني ثمار المجالات التي لم يقم اتفاق السلام الشامل بتناولها بالكامل."ووفقاً للمؤرخ والخبير في منطقة أبيي، دوغلاس جونسون، لم يفكّر أيٌّ من المشاركين الدوليين في اتفاق السلام الشامل ملياً في ما سيحدث للمناطق الثلاث في حالة الانفصال لأنهم "كانوا في البداية يركّزون كل التركيز على محاولة جعل الوحدة خياراً جذاباً. وبمجرد ما أصبح الاستقلال أمراً لا بدّ منه، "اقتصر اهتمام الأطراف الدولية على التأكد من أن الاستقلال يتم بطريقة سلمية".

وقال موكيش كابيلا، الذي عمل كمنسق للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان في عام 2003 و 2004، ويعمل الآن في منظمة رعاية الثقة غير الحكومية: "شهد تطبيق اتفاق السلام الشامل تباطؤاً ملحوظاً نتيجة الشكاوى المشروعة من قبل سكان النوبة وأبيي والنيل الأزرق ودارفور الذين عانوا طويلاً من التهميش. وما لم يتم إيجاد حل لتلك المسألة بأسلوب عادل، سيستمر اندلاع الصراعات العنيفة هنا وهناك. إن قضايا المواطنة والنفط وترسيم الحدود تعقّد الصورة ولكنها إلى حدٍ كبيرٍ تعبير عن مظالم سكان المناطق الحدودية السودانية الذين عانوا أكثر من غيرهم من سوء المعاملة، وهذا أمرٌ تجدر معالجته أولاً في حال أردنا إحلال السلام والاستقرار في البلدين."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م