تداعيات إنخفاض سعر صرف الدينار العراقي

المستفيدون والمتضررون

علي محمود الفكيكي

لقد شهد الدينار العراقي خلال الأسابيع القليلة الماضية انخفاضاً في قيمته فانخفض سعر صرفه من (0.0008333) دولار/ دينار في أوائل كانون الأول 2011 الى (0.00077) دولار/ دينار في أوائل نيسان 2012. بمعنى ازداد عدد الدنانير للدولار الواحد من (1200) دينار/ دولار في السوق الحرة الى (1300) دينار/ دولار خلال الفترة المذكورة. يذكر إن سعر الصرف كان في سني السبعينيات 3.20 دولار/دينار أي بما يزيد عن السعر الحالي أكثر من أربعة آلاف مرة (تقريبا"). (3.2÷0.00077= 4155 مرة).

أسباب الانخفاض الجديد في سعر صرف الدينار العراقي:

لقد كان وما يزال للعراق تجارة عبر الحدود Cross Border Trade يقوم بها أبناؤه مع أبناء دول الجوار مثل إيران وسوريا وتركيا. كانت ومازالت العملات المحلية من دينار وتومان وليرة تغطي جزء" مهما" من تلك التجارة إلى جانب الدولار. وما يجري الآن من تبادل تجاري نشيط عبر الحدود في (قضاء كلار) و (حاج عمران) في كردستان هو مثال حي لهذه التجارة. ونتج عن ذلك تراكم احتياطيات نقد عراقي كبيرة لدى صيارفة وتجار إيرانيين وأردنيين وسوريين وأتراك وغيرهم. ولقد عزز قبول هؤلاء للدينار العراقي ثقتهم به طيلة السنين الخمس الماضية مما لم يحدث له قبل ذلك على مدى ربع قرن مضى. وزاد من تدفق الدينار العراقي عبر الحدود ما قام به البنك المركزي قبل بضعة اشهر (من خطوة غير محسوبة النتائج) بان سمح لنفسه ان يكون اداة وشرطيا" بيد هيئة الضرائب بجعل إنفاذ الإعتمادات المستندية وتحويلات المستوردين العراقيين منوطا" بالحصول المسبق على موافقة الهيئة العامة للضرائب. فتسبب ذلك بتدفق متزايد للعملة العراقية تجاه البلدان المجاورة وزاد في توفرها خارج الحدود. يذكر ان التجارة عبر الحدود بالعملات المحلية هي تجارة رائجة بين بلدان العالم، ومن امثالها ما قد اقرته الاتفاقية فيما بين حكومتي تركيا وايران من تبادل تجاري بالعملة المحلية للبلدين، وكذلك فيما بيم ماليزيا وجاراتها باستعمال العملة المحلية.

ثم ان فرض الحصار الاقتصادي على إيران وسوريا قد خفض الاحتياطيات الدولارية لهذين البلدين فاتجه تجارها إلى الحصول على الدولار من السوق العراقية مستخدمين الدنانير العراقية المتوفرة بكثرة لديهم. وبذلك ازداد عرض الدينار وفاق تياره تيار ما يضخه المصرف المركزي العراقي من دولارات عبر مزاداته المشهورة. فسلك سعر صرف الدينار في ذلك مسلك السوائل في الأواني المستطرقة فانخفض في داخل العراق ليساوي سعره عند الحدود.

ومع كل ارتفاع لسعر الدولار وانخفاض لسعر الدينار عند الحدود تستجيب مستويات اسعار الصرف في الداخل لما يجري على الحدود فانخفضت اسعار الصرف من مستوياتها الاعتيادية البالغة 1200 دينار\دولار إلى سعر الصرف المنخفض وذلك بعد تدفق الكميات الكبيرة من الدينار التي كانت لدى البلدين الجارين باتجاه شراء الدولار.

الجدير بالذكر ان هذه الظاهرة (ظاهرة الانخفاض الحالي لقيمة الدينار) هي ظاهرة طبيعية ناشئة عن آلية تكيف السعر في السوق وفقا" لقوى العرض والطلب وهي ليست ظاهرة مَرَضية. إلا ان ما عظم من شأن هذه الظاهرة هو ان الناس هنا في العراق مازالت ذكريات ما حدث لدينارهم في التسعينيات عالقة في اذهانهم. فالناس مازالوا يحسون لوعة ما جرى في التسعينيات. فتبادر إلى اذهانهم ان قد تكون هذه كتلك فاستبد بهم القلق. فبدا كثير منهم بالانتقال من الدينار إلى الدولار أو ان يوثق حقوقه به.

ومما عظم من هذه الظاهرة أيضا" هو تلبد الأجواء بمخاوف قيام مواجهة بين أميركا وإيران وما قد تجره من تداعيات في مضيق هرمز حيث يمر منه الجزء الأكبر من صادرات بترولنا وإيراداته الدولارية. ومما عظم هذه الظاهرة أيضا" ان هذا كله جرى في وقت رواج الحملة التي يقودها المصرف المركزي لإلغاء اصفار الدينار العراقي (فزاد من الهلع وغموض المستقبل) وفي وقت شجع المصرف على تسديد مبالغ الحوالات النقدية (الواردة إلى عراقيين من الخارج) بالدينار عوضا" عن الدولار فزاد ذلك من مخاوف الناس بل ان قرار المصرف الاخير لمعالجة الأمر بمنح (10 آلاف دولار) للمسافر بسعر (1148) قد زاد من الاضطراب بدلا" من ان يهدئه فكان البنك في اضطرابه كمن يحمل سلما" لينقله ولكن بالعرض.

قدر تعلق الأمر بأسعار السلع المستوردة فعندما ينخفض سعر صرف العملة المحلية لبلد ما فان سعر البضاعة المستوردة في البلد الذي انخفضت قيمة عملته يرتفع بالمقابل، إذ سيحتاج المشتري إلى دفع وحدات نقدية محلية أكثر مما كان يحتاجه قبل الانخفاض للحصول على نفس المقدار من المشتريات.

يذكر ان انخفاض قيمة عملة البلد المتمثل بانخفاض سعر صرفها تجاه العملات الأجنبية قد يكون سياسة مقصودة أو تقصدها السياسة النقدية للبلد المعني ابتغاء عدد من الأمور منها تشجيع صادرات البلد. والمثل على ذلك ما قامت به حكومة كوريا الجنوبية عام 2011 من تخفيض لقيمة عملتها إلـ (ون Won) فاستفادت صناعات التصدير الكورية ومنها صناعة السيارات وصناعة السفن والاليكترونيات، فكان ذلك عاملا" مهما" في تمكين شركة هيونداي الكورية (مثلا") من ان تبيع مليون سيارة في السوق الأمريكية في ذلك العام.

وهو أمر لم يسبق لها ان حققته في سوق من قبل، فتبوأت مكان سيارات نيسان وهونداي اليابانيتين (ذواتا سعر الصرف المرتفع) وازالتهما عن مكانتهما التي كانت السادسة للأولى والخامسة للثانية في تلك السوق. لكن من الجانب الآخر فان الحكومة الكورية فوجئت (نتيجة سياستها هذه) بما لم يكن متوقعا"، وهو احتجاجات للمستهلكين بين حين وآخر في شوارع العاصمة سيؤول تقول لافتتهم التي على الجانب الأيمن من الصورة التالية (الحكومة تضحي بمصالح 99% من الناس لصالح واحد بالمائة منهم). فيما يبين الشكلان البيانيان التاليان صعود مؤشر سعر المستهلك (الشكل في الجهة اليسرى) مقابل هبوط مؤشر القدرة الشرائية الحقيقية لأجر العامل الكوري خلال عام 2011 وهي فترة انخفاض سعر صرف العملة الكورية (الشكل في الجهة اليمنى).

وقد يتخذ تخفيض قيمة عملة البلد شكلا" آخر وهو ان تجبر الدولة الراغبة في تخفيض قيمة عملتها دولة أخرى أو أكثر على رفع قيمة عملة ذلك البلد. وهو ما فعلته امريكا خلال فترة نزاعها التجاري (Trade Friction) مع اليابان والمانيا (ايام المارك الالماني) فانخفضت قيمة الدولار بين عام 1985 والآن إلى ثلث ماكان عليه سعر الصرف سابقا" من 220 ين للدولار إلى 80 ين للدولار فارتفعت قيمة الين وانخفض الدولار. فقيمة الدولار تجاه الين اليوم في عام 2012 هي ثلث قيمته التي كان عليها عام 1985 بمعنى انه فقد ثلثي قيمته تجاه الين. واليوم تضغط امريكا على الصين لاجل ان ترفع هذه الاخيرة قيمة عملتها ومن ثم زيادة صادرات امريكا للصين وانخفاض صادرات الصين لامريكا. فامريكا تنتهج هذا المسلك كسلك حمائي لمنتجاتها وتعديل كفة ميزانها التجاري مع هذين البلدين يعوضها عن فرض رسوم وقيود كمركية حمائية ضد صادرات اليابان والصين اليها، وبالمقابل يشجع صادراتها إلى هذين البلدين. وهو نفس الهدف الذي سيتحقق لامريكا فيما لو اجرت تخفيضا" مباشرا" لعملتها الدولار (مثلما فعلت كوريا) لكنها لا تريد ان تشعل حرب تخفيض عملات. فهي لا تفعل ذلك لعدد من الاعتبارات وهي الحاملة لراية تحرير التجارة وتقليل القيود الكمركية. وهي لا تريد ان تنهى غيرها عن سياسة ثم تأتي هي بمثلها. عند ذاك سينطبق عليها قول الشاعر:

لا تنهَ عن خُلُقٍ وتاتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ

المفارقة في العراق:

بينما يضيف انخفاض قيمة الدينار عبئا" كلفويا" على أسعار المستهلكين فان مجلس النواب يريد ان يقر قانون التعريفة الكمركية ليضيف أعباء" كلفوية أخرى على الناس وليولد (ضغطا" على ضغط) أو بعبارة أخرى (فوكــَ حكَه دُكَه)).

المتضررون والمستفيدون من انخفاض سعر صرف الدينار العراقي

ان الانخفاض الحالي لسعر صرف الدينار مقابل الدولار يترتب عليه استفادة فئات من الناس وخسارة لفئات أخرى في العراق وكما يلي:

المتضررون وهم:

أ- اصحاب المدخرات الدينارية:

فبعد أن إزدادت ثقة المدخرين بالدينار (خلال السنين الاخيرة) دفعت تلك الثقة اعدادا" كبيرة منهم ان يتحولوا في مدخراتهم بأن يحتفظوا بالجزء الأكبر من مدخراتهم بالدينار. ومن بين هؤلاء تجار وصناعيون وغيرهم. فعندما سيحتاجون الى تحويل مدخراتهم الى الدولار سيحصلون على دولارات اقل مما لو كانوا قد ادخروا اموالهم بالدولار.

ب- المقاولون بمقاولات اسعارها دينارية:

فهؤلاء يستلمون دنانير. لكن اغلب او كثيرا" من نفقاتهم ومشترياتهم المحلية أو المستوردة تكون بالدولار عادة. ومن ذلك مبالغ مشترياتهم من المواد المستوردة الأجنبية المنشأ، كما هو حال مقاولي البناء والانشاء وما يشترونه من مواد انشائية وبنائية مستوردة. فعندما قدموا عروضهم كانوا قد قوموا تكاليف مقاولاتهم بسعر الصرف السائد قبل انخفاض قيمة الدينار، والان عليهم ان يدفعوا بسعر الصرف الجديد وفي هذا خسارة لهم. وعندما يستلمون متبقيات استحقاقات مقاولاتهم بعد تسليم العمل سيستلمون دنانير ذات مردود دولاري يقل عن الذي كان سائدا" عند الابتداء بالعمل.

ج- المؤجرون عقاراتهم بعقود وإيجارات دينارية: بينما مشترياتهم اليومية المعتادة تشهد اسعارا" دينارية مرتفعة.

د- المستأجرون عقارات بإيجارات دولارية لكن دواخلهم دينارية:

 فعليهم الان ان يشتروا دولارات بسعر اعلى من السابق.

هـ- المنتجون:

كونهم سيبيعون منتجاتهم بأسعار دينارية في حين يشترون مدخلات إنتاجهم بأسعار دولارية.

لكن الخيار امامهم ان يرفعوا اسعار منتجاتهم مما يجعلها عرضة لانخفاض حجم مبيعاتهم

و- المتقاعدون.

ح- الفقراء المشمولون ببرامج الرعاية الاجتماعية: ولسان حالهم (فوگ درد الله ضربني بميجنه) مثلما يصفه الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي.

ط- المقرضون بالدينار:

فهؤلاء سيستردون قروضهم الدينارية بمبالغ دولارية تقل عن المبالغ الدولارية التي كانت سائدة يوم الاقراض.

ك- المقترضون بالدولار:

حيث سيسددون ديونهم عند الاستحقاق بدولارات ذات قوة شرائية دينارية أقل من قوتها في تاريخ الاقراض، فدولار التسديد يزيد عن دولار الاقراض.

ل- الموظفون والعاملون بأجور دينارية والكسبة:

فهؤلاء يحققون حجم سلة مشتريات دولارية تقل عما كان يحققه نفس مبلغ الراتب أو الاجر عند تحويله للدولار (لغرض الصرف في الاسواق المحلية).

معلوم ان نحو 90% من قيمة مشتريات الناس عندنا في العراق هي لمنتجات مستوردة. وانك لاتدخل بقالة أو مركز تسوق إلا وتجد ما لا يقل عن 90 % مما على رفوفه من البضائع هي بضائع مستوردة. وهذه ترتفع اسعارها عند انخفاض قيمة النقد العراقي وارتفاع سعر صرفه تجاه الدولار. ان هذا الضرر سيتعاظم كثيرا" مع الانسحاب التدريجي الجاري للدولة من نظام البطاقة التموينية.

المستفيدون:

أ- اصحاب المصارف الاهلية ومكاتب الصيرفة وشركات التحويل المالي: فهؤلاء يشترون الدولار من البنك المركزي وهو حق محصور بهم بسعر 1،148 دينار للدولار الواحد وكانوا يبيعون الدولار بـ 1،200، اما الآن يبيعونه بـ 1،300، فأنخفاض سعر صرف الدينار العراقي هنا قد زاد من هوامش ارباح هذه الفئات، علما ان البنك المركزي يخصص لمكاتب الصيرفة مبلغ 250 الف دولار اسبوعيا بسعر الصرف المذكور وهو 1،148، ويذكر ان حصر بيع البنك المركزي الى هذه الفئات دون المواطنين يمثل تحالفا بين المال والسياسة في العراق(Business-Politics Alliance) حيث استطاع رجال الفئات المذكورة بما لديهم من مواقع ومراكز الحصول من صناع القرار على هذه الميزة وهي حصر بيع البنك المركزي لهم دون بقية الناس.

ب- اصحاب المدخرات الدولارية: كونهم سيستطيعون شراء دنانير اكثر عددا" مما كانت تتيحه نفس مبالغ مدخراتهم.

ج- الموظفون والاجراء بالدولار العراقي: كونهم سيستلمون نفس الاجر ولكنه ذو قوة شرائية محلية اكبر وعدد دنانير اكبر حيث سيزداد عدد الدنانير مقابل كمية الدولارات.

د - المقترضون بالدينار وإيراداتهم ومدخراتهم بالدولار: كونهم سيسددون مبالغ ديونهم وفوائدها بدنانير ارخص سعرا".

هـ - المصدرون: ان للعراق صناعات ونشاطات تصديرية عدا البترول (والبترول لايدخل في بحثنا هذا لعدم وجود علاقة)، في مقدمتها التمور ومشتقاتها، والصوف والجلود والمصارين ومنتجات الصناعات الريفية والبيتية من سجاد وبسط ومنتجات زراعية وصناعية وخدمات ونشاطات تصديرية اخرى.. فلهذه الصناعات والنشاطات ارتباطات اقتصادية خلفية تتمثل بالاف المشتغلين في تجهيزها بمدخلاتها. رغم ان مبلغ هذه الصادرات السنوي هو بحدود 1% من اجمالي صادرات العراق لكنه مهم ايضا".

ان سعرا" تصديريا" مقداره (2200) دولار للطن الواحد من الصوف العراقي المغسول كان قبل تدهور سعر صرف الدينار العراقي يجلب للمصدر العراقي (2.64) مليون دينار. لكن تدهور سعر الصرف الى (1300 دينار/دولار) صار يجلب (2.88) مليون دينار، بزيادة مقدارها (240) ألف دينار في الطن الواحد عن السعر الديناري السابق قبل التدهور. ان صناعة التمور ومشتقاتها ستستفيد من نفس الظاهرة (ظاهرة إرتفاع السعر الديناري للصادرات العراقية). وكذلك سائر المنتجات التصديرية. فيم لا يقوم مجهزو هذه الصناعات والنشاطات برفع اسعار خدماتهم أو اجور عمالهم. ذلك ان مستويات الاجور تكون عادة أبطأ في التأثر بعوامل الطلب والعرض من الأسعار فهناك فاصل زمني او ما يدعى بالانكليزية Time lag بين المتغيرين. فالعاملون بهذه الصناعات ومجهزيها بمدخلاتها أصبحوا بين مطرقة ثبات الأجور وسندان التضخم الناجم عن انخفاض قيمة الدينار.

ومن جهة أخرى ان مشتريات المواد الخام لأبرز صناعتين تصديريتين وهما التمور والصوف المغسول، هما مشتريات موسمية، ولموسم واحد ومرة واحدة في العام الواحد. فالصوف الخام في الربيع (اذار/نيسان) وهو (موسم قص الصوف). والتمر الخام في الخريف (أيلول/ تشرين الأول) موسم قطاف التمر. بما يعني ان هاتين الصناعتين قد اشتريتا مدخلاتهما المادية يوم كان سعر الدولار 1200 دينار/دولار. فهما الآن تستفيدان بعد إنخفاض سعر صرف الدينار. تفيد المعلومات المتوفرة إن الجزء الأكبر من الاحتياطيات النقدية لهاتين الصناعتين، مثلما لغيرهما من الصناعات التصديرية وغير التصديرية في العراق هي احتياطيات مدخرات دولارية. ففي شركة صناعات النمور العراقية (اكبر شركة تمور في العراق (مختلطة، حكومية ـ خاصة)) يشكل مبلغ الاحتياطيات النقدية الدولارية نحو ثلثي القيمة السوقية لأسهمها. من الملفت للنظر ان وزارة التجارة تمتلك (40%) من رأسمال هذه الشركة. فوزارة التجارة وهذه الشركة ستستفيدان من سعر الصرف الجديد.

كما أسلفنا فان أهمية أي من الضرر أم النفع الاقتصادي في هذه الصناعات التصديرية تتضح بالنظر إلى الارتباطات الاقتصادية الخلفية وعدد العاملين وتكاليفها المحلية. وعلى العموم فان انخفاض قيمة الدينار هو ذو ضرر شامل لجمهور الناس في العراق بما يرفعه من تكاليف السلع المستوردة وقيمتها التي تشكل 90% من مشتريات الناس كما سبقنا الإشارة إليه آنفا".

يلاحظ ان انخفاض سعر صرف الدينار في حالة العراق سينفع أناسا" ويضر آخرين.

يذكر ان التصاعد المتواصل الرهيب الذي حدث في الأسعار في حقبة الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي في العراق لم يكن بسبب زيادة كمية عرض النقود بذاتها. وإنما لكون تلك الزيادات كانت بدون رصيد حقيقي يقابلها أو متانة اقتصاد وطني ودخل قومي او ناتج محلي يدعمها، فضلا" عما كان من قيود تجارة وتحويل خارجي فكان سلوك الدولة في إصدار العملة مثل سلوك تاجر يصدر صكوكا" دون رصيد يفي بقيمتها الاسمية، وهذه تذكرنا بيوم سُئِل وزير التصنيع العسكري (في أواسط سني التسعينيات من القرن العشرين) عن مبلغ كلفة إنشاء الجسر ذي الطابقين في بغداد وهو اكبر وأعظم جسر أنشئ فيها، فقال (إنها كلفة حمولة سيارة بيكاب من الورق مع برميل حبر) – يا بلاش!!!. و إلا فان كمية النقد في التداول في بلد كاليابان هي أكثر من كمية العملة العراقية (كرقم مطلق) في التداول.

أما في مرحلة ما بعد الحرب، فأن الرصيد مستوف ولكن مصدر ارتفاع أسعار السلع المستوردة هو انخفاض قيمة الدينار العراقي للأسباب التي اشرنا إليها سابقا" بالإضافة إلى ارتفاع الكلف. ومع ذلك نعود ونقول ان ظاهرة انخفاض قيمة العملة العرقية الحالي هو ظاهرة طبيعية وليست مرضية وقابلة لاستعادة التوازن.  

* مركز الاعلام الاقتصادي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م