تعي أنظمتنا الحاكمة جيداً أن بين ظهرانينا كمواطنين هنالك من يركض
لاهثاً خلف مال يجنيه أو خلف وظيفة مرموقة تلبي طموحه أو خلف مكانة
سياسية يسعى لها أو لتحقيق مصلحة خاصة له، فتقوم على الدوام بتجهيز
سلاحها الفتاك: ضخ المال وتقديم الإمتيازات والمنافع لشراء ذمم الأشخاص
لضمان ديمومة طاعتهم وولائهم لها ولتسيرهم وتوجههم نحو ما يحقق إستقرار
وضمان إستتاب الأمور لتلك الأنظمة عندما تستدعي الحاجة.
هؤلاء الاشخاص لا يمكننا الإدعاء بجهلهم فمنهم المثقف ومنهم المتعلم
ومنهم السياسي ومنهم المجرمون من عامة المجتمع، كما أن منهم الصحفيون
ورجال الأعمال ومنهم من يمثل الوطن تحت قبة البرلمان.
كما أن هؤلاء الأشخاص المنتشرون بين جميع أوساط وشرائح المجتمع قد
نجدهم داخل دور العبادة والجامعات ولن نفاجأ إذا ما علمنا أنهم
يتواجدون بين عمال الوطن ( النظافة) أيضا.
وحالما تدق ساعة الصفر نجد جيشاً جراراً قد إنتشر في كل ركن وزاوية
من مدينتنا الفاضلة،،، في شوارعها الرئيسية والفرعية،،، في الحارات
وبين الجيران وداخل البقالات،،، داخل المقاهي ودور العبادة والأسواق
المركزية.
تنتشر كتائب هذا الجيش العرمرم في كل مكان تقريباً...
منهم من يستعمل الورقة والقلم كمهمة إستقصائية....
منهم من يشحن قلمه بعتاد الحبر...
الخطاطون يعملون أيضاً ليل نهار من أجل تسليم طلبية اللافتات التي
صيغ مضمونها بما يدعو الى ولاء والتأييد.
المطابع تعمل على أنهاء طلبية البروشورات المستعجلة ولم تعد تكترث
لاستقبال مكالمات هاتفية من زبائنها كالعادة.
قد يصدر أمر بالافراج المشروط عن المجرمين واصحاب الإسباقيات
والمصنفون خطر على المجتمع لينزلوا إلى الشارع وينكلوا بالمتظاهرين
الداعين الى كسر القيود والاغلال التي تكبل أيديهم.
تبدأ الكتائب وجنودها، كل من موقعه ووظيفته وعتاده الذي يحمله بحربه
الضروس ضد كل من يعمل ضد النظام الحاكم، حاملاً إيديولوجية غريبة تعتبر
كل من يخالف النظام عدوي والعكس صحيح.
تختلف أعمال وأفعال هؤلاء الاشخاص الذين تختلف تسميتهم من دولة
عربية لأخرى( الشبيحة في سوريا وبالمرتزقة في ليبيا والبلطجية في مصر
والسحيحة والزعران في الأردن ) فمنهم من إختص بالكتابة ومنهم من إختص
بالدفاع تحت قبة البرلمان ومنهم من إختص بالضرب ومنهم من إختص بالقتل
ومنهم من اختص بإشاعة الفوضى والشائعة ومنهم من إختص بنقل الصوت
والصورة وإنتاج برمجة تلفزيونية غايتها تحريف الوقائع والحقائق كما
نشاهد في كثير من محطات التلفزة الرسمية والموالية.
للأسف فإن مهمة أغلب هؤلاء الأشخاص ووجودهم لا ينتهي بسقوط تلك
الأنظمة لسبب بسيط هو أننا لا نعرفهم جميعاً ولأنهم ترعرعوا في بيئة
فاسدة أو جاهلة بالقيم ولأنهم سعوا في حياتهم لكسب المال أو الإمتيازات
فقط.
هؤلاء الأشخاص يذهبون عاجلاً أم أجلاً ( بموت طبيعي - محاكمة - هروب
) ولكنهم للأسف يورثون معتقداتهم وإيديولوجياتهم لأبنائهم أو لأشخاص
أخرين من نفس بيئتهم يحملون نفس الإيديولوجية، سرعان ما يظهروا مجدداً
لرعاية وتربية أجنة حكم فاسدة وتمكنها من بلوغ سن الرشد لتصبح أنظمة
حاكمة فاسدة، وهلم جر في مسرحية ساخرة عنوانها " صناعة الاساطير في
دولنا العربية ".
في دول متحضرة تسبقنا بملايين الجيجابايتات من المعرفة نجد أن
الحاكم لديهم ينسحب من المشهد السياسي بكرامة ودونما إزلال دون أن يضاف
إسمه أو يخلد إلى لائحة العظماء المخلدة لديهم.
فالحاكم لديهم موظف عام تنتهي ولايته حالما يقرر الشعب ذلك دون ان
يكون بمنأى عن المسائلة أو العزل طيلة مدة ولايته.
بينما نجد خلاف ذلك في دولنا ومجتمعاتنا العربية حيث يخلد الحاكم
حتى بعد وفاته وعندما أنظر بحيادية وتمعن لما انجزه هذا الحاكم أو ذاك
لمجتمعه وأمته، فإني للأسف لا أجد إلا دماراً ونهباً وإستبداداً وقمعاً
وخيانة وسوء طالع لازم سياستها، جرنا وإياها الى ويلات الحروب
العبثية...
ففقي كل دولة عربية ومجتمع بات هنالك أسطورة خالدة سرعان ما يأتي
خلف لها لتعيش وتجبرنا على العيش في هالة أسطورية جديدة.
الغريب انك تجد من يبقى على ولائه وتأييده لذاك الحاكم الذي سقطت
ورقته وليس ذلك إلا من سنة الحياة تمهيداً لميلاد أجنة حكم سياسية
فاسدة جديدة للمستقبل.
والإعلام العربي للاسف يلعب دوراً كبيراً في الترويج لأساطير الحكام
وإبراز فضلهم ومكانتهم وقيمهم على الدوام كالإدعاء بأن الحاكم هومن بنى
نهضة المجتمع الوطن وهومن صنع أمجاده، في سابقة خطيرة بين الأمم.
صناعة الأساطير: مصطلح مجازي للكناية عن دور المال والمنفعة كسلاح
فتاك يستعمله البعض لشراء الولاء في محاولة لإبقاء وجودهم لأطول فترة
ممكنة |