الضمان الصحي للمبدعين

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: قبل شهر من بتر الاصبع الأولى للشاعر البصري العراقي المعروف (حسين عبد اللطيف)، توجّهَ عدد من الكتاب والمبدعين من اصدقاء الشاعر، بنداءات واضحة الى المعنيين في الدولة العراقية لابداء ما يلزم من الاهتمام به قبل أن تتفاقم حالته الصحية الصعبة، إلا أن جميع النداءات ذهبت في مهب الريح، وكأن الجميع كانوا ينفخون في قريبة مثقوبة، أو أن جميع المعنيين في الحكومة العراقية ومنهم وزارة الثقافة، قد سدوا أسماعهم بفتائل قطنية لا تسمح بعبور الصوت الى رأس المسؤول، وهكذا تم بتر الاصبع الخامسة لشاعرنا حسين عبد اللطيف، ثم سمعنا بأن ساقه كلها سيتم بترها، والمعنيون نائمون في فيء الصمت والفرجة، وكأن الامر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.

في مشهد آخر نقلت لنا الاخبار قبل أيام، أن أحد مبدعي الهند (ممثل هندي اسمه شاروخان) تم تأخيره في احد مطارات نيويورك ساعتين فقط، فتحول هذا الحادث الى قضية وطنية تمس الهند بأكملها، واشتغلت الدبلوماسية الهندية ووزارة الخارجية بكل عنفوانها وحرصها على كرامة مبدعها شاروخان، لأن كرامته تمثل كرامة الحكومة الهندية، بل كرامة الهند شعبا وتأريخا، حتى وصل الامر الى تقديم اعتذار رسمي إذ (أرسلت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية خطابا إلى بعثة الهند لدى نيويورك تعتذر فيه عن الحادث).

وهكذا فإن الامر لا يتعلق بالافراد، وأن الحكومة حين تبادر وتحمي مبدعيها من الحاجة (أيا كان نوعها، صحية أو سواها) إنما تقوم بذلك حفاظا على كرامتها هي اولا، ثم كرامة الدولة والشعب الذي تقوده سياسيا ومعنويا ايضا، ثم تحمي كرامة المبدع وهو (العملة النادرة) التي يجب أن تحافظ عليها الدولة بكل ثقلها، وهل نذكّر بحالة مبدع آخر (الشاعر والمؤلف المسرحي محمد على الخفاجي الذي اصيب بعجز كلوي) ولم تسنده الدولة في شيء يُذكر، أم نذكِّر بمبدعينا الذين ماتوا بصمت بسبب غياب الاهتمام الحكومي بالمبدعين؟؟.

لذا باتت الحاجة مهمة جدا، بل وفورية، الى تشريع قانون الضمان الصحي للمبدعين، وهي مهمة رسمية بالدرجة الاولى، أي مهمة الدولة والحكومة ومؤسساتها التشريعية وغيرها، بالاضافة الى دور المنظمات المعنية مثل اتحاد الادباء والكتاب ونقابة الفنانين وسواها، لكي يتم الشروع الفعلي بكتابة مسودة هذا التشريع الهام من لدن لجنة متخصصة بالقانون، مع مشاركة جهات معنية اخرى في هذا الشأن، ويتم عرض القانون للنقاش، ثم اقراره ليتم العمل وفقا لبنوده، على نحو يضمن للمبدع حقوقه الصحية، التي تقيه من حالة الامتهان والذل التي يتعرض لها عندما يصاب بأبسط الامراض، ولسنا هنا في مجال المزايدات التي يطلقها بعضهم، فيقول بأن هذه المطالبة تشكل نوعا من الاستجداء، لأن المال المصروف على المبدعين مخصص من اموال الدولة وليس من جيب هذا المسؤول او ذاك، وأن التنازل عن هذا الحق والسكوت عنه، يعني قبولا بضياع واستلاب حق لا غبار عليه.

لذلك لابد أن يتحرك الجميع للوصول الى نتيجة قانونية واضحة لا لبس فيها، تمنح المبدع حقه الصحي وتحمي كرامته وكرامة الدولة في آن، ولا نريد هنا أن نكرر ذكر التجارب المماثلة في بلدان تحترم كرامتها وتأريخها، فتحمي مبدعيها من العوز، وليس هناك عذر للحكومة او المعنيين بهذا الامر في حالة التلكّؤ باصدار قانون الضمان الصحي للمبدعين، مع أهمية التعامل الفوري مع الحالات الصحية المستجدة والمستعجلة منها، كما يحدث الآن مع الشاعر حسين عبد اللطيف، إذ لابد أن تقوم الحكومة العراقية ووزارة الثقافة بدورها في هذا الصدد، لذا نطالب جميع المعنيين بحماية المبدعين من المرض أولا، بطريقة قانونية لا تحرج أحدا، وتؤكد تحضّر الدولة العراقية وعصريتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/نيسان/2012 - 26/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م