شبكة النبأ: لاتزال الاوضاع في
السودان محط اهتمام وترقب للعديد من دول العالم التي تخشى من اتساع
رقعة الخلاف التي تحولت في الفترة الاخيرة الى نزعات عسكرية بسبب وجود
الكثير من الازمات والخلافات العالقة التي تصاعدت بعد تقسيم البلاد إلى
دولتين، ويرى بعض المراقبين ان تعنت الساسة في هذه البلاد فيما يخص بعض
القضايا سيسهم بإعادة شبح الحرب بين الدولتين الشقيقتين والتي ستسهم في
حدوث مأسي وكوارث اضافية يصعب السيطرة عليها فيما بعد.
وفي هذا الشأن تبادل زعيما السودان وجنوب السودان الاتهامات حيث
اتهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير جنوب السودان بانه اختار "طريق
الحرب" بينما اكد سالفا كير رئيس دولة الجنوب ان قواته ستتقدم الى
منطقة ابيي المتنازع عليها اذا لم تخرج منها قوات الشمال. وقال البشير
للصحافيين في مطار الخرطوم في ختام زيارة رئيس النيجر يوسوفو محمدو
للسودان ان "اخواننا في جنوب السودان اختاروا طريق الحرب تنفيذا
لأجندات خارجية لجهات كانت تدعمهم اثناء الحرب الاهلية". واضاف البشير
ان "الحرب ليست في مصلحة جنوب السودان او السودان وللأسف فان اخواننا
في الجنوب لا يفكرون في مصلحة السودان او جنوب السودان".
من جهته، قال رئيس جنوب السودان امام برلمان بلاده انه لن يأمر جيشه
بالانسحاب من منطقة هجليج النفطية المتنازع عليها التي استولى عليها
الجيش السوداني رافضا دعوات دولية بهذا المعنى. واعلن وزير الاعلام في
دولة جنوب السودان برنابا ماريال بنيامين ان بلاده وضعت لائحة شروط
محددة على الخرطوم للموافقة على سحب قواتها من منطقة هجليج النفطية
الحدودية التي سيطرت عليها. وقال الوزير "اولا يجب على السودان وقف كل
اعتداءاته البرية والجوية فورا". واضاف "على القوات المسلحة السودانية
التي تحتل ابيي ان تنسحب منها كليا".
وكانت القوات السودانية احتلت العام الماضي منطقة ابيي النفطية
المتنازع عليها ايضا بين البلدين. واوضح الوزير ان بلاده تشترط لاي
انسحاب من هجليج نشر "مراقبين دوليين" للقيام بدوريات على طول منطقة
حدودية منزوعة السلاح الى ان يتم الاتفاق على ترسيم الحدود المشتركة
بين البلدين بموجب تحكيم دولي.
وتأتي هذه التصريحات غداة دعوات صدرت عن مجلس الامن الدولي والاتحاد
الافريقي لسحب قوات جنوب السودان من هذه المنطقة الحدودية والنفطية.
وقال "هذه المرة لن اصدر اوامر الى قوات (جنوب السودان) بالانسحاب من
هجليج". وفي تلودي احدى مدن جنوب كردفان التي دار فيها قتال في وقت
سابق قال والي جنوب كردفان احمد هارون للصحافيين ان "كل انتاج النفط في
هجليج توقف منذ وقوع الهجوم "، موضحا ان "هذا التوقف سيكون لبعض
الوقت". واكد هارون لدى توقف طائرة تقل صحافيين في عاصمة ولاية جنوب
كردفان كادقلي، ان "جيشنا يتعامل مع الموقف ".
وفي بروكسل اكدت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون ان
احتلال جنوب السودان لمنطقة هجليج "غير مقبول". وقالت ان "القرار الذي
اتخذته القوات المسلحة لجنوب السودان باحتلال هجليج غير مقبول اطلاقا".
وعبرت اشتون عن اسفها ايضا لقصف طائرات الخرطوم لاراض في الجنوب، مؤكدة
انها "تشعر بقلق عميق من تصاعد النزاع المسلح على الحدود" بين
السودانين. من جهة ثانية قال رئيس جنوب السودان للبرلمانيين انه اكد
للامين العام للامم المتحدة بان كي مون في اتصال هاتفي "انه اذا لم
تنسحب قوات (عمر) البشير (الرئيس السوداني) من ابيي سنعيد النظر في
موقفنا وسنتقدم باتجاه ابيي". واكد انه قال ايضا لبان "لست تحت
اوامرك".
ودارت حرب اهلية بين الخرطوم وجوبا دامت عقودا حتى توقيع اتفاقات
السلام في 2005 التي افضت الى استقلال جنوب السودان في تموز/يوليو
2011. وقد اتهمت جوبا طائرات سودانية بأنها قصفت منطقة بالغة الاهمية
في جنوب السودان، معتبرة ذلك مرحلة جديدة من تصعيد للمعارك يحمل على
التخوف من حرب مفتوحة بين السودانين. وصرح ادم ياك ادم نائب وزير
الاعلام "لقد القوا قنابل على بنتيو وكانوا يستهدفون جسرا على ما
يبدو". وقال نائب الوزير "لم يصب احد بجروح لكن الجيش الشعبي لتحرير
السودان (جيش جنوب السودان) ارسل فريقا للتحقيق". واضاف "هذا الامر لا
يفاجئنا انهم يحاولون ايجاد ذرائع لشن حرب جديدة".
وبحسب هذا المسؤول القيت خمس قنابل على الجسر القريب من مجمع للامم
المتحدة، والذي يربط بنتيو بالطريق المؤدية الى الشمال. وتقع بنتيو على
بعد حوالى ستين كلم من الحدود مع السودان الذي يشهد معارك عنيفة بين
البلدين الجارين. وقال نائب الوزير "هاجموا اماكن اخرى، مثل قرى وبنى
تحتية نفطية وحقول نفط ... لكن بنتيو هي اول منطقة تتعرض للقصف". واضاف
"اعتقد انهم يريدون تعطيل وسائل الاتصال والنقل لدينا، قالوا انهم
يريدون تدمير الجنوب". واوضح نائب الوزير "هذا الامر لا يفاجئنا انهم
يحاولون ايجاد ذرائع لشن حرب جديدة". بحسب فرنس برس.
وقررت الخرطوم الانسحاب من المفاوضات التي تجرى برعاية الاتحاد
الافريقي، والرامية الى تهدئة علاقاتها مع جوبا. وتسابقت العاصمتان في
اصدار التصريحات النارية، ودعتا شعبيهما الى الاستعداد للحرب. ومنذ
تقسيم البلاد، ما زالت العلاقات متوترة بين السودان وجنوب السودان. ولم
تتوصل جوبا والخرطوم الى الاتفاق على ترسيم حدودهما وتبادلتا الاتهام
بأن كلا منهما يؤجج تمردا على اراضي الاخر. ويشكل النفط الذي يقع ابرز
حقوله في الجنوب مسألة خلافية كبيرة. ولدى حصوله على الاستقلال، ورث
الجنوب ثلاثة ارباع الاحتياطات النفطية، لكنه يحتج على الرسوم التي
تريد الخرطوم حمله على دفعها لاستخدام منشآتها التحتية. ولا تزال جوبا
تعتمد بالكامل على انابيب النفط السودانية لتصدير نفطها.
الاستعداد لحرب جديدة
في السياق ذاته دعا برلمانا السودانين ا السكان في كل من البلدين
الى الاستعداد لحرب جديدة بينما تستمر المعارك على طول الحدود المشتركة
بينهما في منطقة نفطية متنازع عليها. ففي الخرطوم، قرر المجلس الوطني
السوداني (البرلمان) وقف التفاوض مع جنوب السودان. وقالت وكالة الانباء
السودانية الرسمية ان "الهيئة التشريعية القومية بمجلسها الوطني
والولايات قررت وقف التفاوض مع الجنوب وسحب الوفد المفاوض فورا".
واضافت الوكالة ان البرلمان السوداني قرر ايضا "اعلان التعبئة العامة
لمجابهة الوضع الامني الراهن".
وفي جوبا اكد رئيس برلمان جنوب السودان جيمس واني ايقا ان على شعب
جنوب السودان الاستعداد من اجل الدفاع عن نفسه اذا ما سعى السودان "فعلا
الى الحرب"، داعيا النواب الاربعاء الى تعبئة السكان في هذا البلد
الجديد. وقال ايقا ان "الخرطوم يمكن ان تسعى الى حرب حقيقية (...) واذا
لم تدافعوا عن انفسكم، سيتم القضاء عليكم، لذلك يتعين عليكم تعبئة
الشعب ميدانيا ليكون على اهبة الاستعداد".
واتهمت وزارة الخارجية السودانية الجنوب بالتوغل في عمق اراضي
الشمال في "اخطر" انتهاك لاراضيه منذ استقلال دولة الجنوب في تموز/يوليو
2011. وقال رحمة محمد عثمان امام الصحافيين "اعتقد انه الاخطر (توغل)
منذ انفصال جنوب السودان وهذا يضر بمنطقتنا الرئيسية للانتاج
النفطي".واوضح ان قوات جنوب السودان توغلت 70 كلم في الاراضي السودانية
واصبحت داخل منطقة هجليج النفطية، داعيا الاسرة الدولية الى "الضغط على
جنوب السودان لسحب قواته من هجليج بدون شروط مسبقة".
واكد نائب مدير الاستخبارات العسكرية في جنوب السودان ماك بول ان
جيش جنوب السودان اتخذ مواقع في حقل هجليج النفطي الذي يطالب به
البلدان وانتزعته الخرطوم من جوبا. وقال من بنتيو عاصمة ولاية الوحدة
الحدودية الغنية بالنفط في جنوب السودان ان "الجيش الشعبي لتحرير
السودان اتخذ مواقعه في هجليلج وعمليات القصف مستمرة". واوضح ان القصف
استمر طوال الليل. بحسب فرانس برس.
ويؤمن حقل هجليج النفطي قسما كبيرا من انتاج النفط السوداني منذ
تقسيم البلاد. من جهة اخرى، نفى متمردون سودانيون مساندتهم لجيش جنوب
السودان في الهجوم على منطقة هجليج.
وقال المتحدث باسم متمردي الحركة الشعبية شمال السودان ارنو انتوقلو
لودي "ليس لدينا دخل بهذا نهائيا". وكانت الخرطوم اعلنت انها سترد بكل
الطرق على الهجوم الذي قام به جيش جنوب السودان مدعوما بقوات التمرد
على ثلاث مناطق في جنوب كردفان ابرزها هجليج". ويقاتل متمردو الحركة
الشعبية شمال السودان الذين ينتمون لقومية النوبة الافريقية الحكومة
السودانية منذ حزيران/يونيو الماضي.
كما اتهم السودان متمردي حركة العدل والمساواة في دارفور بالقتال
الى جانب قوات جنوب السودان على الحدود بين البلدين. الا ان المتحدث
باسم حركة العدل والمساواة جبريل ادم بلال قال عبر الهاتف من لندن "هذا
قتال بين السودان وجنوب السودان". واضاف بلال "لسنا طرفا في هذا النزاع
رغم ان قواتنا لديها وجود في جنوب كردفان". وينفي جنوب السودان مساندته
للمجموعات المتمردة في السودان.
الاستثمارات النفطي
من جانب اخر اعلن وزير النفط السوداني عوض احمد الجاز ان المعارك
التي درات في المنطقة الحدودية بين السودان وجنوب السودان حيث توجد
حقول انتاج النفط، لن تحول دون قيام استثمارات نفطية. وقال عوض الجاز
على هامش ندوة حول آفاق الاستثمار في السودان اقيمت في اطار اجتماعات
مجلس محافظي البنك الاسلامي للتنمية السابع والثلاثين "اكثر من سبعين
شركة عبرت عن رغبتها في دخول مجال استكشاف النفط والغاز في المربعات
الستة التي فتح باب تقديم العطاءات لها في كانون الثاني/يناير".
وتقع المربعات الجديدة قرب المنطقة التي اندلع فيها القتال على
الحدود بين السودان ودولة جنوب السودان في اعمال عنف اعتبرت الاسوأ بين
الدولتين منذ استقلال جنوب السودان في تموز/يوليو 2011. وكان خبير نفطي
سوداني اعلن ان "الانتاج في الظروف العادية هو 60 الف برميل يوميا (نصف
استهلاك السودان) ولكن بعد القتال هبط الانتاج الى 40 الف برميل لتأثر
بعض آبار النفط بالمعارك". واكد الوزير السوداني ان "اي منشآت نفطية لم
تدمر والانتاج يسير بصورة طبيعية". وحقول النفط في هجليج تشغل بواسطة
شركة النيل الكبرى وهي عبارة عن تجمع شركات تقوده المؤسسة الصينية
الوطنية للنفط.ويدعي كل من السودان وجنوب السودان احقيته بمنطقة هجليج.
وخسر السودان 36 % من ايرادات ميزانيته بعد ان اصبح 75% من انتاج النفط
في دولة جنوب السودان، كما ان عائدات النفط كانت تمثل اكبر مصدر
للعملات الصعبة للسودان.
واقع المواطن
من جانب اخر تسود حالة من الذعر بين اصحاب السيارات السودانيين
الذين ازدحموا على محطات الوقود بالخرطوم بعد الاشتباكات التي حدثت في
حقول النفط السودانية بين السودان وجنوب السودان.ويذكر "ان 50 سيارة
اصطفت في محطة للتزود بالوقود بوسط العاصمة السودانية لملء خزانات
الوقود". وقال حسين ادم البالغ من العمر 48 عاما ويعمل موظفا حكوميا
وهو يقف بسيارته في الصف للتزود بالوقود "يبدو ان حالة من القلق انتابت
الناس بان ما جرى في هجليج سيؤثر على انتاج النفط بالبلاد". واضاف ادم
"في العادة اشتري يوميا بنزين بعشرة جنيهات سودانية (2 دولار امريكي)
ولكن عندما شاهدت هذه الصفوف قررت ان اشتري اكثر". وقال احمد عمر (35
عاما) وهو رجل اعمال كان ينتظر دوره "سمعت ان هناك نفصا بالوقود". وقال
سائق اخر اسمه عبد الماجد ان "الصفوف بدأت بعد ان سمعنا انباء القتال
في هجليج هذا ما جعلني اتي لهنا".
من جهة اخرى انتهت المهلة المحددة لمواطني جنوب السودان المقيمين في
شماله والعودة الى الجنوب او التسجل لدى سلطات الخرطوم بعد انقسام
البلاد ما يجعل مصير نصف مليون شخص غامضا. وقد فر ملايين الاشخاص خلال
عقدي الحرب الاهلية بين شمال وجنوب السودان من المعارك واستقروا في
الشمال، وعاد منهم مئات الاف الى الجنوب مع نهاية الحرب في 2005 ثم
انقسام البلاد في تموز/يوليو الماضي. لكن تفيد بعض التقديرات ان نحو
نصف مليون سوداني جنوبي لم يرحلوا غالبا لعدم التفريط في وظيفة او
لانهم تزوجوا في الشمال كما ان الكثير من الذين ما زالوا في الشمال من
قدماء الموظفين المفصولين خلال الانقسام وينتظرون التعويضات.
غير ان جيل هيلكي مسؤولة بعثة المنظمة الدولية للهجرات في السودان
ترى انهم جميعا لا يعرفون كيف يحصلون على وضع مقيم في السودان، وارسل
جنوب السودان مسؤولين الى الشمال دعوا الجنوبيين الى عدم الانجرار الى
الهلع. واوضح القس سيلفستر توماس عميد كاتدرائية الخرطوم الاسقفية في
اتصال هاتفي من جوبا حيث توجه لاستلام جواز سفر قبل العودة الى الشمال
حيث تعيش عائلته "في الوقت الراهن لا نعلم ما الذي سيحصل". ولا يعلم
القس اين يجب التوجه من اجل الحصول على وضع مقيم في الخرطوم مؤكدا ان "العديد
من الجنوبيين يرغبون في البقاء في الشمال" واضاف "اننا لا ندري ما
العمل لتصحيح اوضاعنا".
وتزامن انتهاء المهلة مع توتر حاد بين البلدين بعد اسبوعين من معارك
عنيفة عند الحدود اعادت هاجس نشوب نزاع مسلح مجددا بينما ما زال العديد
من القضايا الحساسة عالقا منذ انقسام البلاد.
وزار وسيط الاتحاد الافريقي ثابو مبيكي جوبا والخرطوم محاولا نزع
فتيل الازمة وتطرق مع الرئيس السوداني عمر البشير الى قضية مستقبل
الجنوبيين المقيمين في الشمال. وصرح رئيس جنوب افريقيا سابقا للصحافيين
ان "الرئيس البشير اعلن ان السودانيين مضيافون جدا وان العديد من
الافارقة يقيمون في السودان ولا مبرر للخوف". وفي الاثناء ما زال الاف
الجنوبيين ينتظرون الرحيل وحوالى 11 الفا منهم يقيمون منذ اشهر في
ملاجئ مرتجلة في كوستي بين الخرطوم والحدود الجنوبية وتحاول المنظمة
الدولية للهجرات توفير عبارة لنقلهم على النيل الابيض.
على صعيد متصل اتهم جنوب السودان السودان باحتجاز 35 الفا من
مواطنيه ك"عبيد" ما ادى الى تجميد المفاوضات الجارية في اديس ابابا بين
البلدين وزاد من حدة التوترات المتاججة بالفعل. وقال كبير مفاوضي جوبا
باقان اموم "يوجد مع الاسف خلاف لان حكومة السودان ترفض ان تدرج (في
المباحثات) اطلاق سراح نحو 35 الف مواطن جنوبي سوداني يعاملون كعبيد".
وقد استؤنفت المباحثات في 6 اذار/مارس في العاصمة الاثيوبية بين
السودان وجنوب السودان حول العديد من نقاط الخلاف ومن بينها تلك
المتعلقة بتقاسم عائدات النفط والجنسية.
واستنادا الى اموم فان هؤلاء الاشخاص احتجزوا كرهائن خلال الحرب
الاهلية الدامية التي جرت من 1983 الى 2005 بين الخرطوم والحركة
الشعبية لتحرير السودان الانفصالية التي تتولى حاليا الحكم في جنوب
السودان. وقد خطف الالاف وبينهم عدد كبير من الاطفال من جنوب السودان
خلال الحرب من قبل ميليشيات مسلحة اقتادتهم الى الشمال حيث ارغموا على
العمل بالسخرة وفقا لشهادات متطابقة لضحايا تمكنوا من الفرار او لاهالي
هؤلاء المخطوفين.
الا ان السودان ينفي وجود مستعبدين على ارضه في حين تختلف التقديرات
كثيرا بشان عدد المحتجزين رغما عنهم لتذهب من بضعة الاف الى عشرات
الالاف. من جانبه ندد كبير مفوضي الخرطوم صابر محمد الحسن بنهج "غير
بناء" من قبل جنوب السودان الذي اتهمه بالتسبب في انهاء اجتماع اليوم.
واوضح المفاوض السوداني انه عرض انشاء لجنة عالية المستوى لحل المشاكل
المتعلقة بالجنسية لكن ممثلي جنوب السودان "اصروا على الدخول في
التفاصيل وهذا ما رفضناه فانتهى الاجتماع". بحسب فرنس برس.
ويوجد ما بين 300 الى 500 الف من ابناء جنوب السودان في السودان
الذي امهلهم حتى الثامن من نيسان/ابريل المقبل لمغادرة اراضيه او توفيق
اوضاعهم. وترى الامم المتحدة انه من المستحيل عمليا اعادة كل هؤلاء في
خلال هذه المهلة.
واستنادا الى الحسن فان جوبا اصرت على ان يتم مقدما تحديد كيفية
اعادة هؤلاء الى جنوب السودان. ورغم ان اموم يقول انه انه ما زال
متفائلا بامكانية توصل الجانبين الى تسوية لمشكلة الجنسية رغم هذا
الخلاف فان نظيره السوداني يرى انه من غير المرجح التوصل الى اتفاق
محتمل قبل انتهاء جولة مفاوضات اديس ابابا المقرر في 16 اذار/مارس.
وقال "ان الاتفاق يتم بمشاركة الطرفين. وانا شخصيا لست متفائلا حقا".
ويتعين ان يتفق الطرفان ايضا على رسوم مرور نفط جنوب السودان عبر خط
الانابيب الذي يعبر الاراضي السودانية. وقد ورث جنوب السودان ثلاثة
ارباع انتاج النفط السوداني قبل الانفصال (حوالي 350 الف برميل يوميا)
الا انه ما زال يعتمد على الشمال في تصديره. وقد قررت الخرطوم الحصول
على عائدتها عينا بسحب كميات من النفط الذي يمر عبر اراضيها الامر الذي
اثار غضب جوبا التي اوقفت انتاجها في كانون الثاني/يناير الماضي.
انعدام الامن الغذائي
في السياق ذاته يهدد انعدام الامن الغذائي حوالى 4,7 ملايين شخص في
جنوب السودان عام 2012 مقابل 3,3 ملايين عام 2011، في تدهور كشف عنه
تقرير مشترك لمنظمة الاغذية والزراعة وبرنامج الاغذية العالمي. واعربت
منظمة الزراعة والاغذية الدولية (الفاو) عن قلقها ازاء نقص الغذاء
الحاد الذي يطال حوالى مليون شخص، مقابل 900 الف عام 2011. والتقرير
ثمرة بعثة لتقييم المحاصيل والامن الغذائي نفذت بطلب من وزارة الزراعة
والغابات في جنوب السودان.
وراى التقرير ان استمرار النزاعات وارتفاع اسعار الاغذية سيؤولان
الى ارتفاع عدد الذين يعانون من نقص الاغذية الحاد الى ضعفيه. وقال
مدير برنامج الاغذية العالمي في جنوب السودان كريس نيكوي في بيان "انها
ازمة وشيكة لا يمكن للعالم ان يستخف بها". وتابع محذرا "الوضع مأساوي،
ونحن نبذل كل جهدنا للاستعداد لمواجهته، لكن الوقت يضيق". وقال رئيس
مكتب الفاو في جنوب السودان جورج اوكيه "ينبغي كسر الحلقة المفرغة
للجوع والفقر. وهذا ممكن عبر مساعدة الناس على استئناف الزراعة وتربية
الماشية ونشاطات اخرى تساعدهم على البقاء".
وافاد التقرير ان انتاج الحبوب الوطني عام 2011 اتى اقل ب19% من
العام الفائت و25% من معدل السنوات الخمس الفائتة. وساء المحصول بشكل
اساسي نتيجة شح الامطار في بدء الموسم فيما فاقمت النزاعات الجارية
الوضع عبر توقف العمل في الحقول بشكل متكرر. عام 2012 يتوقع ان ينقل
برنامج الاغذية العالمي في اطار عمليات الاغاثة 150 الف طن من الاغذية
الى 2,7 ملايين شخص معرض للخطر.
وتطلب الفاو لمواجهة هذه الحالة 23 مليون دولار من الدول المانحة.
كما اشارت الفاو في تقرير حصلت فرانس برس على نسخة منه في الخرطوم الى
قلقها حيال منطقتين في السودان هما جنوب كردفان والنيل الازرق اللتين
تشهدان نزاعات حدودية بين السودان وجنوب السودان. وقالت الفاو في
التقرير "تعبر الفاو عن قلقها البالغ حول التقارير التي تأتي من مناطق
القتال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، وتشير الى تزايد حالة
انعدام الامن الغذائي هناك. ينبغي اجراء تقييم عاجل للحاجات وتقديم
مساعدات عاجلة للذين يطالهم نقص الغذاء". واشار التقرير الى "ضرورة
زيادة الواردات من الحبوب فيما تقل موارد الاقتصاد السوداني التي
يولدها التبادل التجاري بسبب العجز" داعية الى التعاون بين الحكومة
والمانحين والوكالات الانسانية. وافادت الفاو ان "انتاج السودان من
الحبوب الغذائية بلغ 2,77 مليون طن" وطلبت مساعدة عاجلة بقيمة 31,4
مليون يورو.
من جانبها فقد اعلنت الامم المتحدة ان حوالى ثلاثين الف شخص فروا من
المعارك الدائرة خلال الاشهر الاخيرة في ولاية جنوب كردفان في السودان
بعد ان خطف متمردون 29 عاملا صينيا في تلك المنطقة. واكد مكتب تنسيق
الشؤون الانسانية للامم المتحدة الجمعة ان التوتر ما زال شديدا في شمال
غرب تلك الولاية حول بلدة العباسية. واكد المكتب في تقريره الاسبوعي ان
"المنظمات الانسانية افادت ان النزوح مستمر اثر حشد تعزيزات من القوات
المسلحة السودانية في المنطقة وان المواجهات قد تندلع في اي حين بين
الجيش والمتمردين". وخطف متمردون من الجناح الشمالي للحركة الشعبية
لتحرير السودان في جنوب كردفان قبل اسبوع العمال الصينيين في هجوم على
قافلة للجيش السوداني في شمال شرق الولاية.
واضاف ان في 28 كانون الثاني/يناير "افادت منظمات انسانية ان عناصر
حركة التحرير سيطروا على عشر قرى في منطقة العباسية". و"نزح نحو 12
الفا من تلك القرى في اتجاه شمال غرب بلدة العباسية" بينما رحل 18 الفا
اخرون اي تقريبا كل سكان العباسية من تلك البلدة.
وتشهد ولاية كردفان الجنوبي وهي اخر منطقة نفطية في السودان بعد
انفصال جنوب السودان، منذ حزيران/يونيو 2011 مواجهات يرجح انها اسفرت
عن سقوط مئات القتلى بين الجيش السوداني والمتمردين. ولمبررات امنية
ترفض الخرطوم السماح للامم المتحدة والمنظمات الانسانية الاجنبية دخول
تلك المناطق. وقد ارسلت بكين وفدا من ستة اشخاص للمشاركة في المساعي
الرامية الى الافراج عن المحتجزين الذين كانوا يعملون في مشروع بناء
طريق.
وصرح ارنو نغوتولو لودي الناطق باسم حركة التمرد في ولاية جنوب
كردفان ان الفريق الصيني لم يتصل بعد بالمتمردين وان الصينيين يلقون
معاملة جيدة. واكد مكتب تنسيق الشؤون الانسانية ان نحو 140 الف لاجئ
سوداني فروا الى جنوب السودان واثيوبيا منذ اندلاع المعارك في جنوب
كردفان (حزيران/يونيو) والنيل الازرق (ايلول).
وتدور معارك ضارية منذ الصيف ايضا في ولاية النيل الازرق التي تقع
على الحدود الجديدة بينما تحاول الخرطوم بسط نفوذها على جزء من سكان
تلك المناطق التي قاتلت في صفوف المتمردين الجنوبيين خلال الحرب
الاهلية بين الشمال والجنوب (1983-2005). وتعتبر الصين شريكا اقتصاديا
وسياسيا حاسما بالنسبة للخرطوم التي ترزح تحت العقوبات الاقتصادية
الاميركية منذ 1997، كما انها اكبر مستثمر اجنبي في القطاع النفطي
واكبر مستوردي النفط السوداني ومن اهم مزودي السودان بالعتاد العسكري. |