الاردن... صراع إرادات متضاربة

عبد الامير رويح

 

شبكة النبأ: لاتزال الحكومة الاردنية تواجه العديد من التحديات الداخلية بسبب تلك المظاهرات الشعبية المطالبة بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية عاجلة والتي اتت على خلفية ما يعرف بالربيع العربي الذي اسهم بالإطاحة بالعديد من الانظمة الحاكمة، ويرى بعض المحللين ان مثل هكذا تظاهرات يمكن ان تدخل البلاد في ازمة من الصراعات الداخلية خصوصا مع وجود بعض الاحزاب المعارضة وبعض الحركات المتطرفة التي، و وبرغم من خضوع الحكومة الى تنفيذ بعض المطالب لكنها ما تزال متهمة بانتهاك حقوق الانسان ، فقد وجه مدعي عام محكمة امن الدولة الاردنية تهمة "اطالة اللسان على مقام الملك" و"التحريض على مناهضة الحكم" ل13 اردنيا، على ما افاد مصدر قضائي اردني. وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه ان "مدعي عام محكمة امن الدولة وجه ل 13 شخصا من المشاركين في اعتصام رئاسة الوزراء تهم التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي في المملكة والتجمهر غير المشروع والقيام بأعمال الشغب واطالة اللسان على جلالة الملك".

من جهته، قال الناطق الاعلامي باسم مديرية الامن العام المقدم محمد الخطيب ان "الاجهزة الامنية افرجت عن 15 من الموقوفين على خلفية الاعتصام، فيما جرى احالة 13 آخرين لامن الدولة". وكان نحو 200 ناشط من الحراك الشبابي اعتصموا امام رئاسة الوزراء في عمان للمطالبة باطلاق سراح ستة اشخاص متهمين ب"اطالة اللسان على مقام الملك" قبل ان تتدخل قوات الشرطة لفض الاعتصام واعتقال عدد منهم. وصرح وزير الدولة الاردني لشؤون الاعلام والاتصال الناطق الرسمي بأسم الحكومة راكان المجالي السبت ان "الحكومة لا يمكن ان تتساهل او تتهاون في كل ما يمس هيبة الدولة ورموزها واستقرارها، سواء كان ذلك على المستوى اللفظي أو السلوكي".واوضح ان "التجاوزات والعبارات اللفظية التي حدثت في شعارات وهتافات البعض امام رئاسة الوزراء تتجاوز الاعراف والاصول واللياقات المألوفة في الحراكات الاردنية التي تلقى الاحترام والحماية من كل مؤسسات الدولة الاردنية".

من جانبها، استنكرت جماعة الاخوان المسلمين في الاردن عملية الاعتقال الجديدة، وقال جميل ابو بكر الناطق باسم الجماعة في بيان نشره موقع الجماعة الالكتروني ان "الاعتقالات الجديدة اليوم ستزيد الامر احتقانا"، مشيرا الى ان "ارتفاع سقوف الشعارات سببه بطء عملية الاصلاح وهامشيتها". ورأى ابو بكر انه "لن يكون هنالك مخرج من هذه الحالة ومن غيرها من اوضاع الفساد والاحتقان الا باجراء اصلاحات حقيقية والاستجابة لمطالب المواطنين واطلاق سراح المعتقلين فورا".

في السياق ذاته اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المدافعة عن حقوق الانسان السلطات الاردنية الثلاثاء بالتحول نحو طابع "القمع اكثر فاكثر" في تعاملها مع تظاهرات مطالبة بالاصلاح، مشيرة الى ضرب عدد من النشطاء في مركز للشرطة. ونقل الموقع الالكتروني للمنظمة الأميركية عن كريستوف ويلكى، الباحث في قسم الشرق الأوسط في المنظمة قوله ان "رد السلطات الأردنية على المظاهرات آخذ في التحول لطابع القمع اكثر واكثر".واضاف ان "قوات الامن الاردني تفرق المظاهرات السلمية باستخدام العنف ثم تمضي الى ضرب واهانة المحتجزين بعد القبض عليهم". بحسب فرنس برس.

من جهة أخرى، حضت منظمة العفو الدولية الأردن على الافراج عن النشطاء، وقالت انه "يجب الغاء القانون الذي يسمح للسلطات الاردنية باعتقال الناشطين على اساس اطالة اللسان على مقام الملك او المس بكرامة الملك. ونقل الموقع الالكتروني للمنظمة عن آن هاريسون من قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المنظمة ان الأردن "يستخدم باستمرار قانونا صارما يجرم بشكل فعال المعارضة السياسية كوسيلة لاسكات المعارضين السياسيين ومنتقدي الحكومة".

ودانت جماعة الإخوان المسلمين في الاردن الاعتقالات الاخيرة معتبرة انها "ستزيد الاحتقان" في الشارع.يشار الى ان اعتصام السبت نظم اصلا للمطالبة باطلاق سراح ستة اشخاص متهمين ب"اطالة اللسان على مقام الملك" خلال تظاهرات جرت في محافظة الطفيلة (179 كلم جنوب عمان) مطلع الشهر الماضي وتخللتها احداث عنف وشغب. ويشهد الاردن منذ اكثر من عام احتجاجات مستمرة تطالب باصلاحات اقتصادية وسياسية وبمكافحة الفساد.

قانون جديد

من جهة اخرى اقرت الحكومة الاردنية مشروع قانون انتخاب جديد الغى قانون الصوت الواحد المثير للجدل وزاد مقاعد النساء في مجلس النواب الى 15، لكن الحركة الاسلامية اعتبرته "فشلا ذريعا". وقال رئيس الوزراء الاردني عون الخصاونة ان مشروع القانون "ترك نظام الصوت الواحد والدوائر الوهمية وانتقل الى موضوع صوتين على مستوى الدائرة وصوت ثالث يذهب الى القائمة الحزبية". ورأى انه "حل وسط بين من كان يدعو لتغير قانون الصوت الواحد ومن كان يؤيده". ونظام الصوت الواحد المثير للجدل معمول به بالاردن منذ التسعينات. لكن الخصاونة رأى ان ابرز ما جاء في مشروع القانون هو "زيادة مقاعد كوتة السيدات من 12 مقعدا الى 15". وكانت المملكة اقرت للمرة الاولى حصة للمرأة في البرلمان عام 2003 حيث خصصت لها ستة مقاعد من اصل 110.

واوضح رئيس لحكومة ان مشروع القانون ارسل لمجلس النواب ليناقشه بدوره ثم يقره. واشار الى ان "اكثر اجزاء مشروع القانون اثارة للجدل هو موضوع القائمة الحزبية. فبعد تفكير طويل والاستماع الى وجهات النظر المختلفة تم اضافة قائمة حزبية لان هناك رغبة او حاجة لتطوير الحياة الحزبية في المملكة".

واوضح ان القائمة الحزبية تضم 15 مقعدا وبحد اعلى خمسة مقاعد لكل حزب او ائتلاف لكن مشروع القانون "لا يمنع منتسبي الحزب من الترشح بصفتهم الشخصية". واضاف ان "الهدف الوحيد هو اعطاء فرصة للاحزاب والائتلافات لتكون على الخارطة السياسية في البلد". واشار رئيس الوزراء الاردني الى "مشروع القانون مهم لكنه ليس نهاية المطاف واذا تطورت الأمور يمكن رفع عدد مقاعد القائمة الحزبية الى عشرين او ثلاثين او غير ذلك". واضاف "ان لم يؤت هذا النظام اكله في الانتخابات المقبلة يمكن بكل سهولة في انتخابات قادمة اعادة النظر به".

ورأى زكي بني ارشيد رئيس المكتب السياسي لحزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسية للاخوان المسلمين في الاردن واكبر احزاب المعارضة ان مشروع القانون "يشكل فشلا ذريعا لحكومة الخصاونة". وقال ان "الحكومة فشلت في تقديم مشروع قانون عادل او عصري او ديموقراطي (...) في محطة مفصلية يعبر عنها الجميع باعتبار قانون الانتخاب مفتاح الاصلاح السياسي في الاردن".

ورأى بني ارشيد ان ذلك "يعبر عن غياب الارادة السياسية في احداث اصلاح حقيقي نحو التحول الديمقراطي في المملكة". وانتقد القائمة الحزبية معتبرا انها "تحكم الحزب بخمسة مقاعد فقط مهما بلغت قوته" وهذا "لا يمكن ان يؤسس لحياة حزبية او سياسية"، على حد تعبيره.

من جانبه، اكد الخصاونة ان "الحكومة ليس لديها خشية من ان يصل الاسلاميون او غيرهم الى اكثرية في مجلس النواب". واضاف ردا على سؤال خلال المؤتمر الصحافي حول ما اذا كان مشروع القانون يستهدف الحركة الإسلامية ان "هذا غير صحيح"، مؤكدا في المقابل انه "ليس هناك محاباة لاحد".

ورأى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية محمد المصري ان "مشروع القانون جاء اقل من مستوى التوقعات خصوصا في ظل مرحلة انتقالية يمر بها الاردن بوجود الربيع العربي". واضاف "كنا ننتظر قانون انتخاب يعيد هندسة الحياة السياسية في الاردن"، معتبرا انه "حتى تخصيص 15 مقعدا لقائمة حزبية غير كاف اذ انها لا تشكل 10 بالمئة من مجموع مقاعد المجلس". ورأى المصري ان "الناخب بحاجة لقوائم وبرامج سياسية وبالتالي مشروع القانون هذا لن يحدث تغييرا على الخارطة السياسية في المملكة".

ورفع مشروع القانون الجديد عدد مقاعد مجلس النواب الى 138 بدلا من 120 بينها 15 مقعدا خصصت للنساء و15 مقعدا للقائمة الحزبية. ووفقا للدستور الاردني يصبح مشروع القانون نافذا بعد اقراره من مجلس النواب ثم الاعيان ثم صدور ارادة ملكية بالموافقة عليه ونشره بالجريدة الرسمية. وقاطعت الحركة الاسلامية الانتخابات النيابية عام 2010 معتبرة ان الحكومة "لم تقدم ضمانات لنزاهتها" بعد اتهامها الحكومة ب"تزوير" انتخابات 2007، اضافة الى اعتراضها على نظام "الصوت الواحد". وقد افرزت الانتخابات السابقة غالبية ساحقة من الموالين للحكومة في مجلس النواب الحالي. ويبلغ عدد الأحزاب المرخصة في المملكة 23 حزبا.

في السياق ذاته تظاهر نحو 1500 شخص في عمان رفضا لمشروع قانون الانتخاب الجديد الذي اقرته الحكومة ، معتبرين انه "قانون عرفي" و"يزيف ارادة الشعب". وانطلقت التظاهرة من امام المسجد الحسيني الكبير وسط عمان بمشاركة الحركة الاسلامية واحزاب المعارضة والنقابات المهنية يتقدمها علم اردني كبير ونعش رمزي كتب عليه "قانون الانتخاب". ورفع المشاركون لافتات كتب عليها "لا لقانون الانتخاب العرفي" و"لا لقانون الانتخاب الاقصائي" اضافة الى "نريد قانون انتخاب ديمقراطي يعتمد التمثيل النسبي". وهتف هؤلاء "بدنا قانون انتخاب يرضي الشيب والشباب" و"الاصلاح لازم يصير هذا مطلب الجماهير" اضافة الى "الشعب يريد إصلاح النظام". بحسب فرنس برس.

وقال همام سعيد، المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن، في كلمة القاها خلال التظاهرة ان مشروع القانون "يشوه ويزور الحياة السياسية (...) ويزيف ارادة الشعب الاردني".

واضاف "نحن اليوم في هذه المسيرة نوجه رسائل واضحة بينة فليسمعها النظام (...) مشروع قانون الانتخاب المقدم لمجلس النواب مرفوض جملة وتفصيلا فهو الفساد بعينه لا نريد قانونا يحجب عن الشعب الاردني نوابه الحقيقيين". واكد سعيد ان "الرفض سيكون فعلا لان هذا الشعب لا يقبل التزوير فنحن الآن في زمن الربيع العربي في زمن الارادة الحرة"، مضيفا "لقد عيل صبر الشعب وهو ينتظر الاصلاح فلا يرى الا بعد الفساد فسادا".

واقرت الحكومة الاردنية السبت مشروع قانون انتخاب جديد الغى قانون الصوت الواحد المثير للجدل والمعمول به منذ التسعينيات وزاد مقاعد النساء في مجلس النواب، الا انه قوبل بانتقادات من قبل المعارضة وعلى الاخص الحركة الاسلامية التي اعتبرته "فشلا ذريعا" لحكومة الخصاونة.

اول مجلس لنقابة المعلمين

على صعيد متصل حصد مرشحو الاتجاه الاسلامي غالبية مقاعد اول مجلس لنقابة المعلمين في تاريخ الاردن، وفقا للنتائج الرسمية للانتخابات. وفاز المرشح المستقل مصطفى الرواشدة بمنصب نقيب المعلمين بعد حصوله على 259 صوت من اصل 283، فيما حصدت كتلة "المعلم النقابي" الاسلامية باقي مقاعد المجلس الاربعة عشر ومن ضمنها مقعد نائب النقيب. وقال الرواشدة "هذه اول انتخابات في تاريخ الاردن لنقابة المعلمين وقد جرت امس الجمعة باجواء ديموقراطية وكان يوما تاريخيا". واضاف، تعليقا على حصول الاتجاه الاسلامي على غالبية المقاعد، ان "النقابة يحكمها قانون وانظمة، وجميع اعضائها بغض النظر من اي تيار او اتجاه كانوا سيعملون تحت مظلة النقابة للاهتمام بالتعليم والمعلم". واشار الرواشدة الى ان "هذه المرحلة هي مرحلة اعداد وتجهيز وتتطلب جملة من التشريعات والقوانين والأنظمة للسير بالنقابة والتعليم والمعلم نحو الأفضل".

وكان المجلس العالي لتفسير الدستور في الاردن وافق في آذار/مارس العام الماضي على اصدار قانون يسمح بإنشاء نقابة للمعلمين بعد اضراب مفتوح لنحو سبعين الف معلم للمطالبة بنقابة ادى الى شلل الدراسة في عدد من محافظات المملكة. ونفذ المعلمون في شباط/فبراير الماضي اضرابا آخر احتجاجا على تخفيض الحكومة لعلاوة المهنة استمر نحو اسبوع قبل ان تعليقه اثر اتفاق مع الحكومة على رفعها. وبلغ عدد المعلمين المشاركين في ذلك الاضراب حوالى 90 الف معلم من اصل 120 الفا. وفي المملكة حوالى 3370 مدرسة حكومية فيما يبلغ عدد الطلبة 1,6 مليون طالب وطالبة.

الاحتجاجات على الخصخصة

من جانب اخر و خلال اجتماع في القصر الملكي الشهر الماضي لم يخف العاهل الاردني الملك عبد الله استياءه من المسؤولين الاردنيين بينما كان يستمع الى سيل من الشكاوى من مستثمرين أجانب. وكان من بين المستثمرين المحبطين شركة المعبر العقارية ومقرها أبوظبي التي تعرضت خططها لبناء منتجع في جبال الجرانيت المحيطة بمدينة العقبة المطلة على البحر الاحمر لانتقادات من قبل سياسيين محافظين وزعماء عشائر.

ويزعم المنتقدون أن عملية استحواذ بقيمة 500 مليون دولار على اراضي المشروع شابها الفساد وتمثل نهبا للثروة الوطنية بأسعار بخسة. وذهب المديرون الغاضبون للشركة المملوكة جزئيا للاسرة الحاكمة لامارة أبوظبي الى حد ابلاغ الملك خلال اجتماع خاص في فبراير شباط بأنهم على استعداد للتخلي عن المشروع حسبما قال مديرون تنفيذيون في القطاع على معرفة بالامر.

وقال يوسف النويس العضو المنتدب للشركة للصحفيين في فبراير "يهدف مشروع مرسى زايد الى اقامة معلم اقتصادي وسياحي في العقبة.. والشائعات حول فساد شاب الاتفاق تضر بالشركة. الاتفاق مع الاردن يتسم بالوضوح والشفافية."

وكانت الاجواء المتوترة في القصر الملكي أبعد ما تكون عن التفاؤل الذي ساد دوائر رجال الاعمال قبل سنوات قليلة. ففي مستهل العقد الماضي بدأ الاردن في تطبيق سلسلة من سياسات تحرير الاقتصاد الامر الذي جعل البلاد نموذجا للاصلاحات التي يوجهها صندوق النقد الدولي.

وسعى الاردن لاجتذاب المستثمرين الاجانب من أجل توفير فرص العمل والحصول على العملة الصعبة. وبيعت حصص كبيرة في الشركات الحكومية لعدة مستثمرين من بينهم صندوق الثروة السيادية لسلطنة بروناي وفرانس تليكوم ولافارج للاسمنت وبوتاش كورب أوف ساسكاتشوان الكندية.

لكن انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت العام الماضي قوت شوكة معارضي الاصلاحات وتحولت معارضتهم الى تحركات واسعة ضد السياسات الاقتصادية التي تهدف لدعم القطاع الخاص. وطالب نواب البرلمان ونشطاء النقابات وزعماء العشائر بعدة مطالب من بينها اعادة التفاوض على اتفاقات الخصخصة بهدف استعادة مليارات الدولارات التي قالوا ان الدولة خسرتها واعادة شراء حصص أغلبية في بعض الشركات.

وكانت الاحتجاجات أقوى بين عشائر الضفة الشرقية لنهر الاردن التي كان أفرادها يحصلون بسهولة على وظائف في الشركات المملوكة للدولة قبل انطلاق عمليات الخصخصة ولم يعد بامكانهم التعويل على هذه الميزة في ظل الادارات الجديدة لهذه الشركات. وعارض بعض المسؤولين في الدولة أيضا هذه الاصلاحات لانها تقضي على مصدر رئيسي لنفوذ البيروقراطية.

وقال أحمد الشقران النائب في البرلمان الاردني عن المنطقة الجنوبية الفقيرة "هدفنا هو استعادة السيطرة على ثروتنا الوطنية. الفوسفات هو نفط الاردن والخصخصة لصالح طرف محدد تمنحه احتكارا كاملا."

ورأس الشقران لجنة برلمانية أوصت بابطال بيع 37 بالمئة من شركة مناجم الفوسفات الاردنية الى بروناي عام 2006 وطالبت باحالة الوزراء المشاركين في عملية البيع الى المدعي العام على أساس اتهامات بالفساد. ويستطيع الاصلاحيون الاقتصاديون في الاردن أن يشيروا الى نجاحات سياساتهم. فقد نما الناتج المحلي الاجمالي أكثر من سبعة في المئة سنويا على مدى خمس سنوات حتى 2008 قبل حدوث الازمة المالية العالمية وهذه وتيرة أسرع بثلاث نقاط مئوية تقريبا عن معدلات النمو في السنوات الخمسة السابقة. ويقول مسؤولون سابقون ان برنامج الخصخصة جلب أكثر من 1.7 مليار دينار (2.4 مليار دولار) لخزائن الدولة وخفف مشكلة الدين الخارجي وحسن الاوضاع المالية لبعض الشركات التي شملها. لكن الحكومة تجد صعوبة في تقديم هذه الحجج. فالادارات الاردنية عادة لم تظهر رغبة تذكر في مواجهة العشائر التي تشكل عصب التأييد الشعبي للحكومة والتي يشكل أفرادها جزءا كبيرا من العاملين في الاجهزة الامنية القوية.

وردد رئيس الوزراء عون الخصاونة -الذي عينه الملك في أكتوبر تشرين الاول في رد فعل على الاحتجاجات الشعبية على الفساد والضغوط من أجل تنفيذ اصلاحات ديمقراطية- بعض الانتقادات لبرنامج الخصخصة. وقال الخصاونة لاعضاء مجلس النواب الغاضبين خلال واحدة من الجلسات البرلمانية العديدة التي ناقشت مسألة الخصخصة منذ نهاية العام الماضي ان الحكومة ستراجع الاتفاقات مع احتمال اعادة شراء بعض الاصول. وأوقفت الحكومة التي تواجه اعتصامات يومية من عمال الشركات الحكومية ومطالب برفع الاجور صفقات الخصخصة التي تعتقد أنها قد تذكي المعارضة.

ويقول مديرون تنفيذيون في الصناعة ان خطة عمرها عشرة أعوام لبيع شركة البريد الاردني والتي أثارت اهتمام مشترين في المنطقة ألغيت في الوقت الراهن. وتراجعت الحكومة أيضا عن استدراج شركات أجنبية لبناء وتشغيل ميناء جديد. ولا تزال بعض عمليات تحرير الاقتصاد جارية ومن بينها تحرير واردات المنتجات النفطية بعد انهاء احتكار شركة التكرير الوحيدة في البلاد. لكن الاردن قلص قائمة رسمية من ست شركات تأهلت للقيام بهذه المهمة الى ثلاثة فقط. وجمدت السلطات خططا لاطلاق مشروعات شراكة مع القطاع الخاص بمليارات الدولارات كانت ستمكن شركات خاصة من المشاركة في تشييد البنية التحتية وتقديم الخدمات العامة.

واتسعت رقعة الاحتجاجات الشعبية لتصل حتى الى شركات ليس لها صلة مباشرة ببرنامج الخصخصة. ونظم السكان اعتصامات أمام مصنع تشغله شركة الاسمنت العربية وهي شركة سعودية في بلدة القطرانة بجنوب الاردن للمطالبة بفرص العمل باعتبارها حقا اجتماعيا.

ودعا بعض أعضاء مجلس النواب الى زيادة الضرائب على قطاع الاتصالات الذي تهيمن عليه شركات اجنبية مثل فرانس تليكوم وزين الكويتية وشركة الاتصالات البحرينية. وليس من الواضح ان كان المقترح سيلقى اذانا صاغية لكنه ساهم في تثبيط معنويات الشركات. وبصورة ما لا يزال الاردن جذابا للمستثمرين من القطاع الخاص. فمعظم السكان البالغ عددهم نحو ستة ملايين نسمة من الشباب وتشهد المملكة نموا سكانيا سريعا. ويمثل الاردن قاعدة هامة لممارسة الاعمال في العراق حيث تتسارع عملية اعادة الاعمار بعد الحرب.

لكن الاحتجاجات الشعبية ضد الشركات الخاصة بدأت تؤثر على الاستثمار بوضوح. فعلى سبيل المثال علقت مجموعة عامر جروب المصرية المتخصصة في تطوير وتشغيل المنتجعات خططها لاقامة منتجعات في منطقة البحر الميت في الاردن وفقا لما قاله مسؤولون في قطاع الاستثمار. وأحجمت الحكومة عن الدفاع عن صبيح المصري أحد كبار رجال الاعمال في البلاد والذي لديه أعمال في مجالات السياحة والخدمات المصرفية والزراعة ما دفعه الى وقف مشاريع جديدة في منطقة وادي رم الجنوبية. وقال مسؤولون تنفيذيون يعملون مع المصري انه بعد ارتفاع قيمة بعض حيازاته من الاراضي هناك سعت السلطات لاعادة التفاوض على عقود الايجار وعزت ذلك الى احتجاجات من وجهاء المجتمع المحلي. بحسب رويترز.

وقالت المحامية لانا علمات من شركة التجمع القانوني للاعمال ومقرها عمان "لا تتمتع أي من صفقات الخصخصة الكبيرة التي أبرمت في العقد الماضي بأي يقين قانوني الان بسبب قدرة البرلمان على المطالبة بابطال هذه الصفقات وهذا يدفع المستثمرين الجدد لتوخي الحذر الشديد."

وقد يتوقف تبني الحكومة لموقف أشد في الدفاع عن القطاع الخاص على نتائح الانتخابات البرلمانية المقبلة المتوقعة هذا العام أو العام المقبل. وفي اطار الاصلاحات الديمقراطية أعدت الحكومة الاردنية مسودة قانون انتخابي جديد هذا الاسبوع تقول انه سيحسن التمثيل السياسي.

لكن الخطر يكمن في أن الانتخابات قد تمنح العشائر المحافظة مزيدا من النفوذ في مجلس النواب الامر الذي قد يعزز الرغبة في تأميم الاقتصاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/نيسان/2012 - 25/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م