كارثة بور سعيد... بين الغضب والإفتاء والسياسة

 

شبكة النبأ: برغم من انشغال اغلب المصريين بالتطورات الاخيرة والصراع الانتخابي لمرشحي الرئاسة لاتزال احداث قضية كارثة بورسعيد  والمحاكمة المرتقبة تلقي بضلالها على المشهدين العام والسياسي في مصر، ويرى بعض المراقبين ان تستغل هذه القضية من قبل بعض الاطراف السياسية المتنازعة بشكل قد يؤثر سلبا على الشارع المصري خصوصا مع تنامي ثورات الغضب لدى الجمهور الرياضي واهالي الضحايا، ربما يؤدي هذا العداء المستمر منذ أكبر كارثة رياضية في تاريخ البلاد بين مشجعي كرة القدم والشرطة في مصر الى زعزعة الهدوء الهش في الشوارع بينما يستعد المجلس العسكري الحاكم لتسليم السلطة الى المدنيين. ويعتقد عدد كبير من مشجعي اللعبة الشعبية بأن كارثة استاد بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلا في اول فبراير شباط الماضي عقب مباراة بين الاهلي ومضيفه المصري البور سعيدي في دوري مصر الممتاز هي من تدبير مسؤولي الامن الذين يعتقدون انهم ما زالوا يدينون بالولاء للرئيس السابق حسني مبارك.

ويقول مشجعون ان وزارة الداخلية دبرت الحادث لمعاقبة مشجعي الاهلي القاهري على دورهم في الاطاحة بمبارك في العام الماضي وفي المظاهرات التالية المطالبة بالديمقراطية وبإصلاح أجهزة الشرطة التي لم تكن تحظى باحترام قطاعات واسعة من الناس. وانحت لجنة تحقيق برلمانية باللائمة على مشجعين وعلى عدم فعالية الاجراءات الامنية واقيل المسؤول عن الامن في بورسعيد كما استقال مجلس ادارة الاتحاد المصري لكرة القدم. وتم الغاء موسم الدوري المصري وايد كثيرون القرار الا ان اخرين يعتبرونه انتصارا للفوضى وغياب القانون. ويقول فؤاد علام وهو خبير أمني ولواء سابق في الشرطة "ان تأمين المباريات هو اسهل مهمة بالنسبة للشرطة اذا تمت في اطار خطة فعالة.. فان لم يكن بوسعهم تأمين مباراة فكيف يمكنهم تأمين دولة."

والخطوة التالية للمشجعين ترتبط بمجرى التحقيق في القضية التي تتعلق بكارثة بورسعيد والتي سيبدأ القضاء في نظرها في الشهر الجاري. ويحاكم في القضية 75 شخصا من بينهم تسعة من ضباط الشرطة بتهم تتراوح ما بين الاهمال والقتل العمد. وتحدث البعض عن وجود مؤامرة بسبب اغلاق احد ابواب الاستاد وانقطاع الكهرباء خلال الفوضى التي تلت المباراة الى جانب تدني الوجود الامني في الاستاد وعدم فاعليته. وحاول بعض افراد الشرطة التصدي للمشجعين الذين لاحقوا لاعبي الاهلي بعد المباراة الا انهم فشلوا في نهاية الامر في وقفهم ويقول مشجعو النادي المصري المنتمي الى بورسعيد ان سبب الاحداث هو الكراهية المتراكمة بين مشجعي الفريقين وان دور الشرطة في الكارثة لا وجود له.

وقال عمرو عوف (27 عاما) وهو مشجع للنادي المصري "لقد تصادف فقط وصول التوتر الى ذروته في ملعب فريقنا." واذا ما ثبت تورط ضباط من الشرطة في الكارثة فان ذلك سيزيد من حدة الشكوك لدى المشجعين بقيام المسؤولين عن الامن والنظام باستغلال مواقعهم للإساءة الى حركات الشبان التي اطاحت بنظام مبارك. وقال الناقد الرياضي علاء صادق "اعتقد أن الامر كان مدبرا وكان للحكومة يد فيه. كل مشجع من مشجعي الاهلي ينتظر الانتقام من رجال الشرطة." وظهر تداخل قوي بين كرة القدم والسياسة في مصر منذ ظهور مجموعات الالتراس قبل نحو عشرة اعوام واجتذابها لأعداد كبيرة من المشجعين الذي جمعوا بين ميول وطنية وارتباطات قوية بأنديتهم.

وقال شريف (25 عاما) المنتمي الى الالتراس "في ظل عدم وجود احزاب سياسية أو اتحادات طلابية فعلية فقد توجهنا نحن الى كرة القدم.. الكل يريد الانتماء الى جهة ما ووجدنا هذا في الالتراس." وهناك تنافس اساسي بين التراس اهلاوي الخاص بالنادي الاهلي والتراس وايت نايتس الخاص بنادي الزمالك منافسه الاكبر. وبعد تراجع الوجود الامني في اعقاب الاطاحة بمبارك وجدت جماعات الالتراس المتنافسة الوقت مناسبا لمجابهة العدو المشترك مما وضعهم الى جانب الجماعات السياسية التي قادت الثورة التي اطاحت بالنظام السابق. لكن رحيل مبارك لم يسهم في تهدئة هؤلاء المشجعين الذين شاركوا في نوفمبر تشرين الثاني وديسمبر كانون الاول في احتجاجات مناوئة للمجلس العسكري الحاكم في الشوارع المحيطة بميدان التحرير بوسط القاهرة والتي تحولت الى ساحات معارك مع قوات الشرطة ما تسبب في مقتل عشرات الاشخاص الى جانب الاف الجرحى.

ويعتقد كثير من المصريين ان الالتراس يستحقون الاحترام لكسرهم جدار الخوف الذي عزز قبضة نظام مبارك على الاوضاع في مصر. الا ان نزعتهم الدائمة الى تنظيم المسيرات والمظاهرات اصبحت تتعارض مع امال كثير من المصريين بتحقيق الاستقرار والامن في البلاد التي تعاني الكثير من المشكلات الاقتصادية. ويدين الاسلاميون الذين يسيطرون على الشارع السياسي الاحتجاجات العنيفة في الشوارع وفي اعقاب الاشتباكات الدامية التي راح ضحيتها 15 قتيلا في اعقاب كارثة بورسعيد تحدث المجلس العسكري عن وجود "مؤامرات ومخططات" لتقويض الاستقرار.

وقال شريف "حاولوا تشويه صورتنا عن طريق اطلاق الاكاذيب عنا عبر وسائل الاعلام وكأننا مدمنون على المخدرات.. ثم حاولوا التخلص منا بإرسال اناس لقتلنا في موقعة بورسعيد." ومع تراجع التأييد للالتراس يرى البعض ان محاكمة بورسعيد التي ستبدأ في 17 من ابريل نيسان الجاري هي اخر فرصة لرد اعتبارهم في حين يقول الناقد الرياضي صادق ان الملايين في مصر يرغبون في القصاص للقتلى ايضا. بحسب رويترز.

وقال صادق "اذا جاء الحكم عادلا فلا بأس. اما اذا لم يعكس حجم المذبحة فتوقع انفجارا في مصر." وادى الغاء الدوري الى خشية الاندية الكبرى التي يديرها اصحاب الملايين والتي تسهم بالكثير من اللاعبين في المنتخب الوطني على لياقة لاعبيها في حين باتت الاندية الصغيرة مهددة بالإفلاس. وقال فتوح الصاوي مدير عام كرة القدم في نادي غزل المحلة "الامر سيكون صعبا على الاندية الصغيرة.. ليس لدينا الان دخل من عقود البث ولاعبونا يحتاجون مرتباتهم ولهذا فان الامر يشكل تحديا هائلا."

الى جانب ذلك شارك ألوف من ألتراس النادي الاهلي بطل الدوري العام المصري لكرة القدم في مسيرات بالقاهرة ومدن أخرى مطالبين بسرعة محاكمة متهمين بقتل زملاء لهم بعد مباراة في مدينة بورسعيد الساحلية. وقال شهود عيان ان ثلاثة من الالتراس أصيبوا في اشتباك مع أصحاب متاجر بمدينة المنصورة في دلتا النيل خلال محاولة الالتراس قطع طريق في المدينة. ويذكر ان مئات من مشجعي الاهلي اعتصاما بجوار مبنى مجلس الشعب في وسط القاهرة قالوا انهم لن يفضوه قبل معاقبة من شنوا هجوم بورسعيد. وأحيل 75 متهما يوم 15 مارس اذار الى المحاكمة في قضية قتل المشجعين ببورسعيد بينهم تسعة من قادة الشرطة واثنان من المسؤولين في النادي المصري ومهندس كهرباء الاستاد. وتحدد يوم 17 ابريل نيسان لبدء المحاكمة.

وفي مدينة الاسكندرية الساحلية شارك أكثر من ألف مشجع في مسيرة من أمام مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية وقطعوا شارعا قرب محطة للسكك الحديدية. وذكر شهود عيان أن مئات المشاركين في مسيرة قطعوا طريقا لنحو ساعة في مدينة دمياط على ساحل البحر المتوسط في شمال البلاد. وفي مدينة السويس بشرق مصر شارك بضع مئات في مسيرة وحملوا لافتة كتبت عليها عبارة "اسرعوا في محاكمة الجناة والمذنبين والا الجحيم". وقال شهود عيان في مدينة المنصورة ان المشاركين في مسيرة حاولوا قطع الطريق أمام مديرية الامن فاشتبك معهم أصحاب المتاجر مما أدى لإصابة ثلاثة من المتظاهرين بجروح طفيفة.

رفض في الوسط الثقافي

في السياق ذاته أعلن مثقفون مصريون رفضهم قيام قوات من الشرطة بالاستيلاء على مسرح قصر الثقافة بمدينة الاسماعيلية ونزع أكثر من 140 من مقاعده وتغيير معالمه تمهيدا لإعداده كقاعة لمحاكمة متهمين بقتل أكثر من 70 مشجعا في استاد بورسعيد قبل أكثر من شهرين. وقالت الهيئة العامة لقصور الثقافة التي يتبعها القصر ان دخول مسئولين من وزارتي العدل والداخلية الى قصر الثقافة دون اذن وزير الثقافة أو رئيس الهيئة "شكل من أشكال التعدي على أحد ممتلكات الدولة وأحد مواقع الهيئة دون وجه حق... تخريب ثقافي لاحد مراكزها الكبرى" يدفع الهيئة لاتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة. وتساءل البيان "كيف تستولي وزارة العدل على مسرح قصر الثقافة "دون اقامة العدل.." مضيفا ان مثل هذا السلوك يغذي حالة الاحتقان الموجودة بين الشعب ورجال الامن. وأنشئ القصر بالمدينة المطلة على قناة السويس في بداية التسعينات بتكلفة مقدارها 48 مليون جنيه مصري (نحو ثمانية ملايين دولار).

وقال الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة ان القصر أعد "ليكون صرحا ثقافيا ومركز اشعاع ثقافي... في مواجهة العدو... وكان يجدر بمؤسسات الدولة بوصفها مؤسسات مسؤولة في دولة كبرى ألا تهدر هذه القيمة الثقافية في منطقة استراتيجية ومهمة وأن تعلي اعتبارات حماية الوطن وأن تضع في اعتبارها الدفاع عن أمن مصر القومي وحماية المكون الثقافي للوطن." وأضاف أن السماح بتحويل القصر كقاعة للمحاكمة يعني الموافقة على ارتهانه لأشهر قادمة حيث لا يعلم أحد متى تنتهي المحاكمة "وهذا يتضمن الغاء كافة الانشطة الثقافية والفنية في القصر" الذي يعد أكبر صرح ثقافي بمنطقة قناة السويس وشبه جزيرة سيناء. ويواصل العشرات من المثقفين المصريين اعتصامهم بالقصر رافضين الاستيلاء على المسرح.

وقالت حركة (نحن هنا) الادبية في بيان ان الاستحواذ على هذا المسرح "تخريب غير مسؤول للعمل الثقافي الذي هو في أمس الحاجة الى زيادة أعداد المسارح... ان الاستيلاء على هذا المسرح له أضراره الثقافية والاجتماعية الوخيمة وسوف يبدل نظرة الجمهور العام الى الثقافة ومؤسساتها." وشددوا في البيان على أنهم سيصنعون دروعا بأجسادهم لحماية القصر ولن يسمحوا بتحويله الى ساحة للمحاكمة. وقال بيان (ائتلاف مثقفي بورسعيد من أجل التغيير) ان الاجدى توجيه تكاليف اعادة تجهيز المسرح بما يتناسب واجراءات المحاكمة- الى تأمين الاماكن المعتادة للمحاكمات التابعة لوزارة العدل في مجمع المحاكم ببورسعيد أو الاسماعيلية مع التأمين المحكم من قبل قوات الشرطة وقوات الجيش. وتساءل البيان "هل يعجز من قام بتأمين عمليات الاقتراع وصناديقها" في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الاشهر الاخيرة عن تأمين "مقر محكمة واحد وحيد.

فتوى غريبة

من جانب اخر وفيما يخص التصريحات من خارج مصر وفي اغرب فتوى خاص بهذا الحادث  والتي واجهت الكثير من الانتقادات والسخرية خرجت هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  السعودية  بحسب ما اوردت بعض الوكالات”لتفتي مؤكدة أن الأحداث الدامية التي وقعت في بورسعيد وراح ضحيتها 75 قتيلاً إنما هي عقوبة من الله أصابتهم بسبب ارتدائهم زي غير شرعي، في إشارة إلى الشورت الذي لا يستر الفخذ!! وأشارت هيئة الأمر بالمعروف بالمملكة العربية السعودية على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، إلى أن ما حدث في بورسعيد هو عقوبة من الله للاعبين لأن لباسهم كان غير ساتر للعورة.

وتأتي هذه الفتوى في حين أن كل الفرق العالمية ترتدي نفس الملابس منذ مائة سنة..! كما أن من حلت بهم الكوارث شباب المشجعين الذين يرتدون البنطال الساتر..! أو ربما كما قال احدهم على تويتر “هذا عقابهم لأنهم لا يغضون البصر ويشاهدون اللاعبين بالشورت الفاتن! قالت الهيئة في صفحتها: “لو أن لاعبي الأفارقة في بورسعيد كان لباسهم محتشما (كأن يستبدلوا الشورت الفاتن بالبنطال الساتر) لما حلت بهم العقوبة والكوارث”. وأضافت الهيئة: “رحم الله من يستحق الرحمة من ضحايا بورسعيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/نيسان/2012 - 23/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م