شبكة النبأ: تواجه الحكومة التونسية
اليوم مجموعة جديدة من المشاكل والازمات الداخلية والتي قد تؤثر على
واقع الامن والاستقرار في هذا البلد، ويخشى بعض المراقبين من اتساع
رقعة التوتر الذي يشهده الشارع التونسي بسب بعض الاجراءات والقيود
الصارمة التي تتبعها الحكومة فيما يخص تطبيق بعض القوانين ، وفي هذا
الشأن فقد تحول الاحتفال بـ"يوم الشهداء" في تونس الى مواجهات عنيفة في
وسط العاصمة حيث طارد شرطيون وسط غازات كثيفة مسيلة للدموع متظاهرين
تجمعوا في شارع الحبيب بورقيبة الذي حظرت فيه التجمعات. وشاهد تونسيون
مصدومون لجؤوا الى المقاهي والمتاجر، مشاهد
عنف لم يروا مثلها منذ اشهر في العاصمة التونسية وسط غازات مسيلة
للدموع وهجمات نفذها شرطيون على دراجات نارية يحملون هراوات، وعمليات
توقيف وضرب متظاهرين بعنف. واندلعت المواجهات في شارع الحبيب بورقيبة
الذي تحول الى رمز الثورة التونسية وحيث التجمعات ممنوعة منذ 28
اذار/مارس بقرار من وزارة الداخلية. وتجمع حينها، تلبية لنداءات بثت
عبر الشبكات الاجتماعية، مئات الرجال والنساء والمسنين والشبان لإحياء
"يوم الشهداء" والمطالبة بإعادة فتح الشارع امام التظاهرات.
وفي اجواء متوترة ردد المتظاهرون وبعضهم ملتفون في اعلام تونسية
كبيرة "لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب" و"اوفياء اوفياء لدماء الشهداء"
وركضوا في الشارع. وقال محسن بن هنده السبعيني "اننا نحن الذين حررنا
تونس ولا يحق لهم حظر المسيرات السلمية". وفر المتظاهرون في الشوارع
المتفرعة عن الحبيب بورقيبة ولجاوا الى المقاهي لكن سرعان ما تشكلت
المجموعات مجددا وخصوصا في شارع محمد الخامس المؤدي الى الحبيب بورقيبة.
وردد الناس "ديغاج، ديغاج" بمعنى "ارحل" وهي العبارة التي كانت شعار
الثورة التونسية بينما كان الغضب يسود المتظاهرين. وقالت يمينة
المحامية وهي تجهش بالبكاء ان "ما يجري اليوم رهيب" وصاحت "اننا
مسالمون ويحظرون علينا شارع بورقيبة لكنهم يفتحونه امام السلفيين". وقد
حظر التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة رمز الثورة التونسية وحيث غالبا ما
تتجمع تظاهرات الاحتجاج منذ حوادث تخللت تظاهرة اسلاميين هاجموا فنانين.
وقد فرقت الشرطة السبت بشدة عاطلين عن العمل حاولوا التظاهر في ذلك
الشارع. وقال الرئيس السابق للرابطة التونسية لحقوق الانسان مختار
الطريفي "اشعر بالاستياء. الناس الذين جاءت بهم الثورة الى الحكم هم
الذين يمنعوننا من التظاهر". واضاف "انه حقا ليوم حزين". ورفعت فتاة
يافطة كتب عليها "بإمكانك ان تطلق النار على الشعب لكنه سينهض من
جديد!. وقال متظاهر اخر باشمئزاز "انظروا هذه تونس الحرية، تونس
النهضة". من جهته، قال الناطق باسم وزارة الداخلية خالد طروش "لن نسمح
بانتشار الفوضى. يستطيع الناس التظاهر في مكان آخر غير شارع بورقيبة".
واوضح ان قوات الامن، تطلق الغازات المسيلة للدموع "تفاديا لمواجهات
اخطر" وان المتظاهرين رشقوا الشرطة بأشياء والقوا زجاجة حارقة دمرت
حافلة شرطة. ودعي الى التظاهر عبر الشبكات الاجتماعية لإحياء "يوم
الشهيد" وترحما على الذين سقطوا خلال تظاهرة شهدتها تونس في التاسع من
نيسان/ابريل 1938 وقمعتها حينها السلطات الاستعمارية الفرنسية بشدة.
وتواجه السلطات التونسية ملف ضحايا الثورة الذي يسبب الكثير من
الآلام والاحباط والمعرض لكل انواع التلاعب بينما تحتفل تونس الاثنين
ب"يوم الشهداء". ويرفع المصابون وعائلات الضحايا الذين يثير استياءهم
بطء التعامل الاداري والقضائي مع ملفاتهم، الصوت عاليا. وردت وزارة
حقوق الانسان بالقول ان "هذا الملف تحول اداة ويجري التلاعب به"، مشيرة
الى مشاركة احزاب سياسية في التظاهرات. كما دانت ظهور "جرحى مزيفين"
على الوائح المصابين. كم يبلغ عددهم؟ من هو الذي يستطيع ان يطلب
اعتباره "شهيدا" او جريحا في الثورة؟ هذا السؤال اساسي. ويفيد احصاء
اعدته الامم المتحدة ان 300 تونسي قتلوا و700 اصيبوا خلال الانتفاضة
الشعبية التي بدأت في 17 كانون الاول/ديسمبر 2010. لكن متى ينبغي ان
يتوقف الاحصاء؟ يحدد مرسوم قانون صدر في 24 تشرين الاول/اكتوبر 2011
حول تعويض المصابين والشهداء، فترة تصل حتى 19 شباط/فبراير 2011، اي ما
يفوق الشهر بقليل بعد فرار الرئيس زين العابدين بن علي.
وقال توفيق بودربالة رئيس لجنة التحقيق التي انشئت في شباط/فبراير
حول التجاوزات لدى اندلاع الثورة، "تسلمنا ملفات لها علاقة بأحداث وقعت
بعد هذا التاريخ". وسيتسلم رئيس الجمهورية التقرير النهائي "للجنة
بودربالة" في الايام المقبلة. وسيتضمن هذا التقرير الذي طال انتظاره
اللائحة الرسمية الاولى للمصابين والشهداء. وقال بودربالة "تسلمنا
حوالى ثلاثة الاف ملف، منها 2200 للجرحى واقل من 300 ملف للقتلى، اما
الملفات المتبقية فتتعلق بأضرار مادية". ولدى صدور اللائحة ستتولى
اللجنة العليا لحقوق الانسان (التابعة لرئاسة الجمهورية) تحديد الاشخاص
الذين يستطيعون المطالبة بتعويضات. وقد توزعت الملفات على بضع وزارات (الصحة
وحقوق الانسان) وبضع لجان وما لا يحصى من الهيئات التي تدعي تمثيل
الضحايا.
وقالت المحامية لمياء فرحاني وشقيقة "شهيد" ورئيسة مؤسسة "اوفياء"
التي تعد ابرز واقدم مؤسسة تعنى بهذا الشأن، "اننا فعلا حائرون".
واضافت "لم يعد في وسع الناس ان ينتظروا. الملح في نظر المصابين هو
الحصول على العلاج، اما في نظر عائلات الشهداء فالأمر الملح هو احقاق
الحق". ومنذ سنة، تسلم ذوو المتوفين حتى الان 20 الف دينار (حوالى 10
الاف يورو)، والمصابون ثلاثة الاف دينار (1500 يورو). بحسب فرانس برس.
لكن الطالب شادي عبيدي الذي اصيب في فخذه في التاسع من كانون الثاني/يناير
يقول "من هو احق منا في الحصول على بطاقات المعالجة والنقل المجاني
والوعود بالحصول على وظيفة في القطاع العام؟". من جانبه، يرد عمر كسرى
الذي اصيب في يده "نحن اول من يحق له بفرص العمل في القطاع العام، نحن
من قام بالثورة". لكن عددا من عناصر مؤسسة "اوفياء" يقرون بوجود "جرحى
مزيفين" حصلوا على تعويضات عن غير حق. وقال المتحدث باسم وزارة حقوق
الانسان شكيب درويش "نتفهم نفاد صبر الناس ونعمل بأقصى طاقتنا". واشار
الى وحدة العناية المخصصة للمصابين التي يجرى انجازها في مستشفى
المنوبة (غرب تونس العاصمة) وتوزيع اولى بطاقات النقل ونقل عشرة من
المصابين قريبا الى الخارج لخطورة حالاتهمم.
اصابات في صفوف العاطلين
في السياق ذاته اصيب العديد من الاشخاص بجروح لدى تفريق الشرطة
تظاهرة شارك فيها الاف العاطلين عن العمل في وسط العاصمة تونس، واطلقت
الشرطة غازا مسيلا للدموع وضربت المتظاهرين بالهراوات لمنعهم من الوصول
الى شارع الحبيب بورقيبة الذي بات من المحظور التظاهر فيه. وقامت
سيارات الاسعاف بإجلاء الجرحى بينما تراجع المتظاهرون الى ساحة امام
مقر الاتحاد العام للشغل. وصرح بلقاسم بن عبد الله مسؤول اتحاد خريجي
الجامعات العاطلين عن العمل الذي دعا الى التظاهرة "اصيب نحو عشرين
متظاهرا عندما هاجمتهم الشرطة".
من جهتها، اشارت وزارة الداخلية الى اصابة ستة عناصر من الشرطة
بجروح لدى قيام متظاهرين برشقهم بالحجارة واتهمت هؤلاء بانتهاك القانون.
وصرح المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد طروش "لقد تم تحذيرهم لكنهم
تجاهلوا الحظر عمدا واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لمنعهم مما
ادى الى وقوع مواجهات". وتابع طروش "لن نسمح بانتشار الفوضى ولن نسمح
بانتهاك القانون لقد كان امام المتظاهرين عدة اماكن يمكنهم التعبير
فيها عن ارائهم بحرية". وكان العديد من خريجي الجامعات العاطلين عن
العمل لبوا دعوة نقابتهم وتجمعوا امام مقر الاتحاد قبل ان يحاولوا
اقتحام شارع بورقيبة.
وردد المتظاهرون "فلتسقط الحكومة" و"عمل وحرية وكرامة"، مستعيد ين
بذلك شعار الثورة التي اطاحت بنظام زيدن العابدين بن علي. واتهم بن عبد
الله الحكومة برئاسة حزب النهضة الاسلامي ب"عدم الوفاء بوعودها"
وبـ"العودة الى سياسة بن علي" لجهة التوظيف. وقال مسؤول اخر من اتحاد
خريجي الجامعات العاطلين عن العمل "بعد عام ونصف العام على الثورة، لا
نزال عاطلين عن العمل، في النقطة نفسها ودون افاق". من جهتها، نددت
الرابطة التونسية لحقوق الانسان ب"وحشية" قوات الامن وشددت على "حق
المواطنين في التظاهر سلميا".
الفرصة واعدة البناء
من جهته دعا رئيس حزب النهضة الاسلامي التونسي الذي يهيمن على
الجمعية التأسيسية والحكومة راشد الغنوشي التونسيين الى "الصبر" واعطاء
الفريق الحاكم "الفرصة" مقارنا الدولة بـ"مبان خاربه تحتاج الى نسف
واعادة بناء". وقال راشد الغنوشي في لقاء لانصار النهضة في ذكرى "يوم
الشهداء" في تونس "لا بد ان نصبر على الحكومة التي انتخبناها، اول
حكومة منتخبة في تاريخنا. يجب ان نعطيهم الفرصة ونعينهم، لا بد من
الصبر والمثابرة". والقى الغنوشي كلمته في ساحة "9 افريل" حيث كان
السجن المركزي السابق الذي تم هدمه، وتعالت الاناشيد فيما علت الرايات
الحمراء والبيضاء رمزا لعلم تونس. ونصبت منصة في المكان الذي كانت تجري
فيه عمليات الاعدام سابقا. وقال الغنوشي امام المئات من مناصري حزب
النهضة "لا يمكن ان نبني في سنة واحدة ما خرب في 50 سنة. دولة
الاستبداد التي ورثناها مثل المباني الخاربة، تحتاج الى نسف واعادة
بناء. لهذا قامت الثورة". وحذر القيادي الاسلامي الشخصيات والاحزاب
السياسية التونسية السابقة للثورة التي اطاحت بحكم الرئيس زين العابدين
بن علي في العام الفائت قائلا انه قبل ان يبدوأ بالتصريح والتحرك "قبل
ان يعود الدستور (حزب بورقيبي) على اصحابه ان يعتذروا على ما ارتكبوه
في حق الشعب من ابشع حالات التعذيب والاذى". بحسب فرنس برس.
وعقد حوالى 50 حزبا وجمعية لقاء كبيرا في اواخر اذار/مارس في
المناستير مسقط رأس صانع الاستقلال التونسي الحبيب بورقيبة لتعزيز
معارضة الاسلاميين. وطرح رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي الذي
ادار البلاد بعد الثورة وحتى انتخابات تشرين الاول/اكتوبر الفائت نفسه
رمزا لهذه المعارضة التي تشمل عددا من مسؤولي حزب التجمع الدستوري
الديموقراطي وهو الحزب الحاكم في حقبة بن علي. كما دعا الغنوشي الى "تحرير
الاعلام من المنافقين". وكرم رئيس حزب النهضة "شهداء" تونس متسائلا "لماذا
استمرت الحالة 73 عاما لاسترجاع حق الشهداء وتحقيق مطلبهم برلمانا
تونسيا" حرا. وجرى التجمع خارج وسط العاصمة على جادة 9 افريل 1938،
التي سميت لاحياء ذكرى القمع الدامي الذي نفذته القوات الفرنسية
لتظاهرة في تونس في التاريخ المذكور واسفر عن مقتل 22 شخصا.
نواب يحتجون
من جانب اخر خرج نواب معارضون في المجلس الوطني التأسيسي بتونس، إلى
شارع الحبيب بورقيبة، في تحد لحظر حكومي على التظاهر في الشارع الذي
كان محور انتفاضة أسقطت الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ويأتي خروج
النواب بعد يوم من اشتباكات عنيفة شهدها الشارع نفسه بين قوات الأمن
ومتظاهرين، للمطالبة بإلغاء الحظر على التظاهر في شارع بورقيبة،
معتبرين أنه "مناقض لحرية التعبير." واخترق نحو 30 نائبا من الكتلة
الديمقراطية والعريضة الشعبية ومستقلون عدة حواجز أمنية معززة نصبتها
وحدات التدخل وسط تدافع مع أعوان الأمن مرددين النشيد الوطني ورافعين
شعارت تدافع عن التظاهر في هذا الشارع، وفلقا لوكالة الأنباء التونسية.
ونقت الوكالة عن النائب عصام الشابي عن الكتلة الديمقراطية والحزب
الجمهوري قوله إن "قرار وزير الداخلية منع التظاهر في شارع بورقيبة
خاطئ وسنطالبه بالعدول عنه." وأضاف "وقفنا على أن هذا القرار كان كارثة
على الحرية،" في إشارة إلى أحداث العنف التي وقعت بين متظاهرين وقوات
الأمن بمناسبة إحياء ما يعرف بـ"يوم الشهداء." بحسب CNN.
وأعرب المدير العام للأمن العمومي، توفيق الديماسي، عن "الأسف
لأحداث العنف التي وقعت معتبرا أن "أعوان الأمن كانوا يطبقون القانون
إلا أنهم وجدوا أنفسهم مستهدفين من قبل متظاهرين أخلوا بالأمن العام
والمصالح الخاصة في شارع بورقيبة." ويذكر ان الشرطة قد اشتبكت في وسط
العاصمة التونسية مع أكثر من 2500 شخص شاركوا في مسيرة انطلقت قرب مقر
الاتحاد العام التونسي للشغل، بينما اعترض طريقهم أفراد شرطة مكافحة
الشغب، في محاولة لمنعهم من الوصول إلى مقر وزارة الداخلية في شارع
بورقيبة.
عودة بورقيبة
الى جانب ذلك اعادت تونس احياء ذكرى صانع استقلالها الحبيب بورقيبة
الذي توفي قبل 12 عاما، وتوجه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الذي كان
معارضا لبورقيبة الى المنستير مسقط رأس الرئيس الراحل لزيارة ضريحه
برفقة اقاربه ومسؤولين محليين. واراد المرزوقي احياء ذكرى بورقيبة بعد
ان حظر نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بث صور تشييعه. وزار
الحشد باحة الضريح التي تضم متحفا لأعماله وملابسه وصوره ووثائق خاصة
به. وقال المرزوقي ان "الشعب التونسي اعاد احياء ذكرى الزعيم الحبيب
بورقيبة بعد 14 كانون الثاني/يناير" موعد سقوط بن علي الذي فرض عليه
الاقامة الجبرية تحت رقابة مشددة حتى نهاية ايامه. واعلن الرئيس تأييده
لإعادة كتابة تاريخ تونس بصورة موضوعية تعترف "بكل من ضحى بنفسه من اجل
الاستقلال" وتم التعتيم على دورهم ولا سيما انصار الزعيم القومي الذي
تم اغتياله صلاح بن يوسف. بحسب فرنس برس.
وقالت ابنة بورقيبة بالتبني هاجر التي خسرت في الانتخابات الاولى
بعد الثورة في المنستير في 23 تشرين الاول/اكتوبر، "بورقيبة كان بطلا.
لم يكن زعيم عشيرة، وينبغي الا يستغل احد صورته وارثه، لم يكن لديه حزب
فعلي الا للشعب". واحيت الصحف التونسية ذكرى بورقيبة حيث قالت لا برس
الناطقة بالفرنسية "بورقيبة مات، تحيا الحداثة"، فيما تحدثت صحيفتا
الشروق والمغرب الناطقتان بالعربية عن "عودة البورقيبية". وفي عام 1987
اطاح رئيس الوزراء انذاك بن علي بحكم الحبيب بورقيبة وهو الرئيس الاول
لتونس بعد استقلال 1956، وتوفي في 6 نيسان/ابريل 2000. |