مضربون ومستبدون... حقوق انسانية وأنظمة قمعية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تباينت ردود فعل السلطات الحاكمة في بعض الدول التي تواجه حالات اضراب عن الطعام كتعبير عن الاحتجاج والرفض، حيث جاءت تلك الردود والاجراءات الرسمية وفق طبيعة النظام الحاكم والمعايير الانسانية المتبعة لديها، لتعكس بشكل جلي حقيقة ادعاءات كل نظام بمدى التزامه بمبادئ حقوق الانسان وحرصه على ديمومة بقاء الافراد سيما المعتقلين السياسيين في سجونه.

فمن البحرين مرورا بالسعودية واسرائيل الى المغرب، اتخذ بعض المعتقلين الاضراب عن الطعام اسلوبا للتعبير عن رفضهم عن الانتهاكات الحقوقية التي يتعرضون لها، بعد ان فشلت اساليب الاحتجاج السلمية الاخرى في اقناع سجانيهم بقبول رغباتهم المشروعة في غالب الاحيان.

حيث بدا الناشط الحقوقي البحريني عبد الهادي الخواجة المعتقل في سجون البحرين عاجزا عن اقناع خصومه بالافراج عنه على الرغم من تدهور حالته الصحية بشكل خطير، في الوقت الذي لم تفلح ايضا المناشدات الدولية في اقناع سلطات المنامة في نقله الى خارج البلاد.

وهو ذات الحال يسري مع المعتقل السعودي محمد البجادي الذي اعتقل بسبب تظاهر السلمي المطالب بالاصلاح في السعودية، التي تشهد بدورها احتجاجات كبيرة مطالبة بالتغيير واجهت قمعا من قبل قوى الامن في تلك الدولة.

فيما كانت المفارقة في ان تبادر اسرائيل بالافراج عن الناشطة الفلسطينية هناء شلبي التي اضربت عن الطعام احتجاجا على قرار سجنها الاداري بسبب نشاطها المناهض للاحتلال.

الخواجة في حال حرجة جدا

فقد اكدت رئيسة الوزراء الدنماركية هيلي ثورنينغ-شميت ان الناشط البحريني عبد الهادي الخواجة الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في البحرين وبدا اضرابا عن الطعام قبل شهرين بات في حال "حرجة جدا".

وصرحت ثورنينغ شميت في مؤتمر صحافي "استنادا الى المعلومات التي بحوزتنا في الوقت الحالي، فان حال الخواجة حرجة جدا" مشددة على المطالبة بالافراج عنه. واضافت ان "الدنمارك تطلب الافراج عن المواطن الدنماركي البحريني والمدافع عن حقوق الانسان الخواجة".

واكدت المنامة الا داعي للقلق حيال صحة الخواجة ردا على تصريحات مقلقة لمحاميه توحي بانه قد يكون توفي. وقال متحدث باسم الخارجية الدنماركية ان الخواجة كان حيا بحسب "مصادر مستقلة" تعتبرها الوزارة "ذات مصداقية" زارته في اليوم نفسه. واضاف المتحدث ان الزيارة اليومية التي كان السفير الدنماركي في البحرين يجريها للخواجة منعت عنه. بحسب فرانس برس.

واعلنت وكالة الانباء البحرينية الرسمية نقلا عن مجلس القضاء الاعلى عن رفض المنامة نقل الخواجة الى الدنمارك التي طلبت ذلك. وحكم على الخواجة بالتآمر على الحكم في البحرين من خلال المشاركة في تظاهرات دعت اليها الجمعيات الشيعية المعارضة، قبل ان يبدأ اضرابا عن الطعام في 9 شباط/فبراير.

حياة ناشط سعودي مضرب عن الطعام معرضة للخطر

فيما قال ناشطون حقوقيون ان ناشطا سعوديا بارزا في مجال حقوق الانسان بدأ اضرابا عن الطعام قبل نحو شهر احتجاجا على احتجازه المستمر منذ عام قد امتنع أيضا عن شرب الماء وحملوا السلطات المسؤولية عن تدهور حالته الصحية.

وقال الناشطون ان محمد بن صالح البجادي احتجز في مارس اذار 2011 لمساندته عائلات تظاهرت أمام مقر وزارة الداخلية في الرياض للمطالبة بالافراج عن أقاربهم المحتجزين. وعلقت محاكمة الناشط بتهم منها تشويه سمعة الدولة بعد أن رفض الاعتراف بالمحكمة.

وقالت جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) في بيان انها "تحمل وزارة الداخلية.. كامل المسئولية عن تردي الحالة الصحية للناشط الحقوقي البارز وعضو الجمعية محمد بن صالح البجادي الذي دخل في اضراب مفتوح عن الطعام والاتصال والزيارة منذ يوم الاحد .. 11 مارس (اذار) 2012 بل انه أتبعها بالامتناع عن شرب الماء منذ 7 أبريل (نيسان) 2012 الذي أدى الى دخوله في اغماء تكرر لاربع مرات مما يثبت تعرض حياته للخطر."

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية انه لا يعلم شيئا عن القضية ولا يستطيع التعليق عليه لكن ناشطين قالوا انهم يتابعون تطورات حالة البجادي الصحية من خلال رسائل تسرب عن طريق زوار لنزلاء اخرين في سجن الحاير بالرياض حيث يحتجز الناشط.

وقال ناشط سعودي يدعى محمد القحطاني انه لا يوجد اتصال مباشر مع البجادي لكن رسائل تصل عن طريق زوار لسجناء اخرين. وأضاف أن الجمعية تتلقى رسائل من أشخاص لهم اتصال غير مباشر بالبجادي تفيد بأنه لا يزال مضربا عن الطعام وتلقت رسالة مؤخرا تفيد بأنه توقف عن شرب الماء.

ولا تسمح السعودية بأي معارضة علنية. ونجحت المملكة في تفادي احتجاجات مماثلة التي هزت دولا عربية أخرى وأطاحت بأربعة زعماء وذلك من خلال منح اجتماعية سخية اعلنت العام لماضي.

وشهدت السعودية بعض الاحتجاجات المتفرقة رغم الحظر المفروض على المظاهرات معظمها نظمته أفراد من الاقلية الشيعية في شرق البلاد وأدت الى اعتقال العشرات. وتشير تقديرات لجماعات مستقلة مدافعة عن حقوق الانسان الى أن عدد المسجونين يتراوح بين 12 ألفا و 30 ألف شخص لكن وزارة الداخلية تنفي وجود أي معتقلين سياسيين في المملكة. وذكرت الوزارة العام الماضي أنها تحتجز 5696 شخصا في قضايا لها صلة بالتشدد وأن معظمهم قدم للمحاكمة.

وذكرت صحيفة الوطن اليومية نقلا عن رسالة من الامير نايف بن عبد العزيز ولي العهد الى جميع أمراء المناطق ورئيس مكتب التحقيقات والمدعي العام انه أمر بالافراج عن السجناء غير الخطرين والذين قاربت مدة عقوباتهم على الانتهاء. وذكرت الصحيفة أن أمر العفو الذي صدر لمواجهة التكدس بالسجون استثنى المدانين في جرائم الامن القومي.

اضراب 27 سجينا سياسيا مغربيا عن الطعام

الى ذلك قالت الجماعات الرئيسية لحقوق الانسان في المغرب ان 27 سجينا سياسيا مغربيا في حالة صحية متدهورة مع اضرابهم عن الطعام احتجاجا على تعرضهم لما يقولون انه انتهاكات من بينها الحبس الانفرادي والتعذيب.

وقال الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان ان السجناء أضربوا عن الطعام احتجاجا على "استمرار اعتقال عدد منهم بدون محاكمة... والاستفزازات المتكررة المصحوبة بالتهديد والضرب والمعاملات اللاانسانية بما فيها الوضع في زنازن انفرادية." وأضاف البيان أن المضربين يطالبون أيضا بفتح تحقيق بخصوص التعذيب الذي يقولون انهم تعرضوا له وحقهم في العلاج.

ونشر الائتلاف الذي يضم 18 جماعة حقوقية مغربية مستقلة قائمة تضم 27 سجينا سياسيا قال انهم مضربون عن الطعام منذ عدة أسابيع أو أكثر بعد أن حكم عليهم بالسجن أو اعتقلوا للمشاركة في احتجاجات.

وقال الائتلاف "تدهورت...وضعيتهم الصحية بشكل كبير في ظل تجاهل المسؤولين" لمطالبهم.

ولم يتسن على الفور الاتصال بوزير العدل والحريات مصطفى الرميد والمتحدث باسم الحكومة مصطفى الخلفي للحصول على تعليق. وتقول الحكومة انها ملتزمة بالحفاظ على حقوق الانسان بما في ذلك حقوق السجناء.

وتمكن المغرب من تفادي اضطرابات "الربيع العربي" بعد أن عرض الملك محمد السادس تقليص صلاحياته لاحتواء احتجاجات حاشدة للمطالبة بالديمقراطية العام الماضي. ولكن استمر وقوع احتجاجات متواترة على البطالة والفقر والفساد ونحا بعضها الى العنف.

ومن بين المضربين عن الطعام عز الدين الروسي وهو ناشط يساري وطالب جامعي مضرب منذ 12 ديسمبر كانون الاول في السجن المحلي في مدينة تازة الفقيرة بشمال المغرب. ونقلته السلطات في أواخر مارس اذار الى مستشفى في الرباط.

وحكم على الروسي بالسجن خمسة أشهر بتهمة التعدي بالسب والخطف والضرب على ضابط شرطة بعد اعتقاله أثناء احتجاج طلابي في جامعة تازة في أوائل ديسمبر كانون الاول. ويقول أنصار الروسي ان التهم لفقت له لاسكات شخصية قيادية في حركة الاحتجاج الطلابية.

واستشهد الائتلاف أيضا بحالة عبد الجليل أكاديل الذي كان من بين عشرة أشخاص حكم عليهم بالسجن أربعة أعوام في يناير كانون الثاني لادانتهم باشعال النار في ممتلكات عامة ومهاجمة الشرطة أثناء أعمال شغب احتجاجا على البطالة في مدينة اسفي المطلة على المحيط الاطلسي في أغسطس اب.

وقال الائتلاف ان أكاديل وهو ناشط في مجال حقوق الانسان مضرب عن الطعام منذ 20 فبراير شباط 2012. وتقول الجمعية المغربية لحقوق الانسان ان أكاديل تعرض للتعذيب على مدى ثلاثة أيام بعد القبض عليه لاجباره على الاعتراف بمشاركته في أعمال الشغب.

ويضرب عبد الصمد الهيدور عن الطعام منذ 12 مارس اذار بعد أن حكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام بتهمة سب العاهل المغربي الملك محمد السادس في شريط فيديو بث من خلال الانترنت.

وحث الائتلاف رئيس الوزراء عبد الاله بنكيران على "الاسراع في حمل المسؤولين المعنيين على التجاوب مع المطالب المشروعة للمعتقلين المضربين عن الطعام" و"حماية الحق في الحياة المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان."

وقال عبد الاله بنعبد السلام من الجمعية المغربية لحقوق الانسان وهي احدى الهيئات المشاركة في الائتلاف ان المغرب شهد في الاشهر الاخيرة زيادة في عدد المضربين عن الطعام داخل السجون. وعزا ذلك الى سياسة انفاذ القانون التي كثيرا ما تعتبر السجن حلا لكل مشكلة.

فلسطيني مضرب عن الطعام في حال الخطر

من جانبه بات اسير فلسطيني لدى اسرائيل بدا اضرابا عن الطعام قبل 41 يوما في حال الخطر بعد ان بدأ رفض السوائل، على ما اكدت جمعية اسرائيلية لحقوق الانسان مطالبة بنقله الى مستشفى مدني.

وقالت جمعية اطباء لحقوق الانسان-اسرائيل ومقرها تل ابيب ان حالة بلال ذياب الذي يرفض الطعام منذ الاول من اذار/مارس "مقلقة جدا" ولا سيما بعد ان بدأ يرفض السوائل. وبعد رفع عريضة الى المحكمة سمح لطبيب من المنظمة بزيارة ذياب البالغ 27 عاما ويتحدر من منطقة قرب جنين في شمال الضفة الغربية.

كما تمكنت الجمعية من زيارة ثائر حلاحله البالغ 34 عاما وهو من الخليل واضرب عن الطعام منذ الاول من اذار/مارس لكنه يتلقى السوائل. والرجلان يتلقيان العلاج في سجن قرب تل ابيب، بحسب الجمعية.

وقال طبيب من المجموعة ان وضع حلاحله "مستقر"، محذرا من تدهور صحته في حال استمر في الاحتجاج. وقالت المجموعة ان ذياب قال لطبيبها انه قد يعيد النظر في رفض تقبل السوائل اذا نقل الى مستشفى مدني.

وحثت المجموعة اسرائيل الى نقله سريعا والسماح لاطباء مستقلين باجراء معاينات منتظمة للاسرى المضربين عن الطعام من دون وجود طبيب السجن وبحضور افراد من العائلة.

وقالت المتحدثة باسم جهاز السجون الاسرائيلي سيفان وايزمان ان "المعتقلين المضربين عن الطعام يتلقون العناية ويخضعون للاشراف الطبي اللازم". بحسب فرانس برس.

واشار نادي الاسير الفلسطيني الذي يتابع اوضاع المعتقلين في السجون الاسرائيلية الى ان ذياب وحلاحله معتقلان باوامر حجز اداري. وعبر هذه الاوامر يمكن لمحكمة ان تامر بسجن شخص من دون تهمة لفترات قد تصل الى ستة اشهر متتالية، قابلة للتمديد.

وقالت اطباء لحقوق الانسان ان حلاحله محتجز منذ حزيران/يونيو 2010 وذياب منذ اب/اغسطس 2011. واتهم الرجلان بانهما على صلة بالجهاد الاسلامي لكنهما لم يحاكما.

وقالت الجمعية ونادي الاسير الفلسطيني ان حلاحله وذياب بدآ اضرابهما عن الطعام بعد تجديد الاوامر باعتقالهما الاداري، وذلك في اطار موجة من الاحتجاج في صفوف المعتقلين الاداريين اطلقها المعتقلان الفلسطينيان خضر عدنان وهناء شلبي.

فعدنان الذي قام باضراب عن الطعام طوال 66 يوما جذب الكثير من الاهتمام وافق على انهائه في شباط/فبراير بعد الاتفاق مع اسرائيل على الافراج عنه عند انتهاء فترة اعتقاله الحالية.

في السياق ذاته قام الجيش الاسرائيلي بنفي سجينة فلسطينية مضربة عن الطعام احتجاجا على احتجاز اسرائيل لها دون اتهامات لانهاء اضرابها. واضربت هناء شلبي الناشطة بحركة الجهاد الاسلامي عن الطعام منذ اعتقالها في الضفة الغربية المحتلة في 16 فبراير شباط. وقال قدورة فارس رئيس نادي الاسير الفلسطيني "الاسيرة وافقت على العرض الاسرائيلي للافراج عنها وابعادها الى قطاع غزة لمدة ثلاث سنوات مقابل انهاء اضرابها." واضاف قائلا "اننا ضد هذا القرار لاننا نرفض مبدأ الابعاد لكننا نحترم قرارها لان هذه حياتها."

وقال ممثلون عنها انها اضربت عن الطعام لمدة 44 يوما لكن مصلحة السجون الاسرائيلية قالت ان مدة الاضراب بلغت 40 يوما.

وقال مسؤولون اسرائيلون ان هناء شلبي اعتقلت للاشتباه في تورطها في هجمات مزمعة لحركة الجهاد الاسلامي. وابقتها اسرائيل رهن الاعتقال دون ان توجه اليها اتهامات بموجب ما يسمى "الاعتقال الاداري" بحجة الحاجة الي منع الكشف عن مصادر للمخابرات اثناء الاجراءات القضائية. لكن القضاء العسكري خفض فترة الاعتقال الاصلية التي كانت محددة بستة اشهر الى اربعة في الرابع من مارس اذار.

وكانت اسرائيل اعتقلت هناء شلبي في السابق لمدة 25 شهرا لكنها افرجت عنها في اكتوبر تشرين الاول في اطار صفقة لتبادل الاسرى مع حركة حماس التي تدير قطاع غزة.

وقال يحيى شلبي والد هناء ان ابنته لم تعد ناشطة في حركة الجهاد منذ اطلاق سراحها. وعقدت اسرائيل اتفاقا الشهر الماضي مع خضر عدنان وهو عضو ايضا في حركة الجهاد أنهى بموجبه اضرابا عن الطعام استمر 66 يوما بعد ان اكدت له انها ستطلق سراحه في ابريل نيسان دون محاكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/نيسان/2012 - 23/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م