يبدو ان المواقف الاخيرة التي صدرت من الحكومة القطرية والدولة
السعودية والتي جاءت بعيد انتهاء قمة بغداد تمثل انقلابا على مقررات
هذه القمة وتدخلا سافرا في الشأن الداخلي العراقي عندما اقدمت على
تهريب (طارق الهاشمي) المتهم وفق المادة (4) ارهاب وما رافقها من
تصريحات طائفية من حاكم قطر تجاه الحكومة العراقية.
بالرغم من كون هذه المواقف ليست بالغريبة على هذه الدول اذا ما تم
ربطها بما سبقها من مواقف كثيرة. وانا شخصيا لم استغرب لأني اقدر مستوى
الهستيريا التي المت بهم بعد انعقاد القمة العربية نتيجة شعورهم بان
البساط الذي نسجته خيوط المؤامرات لسنوات طوال سوف يلتف عليهم اذا ما
عاد العراق بثقله وتاريخه لممارسة دوره الريادي باعتباره مركز القوى
ومحور المعادلة الاقليمية لاسيما في ظل المتغيرات والتقلبات السياسية
الكبيرة التي تشهدها المنطقة.
لذلك بذلت هذه الدول الكثير لعزل العراق وابعاده كموازن اقليمي
يمتلك كل المقومات التي تؤهله للقيام بمثل هذا الدور. وهي تتبنى موقفا
سياسيا مناهضا لكل التجربة الجديدة في العراق. وقد تجلى ذلك في مواقف
كثيرة منها اشاعة التحريض وافتعال الاكاذيب ودعم الجماعات الارهابية
وافتعال الازمات وتثوير الرأي العام واللعب على الورقة الطائفية وتسويق
شعار (الهلال الشيعي في المنطقة، والحكومة الصفوية) وتبني الخطاب
الاعلامي البعثي (حكومة الاحتلال) القادمة على ظهر الدبابات الذي تسوقه
قناة الجزيرة والعربية.
وقد نجحت بالتنسيق والدعم مع المملكة السعودية في تصدير الارهابين
واشاعة الصراع الطائفي ودق اسفين الخطر بين ابناء الشعب العراقي من
خلال الوقوف الى جانب مكون محدد ودعم ما تسميه ( بفصائل المقاومة)
لتقويض المد الصفوي كما تزعم، وهي بذلك تريد ان توصل رسالة بان ما حصل
بالعراق هو استهداف للمكون السني. وقد رافق ذلك حملات اعلامية كاذبة
تظهر فيها حزب البعث وصدام المقبور بانه (المجاهد السني الذي قتلته
الشيعة).! وتحويل الارهابي ابن لادن والزرقاوي وغيرهم من مصاصي الدماء
الى شيوخ المجاهدين.!
وكلنا يتذكر كيف كانت تتباكى الجزيرة القطرية عند اعدام المجرم صدام
وهي تستضيف ايتامه ومرتزقته من امثال عبد الباري عطوان، واحمد منصور،
وخليل الدليمي، وفيصل القاسم واتجاهه المعاكس. فضلا عن البرامج الحصرية
للعمليات الارهابية التي تبثها الجزيرة.! في الوقت الذي لم تذرف دمعة
على آلاف الضحايا من الابرياء الذين سقطوا شهداء من الاطفال والرجال
والنساء في ارض العراق ارض الحرية والإباء، بسبب الاجساد النتنة التي
ترسل الينا من دول الجوار مدعومة بفتاوى وعاظ السلاطين وفقهاء الشياطين
الذين يصفهم نزار حيدر.
ان تاريخ امثال هؤلاء (الفقهاء) يشير الى انهم لم يرفعوا قط راية
الجهاد الاسلامي الحقيقي ضد اعداء الامة والدين حتى ولا مرة واحدة، بل
انهم كانوا على مر التاريخ سببا للفتن الطائفية والدينية التي مرت على
المسلمين. انهم كانوا على طول تاريخهم جاهزون لإصدار فتاوى (الجهاد
الاسلامي) ضد المسلمين الذين يخالفونهم في المعتقد والمذهب، مثلما حصل
ذلك في افغانستان والعراق، كما انهم كانوا الاداة الطيعة بيد السلطة
الدنيوية في الجزيرة العربية منذ ان كانت قبيلة (آل سعود) تغزو اقرانها
من القبائل فتقتل وتذبح وتنهب لتبسط نفوذها في الجزيرة العربية، ولما
استتب لها الامر واستقر بها المقام، تحول فقهاء الوهابية الى وعاظ
موظفين في بلاط سلطة آل سعود المعروفة بالفساد والانحراف الخلقي
وارتكاب المحرمات، فكانت فتاوى هذه الطغمة من الفقهاء، المظلة الشرعية
التي يستظل بها الحكام المنحرفون.
انهم وامثالهم من انصاف الفقهاء والمثقفين، ما رفعوا راية الجهاد
الاسلامي حتى ولا مرة واحدة في تاريخهم، وهم لم يستظلوا تحت راية
الجهاد ضد الاستعمار الاوربي للبلاد الاسلامية والعربية ولا مرة واحدة،
انما الذي رفع رايات الجهاد ضد الاستعمار هم علماء الامة الحقيقيون
امثال السنوسي والمختار والميرزا الشيرازي والحسيني، اما هؤلاء فانهم
واسلافهم من افتى بكل ما يبرر للاستبداد والاستعمار في البلاد
الاسلامية، فهم الذين افتوا بجواز اقتحام الحرم المكي الشريف من قبل
القوات الفرنسية (الصليبية) في العام 1400 للهجرة، وهم من افتى بجواز
مجيء قوات التحالف الدولي وعلى راسهم الولايات المتحدة الاميركية
(الصليبية) الى ارض الحرمين الطاهرين في العام 1991 للميلاد ابان ازمة
احتلال الكويت من قبل نظام الطاغية الذليل، وهم الذين كانوا يمدون
(سرا) يد التعاون مع المحتل الانجليزي والفرنسي والايطالي في العراق
والجزائر وليبيا وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين يوم كان فقهاء الامة
الحقيقيون مشغولون بالقتال والجهاد ضد المحتل في ساحات الوغى والدفاع
عن بيضة الاسلام وحرمة الدين.
ان هؤلاء لم يحملوا في تاريخهم سيفا يقاتلون به المحتل، ولم يطلقوا
رصاصة ضد الاجنبي الناهب لخيرات البلاد، بل انهم تعاونوا معه على
استعمار البلاد ونهب ثرواتها، مقابل ان يبقوا هم في السلطة، ليعيثوا
فسادا في الارض كما هو الحال اليوم مع النظام في المملكة العربية
السعودية، وما قضية فلسطين ببعيدة عنها.
والمفارقة ان تتحول السعودية و قطر من مدافع عن الانظمة الدكتاتورية
الى راعية لمشروع التغيير في المنطقة ومدافعة عن شعوبها ودعم (الربيع
العربي) ولكن بنصف عين، فهي تقف مع الشعوب في تونس ومصر وليبيا وضدهم
في البحرين والسعودية واليمن.!! فضلا ان حكامها لا يزالون يحكمون
شعوبهم بقوانين وعقلية القرون الوسطى في الوقت الذي يدعون بانهم يدعمون
بعض الانتفاضات العربية من اجل الحرية والديمقراطية التي توأد في
بلدانهم. |