شرعية الحاكم في الدولة الاسلامية

المؤهلات الحقوقية (العدالة)

الشيخ فاضل الصفّار

ربما يمكن تصنيف المؤهلات الحقوقية إلى صنفين:

أحدهما: المؤهلات الذاتية؛ وهي التي ينبغي توفرها في شخص المرشّح للحكومة حتى يصح توليه لها شرعاً وعقلاً، ولولاها يفقد شرعية الترشيح فضلاً عن الولاية، وهي:

1ــ العدالة.

2ــ العلم.

3ــ الكفاءة.

وهي مطلوبة على نحو العموم المجموعي الانضمامي، فلو فقد المرشح واحداَ منها فقد الصلاحية.

 والثالث منها وإن كان يعود إلى الثاني إلا أن تخصيصه بالذّكر لأهميته من جهة ولتوقف الكثير من واجبات الحاكم ومهمات الحكومة عليه من جهة ثانية وللتمييز بين جهتي العلم النظري والعلم العملي من جهة ثالثة والمقصود بالكفاءة الخبروية في الممارسة والتطبيق فإن النسبة بين العلم والخبروية هي العموم من وجه. هذا ويختلف شرط العلم بين الفقيه وغيره، فإنه في الأول يشترط مضافاً إلى العلم بأمور الحكم والدولة الفقاهة، بخلافه على الثاني فإنه لا يشترط فيه الفقاهة؛ لتبعيته وخضوعه لإشراف الفقيه الجامع للشرائط أو شورى الفقهاء، لما عرفت من أن شرعية السلطة متوقفة على المعصوم أو نائبه بغض النظر عن كون الرئيس الحاكم فقيهاً أو مأذوناً من قبل الفقيه بناءً على ثبوت الولاية، أو مأذوناً من قبل الأمة بناءً على عدم ثبوتها.

ثانيها: المؤهلات العرضية؛ وربما يعبَّر عنها بالمؤهلات القانونية أو التنصيبية، وأهمها ثلاثة هي:

1ــ أن يكون التولي برضا الأمة.

2ــ أن يأخذ بالشورى في الحكم.

3ــ أن يلتزم بتطبيق الإسلام.

وهو ما ربما يعبر عنه بالعدالة العملية، وهذا يتضمن أموراً عديدة سنتعرف عليها إن شاء الله تعالى فيما يأتي من مباحث.

وهذه الشروط الثلاثة هي أيضاً مأخوذة على نحو العموم المجموعي الانضمامي؛ إذ إن فقدان واحد منها يسقط الشرعية عن الحاكم شرعاً وعقلاً، والفرق بين الصنفين من الشروط من جهات:

إحداها: أن الأول منها ذاتي وصفي بينما الثاني منحي اكتسابي؛ ولذا فإنه مقدّم عليه رتبة؛ لأن الأول في رتبة المقتضي بينما الثاني في رتبة المانع.

ثانيها: أن الأول منها ترشيحي بينما الثاني تنصيبي.

ثالثها: أن الأول منها ابتدائي حيني؛ للزوم توفر هذه الشرائط في الحاكم قبل ومع الحكم، بينما الثاني منها حيني؛ لكفاية وجود هذه الشرائط في أثناء الحكم.

رابعها: أن الصنف الأول من الشروط إحرازي؛ إذ لا يكفي في جواز تولّي الحاكم لهذا المقام الخطير ما لم يحرز العدالة والعلم والكفاءة، بخلافه على الصنف الثاني فإنه وهبي منحي؛ لتوقفه على الثقة التي تمنح له، وبالتالي فإن الصنف الأول يتوقف على المؤهّل الذاتي الذي يتوقف على شخص الحاكم، ولا يتوقف على رأي الغير، بينما الثاني خلافه.

ومن هنا فإن فقدان الأول منها كلاً أو بعضاً يصعب بعده العود إليه ثانية، وربما يسقطه عن الأهلية ذاتا، بخلافه على الثاني فإنه قابل للمنح والسلب معا بحسب رأي الأمة، وتفصيل الكلام في هذه المسائل يستدعي التعرّض إلى كل واحد من الشروط المذكورة مع ذكر ما استدلّ، أو يمكن أن يستدلّ لها على ذلك:

الأول: الشروط الترشيحية

الشرط الاول: العدالة

فإن المستفاد من الأدلة عدم جواز ولاية الفاسق على المسلمين، سواءً كان فاسقاً بعصيانه للأحكام الإلهية، أو بالجور على الناس، بمعنى أنه كان ظالماً. هذا وسنكتفي عن بيان حقيقة وماهية العدالة ــ وأنها من سنخ الملكة أو الحال أو العمل أو غير ذلك ــ لأن محلّه باب الاجتهاد والتقليد والصلاة من الفقه، بالإشارة إلى التعريف من باب شرح الاسم، فنقول: هي العاصم النفسي الذي يحصن الإنسان من أن يقارف الإثم حين يعرض له، سواء كان من شهوات الحس أو النفس أو الوهم، ونعني بشهوة الوهم ما مثل له علماء الأخلاق بحب السلطة والسيطرة ونحوهما.

هذا ويختلف الرأي في شرط العدالة بين الخاصة والعامة، أما عند العامة فالظاهر أنهم لم يتفقوا على رأي واحد فيها، فإن التتبع في كلماتهم يكشف عن أن بعضهم اشترطها مبدئياً بنحو شكلي، بحيث لا يؤثر زوالها في سقوط شرعية الحاكم، وبعض آخر منهم لم يشترطها من حيث المبدأ إذا توفرت الشروط الأخرى، كما حكي عن ابن حزم،[1] لكن الظاهر من كلمات أبي الحسن الأشعري على ماحكي عنه اعتبار العدالة بناء على مذهبه في وجوب تقديم الأفضل، وعدم صحة نصب المفضول، وهي عنده شرط مطلق، وليس بحسب القدرة؛ لذهابه إلى أن الإمامة إذا عقدت للمفضول مع وجود الأفضل كان المعقود له من الملوك وليس من الأئمة.[2]

وأما الباقلاني الأشعري المالكي فلم ينص صراحة على اعتبار العدالة، ولكن مقتضى مذهبه في وجوب تقديم الأفضل هو اعتبارها، إلا أن شرطيتها عنده تدور مدار القدرة،[3] وهو مذهب الغزالي في هذه المسألة أيضاً،[4] لكن نصّ على اعتبارها الإيجي والجرجاني[5] والمنفذاني[6] وابن خلدون[7] والقلقشندي الشافعي. قال الأخير كما في شرح المواقف: العاشر: العدالة، فلا تنعقد إمامة الفاسق، وهو التابع لشهوته، المؤثر لهواه من ارتكاب المحظورات والإقدام على المسكرات؛ لأن المراد من الإمام مراعاة النظر للمسلمين، والفاسق لم ينظر لنفسه في أمر دينه، فكيف ينظر في مصلحة غيره؟.[8]

وبالجملة: فالظاهر من كلماتهم أن معظم مشترطي العدالة في الإمام يعتبرونها شرطاً في حال القدرة، وأما في حال العجز فتسقط عن الشرطية؛ إذ يصح نصب الناس للإمامة من يرونه مناسباً، فيكون حينئذٍ إماماً للضرورة، ويجب طاعته، وأما الذين لم يشترطوا العدالة فهم على ماحكي عن ابن حزم طائفة الصحابة كلهم، وجميع فقهاء التابعين، وجمهور أصحاب الحديث، وأحمد والشافعي وأبو حنيفة،[9] وصرّح الماوردي: بأن الفاسق بسبب تأوّله على خلاف الحق، واما الثاني منهما فمتعلق بالاعتقاد، والمتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها، فذهب فريق منهم الى انها تمنع من انعقاد الامامة ومن استدامتها، ويخرج بحدوثه منها؛ لانه لما استوى حكم الكفر بتأويل وغير تأويل وجب ان يستوي حال الفسق بتأويل وغير تأويل، وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة، ولا يخرج به منها، كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة[10].

وعن الشيخ قاسم بن قلطوبغا في حاشيته على المسايرة لشيخه كمال بن الهمام: أن الشروط التي لا تنعقد الخلافة من دونها عند الحنفية هي: الإسلام والذكورة والحرية والعقل وأصل الشجاعة وأن يكون قرشياً، ولم يذكر العدالة.[11]

وقال الباجوري في طرق تعيين الإمام:

 ثالثها: استيلاء شخص مسلم ذي شوكة متغلب على الإمامة ولو غير أهل لها، كصبي وامرأة وفاسق وجاهل، فتنعقد إمامتهم لينظم شمل المسلمين، وتنفذ أحكامه للضرورة[12] ، كما أن ثمة خلافاً آخر في شرطية العدالة تتلخص في أن العدالة بعد تسليم شرطيتها في حال الاختيار عند من يراه شرطاً هل هي شرط ابتداء وانعقاد فقط؟ بمعنى أنه لو فسق الإمام بعدما بويع ونصب إماماً فإنه لا ينعزل بالفسق، أو أنها شرط ابتداء واستدامة، فلو فسق الإمام العادل ينعزل بالفسق، ومع أن هذا الخلاف يجري في شروط أخرى إلا أنه يذكر في العدالة لأهميتها ولاقتضائها الذاتي والشرعي في الفقدان، فهي من الأوصاف سريعة الزوال شرعاً.

ما يدل على وجوب عدالة الحاكم

وكيف كان، فإن النتيجة التي قد يتوصل إليها المتتبع لمجموع كلماتهم هي أن الرأي الغالب والمشهور عندهم أن العدالة شرط ابتداء لا شرط استدامة، وأن الإمام لا ينعزل بالفسق لكونها شرطاً شكلياً وليس واقعياً، وهذه نتيجة مهمة في الموقف من مسألة الحكم وأداء هذا الحكم لمهماته التي شرع من أجل إنجازها على مستوى الإسلام وعلى مستوى الأمة.

 وأما عند الخاصة فالعدالة شرط لازم للحاكم في ابتداء صلاحيته للحكم وفي استمرارها، ويدلّ على ذلك الأدلة الأربعة:

أما الكتاب فآيات

منها: قوله سبحانه وتعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}[13] بتقريب أن الظلم له معنيان: أحدهما التجاوز عن الحد، والثاني وضع الشيء في غير موضعه، ومنه المثل المشهور من استرعى الذئب ظلم[14] وكلاهما ينطبقان على ما نحن فيه، فإن كل ما يخالف الحق يصح أن يطلق عليه الظلم، فكل فاسق ظالم؛ لكونه متجاوزاً عن حدّ العبودية في عصيانه للمولى، وواضعاً نفسه في غير موضعها بتجريه على سيّده وخروجه عن مقتضيات عقله وفطرته ومراسم العبودية.

وأما تقرير الاستدلال فنقول: إن العهد في الآية ظاهر في الإمامة، وتؤيده قرينة السياق، والمنصرف من الإمامة إما الحكومة والسلطة أو الإمامة المعنوية، وحينئذٍ تشمل الحكومة والسلطة من جهة أنها أحد المصاديق لانطباق العلة عليه، وهي الاقتداء والتأسي، أو لجهة الأولوية، فإن الإمامة المعنوية على القلوب والأرواح تستلزم الإمامة الظاهرية على الأجساد أيضاً، ومن الواضح أن الآية صريحة في النفي؛ لمكان لا النافية الدالة على أن الظالم لا ينال هذا المقام، والمستفاد منها أحد أمرين:

 أحدهما: سقوط الأهلية من حيث المقتضي؛ لكون الظالم غير مأمون على نفسه فكيف يؤتمن على الناس؟

ثانيهما: وجود المانع لجهة النص الشرعي في الآية الدال على حرمة تولي الظالم.

والظاهر أن إطلاق النفي يشمل الاثنين معا، فتدل حينئذٍ على الحكمين الوضعي و التكليفي ولازمه عدم جواز تولي الظالم للحكم، ولو تصدى له لا يجوز للأمة القبول.

وربما يناقش في الاستدلال المذكور من وجهين:

أحدهما: دلالي؛ لكونه استدلالا بالخاص على العام؛ بداهة أن الآية تنفي تولي الظالم للولاية والظالم أخص من الفاسق؛ إذ لعل النفي لخصوصية في الظلم دون الفسق.

ثانيهما: موردي؛ وذلك لأن الآية الشريفة واردة بشأن إبراهيم (عليه السلام) وموضوع الإمامة المعصومة والنبوّة، وهذا غير ما نحن فيه من إمامة الحكم والدولة، لكن هذا غير وارد لما عرفت من أن المورد لا يخصّص الوارد، مضافاً إلى وجود الأولوية المتقدمة.

وأما الأول فربما يقال فيه:

 أولاً: أن إطلاق الظالم يشمل الفاسق، بداهة أن الظلم حقيقة مشكّكة ذاتاً، فتشمل كل مراتبه والفسق منها، أو لأن الظلم لغةً يشمل كل فاسق، فالنسبة المنطقية بينهما على المعنى اللغوي هي التساوي وإن كانت حسب المفهوم العرفي العموم المطلق.

ثانياً: فهم العرف عدم خصوصية الظلم في النفي، بل لعلّ المستفاد منه أن الظلم قيد تعليلي لا تقييدي، فيفيد أن كل من يشترك معه في العلّة يشمله الحكم، والعلّة هي أن الظالم لا يؤتمن على العهود الإلهية، وكذا الفاسق؛ لأن من لا يؤتمن على نفسه في شهواتها الحسية والنفسية والوهمية كيف يؤتمن على غيره؟

ثالثا: قيام الإجماع المركب على عدم جواز تولي الفاسق، فإن التفريق بين الفاسق والظالم في ذلك يستلزم القول بالفصل.

هذا مضافاً إلى الأدلة النقلية والعقلية التي تنفي الفرق بينهما، فتأمل.

ومنها: قوله سبحانه وتعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}[15] ووجه الاستدلال أن النهي تعلّق بالركون، وهو الاعتماد والاستناد لغة وعرفاً [16]. يقال: ركن البناء الجانب القوي منه،[17] ومنه قوله تعالى حكاية عن لوط (عليه السلام): {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}[18] وفي الروايات الشريفة في وصف الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) «أركان البلاد»[19].

 فما ورد في بعض مصادر اللغة بأنه التبع أو الميل إلى الشيء والسكون له كما عن الفيروزآبادي والجوهري وغيرهما[20] فالظاهر أنه من مراتب ما ذكرناه أو مصاديقه.

وكيف كان، فإن الآية ظاهرة بل صريحة في حرمة الركون إلى الظالمين، ومن أجلى مصاديقه هو تسليط الحاكم الفاسق على شؤون الحكم والدولة؛ لكون الفاسق ظالما لنفسه ولربه. قال سبحانه في مقام تعداد العصاة والمجرمين: {فمنهم ظالم لنفسه}[21] أو لاشتراكه في العلة في عدم الائتمان عليه.

إن قلت: الآية ظاهرة في عدم الوثاقة والاطمئنان؛ لأن {إلى}فيها بمعنى «على»، وهذا لا ينفي الاستيثاق كإلزامه في أخذ الضمانات الكافية كالأخذ بالشورى وإيجاد الرقابة والمنافسة والانتخابات ونحو ذلك. نقول: ما ذكر خلاف الأصل، بل والظهور،ً فإن الأصل في«إلى» هو الغاية، ولا تحمل على ما يخالف الأصل إلا بقرينة وهي مفقودة فيما نحن فيه، وحينئذٍ فإن المستفاد من صدر الآية أمران:

أحدهما: تكليفي، وهو حرمة اتخاذ الظالمين ركناً ومعتمداً يلجأ إليهم في مختلف الشؤون الخاصة والعامة، ومن أعظمها شؤون رئاسة الدولة ومناصبها المختلفة، فإن تسليط الحاكم الفاسق بأي مرتبة من مراتب الفسق والقبول بولايته والتسليم لحكومته هو ركونٌ إلى الظلم على ما يفيده الإطلاق.

ثانيهما: وضعي، وهو يدل على عدم أهلية الفاسق للتصدّي لهذا المنصب، فيحرم عليه ذلك إما لجهة الملازمة بين التكليف والوضع، أو للدلالة الالتزامية المستفادة من تحريم تولي الأمة للحاكم، أو لسراية الحكم من الملزوم إلى اللازم أو الملازم دفعاً للغوية. هذا ما ربما يستفاد من صدر الآية، وأما ذيلها فربما يستفاد منه مضافاً إلى عقوبة الآخرة أمور:

أحدها: أن ولاية الحاكم الفاسق من الكبائر؛ لما ذهب إليه مشهور الفقهاء من أن الكبيرة هي: ما وعد عليها النار، وفي الآية الشريفة وعد الناس بأن تمسّهم النار إذا ولوا الحاكم عليهم.

ثانيها: أن ولاية الفاسقين تبتلى بالفرقة وتشتت شمل الأمة عنها لابتعاد الصالحين عنها وابتلائها بالطالحين.

ثالثها: أن ولاية الفاسقين تنتهي بالأمة والدولة إلى الهزيمة والفشل؛ وذلك لدلالة الذيل على الآثار الوضعية الخارجية المترتبة عليها، حيث قال سبحانه وتعالى بعد النهي عن الركون إلى الظالمين والتحذير من المساس بالنار: {وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}[22].

وربما يمكن أن يقال بإطلاق قوله سبحانه: { فتمسكم النار} الشامل للعقوبتين الأخروية والدنيوية، فحينئذٍ سواء حملت الواو في قوله عز وجل: {وما لكم} على الحالية أو الاستئنافية فإنه يدلّ على ما ذكرنا من آثار، ومن الواضح أن هذه النتائج السلبية كافية لاستقلال العقل بالحكم بقبح تولي الفاسقين للحكومة، كما يحكم العقلاء بذمّ من أقدم عليها واستحقاقه العقاب.

هذا وقد فسر الركون في بعض الأخبار الشريفة بالمودّة والنصيحة والطاعة كما في تفسير القمي،[23] فيدل بالأولوية القطعية على حرمة التعاون أو التعامل أو تولّي المناصب في حكومة الظالمين والفاسقين.

ومن الآيات طائفة تدل على حرمة إطاعة الفاسقين والمسرفين والآثمين، فتدل على حرمة توليهم أو تنصيبهم لمقام من المقامات التي تستلزم الطاعة، ومن أجلى مصاديقها مقام الحكومة والرئاسة، والدلالة على الحرمة إما تستنبط من الملازمة أو المقدمية أو الأولوية القطعية المستفادة من حرمة إطاعة الفاسق في الأمور الخاصة، فتدل على حرمتها في الأمور العامة بألاولوية،ومن هذه الآيات قوله سبحانه وتعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}[24] والآية الشريفة صريحة في النهي عن اطاعة العاصين الذين يطيعون شهواتهم؛ لما فيها من تضييع وتشتيت واختلال نظام، ومن الواضح أن الفاسق من أجلى مصاديق متبع الهوى الذي أمره فرطا.

ومنها: قوله سبحانه: {ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون}[25] والمسرفون هم كبراء القوم وأعلامهم في الكفر والإضلال، وكانوا تسعة رهط من ثمود الذين عقروا الناقة كما في تفسير الآية،[26] ونسبة الإطاعة إلى الأمر هنا مجاز؛ لأن المقصود هو الآمر حقيقة، وفي ذلك من المبالغة ما لا يخفى؛ بداهة أن الآمر المسرف لا يكون أمره إلا من إسراف، والإسراف مساو للفساد، أو ملازم له، ومن الواضح أن المورد لا يخصص الوارد، كما أن الإطلاق يشمل كل مسرف للملازمة العقلية أو العرفية بين المسرف وبين الخروج عن سبل التوازن والاعتدال، ودلالة المسرفين على عدم جواز إطاعة الحاكم غير العادل وعدم جواز توليه لهذا المقام ظاهر، وأما الإطلاق الشامل لكل مسرف في كل مجال من مجالات الإسراف فإنه يدلّ على عدم جواز إطاعة الحاكم المسرف إما بالأولوية أو بعموم العلّة، حيث عللت الآية حرمة الطاعة بوقوع الفساد في الأرض وعدم الإصلاح، وهما من أهم أهداف الحكومة الإسلامية.

ومنها: قوله سبحانه: {فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا}[27] بتقريب أن الذي يدعو إلى الإثم والكفر إما أن تكون له سلطة وقدرة أو يدعو إلى اتباعه والأخذ بما يقول في إثمه وكفره؛ لأن ما يقوله إثم وكفر، فيستفاد منها أمور:

أحدها: حكم تكليفي؛ لأن ما يقوله الآثم ويدعو إليه هو إثم، وكذا الكافر فيحرم الأخذ به شرعاً.

ثانيها: حكم وضعي؛ لأن الآثم لا يوصل إلى الهدف، بل ينأى بنفسه وباتباعه إلى الضلال، وهو ما تشير إليه الآية الثانية المتقدمة.

ثالثها: حكم وضعي آخر، من حيث إن الآثم لا يصدر منه إلا الإثم فتنتفي عنه أهلية التصدي للحكومة الإسلامية؛ لأنه ينقض غرضها، وما يقال في الآية من أنها خطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يجاب عنه بما عرفته مما تقدم، وأما الآيات الدالة على ما ذكرنا فكثيرة منها: قوله سبحانه وتعالى حكاية عن أهل النار: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} [28] حيث يستفاد منها أن إطاعة كبير القوم سواء كان حاكماً أو رئيساً أو والياً أو ما أشبه ذلك إذا كان من الضالين أو الفاسقين أو المسرفين حرام، وتترتب عليه عقوبة النار، إلى غير ذلك من الآيات التي تمنع من جعل الظالم والفاسق إماماً ووالياً مفترض الطاعة.

دلالة الأخبار على العدالة

وأما الروايات فهي طائفة كبيرة ومتضافرة دلت على لزوم كون الحاكم عادلاً، وعدم جواز أن يكون فاسقاً أو ظالماً. بعضها ورد بصيغة الاستثناء، والإثبات بعد النفي يدل على الحصر.

 منها: ما رواه الكليني رضوان الله عليه في الكافي بسنده عن حنان، عن أبيه، عن الباقر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم»[29].

 ومنها: ما في نهج البلاغة عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب في الحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة»[30] وفي المراد من قوله (عليه السلام) «ينبغي» احتمالان:

أحدهما: الكراهة كما هو المشهور، وفي بعض كتب اللغة: ينبغي أن يكون كذا معناه يندب ندباً مؤكداً لا يحسن تركه،[31] ولعله المشهور في اصطلاح الفقهاء أيضاً.

ثانيهما: الحرمة، خصوصا فيما نحن فيه، وذلك إما لوجود القرينة وهو مناسبة الحكم والموضوع بلحاظ أن المقام هنا مقام الحكومة والرئاسة، أو للظهور العرفي، وربما يقال: إنه في اللغة أيضاً كذلك، ففي مجمع البحرين ما ينبغي أي ما يصلح،[32] وقريب منه في تاج العروس،[33] وفي المصباح عن الكسائي وما يستقيم أو ما يحسن.[34] فإذا ضممنا إليه القرينة العقلية الحاكمة بأن ما نهى عنه الشارع بعنوان «لا ينبغي» معناه أنه لا يصلح لذلك لوجود نقص أو ضرر فيه، فينضم إليه حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل أو الموهوم في الموارد الخطيرة، كمسائل الحكومة والدولة وما أشبه ذلك، أو بضميمة حق الطاعة والمولوية الذي ذهب إليه بعض الأصوليين[35] فإنه يفيدنا الوجوب، وربما يؤيد ذلك طائفة من الآيات الشريفة والروايات التي استعمل فيها الفعل«ينبغي» وأريد منه النفي الحتمي أو النهي المؤكد، منها قوله سبحانه وتعالى:{قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء}[36] وقال سبحانه:{لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر}[37] إلى غير ذلك

وفي صحيحة زرارة المشهورة في باب الاستصحاب ورد قوله (عليه السلام):«فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً»[38] وقد استفاد الفقهاء والأصوليون من مثل هذه الصيغة عدم جواز نقض اليقين بالشك.

 وكيف كان، فدلالة الكلام على اعتبار العدالة واضحة، والظاهر أن قوله (عليه السلام): «وقد علمتم» يفيد تحقيق العلم، لكن في منشأ هذا العلم احتمالات:

أحدها: علمتم من الآيات القرآنية التي وردت مؤكدة على وجوب اشتراط العدالة في الولاية، وقد عرفت بعضها مما تقدم.

ثانيها: علمتم من بيانات رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيفيدان ضابطة شرعية.

ثالثها: مما رأوه من أعمال العقلاء قبل الإسلام، فتفيدنا قاعدة عقلائية مستفادة من السيرة.

رابعها: من الفطرة؛ لان المرتكز لدى كل سليم الفطرة أن الولاية والحكومة أمانة ورسالة، وينبغي أن يكون الوالي جديراً ولائقاً بهما، ومن كان ظالماً فاسقاً بخيلاً ونحو ذلك من رذائل الأخلاق ومساوئ الصفات لا يليق بهذا المقام، فتفيدنا ضابطة فطرية مرتكزة في النفوس تدل على وجوب كون الوالي عادلاً؛ لكونها الضد الثاني للفسق، ومن الأخبار ما ورد عن مولانا سيد الشهداء (عليه السلام): «فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله»[39].

ومنها: ما عن مولانا جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق»[40] كناية عن القضاة الذين نصبوهم الحكام الظلمة؛ لكونهم من الظلمة والفاسقين، ومن الواضح أن «إياّكم» تحذير وهو ظاهر في الحرمة، والرواية وإن كانت ظاهرة في حكومة القضاء ولكنها تدل على ما نحن فيه إما بالأولوية أو بفهم عدم الخصوصية أو عدم فهم الخصوصية.

ومنها: ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اتقواالله ــ عباد الله ــ واطيعوه، وأطيعوا إمامكم، فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل، ألا وإن الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر»[41] والمستفاد منها أمور من أهمها اثنان:

أحدهما: وجوب طاعة الحاكم العادل، فتدل بمفهوم المخالفة أو باللازم العقلي على حرمة إطاعة الفاسق، وإلا لزم تساوي العادل والفاسق وهو باطل عقلاً وشرعاً. قال سبحانه:{أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون}[42].

ثانيهما: أن بين الحاكم والأمة علاقة متبادلة ومتكاملة في الصلاح والفساد، فإن المستفاد من الباء الظاهرة في السببية هو أن الرعية الصالحة لا تولي على نفسها إلا الصالحين، والرعية الفاجرة لا تولي إلا الفاجرين، كما أن الحاكم الصالح يبني رعية صالحة، والفاجر يجمع رعية فاجرة؛ ولذا فإن الأولى تنجو بالإمام العادل، والثانية تهلك بالإمام الفاجر، ولعل هذا هو المستفاد من طائفة أخرى من الأخبار.

منها: ما في نهج البلاغة: «ولكنني آسي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً»[43].

وفي نهج البلاغة أيضاً خطاب لعثمان. يقول (عليه السلام):«فاعلم أن افضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مجهولة... وأن شر الناس عند الله إمام جائر ضلّ وضّل به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة، وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في نار جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها».[44]

ومنها: ما روي في الكافي بسند صحيح عن هشام بن سالم وحفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قيل له: بأي شيء يعرف الإمام؟ قال: «بالوصية الظاهرة وبالفضل، إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج، فيقال كذاب، ويأكل أموال الناس، وما أشبه هذا»[45].

وفي تحف العقول عن مولانا الصادق (عليه السلام) بيان تفصيلي لوجوه حرمة تولي حكام الجور والفسق، وبخلافه لزوم تولي أئمة العدل المستفاد من قوله (عليه السلام):«فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته، والعمل له في ولايته وولاية ولاته وولاة ولاته بجهة ما أمر الله به، الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل الله به ولا نقصان منه، ولا تحريف لقوله، ولا تعد لأمره إلى غيره، فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له والعمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محلل، وحلال الكسب معهم؛ وذلك أن في ولاية والي العدل وولاته إحياء كل حق وكل عدل، وإماتة كل ظلم وجور وفساد، فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ساعياً إلى طاعة الله، ومقوياً لدينه. وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته، الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه، والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام ومحرم، معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير؛ لأن كل شيء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر، وذلك أن في ولاية الوالي الجائر دوس الحق كله، وإحياء الباطل كله، وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه؛ فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة، نظير الضرورة إلى الدم والميتة».[46]

ولا يخفى عليك أن أمارات الصدق والصحة والاعتبار على هذه الرواية لائحة، كما اشتهر العمل بها بين الفقهاء على ما يظهر من مكاسب الشيخ الأنصاري P [47] ومن تأخر عنه[48].

وعليه فالظاهر أنها معتبرة من ناحية السند فضلاً عما ذكره في ديباجة تحف العقول الذي روى الرواية من شواهد الاعتبار، حيث قال: وأسقطت الأسانيد تخفيفاً وإيجازاً وإن كان أكثره لي سماعاً، ولأن أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها.[49] إلى غير ذلك من أمارات الاعتبار؛ لذا لا ينبغي التوقف فيها من حيث السند.

وأما من ناحية الدلالة فهي صريحة في أن أجهزة الحكومات بكل مراتبها ووظائفها إن كان الحاكم الأعلى فيها ظالماً فلا يجوز التولي لها ابتداء من كبار الوظائف إلى صغارها، بخلاف ما إذا كان الحاكم عادلاً لما عرفت من توجيهات الحلية والحرمة في الرواية. هذا مضافا إلى ما ورد من الأخبار المتضافرة مما يؤيد هذا المضمون.

 منها: رواية الفضل بن شاذان حيث جاء فيها: «أنه لو لم يجعل لهم إماماً قيماً حافظاً مستودعاً لدرست الملة»[50].

ومنها: رواية السكوني عن مولانا الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين أعوان الظلمة؟ ومن لاق لهم دواة أو ربط كيسا أو مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم»[51].

وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من برى لهم قلماً ولاق لهم دواة؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم»[52] إلى غير ذلك من الروايات الدالة على أن ولاية الفاسق في ذاتها حرام شرعاً، كما أن تنصيب الأمة للفاسق عليها حرام أيضاً، وكذلك معاونته والعمل معه، بخلاف الوالي العادل، فيدل على أن العدالة شرط من شرائط شرعية الحكم والحاكم. هذا بعض ما يرتبط بالآيات والروايات.

دلالة الإجماع والعقل على العدالة

أما الإجماع فهو الظاهر من كلمات الأعلام في مثل باب القضاء والحدود والتعزيرات ونحوها فيشمل الحكم والسلطة بالأولوية، ولو نوقش فيه بدعوى عدم تعرض جمع من الفقهاء إلى المسألة فكيف توصلتم منها إلى الإجماع؟ يقال فيها: إن عدم تعرضهم لا ينفي اتفاقهم مع تصريحهم في باب القضاء ونحوه باشتراط العدالة فضلاً عن وجود النصوص الكافية في الاشتراط، وما يقال من أنه حينئذ مستند أو محتمل الاستناد مردود من جهة القول بحجية الإجماع المستند، فضلاً عن محتمل الاستناد من باب بناء العقلاء لا الكاشفية عن قول المعصوم (عليه السلام)، وهو يكفي في حجيته المستقلة، أو يكون من باب الإجماع على الكبرى الجاري فيما نحن فيه أيضاً، وعليه فالظاهر أن الإجماع مما لا إشكال فيه.

وأما العقل فيمكن الاستدلال به على اشتراط العدالة من جهات عدة نذكر منها جهتين:

الأولى: الأولوية

بتقريب: أنه بعد الإجماع على اعتبار العدالة في إمام الجمعة والجماعة والشاهد والقاضي وما أشبه مع أنها متعلقه ببعض الشؤون فاعتبارها في الإمام والحاكم الذي هو القدوة في جميع الشؤون وبيده حقوق الناس وأعراضهم وأموالهم ويسلط على كل هذه الشؤون يكون آكد، بل الحق أن تعيين إمام الجمعة والعيدين من شؤون الإمام الحاكم، وهو الأحق بإقامتهما مع حضوره كما ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا قدم الخليفة مصراً من الأمصار جمع بالناس ليس ذلك لأحد غيره»[53] إلى غير ذلك من الأدلة، فيستفاد من الأولوية العقلية وجوب اشتراط العدالة.

الثانية: الحسن والقبح

بتقريب: أن إمامة المسلمين مقام إلهي شامخ، فإن كانت من قبل الله تعالى فمن البعيد جداً عن مقتضى اللطف الإلهي بل يقبح ذلك عقلاً أن يرتضي الباري عز وجل أن ينصب على الأمة إماماً جائراً فاسقاً، ويحكم بلزوم الانقياد والطاعة له، وإن كانت بانتخاب الأمة فالعقل يحكم بقبح الحكم الظالم الجائر وتسليط حاكمه على الدماء والأعراض والتسليم له وإطاعته، وبذلك يظهر وجه الضعف فيما ذهب إليه جمهور العامة من وجوب إطاعة الحاكم الفاسق أو الجائر حتى لو تسلط على الحكم بالقوة والسيف،[54] فإنه مضافاً إلى منافاته للنص والإجماع والعقل مناف لما رووه من النهي عن إطاعة العصاة مطلقاً كما في بعض الأخبار.

منها: ما في كنز العمال عن أنس: لا طاعة لمن لم يطع الله،[55] وفي بعضها النهي عن الطاعة في جهة المعصية، كما في صحيح مسلم عن ابن عمر، عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»[56] ومثله رواه في المصنّف عبد الرزاق الصنعاني[57] وغيره[58] من أعلام العامة، وأي معصية أشد من تولي الظلمة والفسقة شؤون الناس والدولة بالقوة والقهر.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

................................................

[1] نظام الحكم والادارة في الاسلام: ص164؛ الفصل: ج4 ص176.

[2] نظام الحكم والادارة في الاسلام: ص165.

[3] الفصل: ج4 ص164 ؛ التمهيد: ص186.

[4] الاقتصاد في الاعتقاد: ص97.

[5] انظر شرح المواقف: ج8 ص350.

[6] شرح المقاصد : ج5 ص243-244.

[7] مقدمة ابن خلدون: ص241.

[8] شرح المواقف: ج8 ص351.

[9] انظر نظام الحكم والادارة في الاسلام: ص167.

[10] الاحكام السلطانية: ج2 ص17.

[11] نظام الحكم والادارة في الاسلام: ص167.

[12] حاشية الباجوري على شرح الغزي: ج2 ص259 -260.

[13] سورة البقرة: الآية 124.

[14] الاربعين: ص54.

[15] سورة هود: الآية 113.

[16] انظر مجمع البحرين: ج6 ص256-257 ركن.

[17] لسان العرب: ج13 ص185 ركن.

[18] سورة هود: الآية 80.

[19] الفقيه: ج2 ص370 ح1625.

[20] الصحاح: ج5 ص2126 ركن ؛ القاموس المحيط: ص1550 ركن ؛ مجمع البحرين: ج6 ص256 ركن.

[21] سورة فاطر: الآية 32.

[22] سورة هود: الآية 113.

[23] تفسير القمي: ج1 ص338 تفسير الآية المزبورة من سورة هود.

[24] سورة الكهف: الآية 28.

[25] سورة الشعراء: الآية 152-153.

[26] مجمع البيان: ج7 ص199 ذيل الآية 152 من سورة الشعراء.

[27] سورة الانسان: الآية 24.

[28] سورة الاحزاب: الآية 67.

[29] الكافي : ج1 ص407 ح8.

[30] نهج البلاغة: ص189 الخطبة 131.

[31] المصباح المنير: ص57 بغي ؛ مجمع البحرين: ج1 ص55 بغا.

[32] مجمع البحرين: ج1 ص55 بغا.

[33] تاج العروس: ج210 ص39 بغا.

[34] المصباح المنير: ص57 بغي.

[35] انظر كفاية الاصول: ص298 ؛ اجود التقريرات : ج2 ص55 ج1 ص144.

[36] سورة الفرقان: الآية 18.

[37] سورة يس: الآية 40.

[38] التهذيب: ج1 ص421 ح1335 ؛ الوسائل: ج3 ص466 ح4192 باب 37 من ابواب النجاسات.

[39] الارشاد: ج2 ص39 ؛ البحار: ج44 ص334 – 335 ح2.

[40] الوسائل: ج27 ص139 ح33421 باب 11 من ابواب صفات القاضي.

[41] الارشاد: ج1 ص260 ؛ البحار: ج32 ص387 ح360.

[42] سورة السجدة: الآية 18.

[43] نهج البلاغة: ص452 الكتاب 62.

[44] نهج البلاغة: ص234 -235 الخطبة 164.

[45] الكافي: ج1 ص284 ح3 ؛ البحار: ج25 ص166 ح33.

[46] تحف العقول: ص244 ــ 245؛ الوسائل: ج17 ص84 ح22047 باب2 من ابواب مايكتسب به

[47] المكاسب: ج1 ص5-6.

[48] حاشية المكاسب للإيرواني: ج1 ص251؛ الفقه المكاسب المحرمة: ج2 ص90 ؛ مهذب الاحكام: ج16 ص169.

[49] تحف العقول: ص11.

[50] البحار: ج6 ص60 ح1 ؛ عوائد الايام: ص535.

[51] ثواب الاعمال وعقاب الاعمال: ص260؛ الوسائل: ج17 ص180ــ 181 ح22299 باب42 من ابواب مايكتسب به.

[52] الوسائل: ج17 ص182 ح22304 باب 42 من ابواب مايكتسب به.

[53] التهذيب: ج3 ص23 ح81؛ الوسائل: ج7 ص339 ح9522 باب 20 من ابواب صلاة الجمعة وادابها.

[54] كنز العمال: ج6 ص67 ح14872.

[55] انظر شرح المقاصد: ج8 ص233 ؛ مآثر الاناقة:ج1 ص58 ؛ تفسير القرطبي: ج5 ص249 تفسير الآية 59 من سورة النساء.

[56] صحيح مسلم: ج4 ص117 ح1839.

[57] المصنّف : ج11 ص331 ح20686 ح20687.

[58] سنن النسائي: ج7 ص160.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/نيسان/2012 - 21/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م