البصرة... مدينتي المنكوبة

منى البصري

حينما يمسك أحدنا قلما ويشرع في التحدث عن عظيم يصيبه شيءٌ من الرهبة خوفاً من الوقوع في التقصير أثناء الحديث عن ذلك العظيم، وحينما أتحدث عن البصرة فإن تصورات مسبقة تنقدح في ذهني إنك مهما تحدثت عن البصرة فإنك لن تنصفها، ولكل من يتهمني بالعنصرية للبصرة أقول: إن البصرة أكبر من مقالي وليس البصري وحده مَدِيناً بالشكر والوفاء لهذه المدينة لأنها كانت وما زالت تطعم الضيف في دارها وتطعم كل جيرانها من المدن الأخرى من زادها وخيرها فمن طيبها نأكل ويأكلون ومن ثرواتها نقتات ويقتاتون...

هذه المدينة التي قلصها الطغاة والظالمون عبر التاريخ الذي ينقل لنا إن حدود البصرة الحقيقية وأبعادها الجغرافية ممتدة نحو الجنوب ضامةً الكويت والبحرين وقطر والاحساء والمنطقة الشرقية ومن الشمال تحد ولاية الكوفة ومدينة الكوت، أما نحو الشرق فإن منطقة الأهواز واقعة ضمن الرقعة الجغرافية لولاية البصرة، ونقل أيضاً إن البصرة تحد من الشرق مدينة شيراز الإيرانية وكان الخليج المتنازع على تسميته اليوم بالعربي أو الفارسي يسمى خليج البصرة كون البصرة تحده من جميع جوانبه هذا على المستوى الجغرافي للبصرة.

أما على مستوى طبيعة التربة والزراعة فتعتبر البصرة من أهم الأراضي الخصبة التي تتنوع فيها المحاصيل الزراعية التي كانت تغذي سوق المنطقة من خلال بساتين أبي الخصيب والهارثة ومزارع الزبير والفاو والسيبة. وتعتبر البصرة المتصدرة في زراعة النخيل وإنتاج التمور في العالم حيث سميت مدينة المليوني نخلة، ولإختلاف نوع التربة بين منطقة ومنطقة من أراضي البصرة كانت البصرة تتميز بعامل تنوع المحاصيل الزراعية ويؤكد خبراء الزراعة والتربة إن خصوبة تربة أبي الخصيب قديماً كانت سبباً لنمو الكثير من الأشجار والفواكه التي تنعدم زراعتها في أي مكان آخر وتمتاز الكثير من محاصيلها بنكهة وعذوبة خاصة.

من جانب آخر وعلى المستوى الإقتصادي فإن موانئ البصرة هي أول الموانئ في المنطقة أنعش حركتها موقع البصرة الإقليمي على إعتبارها أفضل طريق ملاحي بين آسيا وأفريقيا وأوربا فكانت موطن التجار وكما تسمى خزانة العرب ولذلك نجد الكثير من كبار السن في البصرة يتقنون عدة لغات لإختلاطهم مع كل جنسيات العالم التي كانت تعمل في موانئ البصرة والمعابر الحدودية على مختلف دول المنطقة أضف إلى ذلك الثروات الطبيعية والثروة النفطية التي تزخر بها البصرة والتي لو تكلمنا عنها لما إنتهينا كون البصرة أغنى مدن العالم بالثروة النفطية وإعتبار البصرة برمتها رقعة نفطية وإنَ آخر برميل من النفط سيقدر له أن يستخرج من البصرة ويؤكد خبراء الإقتصاد إن قيمة البصرة الإقتصادية إلى اليوم أكبر من قيمة دبي الإقتصادية المتصدرة في هذا الجانب أضف إلى ذلك مقومات النجاح الصناعي من خلال وفرة الطاقات الطبيعية من حرارية وشمسية ومائية التي تسهل تشغيل مختلف المصانع الكبيرة ومنشآت توليد الطاقة ومع الأهمية البالغة في الجوانب التي ذكرناها والتي لم نذكرها فإن للبصرة ثروتين مهمتين هما الثروة والإرث الثقافي حيث عدت البصرة على مر التاريخ واحدة من أهم مرافئ الثقافة والأدب والفنون والشعر وموطن اللغة فهي إحدى المصرين (البصرة والكوفة) والثروة الأخرى هي الكم النوعي الهائل من الكفاءات والكوادر العلمية والفنية والمهنية أو ما يطلق عليه اليوم بالموارد البشرية التي تؤهلها بالنهوض كأعظم وأهم وأجمل وأكثر مدن العالم تطوراً بمؤهلاتها وتراثها وحضارتها التي تذهب بعض الآراء لمستكشفي الحضارة بأن هي أول حضارة للبشرية سبقت حضارات البابليين وحضارة وادي النيل تقع ضمن حدود ولاية البصرة ولكن طبيعة التربة الطينية والمياه الجوفية حالت دون وصول أي معلَم من معالم تلك الحضارة يؤيد هذا الرأي النظرية العضوية في تكوين النفط والرأي القائل بأن آدم هبط في قضاء القرنة شمال البصرة وآراء أخرى.

 هذه الأهمية الحضارية والتاريخية والإقتصادية والبشرية شكلت عنصر قلق لكل من توالى على حكم العراق لإمتلاك البصرة مقومات قيام دولة فعمد الحكام على مر التاريخ إلى تمزيقها وتقليصها وعدم إعطاء أبناءها دور رئيسي في إدارة الدولة وإدارة شؤونها حتى وصلت حدودها إلى ما هي عليه الآن ولهذه اللحظة نجد البعض يتحدث عن ضرورة عزل بعض مناطقها بمحافظة مستقلة ومن هنا وهناك نسمع عن نوايا لإقامة محافظة في قضاء الزبير وأخرى في قضاء القرنة.

 هذا جزء من حجم البصرة وإمكاناتها فهل إن واقع البصرة يدل على إن البصرة وجدت ولو لمحة من الإنصاف أو الإهتمام من قبل مسؤوليها أولاً ومن قبل أصحاب القرار في الدولة؟ وهل تم فقط تمزيق الحجم الجغرافي للبصرة؟ هذا ما سنناقشه لاحقاً بإذن الله.

monabasrah@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/نيسان/2012 - 20/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م