دور الانتربول بالتصدي للجريمة المنظمة

رياض هاني بهار

تعتبر من أهم المنظمات الدولية الناجحة والفعالة في أداء مهامها على المستوى الدولي، بحيث ساهمت في تحقيق التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة في مختلف البلدان الأعضاء، ويرجع هذا إلى كون هذه المنظمة الدولية للشرطة الجنائية تختص بمكافحة جرائم القانون العام كجريمة تبيض الأموال، وجرائم المخدرات، والتي تسبب ضررا لجميع الدول بدون استثناء وكل الدول ترغب في الاستفادة من خدمات هذه المنظمة التي أصبح عدد أعضائها يضاهي عدد الدول في منظمة الأمم بالإضافة إلى ذلك تظهر أهمية المنظمة الدولية للشرطة الجنائية في المساعدات التي تقدمها للدول الأعضاء من خلال تحسين أداء جهاز الشرطة، وذلك بوضع برامج تدريب متطورة وتزويد البلدان الأعضاء بالوسائل التكنولوجيا المتطورة التي تساهم في كشف الجريمة ومكافحتها.

إن التطور التكنولوجي والتقني في مختلف المجالات ونمو التجارة الدولية ونمو الاقتصاد الدولي وتوسيع مناطق التبادل الحر، وفتح الأسواق العالمية أمام التجارة، وكذلك ظهور العولمة التي جعلت العالم كالقرية الكبيرة تتفاعل فيه جميع المكونات من أشخاص القانون الدولي، والتي ساهمت في إزالة الحدود بين الدول، فهذه الظاهرة أدت إلى عولمة الاقتصاد وعولمة الثقافة، وكذلك نتج عنها عولمة الجريمة، بحيث انطلقت من النطاق الداخلي للدولة إلى النطاق الدولي ولذلك أطلق على هذا النوع من الجريمة مصطلح الجريمة المنظمة العابرة للحدود أو الجريمة المنظمة عبر الدول، وقد أدى هذا إلى ظهور منظمات إجرامية خطيرة تعمل على المستوى الدولي من خلال الاعتماد على إستراتيجية معينة، وهي إستراتيجية التحالفات بين المنظمات الإجرامية الوطنية بهدف فرض هيمنتها وكذلك السيطرة على الدول مما جعل الجريمة المنظمة من أكبر التحديات التي تواجه الدول بدون تمييز بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة.

إن كل دولة تأثرت سلبا بخطورة الجريمة المنظمة ولكن هذا لا يخفي اختلاف وجهات النظر بين الدول حول مفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود، فما قد تعتبره بعض الدول جريمة خطيرة تهدد استقرار الدول قد تنظر إليه دول أخرى على أنه لا يشكل جريمة خطيرة وهذا يبين أن تعاون المجتمع الدولي على إيجاد أفضل السبل لمكافحة هذه الظاهرة يتطلب تنسيق الجهود لوضع مفهوم موحد، لا يوجد اتفاق بين الدول حول مفهوم موحد للجريمة المنظمة، وهذا راجع لعدة اعتبارات والتي من بينها اختلاف مفهوم الجريمة من دولة لأخرى، وكذلك حسب المصالح الاقتصادية والسياسية لكل دولة على حدة، بالإضافة إلى ذلك فإن الجريمة المنظمة لم تبقى مقتصرة على الأنشطة التقليدية، بل وسعت أنشطتها لتشمل أنماطا حديثة تتلاءم مع التطور التكنولوجي في مختلف المجالات، وكذلك يصعب تحديد مفهومها لطابع التدويل الذي تتميز به.

مفهوم الجريمة المنظمة:

قبل الإشارة إلى تعريف الجريمة المنظمة لا بد من تحديد تعريف الجريمة في حد ذاتها وبالرجوع إلى أغلب التشريعات الوطنية فإنها لا تضع تعريفا للجريمة وإنما تقتصر على بيان أركانها تاركة أمر تعريفها للفقه ومن بين التعريفات التي حددتها ما يلي :

" الجريمة هي كل عمل أو امتناع عن القيام بعمل غير مشروع يمنعه القانون ويقرر له العقوبة

أما بالنسبة لتعريف الجريمة المنظمة نتناوله في فرعين: 1- التعريف الفقهي 2- التعريف القانوني.

ومن جهة أخرى فقد عرفتها المنظمة الدولية للشرطة الجنائية في الندوة الدولية الأولى التي عقدت في سانت كلود بفرنسا عام 1988 والتي خصصت لموضوع الجريمة المنظمة بحيث أوردت تعريفا واسعا " الجريمة المنظمة أي مشروع أو مجموعة من الأشخاص تعمل بصورة مستمرة في نشاط غير قانوني ويكون باعثها الأساسي الحصول على الأرباح دون اعتبار للحدود الوطنية.

نصل في الأخير الى أن الإجرام المنظم هو عبارة عن مؤسسة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج ومحكم تمارس أنشطة غير مشروعة من اجل الحصول على هدف مادي غير مشروع، أو المساس بالمصالح الإستراتيجية والأمن العام لدولة أو لعدد من الدول، مستخدما في ذلك العنف والقوة والفساد.

 خصائص الجريمة المنظمة:

إن الجريمة المنظمة من الجرائم الخطيرة، وهي التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الدولي، وتبرز خطورتها من خلال التنظيم والتخطيط الذي يكفل لها النجاح والاستمرار بحيث يصعب تطويقها والقضاء عليها بسهولة ذلك أن المنظمات الإجرامية التي تقوم بالإعداد للجريمة المنظمة هم في الغالب أصحاب خبرة واحتراف يخططون لتلك الجريمة بطريقة محكمة تكفل النجاح في تنفيذها، وهناك شبه اتفاق حول خصائص الجريمة المنظمة بين المتخصصين في الميدان القانوني ومن أهم خصائصها ما يلي

 التنظيم، التعقيد والسرية، الاحتراف والاستمرارية، تعايش المجتمع مع ظاهرة الجريمة المنظمة القدرة على التوظيف والابتزاز، الربح المالي الفاحش.

استخدام العنف والترويع والإرهاب والرشوة كوسائل للجريمة المنظمة. لقد أثبت الواقع أن كل دولة منفردة لا تستطيع القضاء على الجريمة.

 ارتكبوا فيها أعمالهم الإجرامية بالهروب إلى دولة أخرى بهدف التخلص من المتابعات القضائية، وهنا تظهر مسألة التعاون والتنسيق بين الدول لتعاقب المجرمين والقبض عليهم في أي بلد كانوا فيه، ومن هنا فقد أوجد المجتمع الدولي جهازا شرطيا دوليا يعرف باسم المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول)، والذي أوكلت له مهمة رئيسية في مطاردة المجرمين الدوليين.

وفي السنوات الأخيرة ونظرا لخطورة الجرائم المنظمة العابرة للحدود فقد تركزت جهود واهتمامات الإنتربول بصورة أساسية في مكافحتها بالإضافة إلى مكافحة ظاهرة الإرهاب وذلك من خلال اتخاذ الوسائل اللازمة للوقاية منها والقضاء عليها

مبادئ منظمة الإنتربول وأهدافها:

 إن منظمة الإنتربول تقوم على حملة من المبادئ التي تلتزم الدول الأعضاء، كما أنها تسعى إلى تحقيق أهداف محددة.مبادئ منظمة الإنتربول

تتمثل المبادئ الرئيسية لمنظمة الإنتربول في النقاط التالية :

· احترام السيادات الوطنية للدول الأعضاء في المنظمة : فعندما تقام العلاقات ما بين أجهزة الشرطة في كل دولة، فإنه يكون ذلك ضمن احترام سيادة الدولة، فتقوم هذه الأجهزة بتنسيق نشاطاتها فيما بينها لتحقيق أهداف منظمة الإنتربول، ويكون ذلك في إطار احترام القوانين والنظم الوطنية للدول الأعضاء، وهذا ما نصت عليه المادة الثانية من ميثاق المنظمة.

· تنفيذ قرارات الجمعية العامة للإنتربول: فجميع القرارات التي تصدرها الجمعية العامة والتي تدخل في إطار اختصاصاتها، فجميع الدول الأعضاء ملزمة بتنفيذ هذه القرارات وهذا ما أشارت إليه المادة التاسعة من ميثاق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية.

· الإسهام في مالية المنظمة : فينبغي أن تتهيأ للمنظمات الدولية موارد مالية تكفل لها مجابهة النفقات التي تقتضيها ممارسة نشاطاتها، وفي كل المنظمات الدولية المورد المالي الأساسي.

أهداف منظمة الإنتربول:

نصت المادة الثانية من القانون الأساسي للمنظمة على تأمين وتنمية التعاضد على أوسع نطاق بين كافة سلطات الشرطة الجنائية في إطار الأنظمة القائمة في مختلف الدول والبيان العالمي لحقوق الإنسان، كما تهدف المنظمة الى إنشاء وتنمية كافة المؤسسات القادرة على المساهمة الفاعلة في الوقاية من جرائم القانون العام.

وقد أوضحت المادة الثالثة من القانون الأساسي أنها تحظر على المنظمة أي نشاط يتعلق بالقضايا ذات الطابع السياسي أو العسكري أو الديني أو العنصري.

ومن أهم الجرائم التي تعنى بها المنظمة جرائم الإرهاب وجرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، الاغتيالات، تهريب البضائع، السرقة، الاتجار في الرقيق، سرقة الأعمال الفنية والأثرية، التزييف والجرائم المالية، وتتمثل المهام الرئيسية للمنظمة في هذا المجال في جمع المعلومات والبيانات عن الجريمة والمجرمين في مختلف الدول والتعاون مع الأجهزة الأمنية في مختلف البلدان لتعقب المجرمين الفارين والقبض عليهم سواء كانت الجرائم داخل إقليم دولة واحدة أو عابرة للحدود في إحدى مراحلها كالتخطيط أو التحريض أو هروب الجناة من دولة الى أخرى.

جهود منظمة الإنتربول لمكافحة الجريمة المنظمة:

يبذل الانتربول جهودا مهمة وفعالة في مكافحة الجريمة المنظمة، وهذا من خلال ممارسة عدد من المهام الخاصة بمكافحة هذه الظاهرة في الوقت الحالي، سواء من ناحية المبدأ، ومن ناحية التطبيق الفعلي أيضا، هذا الأخير الذي يكون بعدد من الآليات المستعملة من طرف المنظمة.

اهتمام الانتربول بالجريمة المنظمة وطرق مكافحتها:

أولت المنظمة اهتماما خاصا بمكافحة الجريمة المنظمة من خلال العديد من القرارات الهامة التي تم اتخاذها على مستوى الجمعية العامة للإنتربول، ومن أهم هذه القرارات القرار رقم AGN/57/RES/17 الذي تم اتخاذه خلال دورة الجمعية العامة 57 المنعقدة في بانغوك عام 1988 بعنوان الجريمة المنظمة، والقرار AGN/ 62/RES/8 الذي تم تبنيه في دورة الجمعية 62 المنعقدة في أوربا عام 1993 تحت عنوان التعاون الدولي والحرب ضد الجريمة المنظمة. كما أعلنت الجمعية العامة للإنتربول في جلستها السابعة والستين في القاهرة عام 1998 بان محاربة الجريمة المنظمة يمثل إحدى أولويات الشرطة الدولية في قيامها بالدور الهام المتمثل بتنسيق تعاون الشرطة الدولية ضد الجريمة المنظمة.

ومما لا شك فيه أن من أهم وسائل التحري عن اتجاهات الجريمة المنظمة في الخارج بغية منع وصولها الى دولة ما، هي تتبع المعلومات التي يوفرها الانتربول من خلال استخباراتها الجنائية وشبكة معلوماتها الحاسوبية التي تضم الكثير من المعلومات المتجددة في هذا المجال.

تحقق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية عدة مهام مفيدة في مجال تبادل المعلومات والتعاون الدولي ضد الجريمة المنظمة عبر الدول، والجدير بالذكر أن الانتربول ركز أنشطته على الجريمة المنظمة والأنشطة الإجرامية ذات العلاقة بها مثل غسيل الأموال. ويشغل الانتربول حاليا شبكة اتصالات لاسلكية مؤمنة تغطي كافة أنحاء العالم حيث تربط الدول الأعضاء من خلال مكاتبهم الوطنية الرئيسية بعضها مع البعض ومع سكرتارية الانتربول في فرنسا، وتسهل هذه الشبكة النقل السريع للرسائل الالكترونية والتي تشمل الرسائل المكتوبة، الصور الفوتوغرافية، البصمات وغيرها، وتنقل الشبكة أكثر من 2 مليون رسالة كل عام وهي توفر التسهيلات الأساسية لتنفيذ عمل المنظمة.

منظومة اتصالات الانتربول العالمية

مع الضعف المتزايد لمعنى الحدود الوطنية بالنسبة للمجرمين تزايدت أهمية الاتصالات الشرطية الفعالة عبر الحدود أكثر من أي وقت مضى وتتمثل إحدى مهام الانتربول الأساسية في تمكين أجهزة الشرطة في العالم من تبادل المعلومات بشكل مأمون وفعال. وقد طور الانتربول منظومة الاتصالات الشرطية العالمية " 7/24-i " لوصل أجهزة إنفاذ القانون في البلدان الأعضاء، الأمر الذي يتيح للمستخدمين المرخص لهم تبادل البيانات الشرطية الهامة فيما بينهم والوصول الى قواعد بيانات المنظمة وخدماتها على مدار الساعة.

* العراق – بغداد

riadhbahar@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/نيسان/2012 - 20/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م