من القاموس السياسي العراقي المعاصر (طبول الحرب)..!

حيدر الجراح

شبكة النبأ: رواية الطبل الصفيح للروائي الالماني غونتر غراس صدرت العام 1959 ، نالت تلك الرواية شهرة عالمية كبيرة وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة من بينها العربية أيضا. وهذه الرواية هي جزء من ثلاثيته المعروفة بـ (ثلاثية داينتسيغ) وتضم أيضا الروايتين (القط والفأر) الصادرة في العام 1961 و(سنوات الكلاب) الصادرة في العام 1963، وبهذه الرواية يكون غراس من أوائل من كتبوا عن ذكريات ومخلفات الحرب العالمية الثانية باللغة الألمانية لينال بذلك شهرة عالمية عظيمة. حصل غراس في سنة 1999 على جائزة نوبل للآداب عن دوره في إثراء الأدب العالمي وخصوصا في ثلاثيته الشهيرة (ثلاثية داينتسيغ) .. تدور احداث تلك الرواية حول (أوسكار) ذلك الطفل المعاق الذي يرفض النمو طوعا ليكون شاهدا على تاريخ لن ينسى، هذا الطفل الذي أراد له غراس أن لا يكبر في إدراكه الحسي للأشياء فظلت مداركه مدارك ولد يافع غير مكتمل النضوج، بعدما شاهد وهو داخل مبنى قديم يمارس فيه هواية القرع على الطبلة، من أحد الشقوق، ثلة من الجنود يقتلون بعض الناس.

وكما كتب احد النقاد العرب حول الرواية ان أوسكار طفل عصفت به خيبة الأمل من عقلية الكبار فانطلق نحو تخليقهم، إن صح التعبير، مسلحا بطبل صفيحي وحنجرته التي تصدر أصواتا هدامة. الطبل له وقع سحري على سامعيه والحنجرة لها القدرة على تكسير الزجاج. وكلاهما سلاح يستعمله أوسكار تارة للتمرد على وضع قائم وتارة للانتقام ممن يراه مستبدا بأمر وتارة أخرى ليختبر سلوك الناس وردود فعلهم. التطبيل وتكسير الزجاج بالصراخ علاقتان مميزتان لشخصية أوسكار قلما تخلو منهما صفحة من صفحات الرواية. ويفسر أوسكار تطبيله وصراخه بكلام فيه حجاج ومقارنة قائلا: (فليس هناك من يقوم بأعمال التخريب إلا من كان يعبث، لكنني لم أكن عابثا، بل كنت أشتغل على الطبل. أما فيما يتعلق بصوتي، فإنه لا يستجيب إلا لنزعة الدفاع الذاتي المحض. كان الخوف والقلق هما اللذان دفعاني إلى استخدام أوتار حنجرتي استخداما هادفا) .. أما من زاوية التحليل النقدي، فيمكننا اعتبار طبل أوسكار وصوته بمثابة رمزين للحقيقة والواقع، واعتبار صداهما رمزا للصدى الناتج عن التاريخ كما وجب أن يكون وللسخط على التاريخ الذي كان فعلا. ..

والطبلة آلة موسيقية إيقاعية شعبية وقديمة العهد. تصنع الطبلة من الفخار أو المعدن ويكون على شكل إناء ضيق الوسط عند أحد طرفيه، ومتسع عند الطرف الآخر الذي يشد عليه الجلد الرقيق.

 ويعتبر الطبل آلة قديمة فهو معروف منذ عام 6000 قبل الميلاد وكان للطبل أو بعض أنواعه منزلة كبرى عند قدماء السومريين والبابليين في بيوت الحكمة وفي الهياكل الدينية .. وكانوا يخصصون للطبل الكبير المقدس الذي لا يفارق الهيكل حارساً برتبة كاهن عظيم حتى أن لقب حارس الطبل المقدس كان يعتبر من أهم الألقاب أما اسم الطبل العادي فهو في اللغة السومرية القديمة أب بضم الهمزة وفي اللغة الأكادية السامية أوبو أو أبو وإذا أضيفت للاسم لفظة تور وتعني في اللغة السومرية صغير وأصبحت كلمة أوب تور أي الطبل الصغير .

 وتبين الصور القديمة أنه كان يحمل على الكتف بواسطة حزام من الجلد وكان لهذا الطبل الكبير أهمية كبرى في موسيقى الهيكل وفي الموسيقى المدنية والعسكرية على السواء وكان يصنع أحياناً من خشب الأرز الثمين تقديراً لقيمته ومن أنواع الآلات الإيقاعية أيضا طبل مصنوع من النحاس يسمى في اللغة السومرية القديمة دوب وقد تسربت هذه الكلمة مع الزمن إلى مختلف الأمم فقلبها الهنود إلى دودي أو بدبديكا وفي القوقاس طبل يدعى دوبدبي حتى في اللغة الهنغارية الحديثة يسمى الطبل دوب .

أما أكبر الطبول القديمة فهو ما كان يسميه السومريون آلا وقد يصل قطره أحيانا إلى مترين وكان يعلق بعامود أو يوضع على منصة ويقرع باليدين أو بالعصا وأحياناً يحمله رجل مختص بينما يحمله رجلان واحد من كل جهة ويرافقهما عازف البوق أو الناي .. ومن أهم أنواع الطبول طبل يسمى ليليس وهو طبل يشد عليه جلد ثور من جهة واحدة وقد وصفت اللوحات التي وجدت في وركاء آريك في العراق طريقة صنع هذا الطبل البرونزي وتغطيته بجلد الثور ويشترطون في هذا الثور أن يكون لا عيب فيه ولم يعلق نير على رقبته وفي مراسم ذبحه أن تقام الصلوات ويرش بالماء المقدس وهنا يشترك الكهنة في وضع صور الآلهة ضمن الطبل ثم يحرق قلب الثور ويجفف جلده وينشر على الهيكل البرونزي للطبل ويعالج الجلد بالدقيق الناعم والخمر والدهن والطيب وبعد أسبوعين يعاد الاحتفال ويقرع الطبل للمرة الأولى في هيكل الآلهة العظام لكي يرفع إليهم أصوات الناس ضمن صوته العظيم ويثير في هؤلاء الشعور بالارتفاع نحو السمو والأعالي و في أغلب مناطق أفريقيا نجد أن الطبل يشكل الأداة الموسيقية الأكثر أهمية وانتشاراً ويستخدم في كافة الطقوس كما يستخدم لإرسال الإشارات لمسافات بعيدة ..يستخدم الطبل الآن في فرق الآلات النحاسية ويلعب دوراً أساسياً فيها.

وفي العربية ، الطبل : الذي يضرب به وهو ذو الوجه الواحد والوجهين ، والجمع أطبال وطبول والطبّال : صاحب الطبل ، وفعله التطبيل ، وحرفته الطبّالة ، وقد طبّل يطبّل . وللكلمة معاني اخرى لامجال لذكرها. ولاننسى في هذا المقام الطبل الذي يحمله المسحراتي في ليالي شهر رمضان لايقاظ الصائمين. وفي بغداد يوجد جامع ام الطبول الذي افتتح عام 1966 م على اطراف منطقة اليرموك بأتجاه مدينة البياع. وهو نسخة طبق الاصل للجامع الازهر في القاهرة من حيث الزخارف وفن العمارة وحجم البناء. وهو الجامع الاقرب للخط السريع المؤدي إلى مطار بغداد الدولي. وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 م تم تغيير أسمـه من ( جامع ام الطبول ) إلى ( مسجد شيخ الأسلام ابن تيمية). 

وللطبل والطبول ذكر كثير في ادبيات السياسة وخطابها اليومي ، فكثيرا ما نسمع عن طبول الحرب ، وهي ايذانا بالاستعداد لها والتحشيد لاجلها ، مثلما استمعنا الى تصريح احد اعضاء التحالف الكردستاني، الذي اعتبر أن تصريحات نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني جاءت بمثابة إعلان حرب ضد إقليم كردستان العراق..

وقال المتحدث باسم كتلة التحالف الكردستاني مؤيد الطيب خلال مؤتمر صحافي عقدته الكتلة بمبنى البرلمان إن ( تصريحات نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني تعتبر قرع طبول الحرب ضد إقليم كردستان ). وطبول الحرب تتردد صداها بين تركيا وسوريا ، وبين اسرائيل وايران ، وبين جنوب السودان وشماله وبين الكوريتين ، وقبلها سمعناها بين كوريا الشمالية واليابان ، وبين الهند وباكستان ، وغيرها الكثير من المناطق التي نسمع طبولها بين فترة واخرى ..

سماع تلك الطبول ليس بالضرورة اندلاع الحروب ، ربما لا تقع حروب بالمرة وتبقى اصوات في نطاق الاعلام التي تردد صدى تلك الطبول. واقتران الطبول بالحرب له جانبه الرمزي فيما يتعلق بالفراغ الذي عليه الطبل لكنه رغم فراغه وصوته المدوي فانه يخلق نوعا من الرهبة والخوف في نفوس السامعين له. وربما جوفه الفارغ اشارة الى غياب العقل والمعنى في الكثير من الامور كما في قولنا انه كالطبل الاجوف ..

كردستان العراق لا يعجبها اي صوت يمكن ان يلجم طموحاتها او يؤشر لأخطائها ، فكل صوت حتى لو كان همسة عاشق في اذن حبيبته تعتبره صوت طبل لشن الحرب عليها ، وهي قد استعارت الكثير من هواجس الصهيونية العالمية في تعاملها مع الهولوكست ، وعلى الجميع دفع اثمانها ، ومحاسبة كل من يتفوه بكلمة ضد الاكراد كما تفعل الصهيونية ايضا تحت شعار اللاسامية. منذ العام 2003 لم تكف كردستان عن قرع طبولها ، الا ان القيادات الكردية ومنذ ذلك التاريخ يعانون من الصمم المزمن تجاه طبولهم ويمتلكون حاسة سمع شديدة التركيز تجاه بقية الآلات الموسيقية للأخرين ..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/نيسان/2012 - 17/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م