التسامح طريق الشعوب الى السمو

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: قلما تجد شعبا مكونا من عرق أو قومية واحدة، فمعظم شعوب الارض تتعدد فيها الاعراق والمكونات، كما نلاحظ ذلك مثلا في أكبر شعب في العالم من حيث النفوس وهو الشعب الصيني، ويليه الشعب الهندي، هذان الشعبان على سبيل المثال يتكونان من قوميات واعراق متداخلة ولغات متباينة واديان مختلفة، ومع ذلك تمكن الصينيون أن يتعايشوا مع بعض وكأنهم كيان وجسد واحد روحه المحبة والتعاون والعمل المشترك والانتاج الجيد، لدرجة أن الاقتصاد الصيني بات من اقوى الاقتصادات في العالم، وذلك بسبب الاستقرار السياسي والاهم من ذلك الاستقرار الاجتماعي، وينطبق هذا القول على الهند وإندونيسيا وسواهما من دول وشعوب.

شعب العراق بقومياته ومكوناته المختلفة عانى من دكتاتورية القادة والحكومات، وتعرضت البنية الاجتماعية الى التدمير المتواصل من اجل السيطرة على الشعب، فأثيرت الاحقاد والنزاعات والفتن بين مكونات الشعب العراقي، وكان الرابح دائما هو اعداء الشعب وأولهم النظام السياسي الحاكم، وقد تعرضت الشخصية العراقية لكثير من التشويهات، وأخطرها زرع حالات الكره والضغينة بين ابناء الشعب الواحد بطرق ووسائل شتى، ومنها محاولات القضاء الكلي على سمة مهمة وعظيمة، هي سمة التسامح، بوصفه سلوكا وتفكيرا إنسانيا سليما، ينبغي أن ينمو وينتشر بين العراقيين جميعا.

يتساءل أحد الكتاب بهذا الخصوص في مقال له: (هل تعلمون مقدار التفرقة التي ميزت البيض في جنوب افريقيا والبالغة نسبتهم 9% فقط من السكان، والذين وصلت اولى طلائعهم وعددها 91 شخصا فقط من المستوطنين الى جنوب افريقيا عام 1652 مقابل 91% من السود والملونين؟ كان هناك قانون السيد والخادم مطبق منذ عام 1856 في البلاد والذي جعل من السود شبه عبيد بإجور زهيدة للبيض، وقد أعدم النظام العنصري خلال سنوات تطبيق الفصل العنصري، آلاف السود من الذين ناضلوا لنيل حقوقهم كغالبية وكسكان البلاد الاصليين). ويضيف الكاتب نفسه: (لكن تلك البلاد كانت محظوظة بدء بتولي رئاستها عام 1989 من قبل احد البيض الشرفاء الذين سعى لإعادة الحق الى اهله وهو دي كليرك، والاهم وجود قائد تاريخي عظيم بكل معنى الكلمة للغالبية السوداء هو نيلسون مانديلا، سجنه النظام العنصري 27 عاما، وعندما اجبر على اطلاق سراحه خرج وهو لايفكر بالانتقام ولا باجتثاث العنصريين، الشيء الوحيد الذي فكر به كان المصالحة والمسامحة والتسامي فوق الجراح والمشاعر المختزنة ليحقق اكبر معجزة تصالح بشرية بين مكونات شعب كانت تتبادل الكراهية وعدم الثقة مئات السنين).

إننا بحاجة الى مصلحين سياسيين ومفكرين ورجال دين يبثون روح التسامح بين الجميع، ويجعلونها سلوكا جماعيا لدى العراقيين جميعا، وترك ذوي الجرائم للقضاء العادل، فالسياسي المتسامح فعلا وقولا قادر على التأثير في شعبه، وكذلك المصلح والمفكر ورجل الدين، اذا كان هؤلاء ديدنهم التسامح والاصلاح الحقيقي، فإن عامة الشعب سيتخذون منهم نماذج للتسامح والسمو بروح الشعب الى مصاف التآلف والتقارب والتعاون والانتاج الامثل في كل ميادين الحياة، وليس هناك طريق آخر أمام العراقيين سوى قبول بعضهم البعض الآخر، ومد الجسور المتبادلة بينهم، وتعميق أواصر الثقة من خلال خطوات اجرائية قائمة على ارض الواقع، وقد خطا العراقيون بهذا الاتجاه وتبينت النتائج الجيدة لذلك، بيد أن النخب وقادتها هم الاكثر تأثيرا في عامة الناس، فالسياسي المتسامح سيكون نموذجا لشعبه، وكذلك الحال بالنسبة لرجل الدين والمفكر والمثقف وغيرهم.

وحينما يحاول العراق أن يعبر هذه المرحلة العصيبة من تاريخه المعاصر، فإنه يحتاج بقوة الى سمة التسامح لتوظيفها في ترميم البنية الاجتماعية التي ستنعكس ايجابا على البنى الاخرى كافة، ولكن لابد أن يتصدر السياسيون والمصلحون والمفكرون قيادة الحراك المجتمعي بهذا الاتجاه، لأن القائد والمصلح ورجل الدين والمفكر هم النماذج الاكثر تأثيرا في عموم الناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/نيسان/2012 - 17/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م