بورما... عهد جديد ربما ينهي حقبة مظلمة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: شهدت ميانمار، والتي كانت تُعرف في السابق باسم بورما، أول انتخابات عامة منذ ما يقرب من 22 عاماً، بعد ما كان المجلس العسكري "الجونتا" يحكم قبضته على الدولة الآسيوية منذ نحو 50 عاماً.

حيث فازت زعيمة المعارضة في ميانمار، أونغ سان سوكي، الفائزة بجائزة "نوبل" للسلام، بعد أكثر من 20 عاماً من إقصائها عن العمل السياسي، بمقعد في البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بحسب ما أعلن حزب "الرابطة القومية من أجل الديمقراطية.

وكان هذا الحزب  برئاسة سوكي البالغة من العمر 66 عاماً، قد فاز بأغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات عام 1990، إلا أن المجلس العسكري "الجونتا"، رفض الاعتراف بنتائج تلك الانتخابات.

إذ أن التحول الى زعامة جديدة مبني على تحول سريع من الداخل. فقد أفرجت الحكومة عن السجناء السياسيين، وأجرت الانتخابات (والمزيد منها قادم)، وبدأت الإصلاح الاقتصادي المتمثلة بتطبيق نظام جديد لصرف العملات يسمح بتقلب مضبوط للاسعار التي خطوة غير مسبوقة لهذه الدولة، كما ان استجابت السلطات للدعوات المنادية بالانفتاح السياسي والاقتصادي تلقي بظلالها على التحول الايجابي لتلك الدولة، وهي الآن تتودد بشكل مكثف إلى الاستثمار الأجنبي. عكس ما كان التغيير السياسي بطيئًا إلى حد الخَدَر مدة نصف قرن من الزمان.

ومن المفهوم أن يظل المجتمع الدولي الذي عاقب النظام الاستبدادي في ميانمار مدة طويلة حذرًا. فقد كانت خطوات الإصلاح سريعة إلى الحد الذي جعل حتى التصرف في الصادرات الرائجة للبلاد أمرًا معقدًا.

من جهتها لمحت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الى ان العقوبات الاقتصادية التي فرضت قبل سنوات ردا على انتهاكات حقوق الانسان ربما ترفع اذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة مما يؤدي الى موجة من الاستثمار في تلك الدولة الفقيرة والغنية في الوقت نفسه بثرواتها الطبيعية والتي تقع على الحدود مع القوتين الصاعدتين الصين والهند.

في حين يرى المحللون أن هذه اللحظة في تاريخ ميانمار تمثل فرصة حقيقية للتغيير الدائم - الفرصة التي يتعين على المجتمع الدولي ألا يفوتها. فقد حان الوقت لكي يحرك العالم أجندة ميانمار إلى الأمام، ليس فقط من خلال تقديم المساعدات، بل أيضًا برفع العقوبات التي أصبحت الآن عائقًا أمام تحول البلاد.

عهد جديد

فقد دعت المعارضة البورمية اونغ سان سو تشي الى الوحدة من اجل ترسيخ الديموقراطية متحدثة عن بداية "عهد جديد" في بورما غداة اعلان الرابطة الوطنية للديموقراطية التي ترئسها عن فوزها الكبير في الانتخابات الفرعية، والقت الحائزة جائزة نوبل للسلام والتي ستصبح بدون شك النائبة المقبلة عن دائرة كاوهمو الريفية قرب رانغون خطابا في مقر حزبها الرابطة الوطنية للديمقراطية، وفي خطاب النصر المقتضب قالت "نامل في ان يشكل ذلك بداية عهد جديد سيزداد فيه دور الشعب في السياسة اليومية، واضافت "هذا ليس نصرنا بقدر ما هو نصر هؤلاء الذين قرروا المشاركة في العملية السياسية في هذا البلد، واضافت سو تشي "ما يهم ليس عدد المقاعد التي تم الفوز بها رغم اننا مرتاحون جدا بالتاكيد للفوز بعدد كهذا، لكن واقع ان الناس ابدوا مثل هذه الحماسة في مشاركتهم في عملية ديمقراطية، وتابعت "نامل في ان تكون كل الاحزاب التي شاركت في هذه الانتخابات قادرة على التعاون معنا من اجل خلق جو ديمقراطي فعلي في بلادنا، وقبل صدور النتائج عن اللجنة الانتخابية الرسمية اعلنت الرابطة منذ فوز مرشحيها في جميع انحاء البلاد واكدت فوز سو تشي في دائرتها الريفية كاوهمو الواقعة على مسافة ساعتين من رانغون، واحتفل الالاف من انصار الرابطة حتى ساعة متاخرة امام مقر الحزب في وسط العاصمة الاقتصادية للبلاد معبرين عن فرحهم الكبير، وكانت اونغ سان سو تشي رحبت بما اعتبرته "انتصار الشعب" اثر فوزها باول مقعد نيابي في حياتها السياسية، وقالت سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام في بيان بعد انتهاء عملية الاقتراع "اود ان اطلب من جميع اعضاء الرابطة ان يكونوا حريصين خصوصا وان انتصار الشعب ينبغي أن يكون انتصارا لائقا، واضافت زعيمة المعارضة في البيان الصادر "من الطبيعي ان يفرح اعضاء الرابطة وانصارها في مثل هذا الوقت ولكن ينبغي منع اي تصريحات او افعال او انشطة قد تسىء الى منظمات وافراد آخرين، لكن بدا صباح الاثنين ان الرابطة فشلت في ايصال مرشح الى مقعد من اصل 44، وقال كيي تو المسؤول الاعلامي في الرابطة "فزنا ب43 مقعدا من اصل 44 وننتظر النتائج بالنسبة للاخير في شمال ولاية شان، من جهته اكد مسؤول في الحزب الوطني الديموقراطي، ثاني القوى في البرلمان الحالي، ان مرشح الحزب "متقدم" في شمال الولاية، ودارت الانتخابات الجزئية حول 45 مقعدا، بينهم 37 في مجلس النواب (من اصل 440 نائبا) وستة في مجلس الشيوخ ومقعدان في مجلسين محليين. وقدمت الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية مرشحين عن 44 من هذه الدوائر، لكن حتى لو فاز الحزب في جميع الدوائر، فان السلطة لا تخشى شيئا في مطلق الاحوال، فقد فاز حزب التضامن وتنمية الوحدة الذي شكله المجلس العسكري الحاكم سابقا بحوالى 80% من مقاعد البرلمان عام 2010 وبموجب الدستور، فان ربع النواب في البرلمان عسكريين يعينون بدون المرور بصناديق الاقتراع، لكن رغم ذلك فان سو تشي ستسعى بعد دخولها الى البرلمان للتاثير على النظام الجديد من الداخل قبل موعد الانتخابات التشريعية المقبلة عام 2015.

من جانب اخر، اعلن وزير الخارجية البورمي في بنوم بنه ان الانتخابات الفرعية في بورما جرت "بدون عراقيل" وان الارقام الاولية تشير الى نسبة مشاركة كثيفة، كما نقل عنه امين عام رابطة دول جنوب شرق آسيا (اسيان)، واعلن سورين بيتسوان بعد اجتماع وزراء خارجية هذا التكتل الاقليمي ان وزير خارجية بورما وونا مونغ لوين الذي يزور بنوم بنه قبل قمة اسيان التي تبدأ الثلاثاء قال ان الانتخابات "جرت بشكل عام بدون عراقيل وبنظام ومع نسبة مشاركة قوية، وعبر الدبلوماسي البورمي ايضا عن تمنياته في ان تساهم الانتخابات "في اندماج اكثر فاعلية لبورما في المجموعة الدولية".

وعلى صعيد اخر، بدأت بورما تطبيق نظام جديد لصرف العملات يسمح بتقلب مضبوط للاسعار، ويحدد السعر المرجعي للكيات ب818 للدولار الواحد، كما اعلن البنك المركزي على موقعه الالكتروني في خطوة كبيرة على طريق توحيد اسعار الصرف العديدة التي كانت تشل اقتصاد البلاد، وكان السعر الرسمي للعملة البورمية الكيات محددا بستة للدولار الواحد ويتجاهله الجميع. ويقرب النظام الجديد السعر الرسمي من سعر السوق السوداء البالغ حوالى 800، وكانت الصحف الحكومية اعلنت عن تطبيق هذا النظام الجديد اعتبارا من الاول من نيسان/ابريل لتوحيد اسعار الصرف العديدة التي كانت تعد عقبة على طريق انضمامها الى السوق العالمية، الا انها لم توضح ما اذا كان سيتم ضبطها ولا ما اذا كانت العملة ستتمتع بحماية لمنع انهيارها، وتسعى الحكومة المؤلفة من عسكريين سابقين اصلاحيين وصلوا الى السلطة قبل سنة، لاثبات صدقية اصلاحاتها للتوصل الى رفع العقوبات الغربية التي تلقي بثقلها على اقتصاد البلاد، وفي ختام عملية انتقالية خلت من العنف وتحت اشراف الجيش، عرض الفريق الجديد في السلطة على سو تشي العودة الى الحياة السياسية في بورما.

ويرى المحللون ان من مصلحة الحكومة نفسها ان تنتصر زعيمة المعارضة في الانتخابات تحت انظار الاسرة الدولية، وكانت سو تشي ابدت عن اسفها لان الانتخابات ليست ديموقراطية حقا مشيرة الى العديد من المخالفات خلال الحملة الانتخابية لكنها دعت الى المشاركة في الاقتراع لتغيير الامور في الداخل، وتحدثت الرابطة الوطنية للديمقراطية عن مخالفات في عدد من مراكز الاقتراع تتعلق خصوصا ببطاقات التصويت، وفي انتظار النتائج الرسمية بدت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون حذرة في معرض تعليقها على الانتخابات فهنأت البورميين الذين شاركوا فيها، وقالت كلينتون "ما زال الوقت مبكرا للحكم على مدى التقدم الذي تحقق في الاشهر الاخيرة وما اذا كان سيتواصل" مؤكدة ان الولايات المتحدة "ملتزمة بدعم هذه الجهود الاصلاحية".

انتخابات تاريخية

في سياق متصل فازت المعارضة البورمية اونغ سان سو تشي بمقعد نيابي للمرة الاولى في حياتها السياسية في انتخابات جزئية تاريخية على ما اكد حزبها الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية، وصرح احد قياديي الرابطة سو وين ان سو تشي فازت ب99% من الاصوات في دائرتها الريفية كاهومو فيما احتفل الالاف من مناصريها امام مقر الحزب في رانغون، وكانت اونغ سان سو تشي تعتبر حتى قبل سنتين فقط العدو الاول للسلطة العسكرية.

واعتبرت المراقبة من الاتحاد الاوروبي مالغورزاتا فاسيلوسكا ان العملية الانتخابية "مشجعة جدا" معتبرة انه من المبكر جدا استخلاص العبر حول مجمل البلاد ومصداقية العملية كلها، واعربت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون عن الامل في تطور السياسة في بورما وذلك على هامش مؤتمر اصدقاء سوريا في اسطنبول، وقالت "اننا متلزمون دعم جهود الاصلاح هذه"، وتابعت "من المبكر الحكم على التقدم المنجز في الاشهر الفائتة وان كان سيتواصل، وبعد سنوات من اخفاء دعمهم لسيدة تحولت رمزا للمعارضة في وجه المجموعة العسكرية الحاكمة، يعبر مؤيدو سو تشي عن موقفهم بشكل واضح. واصبحت اغنية "عادت امنا" من اشهر اناشيد الحملة الانتخابية، وكانت المعارضة البورمية فازت في انتخابات 1990 لكن بدون ان يعترف المجلس العسكري الحاكم انذاك بالنتائج، وكانت اونغ سان سو تشي لا تزال قيد الاقامة الجبرية بعد عشرين عاما في تشرين الثاني/نوفمبر 2010 حين جرت الانتخابات التشريعية التي قاطعتها الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية ووصفها الغرب بالمهزلة، وقال الموفد الخاص للامم المتحدة حول حقوق الانسان في بورما توماس اوخيا كوينتانا ان "العملية الانتخابية في 2010 (...) شكلت فرصة ضائعة (...) وهذا الامر يجب الا يتكرر في بورما التي تشهد مرحلة جديدة اكثر انفتاحا، وايا تكن نتائج هذه الانتخابات الفرعية، فانها لا تثير قلق السلطة، ففي انتخابات 2010 اعلن المجلس العسكري الحاكم فوزه ب80% من المقاعد، ثم حل نفسه في اذار/مارس 2011 ونقل السلطات الى حكومة وصفها بانها "مدنية" لكن لا يزال يسيطر عليها عسكريون سابقون، وهذا الفريق الجديد الذي يرئسه الرئيس والجنرال السابق ثان سين كثف من الاصلاحات، ودعا خصوصا اونغ سان سو تشي الى العودة للعمل السياسي على امل اضفاء المزيد من الشرعية على الاصلاحات التي يقوم بها والتوصل الى رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن بلاده.

رفع العقوبات

فيما صرح مسؤول كمبودي ان رابطة جنوب شرق آسيا (اسيان) التي تعقد قمة في بنوم بنه دعت الى رفع العقوبات الغربية عن بورما بعد الانتخابات الجزئية التاريخية، من جهته، اكد الرئيس البرومي ثين سين ان الانتخابات "جرت بنجاح، وقال نائب وزير الخارجية الكمبودي كاو كيم هورن الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للرابطة للصحافيين ان رؤساء دول وحكومات اسيان "يدعون الى رفع كل العقوبات المفروضة على بورما، ونقل المسؤول الكمبودي عن القادة تأكيدهم في اجتماع مغلق ان "رفع القعوبات سيساهم بشكل ايجابي في العملية الديموقراطية وخصوصا في التنمية الاقتصادية لبورما، واكد الرئيس البورمي لنظرائه في الاجتماع ان "الانتخابات اتسمت بالشفافية والحرية والنزاهة لذلك يقبل بنتائجها"، حسب المسؤول الكمبودي نفسه، وبعد انهاء الاجتماع صرح رئيس بورما للصحافيين ان "الانتخابات جرت بنجاح، واعتبر مراقبو الانتخابات الذين ارسلتهم كمبوديا التي ترأس حاليا اسيان ان الاقتراع كانت "حرا ونزيها، وسحت الانتخابات الجزئية التاريخية بدخول المعارضة اونغ سان سو تشي الى البرلمان بعد 15 سنة من الاقامة الجبرية في منزلها ،وعقب فوزها الكبير في الانتخابات الفرعية التي جرت الاحد، دعت اونغ سان سو تشي الاثنين الى الوحدة من اجل ترسيخ الديموقراطية متحدثة عن بداية "عهد جديد" في بورما، وقالت ان الرابطة الوطنية الديموقراطية الحزب الذي تتزعمه اونغ سان سو تشي فاز اربعين مقعدا على الاقل من اصل 44 كان يتنافس عليها، بينها 35 في مجلس النواب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/نيسان/2012 - 16/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م