شبكة النبأ: هناك نظرة ثابتة لدى
الجمهور العربي الواسع عن القمم العربية، تتمثل بعدم الاهتمام بهذه
القمم جماهيريا، والنظر إليها على انها لقاءات ذات طابع بروتوكولي،
يجمع بين قادة الدول العربية لكي يلتقوا مع بعضهم أياما معدودات لتحسين
العلاقات المتأزمة بينهم كأفراد، ومن ثم تحسين العلاقات بين بلدانهم
تبعا لعلاقاتهم الفردية، لأن الرئيس او القائد العربي غالبا ما يختصر
شعبه ودولته بشخصيته ونظامه السياسي، وهكذا غالبا ما تكون نتائج هذه
القمم هامشية رسمية، لا تعني المواطنين من قريب أو بعيد، ناهيك عن بقاء
بنود البيانات والاتفاقات التي تتمخض عنها، حبرا على ورق لسنوات
متتابعة، الامر الذي خلق حالة راسخة من اللامبالاة لدى الغالبية العظمى
من الجماهير العربية ازاء هذه القمم.
في القمة العربية الاخيرة التي عقدت أواخر شهر آذار/ مارس الماضي في
بغداد، عاد العراق الى حضور هذه القمم (رئيسا) بعد غياب استمر عقدين
تقريبا، وقد رافقت هذه العودة آراء كثيرة متباينة من لدن المهتمين
وعموم المواطنين، منها ما ذهب الى التقليل من أهمية هذا الحدث، تحت
وطأة السوابق المحبطة للآمال للقمم الروتينية الماضية، ومنها من قالت
بأهمية هذه العودة للعراق بسبب ظروفه الجديدة، أي بعد انتقاله من نظام
الحكم الأوحد، الى النظام الديمقراطي، وما يتعرض له هذا النظام الجديد
من عقبات جدية، تقف وراءها حكومات ودول عربية واقليمية ومنظمات تضفي
على نفسها سمة المقاومة، لهذا يحتاج العراق الى تنقية الاجواء بينه
وبين الآخرين، كي لا تتعرض تجربته الديمقراطية الى ضغوط اضافية، ويرى
بعضهم أن مثل هذا الرأي ينطوي على نزعة براغماتية، لا تتسق مع أهمية
ثبات السياسة الخارجية والداخلية للعراق، ناهيك عن تشبث السياسيين (والمنظومة
الفكرية للمجتمع العراقي) بالمبدئية والثبات على الموقف وما الى ذلك من
مثاليات، ربما لم تعد تجاري المفاهيم المعاصرة والاهداف السياسية التي
تحرص الحكومات على تحقيقها لشعوبها.
العراق الآن (بعد قمة بغداد الاخيرة) يقود العمل العربي طيلة هذه
السنة، وهو أمر وإن كان روتينيا، إلا أن استثماره من لدن دولة العراق
حكومة وشعبا ومؤسسات وكتل سياسية مختلفة، صار واقعا وهدفا مطلوبا،
بمعنى أوضح، أن الطابع الروتيني لنتائج قمة بغداد قد يبقى قائما، فليس
هناك عصا سحرية تجعل من هذه القمة مغايرة لسابقاتها، لأن معظم الرؤساء
والحكومات نفسها لا تزال قائمة وحاكمة، ولأن حالة ثبات القرارات كحبر
على ورق ربما لا تتغير، وهذا أمر يتوقعه الجمهور العربي الاوسع، ومع
ذلك مطلوب من العراق أن يستثمر هذه القمة لصالحه بأقصى ما يمكن، لما
تفرضه المصلحة الوطنية في هذا الصدد، ولعل التحرك السليم نحو حكومة
الكويت والخطوات الحثيثة لحل الاشكالات المتعددة بين العراق ودولة
الكويت، يعطي إشارة واضحة جدا على صحة استثمار الحكومة العراقية لما
بعد القمة ونتائجها، كذلك الحال مع بقية الدول العربية، بمعنى أوضح على
الحكومة العراقية وهي تقوم بدور قيادة العمل العربي أن تضع مصلحة
العراق، شعبا وحقوقا ومصالحا وطنية في المقدمة دائما، ومن المؤكد أن
الجهر بهذا الهدف لا يشكل مثلبة على احد، لأن الطبيعة البراغماتية
للسياسة المعاصرة تبرر أولوية المصالح الوطنية وتدعو الى حمايتها، وهو
أمر لا ينكره بل ولا يعيبه معظم السياسيين في العالم المتطور، لذلك
لابد من وضع صورة واضحة لطبيعة السياسة العراقية خلال هذا العام، كونه
يجيء بعد تغيّر (عربي، اقليمي، ودولي) جيد لصالح دولة العراق، وليس أدل
على ذلك من استعادة العراق لشخصيته المعنوية بين محيطه العربي،
والاقليمي كما لاحظنا، مثلا، في طلب ايران من وكالة الطاقة الذرية بأن
يكون العراق بديلا لتركيا لمناقشة ملفها النووي، في اشارة واضحة لدور
العراق المتنامي في حلحلة بعض المشاكل الدولية المستعصية.
المطلوب من الحكومة العراقية والمعنيين جميعا، حماية مصالح العراق
وشعبه، وتنمية وتطوير التجربة الراهنة بما يحقق تطور واستقرار البلد،
انطلاقا من سياسة استثمار الفرص المتاحة، ومنها قيادة العراق للعمل
العربي خلال العام الجاري. |