لم يظهر السلفيون على المسرح السياسي المصري قبل يوم 9 أو 10
فبراير2011، أي قبل خلع الرئيس حسني مبارك عن حكم مصر، وكان السلفيون
قبل الثورة المصرية بكافة طوائفهم وتقسيماتهم يعتبرون المشاركة في
الانتخابات البرلمانية نوعآ من أنواع الشرك وذريعة إلى الكفر بالله
تعالى، استنادا إلى وجهة نظر تقول أن التصويت والأخذ برأي الأغلبية في
سن القوانين هو شيء مخالف للإسلام، الذي يجعل حق التشريع وسن القوانين
لله وحده، لا لأغلبية ولا لأقلية، فهو حكم برأي البرلمان وليس بما انزل
الله.. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. وكان هذا سبب
من أسباب خلافهم المعلن مع جماعة الإخوان المسلمين.
وكان مجرد الانتماء إلى حزب - ولو كان جماعة دعوية لا علاقة لها
بالسياسة كجماعة التبليغ مثلا - يعتبر من وجهة نظرهم شيئا مبتدعا
منبوذا مخالفا لما كان عليه السلف الصالح، وهذا الكلام منصوص عليه في
فتاوى وأشرطة مرجعياتهم المعاصرة كابن عثيمين وابن باز والألباني
والفوزان وغيرهم من كبار مشايخ السلفية في العالم العربي.
ولكن بعد الثورة المصرية دخل أصحاب التيار السلفي ميدان العمل
السياسي تحت ذريعة تمكينهم من نشر الفكر السلفي والدعوة الإسلامية
وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وأن تيارهم كان يعانى من قهر نظام
الدولة البوليسية أيام مبارك ورموزهم كانت تعيش في غياهب السجون
والمعتقلات وفي غضون شهور قليلة ظهر لنا عدة أحزاب سلفية وجمعيات
وهيئات كلها تنتمى وتعبر عن التيار السلفي في مصر ولكن السؤال هو الأن
لماذا تراجع دور التيار السلفي في الشارع المصري بعد مرور عام على
الثورة وسيطرتهم على ثلث مقاعد البرلمان المصري بغرفتيه الشعب والشورى
وأصبحوا القوة الثانية في المشهد السياسي المصري بعد أن راهن عليهم
الجميع بأنهم سيتصدرون القوى الإسلامية وأنهم الحصان الأسود في سباق
السياسة المصرية ؟
هناك عدة أسباب لتراجع دور الأحزاب السلفية في المشهد السياسي
المصري ومنها :
1- عدم التجمع تحت تيار أو حزب واحد فنحن نجد عدة أحزاب أشهرها
النور ثم الأصالة ثم الفضيلة وغيرها من الأحزاب التي في طور التأسيس و
التشكيل وتفرق أبناء التيار بين أحزاب ومرجعيات مختلفة كل ذلك أدى إلى
عدم ظهور رأى وقرار محدد للتيار السلفي والأدهى من ذلك عدم وجود كيان
سلفي موحد برلمانيآ فالأحزاب مختلفة على بعضها سياسيا وبرلمانيآ.
2- تعتبر حرب الفتاوى والتصريحات النارية التي أطلقها شيوخ السلفية
سبب أخر في تراجع دورهم السياسي بداية من المهندس عبد المنعم الشحات
وأراءه الصادمة تجاه الأقباط والنساء وأخرها تجاه شهداء مذبحة بورسعيد
وهناك العديد من الفتاوى والتصريحات النارية الأخرى التي كانت صادمة من
قبل طوائف واتجاهات عدة في الشارع المصري قلقة من تصريحاتهم في مجال
تحريم الفن والتمثيل وحرية الأبداع وأبرز ملامح هذا الاختلاف هو الحرب
الدائرة بين المحامي السلفي ممدوح إسماعيل والمخرج خالد يوسف.
3- أرى أن من أهم مشكلات التيار السلفي هي إعتماد الذراع السياسي
لهم على كبار مشايخه وأنهم هم الدعاة لدعوة المصريين للدخول في أحزاب
تعبر عنهم والإشكالية هي عدم تفهمهم لمعنى وحقيقة الديمقراطية وقد ترتب
على ذلك حالة من الخلط في تفسير معنى الديمقراطية والليبرالية
والعلمانية وإختلف شيوخ التيار في تعريفات مختلفة للديمقراطية
والليبرالية أدخلت الشارع المصري في حالة من تخبط المفاهيم وعدم وضوح
الحقيقة وأن الديمقراطية علمانية والعلمانية كفر وبالتالي شعر المواطن
أن الديمقراطية لدى التيار السلفي ليست محددة الملامح والدليل على ذلك
ترشح مشايخ كثيرة في إنتخابات الشعب والشورى.
4- عدم وجود تيار قوى داخل التيار السلفي يعمل في الشارع السياسي
بحرفية ومهنية عالية عبر إستقطاب جيل جديد من الشباب وتوضيح حقيقة
ومعنى وجوهر التيار السلفي حتى تتضح حقيقتهم وأنهم ليسوا فزاعة وتيار
يختفي وراء اللحى والجلباب وعليهم العمل على توعية سياسية حقيقية وأن
السياسة تتطلب تطور في الأداء المهنى وإتخاذ أحدث الأليات السياسية
ونشر مفاهيم الديمقراطية وأن الإسلام دين شورى والشورى في جوهرها هي
الديمقراطية الحقيقية.
5- الأداء البرلماني المتخبط والمخزي للأحزاب السلفية التي أشعرت
الجميع بعدم وجودها سياسيا سوى في تصرفات فردية كواقعة الأذان وواقعة
عدم الوقوف دقيقة حداد على وفاة البابا شنودة وحتى مشاركتهم في
القوانين هزيلة عبر قانون لمكافحة العري وقانون حد الحرابة وغيرها من
الاقتراحات وهنا تساؤل أخر هل هذا لحداثة عدهم بالسياسة أم هي رؤيتهم
ووجهة نظرهم لمستقبل مصر الاهتمام فقط بتطبيق الشريعة الإسلامية.
6- السقوط إعلاميآ عبر أسئلة شائكة وبرامج وإعلاميين استطاعوا
إستدراج بعض قيادات ونواب السلفيين مما أدى لحالة من نقل صورة خاطئة
عنهم أو على الأقل تشوية صورتهم إعلاميآ حتى أن متحدثهم الإعلامي نادر
بكار يخرج دائمآ للإعتذار من أخطاء وتصريحات وأفعال بعض أصحاب التيار
السلفي ومنها أن فلان ليس منهم وأنه ليس متحدثآ عنهم وغيرها من حالة
التشكيك والتخوين التي تسبب حالة من البلبلة لدى المواطن المصري فهل
هذا حداثة سياسية منهم أم إستخدامهم كفزاعة جديدة في الشارع السياسي
المصري.
7- عدم وضوح المواقف والرؤي داخل التيار السلفي مثلا لا أحد يعرف
رؤيتهم لقضايا مصر الحقيقية مثل البطالة والتضخم وأزمة الأمية وأمن مصر
القومي والسياسة الخارجية لمصر حتى أن الإتهامات التي وجهت لهم بتلقي
تمويلات من الخليج وأن مرجعيتهم للحركة الوهابية في السعودية وكل هذه
الإشكاليات تؤدى لعدم شعور المواطن أن التيار السلفي لا يقدم جديد في
الحياة السياسية المصرية.
8- الكل في مصر يتساءل لماذا الأحزاب السلفية توافق دائمآ على كل
صفقات وقرارات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان
المسلمين حتى أن المواطن المصري أصبح يشك في أن الأحزاب السلفية هي
مجرد تابع لحزب جماعة الإخوان ولا تستطيع فعل شيء إلا بموافقة التيار
الإخواني وهذا كان صادمآ جدآ للشارع المصري الذى كان يتمنى ظهور تيار
سياسي قوى ينافس جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الليبرالية الأخرى.
9- عدم وجود هيئة موحدة أو رئيس أو مرشد للأحزاب السلفية كما يوجد
داخل جماعة الإخوان المسلمين فالمرشد العام للإخوان المسلمين هو القائد
العام والأب الروحي لكل الإخوان في مصر ينظمهم ويرشدهم في كل تحركاتهم
السياسية وهذا من الأخطاء القاتلة للتيار السلفي في مصر.
10- عدم معرفة الشعب المصري لحقيقة تمويلات التيار السلفي بشركاته
وقنواته وما مصادر الإنفاق على أحزابهم وإنتخاباتهم البرلمانية والتي
تعدت الملايين الكثيرة وهذه نقطة ضعف يجب عليهم أن يطرحوا علينا إجابات
حول حقيقة تمويلاتهم وأرصدتهم المالية.
نتمنى للتيار السياسي داخل الأحزاب السلفية التعلم من أخطاء الفترة
الماضية وأنهم قوة سياسية كبرى يجب أن يكون لها إستقلالية في قراراتها
وعليها تبني رؤية إصلاحية حقيقية لمستقبل مصر.
* كاتب – محلل سياسي
dreemstars@gmail.com |