لعل من المشاكل المهمة التي تعترض الكثير من الافراد في الحياة
الزوجية، مشاكل التوافق والتجانس النفسي العاطفي بين الزوج والزوجة،
ولعل العلاقة بينهما تعتبر المقياس لنجاح المؤسسة الزوجية وبناء الاسرة،
ومدى امكانية ترك أثاراً ايجابية لدى كل طرف في هذه العلاقة، وليس من
الغريب ان نقول ان هذه العلاقة غالباً ما تنتابها الكثير من السلبيات
بمرور الوقت مع القليل من الايجابيات على مر التقادم الزمني وما يبقى
بين الزوجين هو الارتباطات العائلية من اطفال وغيرهم او الشكل
الاجتماعي لموضوع الزواج امام الاخرين، اما ما يخص الصفات الشخصية فيما
بينهما كافراد او كعنصرين لهما خصوصيتهم الذاتية فأنها تتحول الى
التقوقع على نفسها بعيداً عن الطرف المقابل الاخر في العلاقة الزوجية،
ومن هنا تبدأ المشكلة لدى كل منهما وبالأخص لدى المرأة.
فالمرأة بحكم التكوين الفسلجي لديها تتحول وبشكل مستمر من انماط
متعددة من الأمزجة النفسية، وتتأثر بنفس الوقت وبشكل كبير بالمتغيرات
الكثيرة المحيطة بها اكثر من الرجل، ولهذا فهي تتعرض باستمرار الموضوع
الافرازات الغددية والهرمونية المستمرة طيلة الوقت مما يجعلها عرضه
للأفكار والوساوس المتنوعة تجاه اهم عنصر في حياتها الا وهو الزوج، ان
نتيجة تعرض المرأة لهكذا تغيرات مع زوجها وجمود العلاقة بينهما
وانحدارها نحو الاسوء وما ينعكس على ذلك من انحدار في كل المتغيرات
النفسية والعضوية والاجتماعية.
ودخول العلاقة بينهما مرحلة البرود العاطفي هي مايطلق عليها (متلازمه
الفقدان العاطفي لدى المرأة المتزوجة).
واذا كان بالإمكان ملاحظة التغيرات التي تحدث فهي يمكن ان تبدأ لدى
المرأة اولاً وذلك باعتبارها جهاز التحسس العاطفي الاول في العلاقة
الزوجية، فهي تستلم الاشارات المتنوعة لبدء هذه المرحلة ومن ثم تنعكس
على الطرف الاخر اذا لم تستطيع ان تتدخل وتغير مجرى العلاقة في الوقت
المناسب، ان اولى الخطوات التي تشعر بها المرأة في هذه المتلازمة هي
اضطراب عاطفي متعدد الاسباب وغالباً ما يبدأ بسوء علاقة مع الزوج وقد
يكون لأتفه الاسباب الا انه يكون السبب المباشر للبدء بهذه المرحلة وقد
يتزامن هذا الاضطراب مع تغيرات فسلجية لدى المرأة او تغيرات بيولوجية،
ومنها الحمل او موانع الحمل المتعددة (حبوب منع الحمل)، او التهابات
متعددة ومتنوعه، او اضطراب إفرازات الغدد والهرمونات الاخرى، هذا
بالاضافة الى تغيرات الرحم اثناء الحمل وما بعد الولادة او الاضطرابات
النفسية لما بعد الولادة .
ولهذا فأن المرأة لديها طيف واسع من العوامل والمتغيرات التي تحرك
وتدفع نحو تقلبات المزاج لديها وارتفاع نسبة افراز (النورادرانالين) او
انخفاضه لديها تبعاً لتلك المتغيرات، (ان عدم استقرار افراز
النورادرانالين لدى المرأة يدخلها في مرحلة عدم الاستقرار وبالتالي
يصيبها بالتهيج العاطفي غير المفهوم بالنسبة اليها)(1)، ولهذا فهي تنسب
ماتتعرض له من اضطراب نفسي الى الزوج وتلقي باللائمة عليه وهذه المرحلة
نستطيع ان نسميها بالاضطراب العاطفي متعدد السبب مع بداية اضطراب في
التوافق النفسي مع الشريك (A motional of Disorders) وبفعل اضطراب
افراز الدوبامين في الدماغ والذي كان نتيجة متبادلة لفعل المتغيرات
الاخرى التي تتعرض لها المرأة فأن اول ما تشعر به وتعاني منه هو اعراض
اوليه للاكتئاب والوساوس المتنوعة والتي تدور في معظمها حول عنصر
الشريك الذي يتحول فيما بعد الى عنصر اضطهاد ومعذب للمرآة من وجهة
نظرها، ولهذا فهي تصب جام غضبها عليه وتحمله المسؤولية فيما آلت اليه،
وبنفس الوقت تزداد سوء العلاقة الزوجية، وقد تظهر علامات سوء العلاقة
امام الاخرين مما يعقد الموقف ويدفع به نحو الاسوء.
ولعل انحدار التوافق النفسي لدى المرأة يدفع المزيد من الاضطراب
الهرموني لديها مما يزيد من اضطراب افراز (مادتي نورادرينالين
والسيروتونين) والتي تدفع بها نحو تلبس المزيد من الافكار والاوهام
الوسواسية تجاه الطرف الاخر (الزوج) وهذا ما يصل بها نحو الاصابة (بالوسواس
القهري (Obsession)) وهي مرحلة صعبه تعاني فيها المرأة، الامرين تجاه
متغيرات ذاتية متنوعة واضطهاديه ومتغيرات خارجية معذبة تتمثل (بالزوج).
(وغالباً ما يتخذ الوسواس القهري في هذه الحالة اشكال متعدد هي
الهستيريا وتقلبات المزاج من الكأبه الى الحصر القهري) (2)وكلها تنصب
على العنصر المحور في المشكلة الا وهو (الزوج).
(أما بالنسبة للاكتئاب، فيعتبر الاكتئاب ناتج عن قصور في عنصرين
رئيسيين في كيمياء الدماغ هما (النورادرانالين و السيروتونين) وكلاهما
ناقلان عصبيان، فضلاً عن أن الاكتئاب قد يرجع إلى زيادة حساسية
المستقبلات ما بعد المشتبكية، وهذه الحساسية الزائدة تؤدي وبالتغذية
المرتجعة إلى كف أو نقصان تكوين النورادرينالين، مما يؤدي إلى ظهور
الاكتئاب.
وقد تأكدت هذه الفرضية من خلال الملاحظات الاكلينيكية لمضادات
الاكتئاب من نوع مانعات اكسدة الامينات الأحادية ونوع ثلاثيات الحلقات
بالإضافة إلى العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)) (4)
ولعل تطور العلاقة الاجتماعية فيما بين الزوجين نحو الاسوء واول ما
يتضرر من ذلك هو الثقة بينهما، فتضرر العلاقة ويفقد كلا الزوجين ثقته
بالأخر وعدم تقبله ورفضه له، وهنا يتحول الصراع الى موقف اكثر رفضاً
وكرهاً للاخر، وبفعل الافرازات الهرومونية المتنوعة يزداد الضغط لدى
المرأة تجاه اتخاذ مواقف نفسية واجتماعية مضطربة اكثر . وتتحول جميع
الافكار الوسواسية الى الشك بالزوج وسلوكه وافعاله واقواله .
ومن المهم ان نذكر ان التدهور في التوافق النفسي للمرأة يترافق مع
تدهور توافق جنسي مما يزيد من الطين بله، ويدفع بالنظام الهروموني
والغددي وجميع الافرازات الاخرى الى عدم الانتظام مما يفاقم المعاناة
النفسية والتدهور العاطفي لدى المرأة، وهذا مايجعلها في حالة تهيج
متعدد الاطراف ومتنوع الاسباب ومنها (التهيج النفسي والحاجة للثقة
بالنفس واحترام الذات والتهيج العاطفي والحاجة الى حب الذات والتهيج
الجنسي والحاجة الى الممارسة مع شريك محب)(3)،
ولهذا ومع ازدياد الاضطراب وعلى كل النواحي الاجتماعية والعائلية
والشخصية مع الشريك والاضطراب النفسي وسوء التوافق مع الذات تتحول كل
كل هذه المشاعر والاحاسيس والافكار إلى آلية الاسقاط على الشريك
(الزوج) وصب جام الغضب عليه باعتباره المسؤول الاول عما حصل، ولهذا
يصبح الزوج في هذه الحالة (مصدر الكره والا شمئزاز والنفور).
وقد تقدم المرأة في هذه الحالة على عدة افعال مسيئة لنفسها مما
يفاقم من سوء الوضع لديها ولعائلتها ولزوجها، ومن الملاحظات المهمة
التي يتم رصدها في وضعها الحالي هو سرعة التهيج النفسي والجنسي السريع
تجاه اي متغير خارجي مع الاخرين، وهذا نتيجة الاضطراب الافراز الهرموني
والاضطراب النفسي وبالتالي الاضطراب الاجتماعي، ولهذا فأن الاجراء
الاول الواجب اتخاذه هو فصل الزوجين عن بعضهما، وذلك سببه ان المرأة
تعتبر الزوج هو مصدر التغذية السيئة للاضطراب وهو مصدر للفعل السيء ورد
الفعل من قبلها، ومن ثم يبدأ العلاج بعد ذلك.
ونستطيع ان نلخص المراحل بما يلي:
1. اضطراب عاطفي متعدد السبب مع اضطــراب العلاقــة الزوجيـة .(A
motional of Disorders)
2. يتحول الاضطراب الى نوع معين من الكأبة والحصر القهري(Obsession).
3. يتداخل الحصر القهري مع الهستيريا ويتخذ اشكالاً متعددة.
4. تتحول الاعراض النفسية المتنوعة المتعددة الى فقدان الثقة بالنفس
وفقدان الاحترام للذات.
5. تتحول اعراض فقدان الثقة بالنفس واحترام الذات إلى شعور الكره
والنفور من الزوج مع سرعة التهيج نفسي وعاطفي ايجابي مع مصادر خارجية
اخرى.
ومن المهم التنويه ان الخطوات التي اشير اليها تصبح كالحلقة المفرغة
التي تدور المرأة فيها ولهذا فهي تبدأ لتنتهي ثم تعود لتبدأ من جديد.
ومن اجل كسر هذا الدوران المفرغ، فيجب ابعاد الطرفين (الزوجين)، مع
بداية مرحلة العلاج والذي يأخذ اشكالاً متعددة. من العلاج الدوائي الى
العلاج المعرفي السلوكي الى الجلسات النفسية الى اعادة تنظيم العلاقة
الزوجية.
* دكتوراه في علم النفس والتحليل النفسي

...................................
المصـــادر :
1. الدباغ، فخري، (اصول الطب النفسي)، دار الطليعة،
بيروت، 19984.
2. اسماعيل، عزت سيد (علم النفس الفسيولوجي)، وكالة
المطبوعات، الكويت، (1982) .
3. نايت، ركسى ومركريت، (المدخل الى علم النفس
الحديث)، ترجمة عبد علي الجسمائي، مكتبة افاق عربية والفكر العربي،
بغداد، 1984م.
4. عبد القوي، سامي، (علم النفس الفسيولوجي)، مكتبة
النهضة المصرية، القاهرة، (1995م) . |