يا سايق السيارة

هادي جلو مرعي

لم أتعلم السباحة أبداً، وفي أيام الصبا حاولت مرة، حين رميت بنفسي في النهر الصغير مع رفاقي الصغار . وكدت أغرق، وضربت بيدي في الماء بقوة، ولا أعلم الى الآن كيف وصلت حافة النهر ونجوت بإعجوبة . لم أعد بعدها أرغب في السباحة . لم أتعلم ركوب الدراجة الهوائية حاولت مرة، ومرتين، ثم فشلت، وآمنت أني بحاجة الى معجزة لأكون من سواق البايسكل. أما الدراجة النارية فهي أشبه بكوكب أنظره في المساء وأتمنى الوصول إليه فقط .

لا فرق في معرفة الوقت، بين الساعة الجدارية أو اليدوية، وفي كل الأحوال إحتجت الى سنوات عدة لكي أميز بين علامات الساعة وعقاربها، والى الآن لم أفهم كيف إستطعت أن أعرف الوقت!

تعلمت العمل على جهاز الحاسوب بعد تجارب صعبة، وفي تسعينيات القرن الماضي، حين كنت أدرس في أحد المعاهد قررت ترك مقاعد الدراسة لأنني عجزت عن معرفة كيفية العمل على الحاسوب، وكيف يمكن أن أفهم ما يقوله الأستاذ عن الحسابات والإحصائيات والمعادلات، والتي كانت تسقط على رأسي مثل نيازك تائهة.

لكني إقتربت من جهاز الحاسوب حين ساعدتني صحفية جميلة جلست الى جانبي، وبمجرد أن إستنشقت شيئاً من عطرها نظرت في الشاشة، وراقبت أصابعها السحرية تتقافز مثل ميكي ماوس على مفاتيح اللوحة، وصرت أفهم رويداً، وعندما فتحت أمامي أبواب الحظ تعلمت أكثر وأكثر حتى إستقر بي الحال لأكون من بين الملايين ممن عرفوا كيف يعملون على جهاز الحاسوب.

إذن، كيف يمكن لمن فشل في ركوب الدراجة الهوائية أن يمتطي صهوة السيارة ؟ لا أعلم. لكني كنت أراقب بإندهاش آلاف السيارات تقطع الشوارع، وبسرع عالية، وأجهل كيف يتمكن هؤلاء السواق من القيادة بسرعة عالية، وكيف يوقفون سياراتهم ثم يحركونها كيفما شاؤا؟.

رويداً أخذت أتعلم، حتى وصلت الى مرحلة المعرفة التي مكنتني من قيادة السيارة في ظروف صعبة، وفي شوارع متأكلة ومنهارة تملؤها الحفر والمطبات وتقطعها نقاط التفتيش المبثوثة هنا أو هناك لتراقب حركة السير وتضبط الأمن وتسهر على راحة المواطنين.

عندما تتعلم قيادة السيارة يكون عليك أن تراقب حركة الشارع، السيارات والمارة، وقد تتسبب بحادث يؤذي الآخرين، أو أن تكون أنت الضحية، وعليك أن تنظر بتحسر لسيارتك التعبانة، وسيارات الآخرين من ذوي النعمة والثراء الحديث الذين إمتلكوا السيارات والبنايات والوظائف.

وحين كنت صغيرا إشتهرت أغنية كنا نرددها على الدوام، ومضت عليها الليالي والأيام حتى صار مغنوها أشبه بالسيارات القديمة، تقول كلماتها: ياسايق السيارة، حاير حبيبي وينتظر، وآنه عليه محتارة..

لاداع للحيرة في زمننا الحاضر فالسيارات السكراب المستوردة من مناشئ فاشلة تملأ الشوارع، وبإمكان أصحاب المواعيد أن يصلوا الى أماكن اللقاء بيسر وسهولة، وأن يمسكوا بأيدي الأحبة، ويشعروا بحرارتها تسري في أنحاء الجسد، الذي أصابته قشعريرة الإنتظار الممل..

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/نيسان/2012 - 14/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م