
شبكة النبأ: عندما نحاول تقييم الخط
البياني للسياسة العربية، فإننا سنكتشف من دون عناء، عدم تطور هذه
السياسة بما يتناسب مع التطور السياسي العالمي، فلقد تطورت العلوم في
مجالات انسانية وعلمية، وحدث تسارع في ثورة المعلومات والاكتشافات
وسواها، وتقدم العالم الى امام ولا يزال يتقدم مع كل اشراقة شمس جديدة،
وتحسَّن الاداء السياسي العالمي، وانعكس ذلك على الاقتصاد الدولي
بوضوح، إلا العرب، فقد أبقتهم الفوضى السياسية عند نقطة متأخرة، تتمثل
بالتناحرات بين القادة والزعماء وأنظمتهم، لأتفه الاسباب وأصعبها.
ولنأخذ بعض العلاقات المتبادلة بين الدول العربية ونضعها تحت مجهر
التدقيق والفحص، لكي نتأكد من أن الخلافات والتناحرات هي ديدن هذه
الانظمة، ولا تنفع معهم قمم أو مؤتمرات ثنائية أو جماعية، لأنها سرعان
ما تتحول الى مشكلة لأي سبب طارئ، فتبقى البنود والتعهدات والاتفاقات
حبرا على ورق، ولنبدأ مع السياسة القطرية في المنطقة، فهذه الدولة
الصغيرة نجحت في استثمار ثروتها النفطية وتشعبت علاقاتها مع الغرب
واسرائيل ومعظم دول العالم، وتكوَّن لها كيان اعتباري واضح، بيد أن
المشكلة كما تتضح من سياسات حكومة قطر، تكمن في التعامل السياسي الخاطئ
مع الدول العربية الاخرى كما نلاحظ ذلك في علاقة قطر مع دول الربيع
العربي (تونس ومصر وليبيا واليمن) وسوريا والعراق، ناهيك عن فلسطين.
إن مثالنا سيكون عن العلاقات المتأزمة على نحو دائم بين العراق وقطر،
وقد لاحظنا ان الحكومة العراقية لاسيما قبل انعقاد قمة بغداد وبعدها،
حاولت أن تقترب في وجهات نظرها مع حكومة قطر او غيرها من الحكومات
العربية، وحاولت أن تنقّي العلاقات واجوائها من دون تعكير، ومع ذلك
بقيت سياسة قطر متسمة بالتعالي عبر التصريحات الاستفزازية لقادتها،
ومنها على سبيل المثال تصريح رئيس وزراء قطر حول المشاركة الخليجية
بمستويات ادنى في قمة بغداد، وكونها رسالة لرئيس وزراء العراق حول
تهميش المكون السني، وهكذا تبدو مثل هذه التصريحات بعيدة عن الحكمة،
ناهيك عن اعطائها مؤشرا على عدم جدية حكومة قطر في تقريب وجهات النظر
بين الحكومات العربية بما يخدم الجميع.
وهناك خطوة قطرية أخرى تصب في فوضى السياسة العربية، لاسيما أنها
جاءت بعد نجاح انعقاد قمة بغداد، تتمثل في توجيه قطر دعوة رسمية لطارق
الهاشمي على انه نائب لرئيس الجمهورية العراقية، مع أنها على اطلاع تام
بأن الهاشمي مطلوب للقضاء العراقي، وبدلا من أن تسعى حكومة قطر الى
اعتماد الحكمة في سياستها مع العراق وغيره، فإنها تتعامل بتعال
واستفزاز مع الجميع، مستندة بذلك الى علاقاتها مع الغرب، وقوتها
الاقتصادية، ومواقفها حيال اسرائيل التي اغتصبت ولا تزال ارض فلسطين
العربية الاسلامية، وهكذا تعد دعوة الهاشمي خطوة جديدة لاثبات عنجهية
حكومة قطر وتأكيدها لاستصغار الدول العربية الاخرى، مع انها تعد من
اصغر هذه الدول نفوسا.
وهكذا تبدو سياسة العرب متخبطة، لا يحكمها مبدأ أو ثوابت سوى
الاعلانات والبيانات التي يكتبونها على الورق وتبقى من دون تنفيذ، كما
يحدث مع نتائج معظم المؤتمرات والاتفاقيات وما شابه، والسبب في هذه
الفوضى عدم اعتماد ثوابت واضحة تلزم الحكومة القطرية او غيرها بانتهاج
سياسة واضحة تبدي الاحترام للآخر، وتعتمد التوازن في العلاقات، وتقر
بالمواثيق والاتفاقات الثنائية او الدولية، لذلك يحتاج العرب السياسيون
اولا تربية جديدة تساعدهم على فهم العصر الراهن، وكيفية التعامل مع
التطورات والمستجدات الهائلة فيه، ولا يقتصر هذا الفهم على المجال
السياسي فحسب، بل ينبغي أن يمتد الى عموم مجالات الحياة، لذلك لا يجوز
لحكومة قطر او أية حكومة عربية اخرى أن تربك الواقع السياسي العربي
اكثر فأكثر، من خلال سوء التصرف والتصريح وما شابه، وهذا الدور منوط
بالنخب السياسية والدينية والثقافية وغيرها، لأن عصرنا الراهن لا
يتواءم مع هدر الفرص واستثمار الوقت في ترصين السياسات المتبادلة، كما
يحدث مع الواقع السياسي العربي وتبعاته كافة. |