واقع البنوك الحكومية... خلل مؤثر في اقتصاد الدولة العراقية

شبكة النبأ: يشكو رجل أعمال عراقي يحاول تحقيق مكاسب من مليارات الدولارات التي تتدفق على البلاد من عقود نفط مربحة من أن أكثر ما يزعجه ليس هجمات القنابل أو الطائفية السياسية بل النظام المصرفي البدائي.

ويقول رجل الاعمال الذي يمثل شركة سيارات أجنبية في العراق ويرفض الكشف عن هويته نظرا لتعامله مع الحكومة "أين بطاقات الائتمان.." مشيرا الى أنها تستخدم على نطاق واسع في دول الخليج الاخرى. وتابع "الى أي مدى نحن بمنأى عن هذا التطور.."

ومشاعر الاحباط التي تنتابه شائعة بين المستثمرين الذين يتعاملون مع النظام المصرفي غير المتطور والبيروقراطي والفاسد أحيانا حيث يمكن أن تجد صعوبة في اجراء أبسط المعاملات المصرفية.. تسوية شيكات مصرفية.

وغياب نظام يتسم بالكفاءة يعرقل تقدم البلاد بينما تعيد بناء الاقتصاد بعد حقبة الرئيس السابق صدام حسين التي اتسمت بضعف الاستثمار والاضطرابات التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.

وبدون بنوك تنخرط في النظام العالمي من المرجح أن يستمر تردد مستثمرين أجانب من خارج قطاع النفط في التعهد باستثمارات ضخمة في العراق. ويتمثل ضعف القطاع المصرفي في جانبين أولهما هيمنة مؤسسات مملوكة للدولة التي تفتقر لانظمة مصرفية حديثة وثانيهما وجود عدد كبير من البنوك الخاصة الصغيرة التي هي في كثير من الاوجه أشبه بخزانات عائلية منها مؤسسة مالية وطنية. بحسب رويترز.

ويقول عبد العزيز حسون رئيس رابطة المصارف الاهلية انه يوجد في العراق أكثر من 45 بنكا من بينها سبعة بنوك مملوكة للدولة وتستحوذ على 85 بالمئة من الاصول المصرفية أو نحو 41 تريليون دينار (36 مليار دولار).

ويقول "وماذا تفعل.. لا تستثمر الاموال في السوق ولا تقوم بأي أنشطة مصرفية. مازال النظام المصرفي العراقي يعاني من نفس المشاكل التي كانت قائمة قبل نحو عشرة أعوام. حفنة البنوك الحكومية مجرد خزانات لحسابات حكومية لا أكثر."

وقال مصرف دار السلام العراقي للاستثمار في تقرير في نوفمبر تشرين الثاني الماضي انه يوجد في العراق نحو 900 فرع مصرفي يخدم السكان البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة. وقال التقرير ان هناك أكثر من 600 فرع في الاردن المجاور يخدم خمس هذا العدد من السكان.

وأفاد التقرير مستندا لاحدث البيانات التي نشرها البنك المركزي أن حجم القروض المصرفية في العراق بلغ 5.8 مليار دولار في النصف الاول من 2010 مقارنة مع 20 مليار دولار في الاردن. ويقدر البنك الدولي أن حجم الائتمان المصرفي لاقتصاد البلاد بلغ 8.1 مليار دولار في 2010 أو 9.8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة مع 55 بالمئة في المتوسط في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

وتجري معظم المعاملات المصرفية من خلال مؤسستين حكومتين هما مصرفا الرافدين والرشيد. وجرى تأميم البنوك الخاصة في عام 1964. وسمح لها بالعمل من جديد في التسعينيات ولكن أنشطتها تظل في معظمها تقتصر على خدمات الايداع والاقراض الشخصي.

وقال مضر قاسم نائب محافظ البنك المركزي العراقي ان أكبر نقطة ضعف لبنوك الدولة هي الافتقار لشبكة داخلية تربط بين الفروع. كما أنها تجد صعوبة في التسوية الالكترونية للشيكات لعدم وجود اتصال الكتروني بنظام السداد للبنك المركزي.

وصرح قاسم لرويترز من مكتبه بوسط بغداد أن بنكي الرافدين والرشيد يهيمنان على 83 بالمئة من الانطشة المصرفية في العراق مضيفا أن النسبة تصل الى 90 بالمئة عند اضافة جميع البنوك الحكومية رغم ان امكانياتها التكنولوجية منعدمة.

ويقول رجل الاعمال العراقي الذي يمثل شركة سيارات ان بنك الرافدين رفض صرف شيك له صادر من فرع مضيفا أن رحلة للفرع الاصلي تستغرق ست ساعات بالسيارة. وأضاف أنه اضطر لالغاء الشيك وصرفه نقدا بعدما أصابه اليأس.

لكن التنقل بحقائب متخمة بالنقود من الخطورة في بلد يشهد تفجيرات وحوادث خطف واطلاق رصاص يوميا. وتعرض البنك المركزي ووزارة المالية لهجمات بالقنابل في السنوات الاخيرة ومازالا مستهدفين.

وللوصول لمكتب قاسم ينقل الصحفيون خلف جدران للوقاية من التفجيرات وأسلاك شائكة ويمرون على ثلاث نقاط تفتيش ويخضعون لتفتيش ذاتي وتفتش الحقائب ويطلب منهم ترك هواتفهم المحمولة.

وقال رجل الاعمال "في النهاية اضطررت لفتج حساب للشركة في بنك تركي في اربيل" وهي مدينة كردية بشمال العراق نعمت بطفرة في الاستثمارات لوجودها في الجزء الوحيد في البلاد الذي افلت الى حد كبير من أعمال العنف على مدى السنوات العشر الماضية.

وقال تقرير للبنك الدولي ان مصرفي الرافدين ورشيد "يفتقران للكفاءة ويعانيان من ارث من الخسائر السابقة فضلا عن تلك الناجمة عن أنشطة شبه مالية" وهي أنشطة تتصل بسياسة الانفاق الحكومي وليس بمصالح تجارية خاصة. وقال البنك الدولي ان الحكومة بحاجة لتطهير موازنات البنوك وتعزيز الرقابة على النظام المالي وتحقيق مساواة تتيح للقطاع الخاص المنافسة.

غير أن الخلافات السياسية والصراعات بين الكيانات الحكومية تثير شكوكا بشأن اصلاح بنوك الدولة في وقت قريب.

وقال قاسم ان الفساد متفش في البنوك الحكومية وان أنشطتها ضعيفة ولا يستطيع أي شخص المساس بها لانها تابعة للحكومة والجميع يخافون. ولم يتسن الوصول لمسؤولين من بنك الرافدين للتعليق رغم محاولات عديدة للاتصال بهم.

وتتجه بنوك خاصة للاستعانة بتكنولوجيا أكثر تطورا لاجهزة الصرف الالي وبطاقات الائتمان ولكنها بصفة عامة كيانات صغيرة ينصب اهتمامها على أنشطة عائلية وهي تفتقر لرأس المال الضخم للقيام بأنشطة واسعة النطاق أو التوسع في أنحاء البلاد.

وفي عام 2009 وضع البنك المركزي برنامجا ينفذ على ثلاثة مراحل لزيادة رأسمال هذه البنوك يلزمها برفع الحد الادنى لرأس المال الى 128 مليون دولار بحلول يونيو حزيران 2012 ويصل بعد عام اخر الى 213 مليون دولار.

وفي مؤشر على أن بعض البنوك قد يجد صعوبة في بلوغ الحد الادني لمتطلبات رأس المال قال البنك المركزي الاسبوع الماضي انه أخضع بنك الوركاء الخاص لوصايته ليراقبه خلال عملية افلاس.

ويرجح مصرفيون أن تجمع معظم البنوك رأس المال المطلوب بالاستعانة بالارباح المبقاة. وفي أواخر العام الماضي قال البنك الدولي ان ثمة "شكوكا بشأن القوة المالية للعديد من البنوك" ولكن معظمها بما في ذلك الرافدين والرشيد لديها وفرة من السيولة ويبدو أن النظام المالي ككل لا يتعرض لخطورة كبيرة.

وقد يسهم الدخول التدريحي لبنوك أجنبية في تطوير القطاع. ومنذ أوائل 2006 اشترت العديد من البنوك الاجنبية حصصا في بنوك محلية بما في ذلك استحواذ اتش.اس.بي.سي على حصة في بنك دار السلام وشراء بنك قطر الوطني لحصة في مصرف المنصور واستحواذ بنك الكويت الوطني على حصة في بنك الائتمان العراقي.

وقال حسون ان من المتوقع أن تبدأ بنوك من لبنان وتركيا العمل في البلاد بحلول يونيو وترتبط الدولتان بعلاقات تجارية قوية مع العراق. والمأمول أن يزيد الوجود الاجنبي من انفتاح العراق على الاسواق العالمية ويجذب المزيد من المستثمرين الاجانب والبنوك الاجنبية.

وقال قاسم ان من شأن ذلك تعزيز التكامل مع النظام المالي العالمي ودعم التجارة ومناخ الاستثمار. وأضاف أن البنك المركزي في المراحل الاولى لاصلاح القوانين المصرفية لتضم تشريعا منفصلا بشأن الانشطة المصرفية الاسلامية فضلا عن بند يلزم باندماج الكيانات التي لا تحقق الحد الادني لمتطلبات راس المال.

ولم يعرف العراق المصرفية الاسلامية في عهد صدام حسين ولكن البنوك الاسلامية تعمل في البلاد الان في غياب قانون ينظم أنشطتها.

وقال قاسم انه ينبغي تحديث قانون المصارف لانه بوضعه الحالي ينتمي لحقبة ولت. ولكنه هدف صعب المنال في ظل الشلل الذي أصاب البرلمان العراقي نتيجة الصراعات بين الاحزاب السياسية مما يعرقل صدور الكثير من التشريعات.

وحتى في حالة اصلاح قانون المصارف واعادة هيكلة بنوك الدولة ودخول عدد كبير من البنوك الاجنبية واندماج البنوك الصغيرة فان تكوين ثقافة قائمة على تقديم خدمة مصرفية حقيقية في البنوك العراقية يتطلب بعض الوقت.

وقال ماجد الصوري المحلل المصرفي في العراق "مشكلة اعادة الهيكلة انها ليس قضية سطحية بسيطة ولكنها اعادة هيكلة لبيئة العمل ككل وتحتاج سنوات وسنوات لاحداث تغيير."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/نيسان/2012 - 11/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م