على مدى عقود من الزمان، أثرى كثير من العاملين في الوسط الأكاديمي
العراقي الإنسانية بأبحاث ودراسات وفعاليات معرفية توافرت فيها جميع
مستلزمات وأصول البحث العلمي، حيث خرج عدد كبير منها بنتائج علمية
رصينة أسهمت بإطلالة أصحابها على المجتمع البشري من نافذة المنجز
الإبداعي.
غير أن ما يؤسف له أن مجهودات اغلب المهتمين بالتوجهات البحثية
كانت تفتقر إلى البيئة الملائمة التي تسهم في استمرارها برفد الحركة
العلمية والمعرفية بمختلف المجالات العلمية والإنسانية.
وهو الأمر الذي أفضى إلى مقاطعة كثير من العقول الوطنية تواصلها
الذاتي مع ما يفترض أن يشكل علامة فارقة في مسيرتهم المهنية، بعد أن
أسهمت مجموعة عوامل موضوعية وذاتية في صيرورة تواريهم عن ساحة الإبداع
العلمي والاكتفاء بحدود ما هو مقرر من المناهج الدراسية في بلد يتباهى
أهله بأول حرف خط على أديم سومر، سيما ونحن نعيش في عصر تظلله خيمة
الديمقراطية التي تكفل قدرة الإنسان في الاستمرار بالعطاء الثر.
ومصداقا لما ذهبنا اليه أجد من المناسب الإشارة إلى ما أسرني به
مسؤول رفيع المستوى بمركز بحثي عائد لأحدى الجامعات العراقية القديرة
من أن مركزه لايملك من التخصيصات المالية ما يغطي ابسط الاحتياجات
الخاصة بتنفيذ حزمة البرامج والنشاطات التي تعد من أولويات مهمة تشكيل
هذا الصرح العلمي.
وعلى الرغم من صعوبة ظروف المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد
وحساسية تحدياتها، فان إدراك إدارات جامعاتنا العميق لأهمية مرحلة ما
بعد التغيير وخطورتها على مجمل الأوضاع العامة في البلاد يفرض عليها
توظيف ما تختزنه من طاقات كامنة في مهمة التخطيط لصنع المنجز الوطني
الإبداعي، وهو ما يجعلنا نتفاءل بإيجابية تأثير نشاطاتها الرامية إلى
تعزيز مسيرة البحث العلمي في بلاد يعد ما قدمه أهلها إلى البشرية
بمختلف مراحلها الحضارية دعامة رئيسة ترتكز عليها مهمة التأسيس لمشروع
البناء العلمي والتقني والحضاري والثقافي والفني لبلدنا الذي أتعبته
عبثية السياسات وتشوهات برامجها لأكثر من أربعة عقود من الزمان.
سيما وان العراق يزخر بقامات علمية وأكاديمية مشهود لها بالكفاءة
بمختلف الاختصاصات، ولا يعوزها سوى الرعاية التي تشكل نقطة الشروع في
مهمة إنضاج المشروع الخاص بعملية نقل التكنولوجيا التي تستوجب تفعيل
مراكز البحث العلمي في الجامعات وغيرها من مفاصل الجهاز الحكومي
والمنظمات غير الحكومية، فضلا عن تامين المقومات التي تتطلبها مهمة
تعزيز أهدافها وزيادة تنافسية العلماء على العوم في فضاءاتها.
وفي ظل انحسار النشاط المعرفي الذي يعد الدعامة الرئيسة في تفعيل
كوامن الإبداع، فضلا عن القصور الواضح لفاعلية المنافذ الإعلامية
العراقية في تغطية وتقويم وتعزيز الجوانب العلمية والثقافية والفنية
بعد أن أصبحت السياسة وأحداثها المروعة شغلها الشاغل، يمكن القول أن
معطيات الواقع العلمي والأكاديمي والثقافي في العراق تعكس حاجة
الجامعات العراقية إلى تبني برامج طموحة لتفعيل مراكزها البحثية وتأمين
مقومات إنضاج عملها من اجل إدامة التواصل العلمي وتحقيق التطور والتقدم
الذي يسهم بارتقاء مجتمعنا الذي تعود الاتكاء على موروثه الحضاري
والثقافي والتاريخي.
* باحث وكاتب صحفي
haylatif@yahoo.com
|