يعتقد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن حالة الاضطراب الاقتصادي
التي أثارتها أزمات أسواق المال الأميركية وضعت نهاية لاقتصاد السوق
الحر، كما يرى الرئيس ساركوزي أن تصوراً معيناً عن العولمة يقترب من
نهايته مع أفول رأسمالية مالية فرضت منطقها على الاقتصاد بأسره وساهمت
في انحراف مساره. وأكد أن (فكرة القوة المطلقة للأسواق ووجوب عدم
تقييدها بأي قواعد أو بأي تدخل سياسي كانت فكرة مجنونة، وفكرة أن
الأسواق دائما على الحق كانت فكرة مجنونة). وطالب بإصلاح النظام
الرأسمالي العالمي بعدما كشفت الأزمة المالية الحالية عن ثغرات خطيرة
في الأنشطة المصرفية العالمية، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى البدء
بالتفكير في سياسة نقدية جديدة. وتوقع ساركوزي أن تؤثر فوضى الأسواق
المالية في الولايات المتحدة على الاقتصاد الفرنسي لشهور بحكم اندماجه
في الاقتصاد العالمي، لكنه وعد بألا يخسر أحد في فرنسا ودائعه المصرفية.
في الوقت نفسه دافعت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا
رايس بقوة عن النظام الرأسمالي.
بتاريخ 15/9/2008 أُعلن عن إفلاس مصرف (ليمان براذرز) أكبر المصارف
الأمريكية كما تعرضت شركة الـتأمين الأمريكية الكبرى (ايه آي جي)
لمصاعب خسرت خلالها 70% من قيمة أسهمها في البورصات الأمريكية
والعالمية. حدث هذا الانهيار بعد أشهر من أزمة الرهن العقاري التي أدت
إلى تراجع الاستثمارات العقارية، وتضخم أصول المصارف والمؤسسات
العقارية بديون مشكوك بتحصيلها، وسندات ذات ملاءة منخفضة، مما اضطر
الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش إلى الإعلان عن (أن حكومته كانت
تفضل دائماً عدم التدخل في مسار العملية الاقتصادية إلا أن هناك ظروفاً
أملت عليها فعل ذلك)، وبذلك سقطت القاعدة الأساسية للنظام الرأسمالي
والنهج الليبرالي الجديد، أي عدم تدخل الدولة في الأسواق وتركها لعدالة
قانون السوق (آلية العرض والطلب).
انتقد الليبراليون الجدد وحكومتهم العالمية مهاتير محمد في صيف
1997، عندما طالب باستخدام الدور التدخلي للدولة لتطويق أزمة (النمور
الآسيوية)، وسخروا من الرئيس شافيز والرئيس البوليفي حين يدفعون الدولة
إلى التدخل بالشأن الاقتصادي، بينما يلجؤون اليوم إلى أضخم عملية تدخل
بالشأن الاقتصادي في تاريخ السوق الرأسمالية، بل وما يصل إلى حدود
التأميم، هذا التدخل يغدو مباركاً وفي محله عندما يقوم به الليبراليون
فقط.
يدعوا الليبراليون الجدد إلى وجوب تدخل الدولة في حال إخفاق السوق
بل ونفذوا ما يمكن نعته بالفعل بأضخم عملية تأميم حوّلت الولايات
المتحدة الأميركية إلى (جمهورية الولايات المتحدة الاشتراكية) حسب
تعبير الاقتصادي الأميركي والأستاذ في جامعة نيويورك نوريل روبيني،
لكنها على حدّ تعبيره (اشتراكيّة خصخصة الأرباح وتأميم الخسائر
للأغنياء وأصحاب النفوذ في وول ستريت).
وتحدث المرشح الجمهوري جون ماكين بغضب عن عمل النظام المالي على
طريقة نوادي القمار، والتي يشكل المودعون ضحاياها في النهاية، وبينهم
صناديق سيادية ومستثمرون كبار في تلك النوادي كانوا ليهزؤون ممن يستخدم
هذا التعبير لولا أن ماكين استخدمه.
ويتجاوز الأمر حدود طريقة تعامل الدول المسيطرة القائدة لعملية
العولمة مع الليبرالية الجديدة كـ(حزمة انتقائية) بالفعل، بينما
تصدّرها إلى الدول النامية كـ (حزمة كاملة) أي طرح أزمة الأصل أو
النموذج الليبرالي نفسه. فقد أنكرت الليبرالية الجديدة على الدول التي
تتسم بهشاشة السوق، وضعف هياكلها الاقتصادية، أي تدخل ضابط في
اقتصاداتها التي تعتبر معدلات انكشافاتها الأكثر في العالم نتيجة تطبيق
الوصفات الليبرالية الجديدة، بينما كان تدخل الدولة المنظم والدؤوب
لقرون عديدة في اقتصاد السوق في الغرب شرط تطوره، كما تقول أدبيات
التاريخ الاقتصادي.
* جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
alkafry@scs-net.org |