شبكة النبأ: توتر جديد في المشهد
السياسي المصري قد يسهم بخلق ازمة سياسية حادة قد تدخل البلاد في
متاهات اضافية او ربما ستخلق اجواء من العنف والاقتتال الداخلي، وهذا
ما توقعه بعض المراقبين عند فوز الجماعات الاسلامية المتشددة بأغلبية
مقاعد البرلمان المصري حيث حذرو من فرض بعض الافكار المتشددة في مجتمع
متنوع في الافكار والاتجاهات، وهذا ما نفته تلك الاحزاب الاسلامية
واكدت انها ستعمل وفق نظام ديمقراطي يصب في مصلحة الجميع تصريحا وصفها
البعض بانها مجرد دعايات انتخابية ستكتشف بمرور الزمن وحذرو من هيمنه
مطلقة لتلك الاحزاب التي باتت تشكل مصدر قلق وتخوف لدى الجميع، هذا
التوتر جاء بعد ان هيمن الاسلاميون على اللجنة التاسيسية التي اختارها
البرلمان المصري لوضع الدستور الجديد للبلاد من خلال تصويت انسحب منه
معظم النواب الليبراليين الذين بدأوا اجراءات للطعن في شرعيته كما ذكرت
الصحف الرسمية. وكان هؤلاء النواب المطالبين بمدنية الدولة رفضوا
المشاركة في التصويت متهمين زملائهم في حزبي العدالة والحرية، المنبثق
عن جماعة الاخوان المسلمين، وحزب النور السلفي اللذين يهيمنان على
مجلسي الشعب والشورى بالرغبة في الاستحواذ على اللجنة التي ستضع بذلك
دستورا على هواهم ومن ثم لا يمثل باقي قوى المجتمع.
الا ان عملية التصويت استمرت وتم تشكل اللجنة التي اختير نصف
اعضائها من نواب البرلمان الذين اختاروا ايضا اعضاء النصف الاخر من
خارج البرلمان والذين يفترض ان يمثلوا المجتمع المدني. وتعقد هذه
اللجنة اجتماعها الاول الاربعاء المقبل رغم تقدم الليبراليين بطعن
لابطال عملية التصويت امام المحكمة الادارية. واستنادا الى الصحف فان
37 من اعضاء البرلمان ال50 الممثلين في اللجنة من التيار الاسلامي الذي
ينتمي اليه ايضا عدد كبير من شخصيات المجتمع المدني ال50 الذين يشكلون
النصف الاخر للجنة. كذلك خلت اللجنة من تمثيل حقيقي للمرأة والاقباط
وائتلافات شباب الثورة حيث لا تضم سوى ستة اقباط احدهم وهو رفيق حبيب
عضو في حزب الحرية والعدالة وخمس سيدات. ومن اعضاء اللجنة من خارج
البرلمان عضو في المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يتولى ادارة البلاد
منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 واحد القياديين
البارزين في جماعة الاخوان المسلمين وعدد من القضاة والمحامين والناشط
احمد حرارة الذي فقد عينيه في مواجهات مع الشرطة.
وكان النواب الليبراليون الذين انسحبوا قد اعتبروا عملية التصويت
"مهزلة" وقال رفعت السعيد رئيس حزب التجمع (يسار) "اننا نواجه محاولة
لاحتكار كل شيء لكن احتكار الدستور هو اخطرها. الدستور لا ينبغي ان
يكون انعكاسا لراي الاغلبية وانما انعكاسا لكل قوى المجتمع". ويخشى
انصار الدولة المدنية ان تسعى الاحزاب الاسلامية الى جعل الدستور ينص
صراحة على تطبيق احكام الشريعة الاسلامية كما يطالب علنا حزب النور
السلفي، وذلك رغم التصريحات المطمئنة لحزب الحرية والعدالة.
وتنص بالفعل المادة الثانية من الدستور الحالي على ان مبادىء
الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع الا ان الصيغة غير محددة.
وقد اوقف العمل بالدستور المصري بعد سقوط مبارك وحل محله في اذار/مارس
2011 اعلان دستوري اقر في استفتاء وابقي على بعض المبادىء الاساسية
بانتظار وضع دستور جديد. وانسحب الليبراليون من جمعية تأسيسية مكونة من
مئة عضو مهمتها وضع دستور جديد احتجاجا على ما قالوا انه محاولات
للإسلاميين للسيطرة على عملية وضع الدستور وهو انسحاب يلقي بظلاله على
أحد المكونات الرئيسية لعملية الانتقال من استبداد دام سنينا طويلة.
واشتعل التوتر أيضا بين الاسلاميين والمجلس الاعلى للقوات المسلحة.
وقال عضو قيادي في جماعة الاخوان المسلمين ان الجماعة يمكن أن تنظم
مظاهرات حاشدة للضغط لإقالة الحكومة وتشكيل حكومة يقودها الاخوان.
ويبرز هذا التوتر التحديات التي تواجه ادارة المجلس العسكري لشؤون
البلاد قبل انتخابات الرئاسة وفي وقت تقترب فيه البلاد من أزمة مالية
تلحق الضرر بالمواطنين العاديين. ووضع الدستور الجديد عنصر محوري في
العملية الانتقالية التي حدد مراحلها المجلس العسكري الذي تولى ادارة
شؤون البلاد بعد اسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية مطلع
العام الماضي. ويأمل الاصلاحيون في وضع مبادئ دستورية ترسي نظاما أكثر
ديمقراطية.
وشكا الساسة الليبراليون الذين انسحبوا من الجمعية من أن نحو 70 أو
أكثر من أعضائها اسلاميون مستقلون أو أعضاء في الاحزاب الاسلامية.
وقالت منى مكرم عبيد وهي عضو سابق في مجلس الشعب وواحدة من ستة مسيحيين
فقط انتخبوا للجمعية أحدهم قيادي في حزب الحرية والعدالة مبررة
انسحابها "ما يشغلني هو الهيمنة المتطرفة للإسلاميين." وقال عمرو
حمزاوي وهو لبيرالي وعضو في مجلس الشعب في بيان انه انسحب من الجمعية
التأسيسية لان تشكيلها يهمش المرأة والشباب والمسيحيين.
وقال دبلوماسي غربي إن جماعة الاخوان تزداد فيما يبدو ثقة واستعجالا
مع الاقتراب من السلطة. وأضاف "الاستعجال أوضح ما يكون في الهيمنة
الاسلامية على الجمعية التأسيسية. والثقة تتبدى في التحدي العلني
للمجلس الاعلى للقوات المسلحة." ويقول الليبراليون إن النجاح الانتخابي
للإسلاميين يجب ألا ينعكس في تشكيل الجمعية التي ستضع دستورا لمصر يدوم
لسنين أو لعشرات السنين.
وحصل الاخوان وحزب النور السلفي على 70 في المئة من مقاعد مجلسي
الشعب والشورى مما منحهم مركزا قويا في توجيه عملية تشكيل الجمعية
التأسيسية. وقال الامين العام لجماعة الاخوان محمود حسين إن شكوى
الليبراليين لن تقوض مصداقية العملية وان هناك توافقا على كثير من بنود
الدستور. وأضاف "من غير المعقول أن تلزم الاقلية الاغلبية باختيار
أغلبية من أقلية ثم يقال ان هذه ديموقراطية." بحسب رويترز.
وانتقلت جماعة الاخوان المسلمين التي تأسست عام 1928 الى قلب الحياة
العامة في مصر منذ اسقاط مبارك الذي كان قد أبقى على حظر الجماعة.
وكانت الجماعة كررت القول انها تريد وضع الدستور من خلال التوافق دون
استبعاد أي طرف. وأصبحت جماعة الاخوان منذ الانتخابات البرلمانية أكثر
انتقادا لحكومة كمال الجنزوري الذي عينه المجلس العسكري في نوفمبر
تشرين الثاني ومن المقرر أن يبقى في المنصب لحين انتهاء الفترة
الانتقالية منتصف العام حين ينصب رئيس جديد للبلاد. وتريد الجماعة أن
يقيل المجلس العسكري الجنزوري ويعين حكومة جديدة تعكس توازن القوى
القائم في البرلمان وهو مطلب تسبب في صدع لوفاق مقلقل اتسمت به العلاقة
بين المجلس والجماعة.
وقال حسين إن جماعة الاخوان - التي لم تشارك في الانتفاضة التي
أسقطت مبارك من بدايتها وامتنعت عن المشاركة في أغلب الاحتجاجات التي
نظمت منذ سقوطه - يمكن أن تنزل الآن الى الشارع. وأضاف "هناك وسائل
للضغط على المجلس العسكري لاقالة الحكومة الموجودة لسوء ادارتها وهذه
الوسائل للضغط وسائل شعبية وهذه الشعبية قد تسمح بمليونيات أو نزول
الناس الى الشارع." ونشرت صحيفة الحرية والعدالة الناطقة بلسان حزب
الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة تصريحات لحسين تحت عنوان بارز
في صدر صفحتها الاولى هو "المليونيات في مواجهة الحكومة". وحاولت جماعة
الاخوان طمأنة المصريين الى أنها لا تريد الهيمنة على البلاد فقالت
العام الماضي انها لن ترشح عضوا فيها لمنصب رئيس الدولة. لكن هذا الوعد
هو محل مراجعة الان فمن المقرر أن يناقش مجلس شورى الجماعة هذا الامر.
وفي أوضح علامة حتى الآن على استعداد الجماعة لتقديم مرشح قال المرشد
العام محمد بديع ان اعتزام شخصيات من عهد مبارك الترشح أجبر الجماعة
على أن تعيد النظر في قرارها. وقال في خطاب نشر في موقع الجماعة على
الانترنت "كل الخيارات مفتوحة."
في سياق متصل قالت جماعة الاخوان المسلمين بمصر انها مستعدة للضغط
بمظاهرات حاشدة لإقالة الحكومة التي وصفتها الجماعة بأنها فاشلة كما
انتقدت تمسك المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد بها. ونقلت صحيفة
الحرية والعدالة الناطقة بلسان حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية
لجماعة الاخوان قول الامين العام للجماعة محمود حسين "من الممكن أن
تقرر الجماعة بالتوافق مع القوى السياسية المختلفة الضغط في هذا المسار
(اقالة الحكومة) من خلال النزول الى الشارع وتسيير مليونيات (مظاهرات
حاشدة)." وأضاف حسين "اذا استمر التعنت من قبل حكومة (كمال) الجنزوري
ورفض المجلس العسكري اقالتها فانه لا بد من ممارسة جميع الضغوط الممكنة
من مجلسي الشعب والشورى ومن قبل الشارع والقوى السياسية لتحقيق ذلك."
ومنذ أسابيع يطالب حزب الحرية والعدالة باقالة الحكومة والسماح له
بتشكيل حكومة ائتلافية. وتقول جماعة الاخوان المسلمين ان مظاهر
الانفلات الامني الذي بدأ بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس
السابق حسني مبارك مطلع العام الماضي والنقص في الوقود يضعف البرلمان
في نظر المواطنين.
ازمة بين المجلس العسكري والاخوان
من جانب اخر نشبت ازمة جديدة في مصر بين المجلس العسكري وجماعة
الاخوان المسلمين بعد ان اتهام الجماعة ضمنا الجيش بالرغبة في تزوير
انتخابات الرئاسة والتأثير على المحكمة الدستورية العليا لحل البرلمان
فيما تشهد البلاد انقساما حادا حول اللجنة التي انتخبت لوضع الدستور
والتي يهيمن عليها الاسلاميون. وفي بيان شديد اللهجة، اعرب المجلس
العسكري الحاكم في مصر الاحد عن "استيائه البالغ" من قيام جماعة
الاخوان المسلمين ب "التشكيك في نواياه" وفي "استقلال المحكمة
الدستورية العليا". وجاء بيان المجلس العسكري ردا على الانتقادات
الحادة وجهها له الاخوان المسلمون في بيان اصدروه مؤخرا.
وقال المجلس العسكري في البيان الذي بثته وكالة انباء الشرق الاوسط
الرسمية ان "المجلس الاعلى للقوات المسلحة تابع ببالغ الاستياء ما
تناولته وسائل الاعلام من بيانات صدرت من إحدى القوى السياسية بما يطعن
فى نزاهة قصد القوات المسلحة ومجلسها الاعلى وينال من أداء ووطنية
الحكومات ويشكك فى استقلال المحكمة الدستورية العليا والتأثير على
حيدتها فى أحكامها". وكانت جماعة الاخوان اكدت ان المجلس العسكري "يؤيد
استمرار حكومة" كمال الجنزوري رغم فشلها "مما يثير الشكوك حول سر هذا
التمسك بالفشل والفاشلين وهل هي رغبة في اجهاض الثورة وتيئيس الناس ام
رغبة في تزوير انتخابات الرئاسة؟". واضاف بيان الاخوان ان هناك "تهديدا
بانه يوجد طعن في دستورية مجلس الشعب (الذي يهيمن عليه الاخوان
المسلمون مع السلفيين) في درج رئيس المحكمة الدستورية العليا يمكن
تحريكه وهذا الكلام كارثة فهل المحكمة الدستورية خاضعة للسلطة
التنفيذية".
يذكر ان عددا من المحامين والشخصيات العامة اقاموا امام القضاء
الاداري دعاوى يطعنون فيها في صحة الانتخابات البرلمانية التي اجريت في
تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الاول/ديسمبر الماضيين معتبرين ان القانون
الذي اجريت على اساسه غير دستوري. واحالت المحكمة الادارية العليا
الطعن في دستورية قانون الانتخابات الى المحكمة الدستورية العليا التي
لم تحدد بعد موعدا للنظر فيه. واعتبر المجلس العسكري في بيانه الذي لم
يسم الاخوان صراحة ان "الحديث عن تهديدات بوجود طعن فى دستورية مجلس
الشعب أمام المحكمة الدستورية العليا والإيحاء بخضوع هذه المحكمة
الجليلة للسلطة التنفيذية إنما هو أسلوب غير مقبول يستهدف الإساءة إلى
القضاء المصري العريق وإستباق أحكامه والسعي إلى تحقيق مصالح حزبية
ضيقة على حساب قدسية القضاء". وفي اشارة الى فوز الاخوان المسلمين
والسلفيين الكاسح في الانتخابات التشريعية التي جرت في ظل تولي الجيش
للسلطة، قال بيان المجلس العسكري ان "القوات المسلحة ومجلسها الأعلى هم
من خططوا ونفذوا الانتخابات التشريعية السابقة بشفافية ونزاهة شهد بها
الجميع وأفرزت القوى السياسية الحالية بمجلسي الشعب والشورى". ودعا
المجلس العسكري "الجميع الى أن يعوا دروس التاريخ لتجنب تكرار أخطاء
ماضي لانريد له أن يعود والنظر إلى المستقبل بروح من التعاون والتآزر"
في تلميح واضح الى المواجهة العنيفة التي وقعت بين جماعة الاخوان
والرئيس الاسبق جمال عبد الناصر في العام 1954 وانتهت بحل الجماعة في
ذلك العام.
في السياق ذاته اصدر حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة
الاخوان، بيانا آخر كرر فيه الاتهامات الى المجلس العسكري وانتقد
"المحاولات التي يقوم بها البعض للقفز علي البرلمان المنتخب بغرفتيه،
والتقليل من شأنه والاساءة له". واعلن الحزب لأول مرة انه "يدرس
الخيارات المتعلقة بالترشح للرئاسة وما طرحه البعض بترشيح أحد قيادات
الحزب أو الإخوان المسلمين علي منصب الرئيس نظرا للمستجدات الكثيرة
التي تشهدها الساحة الداخلية والخارجية". وكانت الجماعة اكدت في وقت
سابق انها لن تتقدم بمرشح للرئاسة لكن جرى مؤخرا تداول اسم رجل الاعمال
والقيادي الاخواني الكبير خيرت الشاطر كمرشح محتمل للجماعة في
الانتخابات الرئاسية. بحسب فرنس برس.
وتأتي هذه الازمة الجديدة بين المجلس العسكري وجماعة الاخوان
المسلمين فيما تشهد البلاد جدلا عنيفا حول الجمعية التأسيسية التي
انتخبها مجلسا الشعب والشوري والتي يشكل الاسلاميون غالبية اعضائها
المئة. واعلنت عدة احزاب انسحابها من الجمعية التأسيسية احتجاجا على
هيمنة حزبي الحرية العدالة والنور السلفي عليها. واكد الحزبان
الليبراليان الرئيسيان في البرلمان وهما المصريين الاحرار والحزب
المصري الديموقراطي الاجتماعي انسحابهما من الجمعية التأسيسية بعد ان
قاطع نوابهما انتخاب هذه الجمعية. كما انسحبت من هذه الجمعية للسبب
نفسة كتلة الثورة المستمرة (التي تضم حركات ثورية وشبابية) وحزب العدل
(وسط) وحزب الكرامة الناصري.
وتؤكد الاحزاب التي انسحبت ان الدستور لابد ان يكون معبرا عن
المجتمع المصري بكامله وليس عن "اغلبية برلمانية" قد تتغير في
الانتخابات المقبلة، كما يعترضون على ضعف تمثيل المراة والاقباط في هذه
الجمعية التأسيسية. واعلن الوزير الاسبق في عهد انور السادات، منصور
حسن انسحابه من سباق الرئاسة من دون ان يعلن اسبابه. وكانت الصحف
المصرية تكهنت خلال الشهور الاخيرة بان منصور حسن يحظي بدعم المجلس
العسكري. |