انا لست من المتفائلين كثيره من نجاح القمة العربية لا لأنني لست
على ثقة بقدرة الحكومة العراقية ولا لعدم ثقتي بقدرة الدبلوماسية
العراقية التي اعتقد انها سجلت نجاحا كبيرا في ظل ظروف استثنائية
استطاعت ان تقنع اشد الرافضين لعقد القمة في بغداد، وان تعيد الاعتراف
الرسمي بالمنجز العراقي بعد مرحلة التغير ليأخذ العراق دورة الريادي في
المنطقة خصوصا وانه سيتولى قيادة الجامعة العربية لمدة سنة او سنتين
بغض النظر عن ما تفرزه هذه القمة من نتائج.
اما عدم تفاؤلي فهو مبني على جملة من المعطيات الموضوعية التي سبقت
القمة والتي رافقتها وكذلك النتائج المتوقعة منها، لقد ولدت هذا القمة
بعد مخاض عسير بين تحديات الداخل وتحديات الخارج ولعب اطرافها بكافة
الاوراق لمنع انعقاد القمة في بغداد واهم مشترك يجمعهم "عدم اعطاء
المشروعية لحكومة بغداد" كي لا يأخذ العراق دوره في المنطقة باعتباره
الموازن الاقليمي الذي بإمكانه ان يغير المعادلة بالكامل لما يمتلكه من
مقومات تؤهله لمثل هذا الدور.
وإذا نظرنا للموضوع من زاوية اخرى فسنرى بأن هناك توجه في المنطقة
لعزل العراق عن المحيط الخليجي والعربي سياسياً واقتصاديا من خلال بعض
المواقف المتشنجة تجاه العراق طيلة الفترة الماضية. رغم النوايا الحسنة
التي ابداها العراق في اكثر من مناسبة وفي اكثر من محفل عربي وإقليمي
لبناء علاقات جديدة ومتميزة مع محيطه الاقليمي والدولي، كتعبير عن
التوجهات الجديدة لعراق ما بعد نظام صدام الدكتاتوري وتحوله الى بلد
ديمقراطي، بما انعكس من صيغ جديدة في بناء العلاقات الخارجية مع
المنظومة العربية والدولية، الا ان الكثير من الانظمة العربية، لاسيما
الخليجية، مازالت تحاول وبمختلف الوسائل السياسية والاقتصادية
والاعلامية الممولة، الصاق التهمة تلو الاخرى بالعراق بهدف واضح ومفضوح
وهو تعطيل تجربته الفريدة في المنطقة.
ولهذا باعتقادي ان العقلية التي سوف تحضر القمة والتي تمثل المحور
"السعودي الخليجي" هي معبئة بهذه الرؤية ومستصحبه معها تراكمات كبيرة
دونتها سجلات ومواقف السنوات الماضية ويبدو لي انها اتخذت قرار
المشاركة اضطرار لان هذه القمة تعقد في ظروف استثنائية بالغة التعقيد
خصوصا وانها القمة الاولى بعد سونامي "ثورات الربيع العربي" الذي ازاح
البعض واقلق البعض الآخر ما اريد قوله ان اطراف هذه القمة غير متجانسة
لأنهما يمثلان محورين، احدهما وليد تجربة ديمقراطية يتدرج في مراحل
التطور وحكومته ولدت بقرار وإرادة شعبية، والأخرى انظمة استبدادية
"عوائل مالكة" مستأثرة بمقدرات شعوبها وتخشى من مستقبل غير واضح
المعالم استطاعت ان تحافظ على وجودها وهي مدركه بان هذا الوجود وجود
مؤقت.
بالإضافة الى ذلك فان دولة مثل السعودية وما تمثله من ثقل في
المنطقة وتأثير على مجلس التعاون الخليجي ومصادرة لقرار الجامعة
العربية هي دولة مؤدلجة (وهابية) كما نص على ذلك دستورها ومواقفها
المتكرر التي تعكس مستوى النفس الطائفي الذي تعاطت به مع كافة
المتغيرات الاقليمية والعربية بل وحتى في الداخل السعودي نفسه. ولابد
أن نعترف بأن هذه الدول كانت مواقفها تتصف بالتمايز تجاه المتغيرات
السياسية التي حدثت وتحدث في العالم العربي وبالتحديد ما يحث في الشرق
الاوسط. حيث نجد بان هنالك ازدواجية في المعايير من قبل هذه الدول
ومؤسساتها فمنها مايكون استجابةً لمواقف قوى عالمية ومنها ما يكون
بدافع طائفي. ولا نحتاج الى جهد كبير في البحث عن المصاديق التي تؤكد
ذلك. فالموقف من قبل الدول الخليجية تجاه ما يحدث في البحرين والسعودية
يختلف عما هو عليه فيما حدث في مصر وليبيا.
وذا ما اردنا اجراء مراجعة بعد اكثر ثمان سنوات من التغيير في
العراق سوف نخلص الى النتائج الاتية:
1- حرب سياسية لإبقاء العراق تحت طائلة البند السابع ووقوفها بوجه
المساعي التي يبذلها العراق من اجل الخروج من هذا البند.
2- حرب اقتصادية متمثلة ببناء ميناء مبارك في قلب المنفذ البحري
العراقي والمتقاطع مع الممر البحري العراقي الذي يسبب الضرر الأكبر
لعمل موانئ العراقية.
3- رفض الكويت التنازل عن التعويضات المفروضة على العراق والديون
التي بذمة العراق.
4- عدم الاعتراف بالحكومة العراقية وان حصل فانه اعتراف متأخر جدا.
5- حرب اجتماعية بين مكونات الشعب من خلال اذكاء الفتنة وإشعال نار
الطائفية.
6- اصدار الفتاوى التكفيرية من فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين، لتحريض
الجهلاء وصغار السن المغرر بهم وغسل ادمغتهم لاستهداف طائفة محددة من
ابناء الشعب العراقي.
7- اجهاض مبادرات السلام والمصالحة ومنها وثيقة مكة.
8- حتى الانشطة الرياضية لم تسلم لانها تمثل مكسب للعراقيين لذللك
بذلوا "الاشقاء" جهود حثيثة لنقل خليجي 21 من البصرة إلى البحرين التي
ستقام عام 2013.
اما بخصوص الجامعة العربية وقممها فهي الاخرى تختزن في داخلها عوامل
الفشل لانها لاتمتلك الادوات الكاملة التي تؤهلها للقيام بدورها فكيف
تستطيع ان تنتج شيئا وقرارها مصادر من دول الخليج الممولة وان امتلكت
القرار فان قراراتها غير ملزمة، وبالتالي فهي غير قادرة على الزام
اعضاءها بما تتخذه من قرارات في كافة القمم السابقة، لذلك حصل كثير من
التجاوزات في تاريخ الجامعة العربية ابتداء من القمة الاولى في القاهرة
عام وانتهاء" بقمة بغداد فقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة على جدول
اعمال كافة القمم ولكنها لم تفرز شيئا لهذه القضية التاريخية. بل انها
استهدفت من اهم الاعضاء في الجامعة "العضو المؤسس" عندما عقدت مصر
مبادرة السلام مع الكيان المغتصب الذي يمثل الطرف الرئيس في قضية
الشعوب العربية وهذا الامر لم يمثل تجاوزا على حق الشعب الفلسطيني
وانما يمثل خروج عن مقررات القمم السابقة وميثاق الجامعة العربية وان
اقصى ما فعلته قمت بغداد عام 1978 التي عقدت من اجل هذا الموضوع هو عدم
الاعتراف بهذه المبادرة وتعليق عضوية مصر في الجامعة. وان ما فعله نظام
صدام بعد اسابيع من انتهاء قمة بغداد 1990 لم يختلف كثيرا عندما اقدم
على احتلال الكويت العضو في الجامعة العربية.
وهنالك مشكلة اخرى متمثلة بالأطر القانونية التي تحكم عمل الجامعة
"ميثاق الجامعة العربية" الذي كرس لتحويل الجامعة كواجهة سياسية تمثل
الانظمة العربية اكثر ما تمثل شعوبها. لذا اعتقد من الضروري اعادة
النظر بهيكلية الجامعة وميثاقها لتحويلها الى واجهة للدفاع عن الشعوب
بدلا من كونها واجهة للحكام العرب. وقد شاهدنا بالأمس القريب كيف
تعاملت مع ثورة الشعب في البحرين بطائفية بغيضة، وقبلها مع الشعب
العراقي في زمن الطاغية المقبور، ومع ثورة الشعب في تونس ومصر عندما
اصطفت الى جانب النظام الديكتاتوري حتى آخر لحظة من عمره،، وهكذا
بالنسبة الى بقية ثورات الشعوب العربية، ما يعني انها فقدت مصداقيتها
وخسرت تمثيلها الحقيقي فهي بحاجة الى اعادة انتاج نفسها بما ينسجم مع
تطلعات الشعوب العربية او تنتظر ربيعا عربيا اخر يمتد اليها. |