مالي... انقلاب العسكري وفوضى تغبط المتمردين

 

شبكة النبأ: يشكل الانقلاب العسكري الاخير في مالي مصدر قلق وتخوف للعديد من الدول خصوصا تلك دول الجوار التي تعاني العديد من المشاكل الامنية، ويعتبر بعض المراقبين ان تدهور الاوضاع الامنية في هذه البلاد ستسهم بشكل كبير في زعزعة امن المنطقة وستكون فرصة مناسبة للمتمردين لتحقيق مكاسب مهمة على ارض الواقع ، وتشهد مالي اوضاع غير مستقرة بعدما أطاح ضباط متمردون بالرئيس امادو توماني توري. مبررين موقفهم بالقول ان حكومته لم تدعم بشكل كاف المعركة التي يخوضها جيش مالي ضد تمرد يحرز تقدما بقيادة الطوارق في الشمال الذي يعج بالاسلحة والمقاتلين الذين كانوا موالين للقذافي ثم فروا من ليبيا. وقال ايفان جويتشاوا المحاضر في السياسات الافريقية بجامعة ايست انجيلا من باماكو عاصمة مالي حيث كان جنود متمردون يسرقون المركبات وينهبون محطات البنزين والشركات "لقد كان تأثيرا متتابعا".

لكن رغم الزخات المتكررة لاطلاق النار فلا توجد اراقة دماء تذكر نسبيا حتى الآن على ما يبدو. وكان ينظر إلى مالي ثالث أكبر منتج للذهب في افريقيا ومنتج كبير للقطن في القارة وفي العالم على نطاق اوسع على انها دولة ديمقراطية مستقرة نسبيا في منطقة مضطربة بشكل دائم تلازمها الانقلابات والعصيان المدني منذ عقود. وهي حليف للحكومات الاقليمية والغربية في جهودها لمنع الهجمات وعمليات الخطف التي يقوم بها متشددون مرتبطون بالقاعدة من الانتقال جنوبا عبر الصحراء. ويتسبب مثل هذا العنف بالفعل في اراقة الدماء في نيجيريا اكبر منتج للنفط في افريقيا على يد جماعة بوكو حرام.

وقال جيليس يابي مدير مشروع غرب افريقيا بالمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات ومقره دكار "الامر مؤسف بوضوح بالنسبة لمالي ...هذا يغرق احدى اكثر الدول استقرارا في غرب افريقيا في حالة من عدم الاستقرار." وقالت نادية ناتا مسؤولة الحكم السياسي في مبادرة المجتمع المفتوح لغرب افريقيا (اوسيوا) "يجب الا تحل النزاعات بالاسلحة. انها اشارة سيئة لدول اخرى في مرحلة تعزيز الديمقراطية فيها."

وتوفر الولايات المتحدة تدريبا للجيش المالي على مكافحة الارهاب. وقال أحد قادة الانقلاب وهو الكابتن امادو سانوجو رئيس للجنة الوطنية لعودة الديمقراطية واستعادة الدولة انه تلقى تدريبا من مشاة البحرية والمخابرات الامريكية. لكن الانقلاب الذي نفذه فيما يبدو ضباط متوسطو الرتبة وصغار سيضع نهاية لمثل هذا الدعم في الوقت الحالي. وعلق البنك الدولي وبنك التنمية الافريقي والمفوضية الاوروبية المعونات المالية الى مالي. وتعهد قادة الانقلاب باعادة السلطة الى رئيس منتخب ديمقراطيا "بمجرد اعادة توحيد البلاد".

وقال جويتشاوا "لا يوجد جدول أعمال واضح ... ما سيحدث لاحقا غير واضح تماما." وقال يابي من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات "هذا يعطي احساسا بالفوضى". وزادت حالة الضبابية عندما قال الاتحاد الافريقي إنه تلقى معلومات تفيد بأن الرئيس توري لا يزال في مالي حيث يحميه الموالون له في منطقة ليست ببعيدة عن باماكو. وقالت منظمة العفو الدولية ان قادة الانقلاب اعتقلوا عدة أعضاء من حكومة توري. وطالبت باطلاق سراحهم.

ورغم الصورة العامة لتوري على انه "جندي الديمقراطية" الثابت قال محللون ان داعمين غربيين مثل فرنسا والولايات المتحدة لم يكونوا راضين عن جهود حكومته في مواجهة تهديد القاعدة وحلفائها في شمال مالي الصحراوي النائي. وقال جويتشاوا "هناك رأي يقول انه يستخدم حجة مكافحة الارهاب كدعامة له في السلطة" ويستشهد بمخاوف ايضا بشأن الفساد في حكومة مالي.

وكان توري الذي فاز بأوراق اعتماده الديمقراطية من خلال الاسراع بتسليم السلطة لحكم مدني بعد انتزاعها في انقلاب عام 1991 يعتزم ترك منصبه في اعقاب انتخابات في ابريل نيسان بعد قضائه فترتين متتاليتين في السلطة فاز بهما في انتخابات.

بينما يرى سكان باماكو الجنود وبعضهم مخمور على ما يبدو يجوبون الشوارع وينهبون يتساءل الكثيرون عن نوع الحكم الجديد في بلادهم. وقال ساكن من العاصمة يدعى فوسيني ديارا "قالوا ان سبب الانقلاب هو المشكلة في الشمال. لذلك عليهم ان يخبرونا ما هي الحلول التي لديهم للمشكلة في الشمال. ليخبرونا عن الطريقة التي يريدونها لادارة البلاد." وقالت ناتا من مبادرة المجتمع المفتوح لغرب افريقيا ان الانقلاب قد يفاقم الوضع الأمني السيء بالفعل والجرائم في منطقة الساحل على نحو اوسع. ونهب جنود محطات البنزين وخطفوا سيارات في العاصمة المالية باماكو بعد ساعات من انقلاب عسكري وقال سكان ان باماكو تعاني من نقص في الخبز والوقود اليوم بينما قام جنود متمردون بأعمال نهب لمحطات بنزين ومتاجر وسرقوا سيارات. وعلى الرغم من دعوة سانوجو الجنود لوقف النهب واحترام الممتلكات الخاصة فان سكانا قالوا ان أعمال النهب مستمرة وانها سببت نقصا في السلع كما تضاعفت أسعار الوقود الى أكثر من 1300 فرنك افريقي (2.60 دولار) للتر خلال 24 ساعة. وقال اداما كويندو وهو من سكان باماكو "الناس خائفون من الجنود. كثيرا ما يأخذون ما يوجد في السيارة أو يجعلونك تخرج منها ويسرقون السيارة أو يقتحمون المتاجر أحيانا." وأغلقت معظم المتاجر ومحطات البنزين والشركات أبوابها في المدينة بينما جازف بعض السكان بالخروج بحثا عن الخبز والبنزين.

لكن محللين قالوا إنه في ظل خروج هذه المساحات الشاسعة من الشمال فعليا من تحت سيطرة حكومته وفي ظل وجود الاف المشردين بسبب انتشار التمرد هناك فسيكون من الصعب ان لم يكن مستحيلا اجراء انتخابات ذات مصداقية الشهر المقبل. وهناك شكوك في أن بعض أعضاء حكومة توري تسامحوا سرا مع شبكات المتمردين والقاعدة في الشمال لكي يتمكنوا من الاستفادة من تهريب المخدرات المربح والأنشطة غير المشروعة الاخرى التي تزدهر في المنطقة الصحراوية. بحسب رويترز.

ويقول المتمردون الذين يقودهم الطوارق إنهم يريدون انشاء دولة مستقلة في انحاء المنطقة الشمالية. وقال بوريما ديكو رئيس لجنة الدفاع والأمن ببرلمان مالي قبل الانقلاب ان المتمردين ليس لديهم جدول اعمال سياسي واضح. وأضاف "هم يريدون فقط ان يتمكنوا من تهريب الاسلحة والمخدرات عبر الشمال. هم لا يريدون الأمن حقا." غير أن دبلوماسيا أعطى رأيا أكثر دقة عن التمرد الأخير للطوارق قائلا إنه في حين يسعى متمردو الصحراء الى اقامة وطن فان النظرة العملية للامور تعني أن عليهم العمل مع الاسلاميين وجماعات التهريب في الشمال الذي يشهد غيابا للقانون. وأضاف الدبلوماسي الذي طلب عدم نشر اسمه "هذه عملية مزدوجة - التحرير وحكم الشريعة." وقال جويتشاوا انه لا يزال هناك أمل في ان قادة الانقلاب قد يثبوا قدرتهم على تكوين نوع من التوافق العام في الرأي مع القوى السياسية في البلاد وربما حتى الاتفاق على مبادرة سلام مع متمردي الشمال ليتمكنوا من اجراء انتخابات ذات مصداقية.

 من جانب اخر وفي محاولة للاستفادة من الاضطرابات في العاصمة زحف متمردو الطوارق في شمال مالي صوب الجنوب لاحتلال المواقع التي جلت عنها القوات الحكومية. وقال حاكم كيدال بشمال شرق ان القوات الحكومية تراجعت من الجبهة الامامية بعد ان سمعت عن الانقلاب في باماكو. وقال الكولونيل ساليفو كوني "نحن محاصرون حاليا (في كيدال) من جانب متمردي الحركة الوطنية لتحرير أزواد. الوضع الراهن في باماكو ساهم أكثر في اضعاف الروح القتالية للجنود على الجبهة."

وقال سانوجو انه مستعد للتفاوض مع المتمردين لكن هدفه هو الحفاظ على وحدة أراضي البلاد.

وقال هاما حاج محمود من الجناح السياسي للحركة الوطنية لتحرير ازواد في العاصمة الموريتانيا نواكشوط "اننا مستعدون للتفاوض ولكن توجد شروط.. لابد وان يكون الرئيس راسخا وممثلا بشكل جيد وان تقف الصفوة السياسية خلفه ولابد من حصولنا على ضمانات من القوى الكبرى في البلد." وشدد على ان الجماعة ليس لها طموحات اخرى اكثر من احتلال المناطق الشمالية الثلاث لمالي .

الانقلابيون ما زالوا معزولين

من جانب اخر سعى منفذو الانقلاب العسكري الذي اطاح بالرئيس امادو توماني توري في مالي وامام تزايد عزلتهم خارج مالي وداخلها، الى وضع حد لحالة الغموض الخطرة السائدة في البلاد ، والاستمرار في السيطرة على الوضع تحسبا لمواجهة حركة مضادة من الموالين للنظام.

وتجوب بعض الاليات العسكرية مسرعة كبرى شوارع العاصمة حيث ظلت المصارف ومحطات البنزين مغلقة ما اعاق الامداد بالنقد والوقود. و دعا الانقلابيون في بيان جديد ومقتضب بثه التلفزيون الحكومي الذي يحتلونه "مالكي اصحاب محطات البنزين الى فتح" هذه المحطات. وقال متحدث باسم المتمردين ان "اجراءات امنية اتخذت " لتفادي اعمال النهب، مشيرا الى ان "رئيس" حركة الانقلاب يواصل "التعبير عن عميق اسفه للتجاوزات التي ارتكبها هذا او ذاك".

وفي غاو، المدينة الكبرى الاخرى في الشمال، تلقى الجيش المالي دعم عناصر ميليشيات غاندا كوي وغاندا ايزو التي استخدمت ضد حركات تمرد الطوارق سابقا في التسعينات وقد تم تجنيد قرابة 200 شاب وتم تجهيزهم لمقاتلة التمرد. في حين اعلنت مجموعة اسلامية مسلحة من حركة الطوارق انها تستعد للاستيلاء على مدينة كيدال، احدى اهم مدن شمال شرق مالي،

وجاء في بيان لهذه المجموعة التي تدعى "انصار الدين"، "بفضل الله العلي القدير وبفضل بركاته، سنستولي قريبا على اراضينا في كيدال"، مهد الطوارق. واضاف البيان ان "امنية شيخنا اياد اغ غالي (احد وجهاء المتمردين الطوارق في التسعينات وزعيم المجموعة) ستتحقق قريبا. الشريعة الاسلامية ستطبق في كل منطقة كيدال". وزيادة على غموض الوضع العسكري يسود غموض سياسي حول مشاريع الانقلابيين. وندد 12 حزبا سياسيا ماليا في بيان مشترك بالانقلاب الذي حصل قبل خمسة اسابيع من الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 29 نيسان/ابريل مما زاد في هشاشة موقف الانقلابيين.

واعتقل عسكريون قاسم تابو مسؤول احد تلك الاحزاب وهو التحالف من اجل الديموقراطية في مالي في منزله لفترة قصيرة قبل ان يفرجوا عنه بعد اعتذارات قائد الانقلابيين عن توقيفه. واعلنت ثلاث شخصيات سياسية اخرى طلبت عدم كشف هويتها انها "انتقلت الى العمل السري" لان "رجالا مسلحين" يبحثون عنهم على ما قالوا. ومن اديس ابابا اعلن مصدر في الاتحاد الافريقي ان قائد الانقلابيين وعد بالافراج سالمين عن ثلاثة مسؤولين في وزارات خارجية ثلاث دول افريقية علقوا في باماكو اثر انقلاب. واضاف ان رئيس المفوضية الافريقية جان بينغ تحادث هاتفيا مع سانوغو واكد له الاخير انه سيفرج عن وزيري خارجية كينيا وزيمبابوي ووزير الدولة للشؤون العربية والافريقية التونسي. وامر "بحماية الوزراء ومعاونيهم والدبلوماسيين وتسهيل اخلائهم".

من جهتها دانت عدة جمعيات من المجتمع الاهلي الانقلاب، ودعت الانقلابيين الى ترك السلطة بينما نددت اللجنة الوطنية لحقوق الانسان ب"مناخ من الارهاب" ناجم خصوصا عن "اطلاق عيارات نارية غزيرة". واجتمع 38 حزبا سياسيا لتشكل مع المجتمع الاهلي قاعدة اساسية وتلتقي بقادة الانقلاب بهدف الطلب منها العودة الى الظام الدستوري. واجمع المجتمع الدولي على التنديد بالانقلاب في الدول المجاورة والمنظمة الاقتصادية لدول المنطقة والاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي وفرنسا والولايات المتحدة. وافادت مصادر متطابقة ان وفدا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا قام بزيارة قصيرة الى باماكو. واوضح دبلوماسي افريقي ان الوفد تباحث هاتفيا مع الكابتن سانوغو الذي لم يحضر الى المدينة لاسباب امنية، لكنه لم يفصح عن فحوى المباحثات. بحسب فرانس برس.

من جهتها نصحت الولايات المتحدة رعاياها بعدم السفر الى مالي بسبب الوضع "غير المستقر" وحذرت الخارجية الاميركية رعاياها في بيان من ان "الوضع هناك متقلب ولا يمكن التكهن بشانه". واضافت الدبلوماسية الاميركية "على الرغم من عدم وقوع اعمال عنف تستهدف الرعايا الاميركيين او الغربيين عموما، يبقى الوضع العام غير مستقر وخطير"، داعية الاميركيين المتواجدين في مالي الى "توخي الحذر حتى اشعار اخر". وعلقت كندا مساعدتها الى مالي اثر الانقلاب في باماكو الذي ادانته، كما اعلنت الحكومة. وقال وزيرا الخارجية جون بايرد والتعاون الدولي بيفرلي اودا في بيان مشترك انه يتعين في البداية وقف المساعدة المقدمة مباشرة الى الحكومة المالية فورا. واعلن بايرد ان "كندا تدين بشدة هذا الهجوم على الديموقراطية الذي شنه فصيل من الجيش المالي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آذار/2012 - 7/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م