فريدمان وشتراوس والليبرالية الجديدة

د. مصطفى العبد الله الكفري

كانت جامعة شيكاغو الأمريكية خلال فترة الستينات من القرن الماضي المكان الرئيس لتأسيس (الليبرالية الجديدة)، متأثرة بأفكار كل من الاقتصادي الكبير ميلتون فريدمان أستاذ مادة النظرية الاقتصادية، وليو شتراوس أستاذ فلسفة السياسة.

الليبرالية الجديدة:

أعطى ميلتون فريدمان منظوراً مناقضاً لكل مسار السياسات الاقتصادية الكينزية التي سادت لمدة أربعة عقود بعد أزمة 1929 العالمية، معارضاً بذلك أي تدخلية تنظيمية - تخطيطية للدولة، وداعياً إلى إلغاء نظام الاحتياط الفيدرالي،  ومعتبراً أن تصرفات الأفراد في السوق كافية وحدها لإدارته وتنظيمه وتصحيح مساره، حيث كان يرى، بخلاف مينارد كينز (1883- 1946)، أن الانكماش الاقتصادي لا يكافح عبر الدولة والتخطيط والضرائب العالية، والتضخم لا يتراجع ويتم القضاء عليه من خلال سياسات الانكماش النقدي، بل بواسطة زيادة تدفق النقد في السوق، معتبراً إياهما ظاهرة نقدية محضة، مقترحاً حلاً لهما من خلال ترك السوق حراً إلى مداه من خلال حركته الذاتية، مع خفض الضرائب إلى الحدود القصوى.

أما ليو شتراوس فقد قدم منظوراً فلسفياً جديداً لليبرالية يقوم على رؤية فكت الارتباط بين أفكار مؤسس الليبرالية جون ستيوارت ميل، وأفكار عصر الأنوار الفرنسي مع أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوضعية، ليربط الليبرالية مع إدموند بيرك الفيلسوف الإنكليزي المحافظ الذي قدم كتاباً نقدياً فلسفياً لأفكار الثورة الفرنسية (1789) بعد عام من قيامها، وليقوم بربطها مع فلسفة للسياسة تعود إلى أفلاطون متخطياً (نفعية) و(أداتية) النظرية السياسية الحديثة، التي سادت في اليمين واليسار معاً خلال القرون الأربعة الماضية، من خلال نيكولا مكيافيللي وتوماس هوبز، داعياً إلى سياسات تعتمد (الهجوم الأخلاقي)، المسلح بالروحانيات والقيم الديمقراطية.

أتيح المجال لفريدمان تجريب سياساته الاقتصادية في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، بعد أن أصبح من المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض عام1981، وأدى رفع نسبة الفائدة في البنوك الأميركية على الودائع، خلال ست سنوات من عهد ريغان، إلى دخول 656 بليون دولار إلى خزائن البنوك الأميركية أتت من الخارج، ما قاد إلى إنهاء حال الانكماش الاقتصادي والتضخم، التي كان الخبراء الاقتصاديون الكنزيون يرون أن سببهما كان ارتفاع أسعار النفط بعد عام 1973، وترافق ذلك عند ريغان مع إلغاء الكثير من إجراءات الضمان الاجتماعي والصحي والكثير من النفقات الحكومية في المجالات الاجتماعية، مع اتجاه راديكالي إلى خفض الضرائب على الأفراد.

* جامعة دمشق – كلية الاقتصاد

alkafry@scs-net.org

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آذار/2012 - 7/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م