الازمة السورية... النظام يبسط هيبته مقابل تراجع غربي وتخبط خليجي

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بدا الغرب يتخذ منحى أكثر حنكة بعد ان تبددت الاوهام في الاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد عبر تأجيج العنف والمراهنة على التدخل الخارجي، فيما اثبتت الوقائع على الارض فشل خيار المعارضة المسلحة في سبيل ذلك.

الا ان الدول الخليجية وخصوصا قطر والسعودية لا تزالان تتمسكان بهذا الخيار على الرغم من تراجع الموقف التركي، والتحذيرات التي اطلقتها الولايات المتحدة وفرنسا لعواقب الفوضى التي سيخلفها انهيار الحكومة السورية عن طريق الجماعات الارهابية التي تساندها الرياض والدوحة.

واستطاعت القوات الحكومية السورية والجيش العربي هناك في استعادة معاقل ما يسمى الجيش الحر على الرغم من استمرار بعد الانشقاقات المدفوعة الثمن، حيث اجتاحت القوات الحكومية آخر معاقل الجماعات الارهابية المسلحة في ادلب قبل ايام.

تحذير غربي

فقد حذر وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الخميس من مخاطر نشوب حرب اهلية في سوريا في حال تسليم اسلحة الى المعارضة ضد نظام الرئيس بشار الاسد. وقال جوبيه عبر اذاعة فرانس كولتور ان "الشعب السوري منقسم بشكل عميق وان اعطينا اسلحة الى فئة معينة من المعارضة في سوريا، فسوف نكون ننظم حربا اهلية بين المسيحيين والعلويين والسنة والشيعة، وقد يكون الامر بمثابة كارثة اكبر من الكارثة القائمة اليوم".

وراى جوبيه ان روسيا التي تعرقل اي مبادرة في مجلس الامن الدولي بشان سوريا "تقوم بحسابات خاطئة على المدى المتوسط". وقال "انها تاخذ علينا التدخل في ليبيا وتعتبر اننا تخطينا تفويضنا في ليبيا، وهو ما لا اوافق عليه". واضاف "روسيا لديها مصالح في سوريا، انها تبيع او باعت كمية كبيرة من الاسلحة للنظام السوري".

وقال ان "روسيا تخشى ايضا انتقال العدوى الاسلامية الى اراضيها، ولذلك تعارض كل ما يجري في سوريا" مبررا الدعم الروسي لنظام بشار الاسد. وتابع جوبيه انه "يامل من كل قلبه ان تفتح (روسيا) عينيها لترى ما يجري حقا في سوريا". وعلق على تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي انتقد الاسد اخذا عليه "التأخير الكبير" في تطبيق الاصلاحات، فقال "ربما تطور روسيا" موقفها.

فيما حض وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا الداعين الى توجيه ضربة عسكرية الى سوريا على "التفكير في عواقب" هذا الامر، معتبرا من جهة اخرى ان ممارسة الضغط الدبلوماسي على ايران هي "افضل طريقة" لاجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي.

وقال بانيتا في مقابلة مع قناة الحرة التي تبث من واشنطن "أعتقد أن أفضل عمل يمكن القيام به هو الحفاظ على الضغط الدولي على النظام السوري. ان المجتمع الدولي والجامعة العربية متفقان على فرض العقوبات على سوريا والتأكيد على ضرورة تنحي (الرئيس بشار) الأسد والسماح للشعب السوري بتقرير مصيره".

وعن امكان توجيه ضربة عسكرية لوقف القمع الذي يمارسه النظام السوري بحق معارضيه قال بانيتا "في أي وقت تعتزم فيه إتخاذ عمل عسكري عليك أخذ عواقبه بعين الاعتبار (...) ان لسورية منظومة دفاع جوي قوية علينا تدميرها قبل أي شيء ولكن هذه المنظومة منتشرة في أماكن آهلة بالسكان وتدميرها سيسفر عن خسائر بشرية كبيرة". واضاف "هذه هي الأشياء الواجب التفكير فيها بجدية وعلى الناس الذين يدفعون باتجاه عمل عسكري أن يفهموا ذلك. من الأفضل أن يفهموا الى أين سيقودنا مثل هذا الإجراء".

في السياق ذاته دعا وزير خارجية المانيا غيدو فيسترفيلي خلال زيارة للرياض مؤخرا الى التركيز على الحل السلمي والتحول السياسي في سوريا منددا في الوقت ذاته بما وصفه "القمع الوحشي الذي يمارسه النظام".

وقال الوزير الالماني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي الامير سعود الفيصل "لا يمكن ان نقبل بالقمع البشع الذي يمارسه النظام ضد الشعب السوري (..) لا يمكن القبول باستخدام العنف يجب ان يكون الحل السلمي والتحول السياسي ممكنا".

واضاف بحسب الترجمة العربية لتصريحاته "نريد التوصل الى حل سياسي وندعم المعارضة لكننا نركز على السياسة في الوقت الحالي وهناك تراجع من جانب (الرئيس بشار) الاسد (...) نسعى للتوصل الى ثلاث نقاط: انهاء العنف وايصال المساعدات والحل السياسي".

يذكر ان فيسترفيلي الذي وصل الرياض مساء السبت آتيا من صنعاء كان اعتبر ان الحل السلمي في اليمن "يمكن تطبيقه في دول اخرى"، في اشارة الى سوريا.

من جهته، قال الفيصل ان "ما يقوم به النظام في سوريا هو في الحقيقة مذبحة (...) ولا يمكن استمرار ما يحدث واذا بقي الوضع على حاله سينهار الكيان القائم وكل انسان يقتل يضعف هذا الكيان، ولا يمكن لهذه القيادة ان تبقى اذا زادت" الامور سوءا. لكنه اضاف ردا على سؤال "ليس هناك احد ضد النظام في سوريا لكن نحن ضد ما يقوم به من اعمال واذا توقف، فان الامر يعود للسوريين".

قطر تصعد من تحريضها

من جهته دعا رئيس وزراء قطر اطياف المعارضة السورية لترك خلافاتها جانبا، معلنا ان موقفا عربيا و دوليا تجاه الازمة السورية بصدد التشكل الان حول الموقف القطري و السعودي.

وقال حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني ان "الاعتراف بالمجلس الوطني السوري قد تم في مؤتمر تونس، و كل ما نتمناه الان من باقي اطراف المعارضة ان يلتقوا و ان يتركوا خلافاتهم جانبا وان يركزوا على كيفية مساعدة اخوانهم في الداخل".

وجدد رئيس وزراء قطر الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي عقده مع ضيفه بويكو بوريسوف رئيس وزراء جمهورية بلغاريا، دعوة النظام السوري الى "ان يوقف القتل حتى يمكن الحديث عن حل".

وقال ان "الموقف العربي و الدولي يتشكل الان حول الموقف القطري والسعودي" من الازمة السورية، معتبرا ذلك "مصلحة عربية تحتم على الجميع ان يتفقوا". واضاف حمد ان "هناك دولا عربية كثيرة تؤيد هذا الموقف بدرجات متفاوتة". كما عبر عن اعتقاده بان "الشارع العربي بالكامل يؤيد هذا الموقف لانه ينبع من عملية انسانية".

وجدد المسؤول القطري انتقاده بشدة لممارسات النظام السوري. وقال ان "ما يجري الان لا يمكن السكوت عنه او غفرانه لانه تعدى كل حدود و ضمير اي انسان لا يتحمل ما حصل".

انشقاق المجلس الوطني السوري

الى ذلك استقال ثلاثة اعضاء بارزين من المجلس الوطني السوري قائلين انهم يئسوا من محاولة جعل جماعة المعارضة السياسية الرئيسية في الخارج لاعبا أكثر فاعلية في الانتفاضة ضد حكم الرئيس بشار الاسد.

والثلاثة هم هيثم المالح -وهو قاض سابق ومعارض منذ فترة طويلة لحكم أسرة الاسد الممتد منذ أربعة عقود- وكمال اللبواني القيادي بالمعارضة وكاثرين التلي محامية حقوق الانسان. وتأتي استقالتهم في وقت تزيد فيه القوى الغربية والعربية الضغوط على المعارضة لتوحيد صفوفها واظهار انها يمكنها قيادة الانتفاضة ضد الاسد.

وقال عضو بالمجلس الوطني السوري طلب عدم الكشف عن اسمه ان 80 عضوا من أعضاء المجلس البالغ عددهم 270 يعتزمون الانشقاق عنه وربما يشكلون جماعة معارضة جديدة ستركز على تسليح مقاتلي المعارضة الذين يقاتلون قوات الحكومة في سوريا.

وقال المالح انه استقال من المجلس لانه يموج بالفوضى وبسبب غياب الوضوح بشأن ما يمكن أن ينجزه حاليا مضيفا ان المجلس لم يحقق تقدما يذكر في العمل على تسليح المعارضين.

وأبلغ رويترز أنه يشعر بخيبة أمل لنقص الشفافية وضعف التنظيم داخل المجلس وهو مجموعة تقودها في الغالب شخصيات معارضة في الخارج تتفاوض مع قوى أجنبية لدعم الانتفاضة. وكان المالح عضوا في المجلس التنفيذي للمجلس الوطني السوري.

وكرر شكاوى نشطاء اخرين من ان المجلس الوطني كان بطيئا للغاية في المطالبة بتسليح المعارضة. غير أن استقالته ربما تكون جزءا من صراع سياسي بين شخصيات بارزة على الادوار القيادية في المعارضة.

وقال المالح انه سمع كثيرا من الشكاوى بشان الشفافية في عمل المجلس الوطني وشعر ان مواصلته العمل خارج المجلس ستكون أكثر فاعلية. وقتل الاف المدنيين في الانتفاضة التي اندلعت منذ نحو عام ضد حكم الاسد ولم تظهر حتى الان قيادة قوية من المعارضة. ويشكل المجلس صوتا دوليا للمعارضة لكن نشطاء داخل سوريا يشكون من ضعف اتصال قيادة المجلس التي يقيم أغلبها في المنفى بالمحتجين على الارض.

وقال اللبواني -وهو ليبرالي شكل جماعة داخل المجلس تحت اسم مجموعة العمل الوطني السوري- ان المجلس الوطني غير قادر على تمثيل تطلعات الشعب السوري في وقت "يرتكب فيه النظام القمعي المزيد من الجرائم." واضاف قائلا "لقد استنفدنا كافة السبل للاصلاح. كل الطرق لتغيير (المجلس الوطني السوري) سدت في وجوهنا."

وقالت التلي -وهي ايضا عضوة بالمجلس التنفيذي للمجلس الوطني- انها قررت الاستقالة حتى لا تتحمل المسؤولية عن اوجه القصور بالمجلس الوطني واخطائه السياسية.

واشار اللبواني -وهو طبيب معارض أفرج عنه في ديسمبر كانون الاول بعد ست سنوات في السجن- ضمنيا الى صراع على السلطة داخل المجلس الوطني رغم انه امتنع عن الادلاء بتفاصيل.

وقال انهم يأملون في الاعداد لمؤتمر لايجاد وسيلة لانشاء مظلة حقيقية وديمقراطية للمعارضة بدلا من احتكار السلطة. ويقول بعض النشطاء والمعارضين المسلحين ان مصير الاموال التي تعهدت بها قوى عربية وغربية للمجلس الوطني غير واضح.

وقال سلام شواف النشط السوري المستقل المقيم في القاهرة ان الناس غاضبون من المجلس التنفيذي وانهم لا يعرفون ما الذي يفعله وكيف ينفق الاموال التي تعطى له وما هو حجم الاموال التي تلقاها.

الجيش يسيطر على ادلب

فيما سيطر الجيش السوري سيطرة كاملة على مدينة ادلب في شمال غرب سوريا، بعد هجوم دفع ما يسمى الجيش السوري الحر الى الانسحاب. وقال نور الدين العبدو من المكتب الاعلامي لمجلس قيادة الثورة في ادلب "توقفت المعارك، الجيش السوري الحر انسحب، والجيش النظامي اقتحم كل المدينة وفتش كل البيوت بيتا بيتا ولا تزال المداهمات مستمرة".

واوضح العبدو ان الجيش السوري الحر "فضل الانسحاب، والجميع يعلم انه لا يستطيع مواجهة الجيش" وقوته النارية. وذكرت صحيفة "الوطن" السورية ان "وحدات الجيش وحفظ النظام والأمن انهت عمليات تمشيط الأحياء الوسطى والشمالية من مدينة إدلب حيث تتركز أغلب المجموعات المسلحة فيها". واضافت ان "معظم المسلحين انسحبوا من هذه الأحياء قبل يوم او يومين من وصول هذه الوحدات، وأن التفتيش تم بشكل هادىء ومن دون أي مقاومة تذكر". ونقلت عن مصدر مسؤول انه "ألقي القبض على عشرات المسلحين والمطلوبين خلال محاولتهم الهروب من المدينة متنكرين باللباس النسائي".

وكانت الصحيفة نفسها ذكرت ان "العملية الأمنية" التي وصفتها ب"النوعية والواسعة" في مدينة ادلب "انتهت في وقت قياسي وأن عمليات مقاومة وحدات الجيش مسألة غير مجدية ولا يمكن أن تحقق بقاء للمسلحين فيها". واشارت الى "تكبيد المجموعات المسلحة خسائر بشرية ومادية كبيرة". وجاءت السيطرة على ادلب بعد دخول حي بابا عمرو في مدينة حمص (وسط) الذي تعرض قبل الاقتحام لحملة عنيفة من القصف على مدى اربعة اسابيع تقريا من قوات النظام.

واشار العبدو الى ان ادلب لم تكن مجهزة كما بابا عمرو الذي تلقى كميات كبيرة من السلاح، لا سيما من شمال لبنان الحدودي مع محافظة حمص. وقال ان عناصر الجيش الحر الذين كانوا في ادلب "كانوا يحاربون بشكل خاص بالاسلحة التي حملوها معهم" لدى انشقاقهم عن الجيش.

اغتيال الملاكم السابق غياث طيفور

على صعيد متصل أكد مصدر سوري رسمي ان بطل الملاكمة السوري الشهير غياث طيفور "اغتيل برصاص مسلحين" في مدينة حلب بشمال البلاد. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن المصدر قوله ان "مجموعة إرهابية استهدفت الملاكم طيفور أثناء مروره بسيارته الخاصة في ساحة جامعة حلب وأطلقت النار عليه ما أدى إلى مقتله فورا نتيجة إصابته بخمس طلقات بالرأس".

وذكرت مواقع الكترونية سورية ان أربعة مسلحين يستقلون سيارة من نوع كيا ريو، توقفت بالقرب من سيارة طيفور عند إشارة المرور في ساحة جامعة حلب، حوالي الساعة العاشرة، وفتحوا النار عليه قبل أن يفروا هاربين.

واضافت المواقع "حاول مواطنون إسعاف المصاب، إلا انه فارق الحياة لاصابته بأربعة عيارات نارية برأسه، وبين تقرير الطبابة الشرعية ان الوفاة ناجمة عن "تهشم عظام الجمجمة وتهتك المادة الدماغية".

وذكرت المواقع ايضا ان "المعارضة المسلحة تبنت عملية اغتيال بطل الملاكمة طيفور"، وقالت صفحات معارضة على الفيسبوك ان عناصر تابعين ل"الجيش الحر" قاموا باغتياله بعد اتهامه بانه "شبيح".

ومحمد غياث طيفور هو بطل ملاكمة سوري، من مواليد حلب عام 1969، رفع علم سوريا في العديد من المحافل الدولية، وهو موظف في مديرية المنشآت الرياضية في حلب، كما أنه عضو في اتحاد الملاكمة السوري ومدرب في نادي شرطة حلب الذي نشأ فيه.

وحصد طيفور 6 ميداليت ذهبية في دورات وبطولات مختلفة عربية ومتوسطية وقارية، اضافة الى 4 فضيات و6 برونزيات، وتأهل الى اولمبياد برشلونة 1992 لكنه لم يشارك لعدم انتهاء جوازات السفر، فيما شارك في بطولة العالم العسكرية (1996)، وبلغ ربع نهائي بطولة العالم في المانيا (1995).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/آذار/2012 - 4/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م