محمد الاكبر بن الحنفية والده امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب
(عليه السلام).
وقد قال رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) لأمير المؤمنين
الامام علي (عليه السلام): «أنه سيولد لك ولد سمه باسمي وكنه بكنيتي»1.
وقال ايضا (صلى الله عليه واله وسلم):ـ «يا علي أما أنك تتزوجها من
بعدي فتلد لك غلاماً فسمه باسمي وكنه بكنيتي»2.
واسم والدته السيدة الجليلة خولة الحنفية بنت جعفر بن قيس بن مسلمة
بن ثعلبة بن يرنوع بن ثعلبة بن الدول بن حنفيّة من قبيلةٍ امتنعت عن
دفع الزكاة إلاّ لمَن بايَعَتْه يوم غدير خُمّ، فحَمَل عليهم خالد بن
الوليد في جيشٍ جهّزه أبو بكر ـ وقد أطلق عليهم « أهل الرِّدّة » ـ
فقتَلَ خالدٌ مُقاتليهم واستباح أموالهم وسبى ذراريهم ـ وهم مسلمون! ـ
وجعل ما حصل عليه فيئاً غنيمةً قسّمه بين أصحابه.وكانت « خولة » من بين
الأُسارى، فأكرمها الإمام عليٌّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالزواج
منها، فوَلدَت له « محمّداً »، وكان لقبها « الحنفيّة »3.
.وعرف اسم السيد ابوالقاسم محمد بابن الحنفية 4.وسمي محمد الاكبر 5.
وزوجته أمّ عون بنت محمّد بن جعفر الطيّار الهاشميّة، ويُقال لها أم
جعفر، وهي تروي عن جدّتها أسماء بنت عُمَيس 6.
اولاده او اعقابه هم إبراهيم، جعفر الأكبر، جعفر الأصغر، الحسن، عبد
الله أبو هاشم، عمر، علي، قاسم. وقيل له اربعة عشر ولد.وعشر بنات 7.
ولادته قيل بعد استشهاد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حوالي 16
للهجرة.8.
لم يُدرك السيد محمّدُ ابن الحنفيّة رسولَ الله (صلّى الله عليه
وآله)، إلاّ أنّه كان متعلّقاً به تعلّقاً شديداً، وقد سمع مِن أبيه
أمير المؤمنين (عليه السّلام) كثيراً عنه، فروى جملةً من الأحاديث
النبويّة الشريفة، ومنها حديث المعراج، وروى الخطيب البغداديّ في كتابه
(الأربعين) مسنداً عن محمّد ابن الحنفيّة، جاء فيه:
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: لمّا عُرِج بي إلى السماء السادسة،
رأيت مَلَكاً نصفُه مِن نار ونصفه مِن ثلج، في جبهته مكتوب: (أيّد
اللهُ محمّداً بعليّ).. وفيه أيضاً: أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله)
قال: أتاني جبرائيل وقد نشر جَناحيه، فإذا فيهما مكتوب: « لا إله إلاّ
الله، محمّدٌ النبيّ »، وكُتب على الآخر: « لا إله إلاّ الله، عليٌّ
الوصيّ »9.
لقد عاش السيد محمد الاكبر جُلَّ عصر أبيه أمير المؤمنين (عليه
السّلام)، وارتوى مِن عذب سيرته، وكان المطيعَ لأمرِ والده وفي خدمته
10.
بعثه أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الكوفة برفقه محمّد بن أبي
بكر.
ولمّا عاد أعطاه أمير المؤمنين عليه السّلام الرايةَ في حرب الجمل
وكان عُمْر ابن الحنفيّة يومذاك عشرين سنة. 11.
وأوصاه قائلاً له: تَزول الجبالُ ولا تَزُل، عَضَّ على ناجذِك،
أعِرِ اللهَ جُمجمتَك، تِدْ في الأرض قدمَك (أي ثَبّتْها)، إرمِ ببصرِك
أقصى القوم، وغُضَّ بصَرَك، واعلمْ أنّ النصر مِن عندِ الله سبحانه 12.
وبعد إعطاء أمير المؤمنين الرايةَ لولده محمّد قال له: يا بُنيّ،
هذه رايةٌ لا تُرَدّ قطّ.. وهي راية رسول الله صلّى الله عليه وآله،
قال محمّد: فأخذتُها والريح تهبّ عليها، فلمّا تمكّنتُ مِن حملها صارت
الريح على طلحة والزبير وأصحاب الجمل، فأردتُ أن أمشيَ بها، فقال أمير
المؤمنين (عليه السّلام): قِفْ يا بُنيَّ حتّى آمرك. ثمّ نادى (عليه
السّلام):
أيّها الناس، لا تقتلوا مُدبِراً، ولا تُجْهِزوا على جريح، ولا
تكشفوا عورة، ولا تَهيجوا امرأة، ولا تُمثّلوا بقتيل.. فبينما هو يوصي
قومَه إذ أظلّهم نَبْلُ القوم، فقُتل رجلٌ من أصحاب أمير المؤمنين
(عليه السّلام)، فلمّا رآه قتيلاً قال: اللّهمّ اشهَدْ. ثمّ قال محمد:
فقال لي أمير المؤمنين (عليه السّلام): رايتك يا بُنيَّ قَدِّمْها..
وتنقل المصادر أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) لمّا دعا بدرعه
ولَبِسَه، حتّى إذا وقع مِن بطنه أمر ابنَه محمّدَ ابن الحنفيّة أن
يحزمها بعمامته، ثمّ انتضى سيفه فهزّه وقد تدرّع بدرع رسول الله (صلّى
الله عليه وآله)13.
كان محمّد ابن الحنفية رضوان الله عليه مع أبيه أمير المؤمنين (سلام
الله عليه)وفي كَنَفه وإلى جنبه، حتّى روي أنّه اشترك في غُسل والده
بعد شهادته (صلوات الله عليه) العدد القوية ص242.
وورث محمد أباه في علمه، وقد دفعا أخواه الحسن والحسين عليهما
السّلام إليه تلك الصحيفة فما استطاع فتحَها، لكنّه علمَ منها شيئاً
فأخبر ابن عبّاس بالأمر 14.
وأوصاه أمير المؤمنين (عليه السّلام) وصيّةً خاصّة بأخوَيه الحسن
والحسين (عليهما السّلام) فقال له: أُوصيك بتوقير أخَوَيك؛ لعِظَم
حقِّهِما عليك، ولا تُوثِقْ أمراً دونَهما (أو تقطع أمراً دونهما).
كما أوصى (عليه السّلام) ولديه الحسنَ والحسين (عليهما السّلام)
بأخيهما محمّد ابن الحنفيّة فقال لهما: أُوصيكما به؛ فإنّه أخوكما وابن
أبيكما، وقد كان أبوكما يُحبّه 15.
وبعد شهادة الامام علي (عليه السّلام) لازم اخيه الامام الحسن (عليه
السّلام) وكان مطيعا مواليا لامام زمانه عاملا بوصايا والده.وعندما قرب
اجل الامام الحسن (عليه السّلام) أرسل إلى أخيه محمّد ابن الحنفيّة،
فجاء من فوره وكان في بستانٍ له، فدخل عليه وجلس عن يساره؛ إذ كان
الإمام الحسين (عليه السّلام) عن يمينه، فقال الإمام الحسن (عليه
السّلام) ـ بعد أن فتح عينيه ـ للحسين (عليه السّلام): يا أخي، أُوصيك
بمحمّدٍ أخيك خيراً؛ فإنه جِلدةُ ما بين العينَين. ثمّ قال: يا محمّد،
وأنا أُوصيك بالحسين، كانِفْه ووازِرْه 16.
وعندما حضره الوفاة قال لأخيه محمّد: يا محمّد بن عليّ، أمَا علمتَ
أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمامٌ مِن
بعدي... يا أخي، إنّ هذه آخر ثلاث مرّاتٍ سُقيتُ السمّ ولم أُسقَه
مِثْلَ مرّتي هذه، وأنا ميّتٌ مِن يومي 17.
استُشهد أخوه الحسن المجتبى (عليه السّلام) تأثّر تأثّراً شديداً
ورثاه، وكان ممّا رثاه به قوله:
سـأبكـيك مـا ناحَتْ حمـامـةُ أيكـةٍ..وما آخضَرّ في دَوحِ الحجازِ
قضيبُ 18.
ثمّ شارك أخاه الإمام الحسين (عليه السّلام) في إدخال الحسن المجتبى
(عليه السّلام) في قبره 19.
ووقف على شفير القبر وقد خنقته العَبرة فقال:
رَحِمَك اللهُ يا أبا محمّد، فلئن عَزَّتْ حياتُك، فلقد هَدَّتْ
وفاتُك، ولَنِعمَ الروحُ روحٌ ضمّه بدنُك، ولَنِعمَ البدنُ بدنٌ ضمّه
كفَنُك.. وكيف لا يكون ذلك وأنت بقيّةُ وُلْد الأنبياء، وسليلُ الهدى
وخامسُ أصحاب الكساء، وغَذَتْك أكُفُّ الحقّ ورُبّيتَ في حِجْر
الإسلام، فطِبْت حيّاً وطِبْتَ ميّتاً، وإنْ كانت أنفسُنا غيرَ طيّبةٍ
بفراقك..20.
وعايش أخاه الإمامَ الحسين (عليه السّلام) أخاً وإماماً في جميع ما
جرى بعد الإمام الحسن (عليه السّلام)، وكان يقول: إنّ الحسين أعلَمُنا
عِلماً، وأثقَلُنا حِلْماً، وأقرَبُنا مِن رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) رَحِماً، وكان إماماً فقيهاً 21.
وبقيَ محمّد ابن الحنفيّة يترقّب الوقائع وقد طغى بنو أُميّة ولم
يكن ليتحرّك إلاّ بأمر إمامه الحسين (سلام الله عليه).. قال ابن سعد:
في عهد الحسين (عليه السّلام)، كان أهلُ الكوفة يكتبون إلى الإمام
الحسين (عليه السّلام) يَدْعُونه إلى الخروج إليهم في زمن معاوية، فكان
يأبى ذلك، فقَدِم منهم قومٌ إلى محمّد ابن الحنفيّة يطلبون منه أن يخرج
معهم، فأبى وجاء إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) يُخبره بما عرضوا
عليه، فأجابه: إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا منّا، ويُشيطوا دماءنا
22.
الحسرة تعيش في قلب محمّد ابن الحنفيّة أنّه لم يَرحَلْ إلى كربلاء
فيواسي أخاه الحسين ويُقتَل بين يديه.. يقول الشيخ المفيد: عدم حضوره
في مشهد الطفّ: إمّا لأنّ الحسين (عليه السّلام) أذِن له بالبقاء ليكون
عَيناً له، كما ورد ذلك في المقتل لمحمّد ابن أبي طالب الحائريّ، أو
للمرض كما يراه العلاّمة الحلّي. واعترافه بإمامة السجّاد عليّ بن
الحسين (عليه السّلام) يَدُلّ على حُسن رأيه، ومعذوريّتِه في
التأخّر23. تذكر لنا المصادر التاريخية سببين في عدم اشتراكه مع الامام
الحسين (عليه السلام) في كربلاء هما:ـ
1.المرض في يده 24.
قال العلامة الحلي في أجوبة المسائل المهنائية: نقل أنه كان
مريضاً25.
وقال ابن نما: أصابته قروح من عين نظرت إليه، فلم يتمكن من الخروج
مع الحسين (عليه السّلام)26.
2.التكليف الشرعي الذي كلفه به الامام الحسين (عليه السلام) ان يكون
عينا له في المدينة.
إن الإمام الحسين (عليه السّلام) أمره بأن يبقى في المدينة ليكون له
عيناً، ويخبره بكل ما يكون منهم، حيث قال له: وأما أنت فلا عليك أن
تقيم بالمدينة، فتكون لي عيناً عليهم، لا تخفي عني شيئاً من أمورهم 27.
وصيّة الامام الحسين (عليه السّلام) إلى محمّد بن الحنفيّة
وحين عَزَم (عليه السّلام)علي الخروج منالمدينة المنوّرة
إلي مكّة المكرّمة، فكتب وصيّةً وطواها وختمها بخاتمه ودفعها إلي
أخيه محمّد بن الحنفيّة، ثمّ ودّعه وسار في جوف الليل بجميع
أهل بيته إلي مكّة ليلة الثالث من شعبان لسنة ستّين هجريّة
؛ وتلك الوصيّة هي:بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ ؛ هَذَا مَا
أَوْصَي بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِيطَالِبٍ إلَي
أَخِيهِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ:
إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ
اللَهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ؛ وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّي
اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ
عِنْدِ الْحَقِّ. وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ؛) وَأَنَّ
السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَهَ يَبْعَثُ مَن
فِي الْقُبُورِ).
إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً وَلاَ مُفْسِداً
وَلاَظَالِماً؛ وَإنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَحِ فِي أُمَّةِ
جَدِّي مُحَمَّدٍ (صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)؛ أُرِيدُ أَنْ
آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَي عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ وَأَسِيرَ
بِسِيرَةِ جَدِّي وَسِيرَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
(عليه السّلام).
فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ، فَاللَهُ أَوْلَي
بِالْحَقِّ ؛ وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا، أَصْبِرُ حَتَّي يَقْضِيَ
اللَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ ؛ وَهُوَ خَيْرُ
الْحَـ''كِمِينَ).
وَهَذِهِ وَصِيَّتِي إلَيْكَ يَا أَخِي ؛وَمَا تَوْفِيقِي´ إلاَّ
بِاللَهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ؛ وَالسَّلامُ
عَلَيْكَ وَعَلَي مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَي ؛ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ
قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ 28.
وبعد شهادة الإمام الحسين (عليه السّلام).. انفجَرَت كثيرٌ من
الثورات في وجه بني أميّة وطواغيتها، وكان المظنون أنّ من كان وراءها
والمحرّك لها هو محمّد ابن الحنفيّة، ولكنّه لم يكن ليُقْدِم على أمرٍ
أو يُرخِّص لأحدٍ بالنهوض والثورة إلاّ بموافقة إمام زمانه السجّاد
عليّ بن الحسين (صلوات الله عليه) الذي قال له: يا عَمِّ، لو أنّ عبداً
زنجيّاً تعصّب لنا ـ أهلَ البيت ـ لَوجَبَ على الناس مؤازرتُه، وقد
وَلَّيتُك هذا الأمر فاصنَعْ ما شئت 29.
وكان السيد محمد الاكبر الموجه والقائد للثوار ضدَّ بني أميّة،
فكانت جماعات المختار تلتقي به.وهو يبين لهم راي الامام المعصوم السجاد
(عليه السّلام).ويناصرهم في وجه قَتَلة أهل البيت صلوات الله عليهم.
كان ملازماً للإمام السجّاد (عليه السّلام) معتقداً بإمامته، تابعاً
لوصاياه وأوامره، ماضياً في طاعته، بل وكان واضح التبرّي مِن مخالفي
أهل البيت وأعداءِ أئمّة الهدى (عليهم السّلام) وكان يلعنهم
ويفضحهم.30.
أنّ محمّد ابن الحنفيّة كان أحدَ أبطال الإسلام 31.و كان أحدَ رجال
الدهر في العلم والزهد والعبادة والشجاعة 32.
كان له نصيبٌ من الشجاعة. وذكر ابنُ خلّكان أنّه كان ورعاً واسِع
العلم 33.ويقول الشيخ المفيد: لا بِدْعَ في ابن حيدرةَ إذا كانت له
مواقف محمودة في الجَمل وصفّين والنهروان، وكانت الراية معه، فأبلى
بلاءً حسَناً سجّله له التاريخ وشكره له الإسلام. وخطبتُه التي ارتجلها
يوم صفّين في مدح أبيه عليه السّلام، وهو واقف بين الصفَّين، تشهد له
بالفصاحة والبلاغة على أتمّ معانيها، فهو جليل القدر عظيم المنزلة. 34
وكان من رواة الحديث عن الرسولُ (صلّى الله عليه وآله). ومن رواياته
شيء من أحداث يوم فتح مكّة 35. كان من أفاضل أهل البيت (عليهم
السّلام). وروى عن أبيه (عليه السّلام)وحدث عنه بنوه 36..وكان مستودعاً
لعلم الإمامة، حتّى سَلّم الإمامة (أي أقرّ بها) إلى أهلها.. 37. وتتضح
معرفته وطاعته الى امام زمانه من خلال خطبته جوابا على وصية الامام
الحسن (عليه السّلام)اليه عندما قال له (عليه السّلام)): «يا محمد بن
علي لا أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين، فقال تعالى:
(كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) 38.
ولم يجعل للشيطان عليك سلطاناً.
يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟
قال: بلى.
فقال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدنيا
والآخرة فليبرّ محمداً.
يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة
روحي جسمي إمام من بعدي عند الله في الكتاب الماضي ووراثة النبي (صلى
الله عليه وآله) أصابها في وراثة أبيه وأمه علم الله أنكم خير خلقه،
فاصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) علياً، واختارني علي للإمامة، واخترت
أنا الحسين.
فقال له محمد بن علي: أنت إمامي، وأنت وسيلتي إلى محمد، والله لوددت
أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وأن في نفسي كلاماً لا
تنزفه الدلاء ولا تغيره الرياح كالكتاب المعجم في الرق المنمم أهم
بإبدائه، فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل، وإنه
لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله
المحسنين ولا قوة إلا بالله. إن الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً،
وأقربنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحماً، كان إماماً فقيهاً
قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أن أحداً خير منا
ما اصطفى محمداً، فلما اختار الله محمداً، واختار محمد علياً، واختارك
عليّ، واخترت الحسين بعدك، سلمنا ورضينا بمن هو الرضا وبه نسلم
المشكلات. 39.
روي عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام)يقول: كان أبو
خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهراً، حتى أتاه ذات يوم فقال له:
جعلت فداك إن لي حرمة ومودّة وانقطاعاً، فأسألك بحرمة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) إلا أخبرتني أنت الإمام
الذي فرض الله طاعته على خلقه؟ قال: فقال: يا أبا خالد حلفتني بالعظيم،
الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام)عليّ وعليك وعلى كل مسلم40.
وفاته أيام خلافة عبد الملك بن مروان (1 محرّم عام 81 ﻫجري)
41..وكان (عمره 65عام) 42.وقيل ان (وفاته عام 67هجري) 43. وقيل:((سنة
87 هجريّة))44.
حضر الإمام محمّد الباقر (عليه السّلام) واقعة رحيل عمّه ابن
الحنفيّة، فيما رواه حيّان السرّاج عن الإمام الصادق (عليه
السّلام)عندما دخل عليه، فقال (عليه السّلام) له: يا حيّان، ما يقول
أصحابك في محمّد ابن الحنفيّة ؟ قال: يقولون: إنّه حيٌّ يُرزَق! فقال
عليه السّلام: حدّثني أبي (عليه السّلام)أنّه كان فيمَن دعاه في مرضه،
وفيمَن غمّضه، وأدخَلَه حفرته.. وقسّم ميراثَه 45.
ومكان دفنه يختلف فيه المؤرخين فقالوا:ـ مقبرة البقيع،وقيل بين مكّة
والمدينة. واشهر الاقوال مكان دفنه في الطائف 46.و ويذكر في معجم
البلدان: أن أهل جزيرة خارك التي هي في وسط البحر الفارسي يزعمون أن
بها قبر محمد بن الحنفية يقول الحموي: وقد زرت هذا القبر فيها، ولكن
التواريخ لم تثبته 47.
فالسلام على العالم العابد الطاهر السيد ابو القاسم محمد الاكبر ابن
امير المؤمنين (عليه السلام) ورحمة الله وبركاته.
..............................
المصادر والهوامش
1. المجدي: ص196، وتذكرة الخواص: ص292، صفوة الصفوة:
ج2 ص77.
2. أعيان الشيعة: المجلد السادس ص360..
3. الاستغاثة لابي القاسم الكوفي ج1ص5 مسالتان في
النص على علي (عليه السلام)للشيخ المفيد ص15
4. معجم رجال الحديث 17/54، أعيان الشيعة 9/435.
5. كتاب تنوير الأمة بأولاد الأئمة (عليهم السلام)
لمؤلفه الخطيب الشيخ علي حيدر المؤيد.
6. البداية والنهاية لابن كثير ج9ص39.وتذكرة خواص
الامة 169.ولوامع الحقائق للاشتياني الميرزا احمد ص 257.
7. راجع عمدة الطالب لابن عتبة: ص390.و سرّ السلسلة
العلوية: ص87 ـ86..و عمدة الطالب: ص392ـ393 ـ390.و أنساب الأشراف
للبلاذري: ج2 ص465.
8. البداية لابن كثير: ج9 ص38، وتذكرة الخواص: ص299،
ودول الإسلام للذهبي: ص48.
9. نهج الايمان لزين الدين علي بن يوسف بن جبر ص632.
10. الاحتجاج للطبرسي ج2 ص 267.
11. تذكرة خواص الامة 169والبداية والنهاية ج9ص38.
12. نهج البلاغة خطبة 14.
13. واقعة الجمل ص191.
14. شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج7ص149.
15. ملحقات احقاق الحق للسيد شهاب الدين المرعشي
ج18ص41.
16. الاخبار الطوال للدينوري ص221.
17. احقاق الحق ج32ص 536.
18. مروج الذهب للمسعودي ج2ص429.
19. العقد الفريد لابن عبد ربه ج2ص9.
20. احقاق الحق ج26ص 602.
21. بحار الانوار ج1ص 140.
22. الطبقات الكبرى ابن سعد ترجمة الامام الحسين
(عليه السلام) ص53.
23. واقعة الجمل للشيخ المفيد ص 179.
24. راجع الكامل في الأدب لأبي العباس المبرد ج3
ص266 والوافي بالوفيات للصفدي ج4 ص76 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله
للبري ص59 والدر النظيم ص439 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه
السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص130 وربيع الأبرار ج3
ص325.وراجع زهر الربيع (ط دار العماد) ص489..
25. أجوبة المسائل المنهائية ص38 بحار الأنوار ج42
ص110 والأنوار العلوية ص438.
26. أخذ الثأر لابن نما ص81.
27. الفتوح لابن أعثم ج5 ص32 وبحار الأنوار ج44 ص329
والعوالم (الإمام الحسين (عليه السّلام)) للشيخ عبد الله البحراني
ص178.
28. أورد المحدّث القمّيّ هذه الوصيّة في «نفس
المهموم» ص 45، عن العلاّمة المجلسيّ في «بحار الانوار» عن محمّد
بن أبيطالب الموسويّ ؛ وأوردها كذلك في «ملحقات إحقاق الحقّ» ج
11، ص 602، عن الخوارزميّ في كتاب «مقتل الحسين» ج 1، ص 188
طبع النجف. وجاء في «مناقب ابن شهرآشوب» ج 2، ص 208، الطبعة
الحجريّة، أنّ هذه الجملات (إنّي لَم أخرُج إلي الحاكِمين)
قالها الإمام (عليه السّلام) في جوابه لعبدالله بن عبّاس.
29. بحار الانوار ج45 ص365.
30. الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم للنباطي
البياضي ج3ص58.والاستيعاب لابن عبد البر ج2ص458.
31. الطبقات الكبرى ج5ص 66.
32. أخبار السيد الحِمْيرَيّ للمرزبانيّ ص 164
33. وفيات الاعيان ج1 ص 449.
34. الشيخ المفيد في (وقعة الجمل 179)
35. وقعة صفين للصنفري ص216.
36. طبقات ابن سعد: ج5 ص91، وحلية الأولياء: ج3
ص174، تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص1 وص88، وشذرات الذهب: ج1 ص88، سير
أعلام النبلاء: ج4 ص110، تهذيب التهذيب: ج9 ص354، رجال الكشي: ص87.
37. الشهرستانيّ في (الملل والنِّحل 133:1)
38. البقرة: الآية 109.
39. إعلام الورى: ج1 ص422.
40.. رجال الكشي: ص79 و80، ومناقب ابن شهر آشوب: ج2
ص249.
41. وفيات الاعيان لابن خلكان ج2ص449.
42. البداية والنهاية لابن كثير ج9ص38 وتذكرة خواص
الامة لسبط بن الجوزي 169.
43. اخبار السيد الحميري للمرزباني ص 164.
44. كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق 36.
45. كمال الدين للشيخ الصدوق ص 36.
46. المعارف لابن قتيبة: ص95.
47. معجم البلدان: ج3 ص387. |