تاريخيات: سلالات جديدة من البشر ونهاية الانسان البدائي

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تظهر الاكتشافات التاريخية الحديثة والمتواصلة الكثير من خفايا الزمن الماضي وتزيد من معرفة الانسان بغابر الايام والسنون، كما تعتبر فرصة مؤاتيه للعلماء والمختصين من اجل البحث والتقصي لكشف المزيد من الحقائق النادرة والاسرار المخفية والتي فتحت امامهم افاقاً مهمة من المعرفة عن حضارات انسانية سالفة قد شهد البعض منها تطوراً حضارياً كبير ما زال يجعل الباحثين في حيرة من امرهم حتى الوقت الحاضر.

وتقوم اغلب العلوم التاريخية على الفرضيات التي ترفدها الاكتشافات العلمية وتعزز من صحتها او خطئه، اضافة الى العديد من المدارس والاتجاهات التي تدعم طرقاً معينة في البحث والتقصي.

كما لا يخفى ما للتطور العلمي الكبير واستخدام التقنيات الحديثة، من دور كبير ساعد على تحقيق فتوحات تاريخية مهمة، خصوصاً وان التحليلات المختبرية الحديثة قد مكنت العلماء من تقليل هامش الخطاء الى نسب مذهلة مما اعطى المزيد من الدقة والمصداقية لفرضياتهم.            

ملك فرعوني جديد

فقد أعلنت وزارة شؤون الاثار بمصر اكتشاف اسم فرعون لم يكن معروفا من قبل وينتمي الى الاسرة السابعة عشرة التي مهدت للحكم الوطني بعد احتلال دام أكثر من 200 عام وكان جد "أول شهيد" يقع في حرب تحرير البلاد من الهكسوس الغزاة، وقال وزير شؤون الاثار محمد ابراهيم في بيان ان بعثة المركز المصري الفرنسي لدراسة وترميم معابد الكرنك في الاقصر على بعد نحو690  كيلومترا جنوبي القاهرة اكتشفت داخل الكرنك بابا من الحجر الجيري يرجع الى الاسرة السابعة عشرة (نحو 1650-1567 قبل الميلاد) عليه اسم الملك، وأضاف أن الباب الذي يحمل كتابات غائرة باللغة الهيروغليفية عليه اسم ملك من ملوك هذه الاسرة "يظهر اسمه للمرة الاولى في التاريخ المصري القديم وهو سن نخت ان رع"، وتابع "هذا الباب هو أول اكتشاف يعود الى هذا الملك"، وقال مسؤول الاثار في الاقصر منصور بريك لرويترز في اتصال هاتفي ان الملك سن نخت ان رع ذكر اسمه مرتين بشكل عابر بعد ذلك بقرون في عصر الاسرة التاسعة عشرة (نحو 1320-1200 قبل الميلاد) ولكن الاثريين لم يعثروا على أي أثر في مصر يحمل اسمه ولهذا لم يعرفوا ترتيبه ضمن الملوك، وأضاف أن هذا الملك "هو جد أول شهيد مصري، جد الملك سقنن رع الذي قتل خلال حربه مع الهكسوس نتيجة ضربة فأس على رأسه وتوجد مومياؤه في المتحف المصري (بالقاهرة) لذا نطلق عليه اسم أول شهيد مصري"، وسقنن رع هو والد الاخوين كامس وأحمس الذي حمل لقب طارد الهكسوس ومؤسس الاسرة الثامنة عشرة التي كانت بداية لما يسميه المؤرخون والاثريون بعصر الامبراطورية المصرية (نحو 1567- 1085 قبل الميلاد(، وقال بريك ان "الاسم الحوري لهذا الملك هو أحمس" وان أحمس طارد الهكسوس حمل اسم جد أبيه، وتابع "العثور على اسم هذا الملك يكشف جوانب من الصراع بين الهكسوس في الشمال وطيبة (الاقصر) في الجنوب" والذي انتهى باستقلال البلاد. بحسب رويترز.

تاريخ يسجله موظف

الى ذلك سجل المؤرخ القبطي ساويرس ابن المقفع الذي عاش في القرن العاشر الميلادي كيف تعامل المسلمون والمسيحيون في مصر منذ القرن السابع الميلادي حيث لم يكن تولي المسيحيين مناصب عليا في ادارة الدولة أمرا مستغرب، ويرصد في لغة عربية تمتاز بخفة الظل مقارنات بين قسوة الاحتلال الروماني المسيحي للبلاد وبين تعامل المسلمين مع المسيحيين حيث كان هرقل "يبلي أهل مصر بلايا صعبة وكمثل الديب الخاطف كان يأكل القطيع الناطق ولا يشبع" وفي ذلك الوقت كان البطريرك بنيامين هاربا ومطارد، ويضيف أن رجلا من العرب "ثار، اسمه محمد، فرد عباد الاوثان الى معرفة الله وحده وأن يقولوا ان محمد رسوله" وأنه بعد دخول العرب الى مصر تعاون موظف بيزنطي اسمه سانوتيوس مع عمرو بن العاص وأخبره بسبب اختفاء "الاب المجاهد بنيامين البطرك وأنه هارب من الروم خوفا منهم فكتب عمرو بن العاص الى أعمال مصر كتابا يقول فيه، "الموضع الذي فيه بنيامين بطرك النصارى القبط له العهد والامان والسلامة من الله فليحضر امنا مطمئنا ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته، فلما سمع القديس بنيامين هذا عاد الى الاسكندرية بفرح عظيم بعد غيبة 13 سنة منها عشر سنين لهرقل الرومي الكافر وثلاث سنين قبل ان يفتح المسلمون اسكندرية" مقر الكنيسة المرقسية الارثوذكسية الى الان. بحسب رويترز.

ويسجل ساويرس أن القديس بنيامين قابل ابن العاص ثم "جلس هذا الاب الروحاني بنيامين البطرك في شعبه دفعة أخرى بنعمة المسيح ورحمته. فرحت به كورة مصر كلها وجذب اليه أكثر الناس الذين أضلهم هرقل الملك المخالف وكان يجذبهم للرجوع الى الامانة المستقيمة بسكينة ووعظ وملاطفة وتعزية"، ومخطوطة (تاريخ البطاركة) لساويرس ابن المقفع أعدها وعلق عليها الكاتب المصري عبد العزيز جمال الدين في كتاب موسوعي عنوانه (تاريخ مصر) سجل فيه أن ساويرس "لم يوجد في عصره من يضاهيه في معرفة الكتاب المقدس" وأنه كان يهدف من تسجيل سير البطاركة الى تمجيد الدين المسيحي والاشادة بالمذهب الارثوذكسي أو "الامانة المستقيمة" وأنه كان يمزج أحيانا بين الدين والتاريخ وكرامات بعض البطاركة.

والكتاب الذي نشرته الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر يقع في عشرة أجزاء تضم نحو ستة الاف صفحة كبيرة القطع تحت عنوان فرعي هو "من بدايات القرن الاول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع"، وقال جمال الدين ان مخطوطة (تاريخ البطاركة) لابن المقفع تعد أكبر المخطوطات من حيث الفترة التاريخية التي تغطيها ولكن معظم مؤرخي مصر يتجاهلونها لاسباب منها الظن بأنها تخص تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية وليس التاريخ المصري، وأوضح أن كاتب المخطوطة ولد عام 915 ميلادية من أب لقب بالمقفع على غرار عبد الله بن المقفع مترجم كتاب (كليلة ودمنة) وقال ان ساويرس كان كاتبا بارزا في الجهاز الاداري للدولة وترقى لاعلى المناصب في عهد المعز لدين الله الفاطمي ثم تخلى عن وظيفته ليترهبن في أحد الاديرة وأنه في ظل الرهبنة أتقن علوم الكتاب المقدس وألف فيها كتبا بالعربية منها (الدر الثمين في ايضاح الاعتقاد في الدين) وأنه كان يترجم من اللغة القبطية الى العربية.

وأضاف أن ساويرس سجل تسامح الخلفاء الفاطميين اذ "أصبح جميع مقدمي المملكة والناظرين في دواوينها وتدبير أمورها كلهم نصارى" حيث شغل المسيحيون كثيرا من الوظائف المالية والادارية العليا وازداد نفوذهم في ظل السلطة الاسلامية، وقال ان بعضهم أصبحوا وزراء "بسبب عدم كفاءة الجهاز الاداري الاسلامي وحاجته الى خبرات غير المسلمين في ادارته، وكان هذا يؤدي في بعض الاحيان الى احتجاج فقهاء الدين"، ويسجل ساويرس أن الرب "أعطاه نعمة وقوة في اللسان العربي" حتى انه جادل قضاة من المسلمين بأمر من المعز لدين الله الفاطمي "فغلبهم بقوة الله ونعمته"، ويسجل أيضا ما يمكن اعتباره شهادة في حق المصريين حيث كان المعز لدين الله الفاطمي "كلما أراد أن يعمل شيئا كعادته في الغرب يمنعه منه جوهر )الصقلي قائد الجيش الذي دخل مصر) بلطف وسياسة ويقول ان أهل مصر قوم فيهم مكر وفطنة لا يخفى عنهم شيء فكأنهم يعلمون الغيب.

انقراض الإنسان البدائي

بدورها تقول دراسة حديثة إن الإنسان البدائي كان موجودا بالفعل وأوشك على الإنقراض في أوروبا قبل أن يظهر الإنسان المعاصر في المشهد، ويشير تحليل الحامض النووي (دي إن إيه) إلى أن معظم البشر البدائيين في أوروبا الغربية قد انقرضوا منذ نحو 50 ألف عام مضت، أي قبل أن يظهر الإنسان المعاصر بآلاف السنين، وحينها أقامت مجموعة صغيرة من هذا النوع من البشر في أجزاء مختلفة من أوروبا، وقد عاش هؤلاء لمدة عشر آلاف عام قبل أن ينقرضو، وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة علوم الأحياء الجزيئية والتطور، وقام فريق دولي من الباحثين بدراسة التعدد والتنوع في الحمض النووي من نوع ميتوكوندريا والمستخرج من عظام 13 إنسان بدائي، ويتم انتقال هذا النوع من البيانات الجينية إلى السلالة التي تليه عن طريق الأم، لأن الخلايا تحتوي على نسخ متعددة من جينوم الميتوكوندريا، وهذا النوع من الحمض النووي أسهل في استخراجه من البقايا القديمة من استخراجه من الحمض النووي الموجود في نواة الخلاي، وتم جمع العينات الحفرية من أوروبا وآسيا، وتعددت الفترة الزمنية بينها من نحو 100 ألف سنة مضت إلى 35 ألف سنة تقريب، ووجد العلماء أن الحفريات التي تم جمعها من غرب أوروبا والتي ترجع أعمارها إلى فترات أقدم من 48 ألف سنة، وكذلك الحفريات من الإنسان البدائي التي جمعت من آسيا، قد أظهرت جميعها اختلافا جينيا كبيرا. بحسب بي بي سي.

لكن العينات التي جمعت من أوروبا الغربية من حفريات تقل أعمارها عن 48 ألف سنة قد أظهرت تنوعا جينيا أقل بكثير، حيث انخفض التنوع بنحو ستة أضعاف مقارنة بالعينات الأقدم عمرا، والعينات التي جمعت للإنسان البدائي من قارة أسي، وافترض العلماء في دراستهم أن بعض الأحداث، والتي قد تكون التغييرات في المناخ، قد تسببت في القضاء على الإنسان البدائي في الغرب منذ نحو 50 ألف سنة، لكن بعض السكان من هؤلاء البشر البدائيين ربما يكونوا قد نجوا في ملاجئ أكثر دفئا في المناطق الجنوبية، وهو ما سمح لهم بإعادة الانتشار مرة أخرى في وقت لاحق، ويمكن للتنوع الجيني الأقل أن يجعل بعض الأنواع البشرية أقل قدرة على مواكبة التغيرات في بيئتها، ويزيد من مخاطر انقراضه، وقال كاتب الدراسة الرئيسي لوف دالين من المتحف السويدي للتاريخ الطبيعي في استوكهولم، " كان مفاجئا أن نكتشف أن الإنسان البدائي في أوروبا كان قد أوشك على الانقراض، ثم عاد لينتشر مرة أخرى، وأن كل هذا قد جرى قبل أن يتصل بالانسان المعاصر"، وأضاف دالين: "هذا يدل على أن الإنسان البدائي ربما كان أكثر حساسية للتغيرات المناخية الجذرية التي حدثت في العصر الجليدي الأخير مما كان يعتقد سابقا"، وكان الإنسان البدائي قريبا من الإنسان المعاصر من ناحية التطور، كأبناء عمومة، وقد أقام في بعض الأوقات في أوروبا والشرق الأوسط وأسيا الوسطى، وتبقى أسباب زوال هذه الأنواع موضوعا للنقاش.

ويقدم لنا ظهور الإنسان الحديث في أوروبا في وقت قريب من انقراض الإنسان البدائي أدلة كافية لمعرفة السياق الذي قام فيه "الإنسان العاقل" بلعب دور في الحياة، ولكن ربما كانت التغيرات في المناخ وغيرها من العوامل الأخرى قد ساهمت بشكل مهم في هذا الأمر، وقال أندريز غوثرستورم من جامعة أبسالا وهو أحد المشاركين في كتابة الدراسة، "إن حجم التنوع الجيني في البشر البدائيين الأقدم جيولوجيا،ً وكذلك في الإنسان البدائي الأسيوي، كان كبيرا كما هو في الإنسان المعاصر"، وأضاف: "ولم يكن التنوع بين البشر البدائيين في أوروبا في وقت لاحق عاليا كما كان في الإنسان المعاصر في أيسلندا"، وقد لاحظ الباحثون أن فقد التنوع الجيني في البشر البدائيين في أوروبا الغربية تزامن مع فترة مناخية كانت تعرف باسم "مرحلة مارين أيسوتوب الثالثة" والتي كانت تتميز بفترات عديدة وقصيرة من درجات الحرارة التي تبلغ درجة التجمد، ويعتقد أن هذه الفترات الباردة قد حدثت بسبب وجود اضطرابات في تيارات المحيط في الشمال الأطلسي، ومن الممكن أن تكون قد أثرت بشكل قوى على البيئة في أوروبا الغربية، وذلك وفقا لملاحظات الباحثين، وعلى مدى العقود القليلة الماضية، أظهرت الأبحاث أن الإنسان البدائي لا يستحق السمعة الوحشية التي ألصقت به، وقد أعلن الباحثون مؤخرا أن رسومات خاصة على شكل أختام قد وجدت في الكهوف في مدينة نيرجا بجنوب إسبانيا، والتي قد تعود إلى 42 ألف عام خلا، وأن هذه الرسومات ربما تكون هي الفن الوحيد المعروف الذي صنعه الإنسان البدائي، إلا أن هذا التفسير أيضا لا يزال موضع خلاف.

أقدم حيوان على وجه الأرض

فيما اكتُشف أقدم حيوان بهيكل عظمي على وجه الأرض في أستراليا، وهو مخلوق شكله يشبه الكشتبان وقد عاش في قاع البحر قبل أكثر من نصف مليار سنة، وذكر موقع "لايف ساينس" العلمي الأميركي أن مئات الأحافير لهذا الحيوان المسمى (Coronacollina acula) اكتشفت في أحجار رملية جنوب أستراليا، ما يظهر أن المنطقة كانت في يوم من الأيام مياه ضحلة، وقالت العالمة بالحرفيات إريكا كلايتس من أريزونا إن "Coronacollina هو مثال على أحد أقدم الحيوانات على وجه الأرض"، ويبلغ طول الحيوان المكتشف 1.5 سنتيمترات وعرضه قرابة 2.2 سنتيمترات، وتعتلي جسمه 4 "شوكات" على الأقل، طول كل منها 73 سنتيمتراً، يشتبه الباحثون أنه كان يتستخدمها كهيكل عظمي يدعم الجسم، وقال العلماء إن الحيوان المكتشف كان على الأرجح غير قادر على التحرك، وهو بالتالي كان يأكل كما الإسفنج، عبر تصفية الطعام من المياه، وأشاروا إلى أن عمره يقدّر بين 550 مليون عام إلى 560 مليوناً، وقالوا إن هذه النتائج تسلط الضوء على تطور الحياة الأولى على وجه الأرض. بحسب يونايتد برس.

سلالة جديدة من البشر

في سياق متصل كشفت أحفورات بشرية وجدت في كهوف بجنوب غرب الصين عن سلالة جديدة من البشر لم تعرف سابقاً تعود للعصر الحجري، وقال فريق بحث مؤلف من علماء صينيين وأستراليين إن الأحافير تظهر سلالة جديدة تعتبر مزيجاً من المخلوقات البدائية والعصرية، وعثر العلماء الصينيون على بقايا 3 أشخاص على الأقل في كهف "رد دير" بالقرب من مدينة منغزي في إقليم يونان في العام 1989، وبقيت الأحفورات من دون أن تخضع للدراسة، حتى العام 2008 حين بدأ 6 علماء صينيون و5 أستراليون دراسته، وتردد العلماء في تصنيف الأحفورات بسبب مزيجها غير العادي، وقالت الباحثة دارين كورنو من جامعة "نيو ساوث ويلز" التي ينتمي لها الباحثون الأستراليون إن "هذه الأحفورات الجديدة قد تكون عائدة لنوع غير معروف سابقاً، عاش إلى نهاية العصر الجليدي قبل قرابة11 ألف عام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آذار/2012 - 28/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م