أبو زكي الأديب

لطيف القصاب

نتيجة الإحساس المتزايد بالشيخوخة المبكرة قرر سليم أن يستقتل حتى النفس الأخير  لأجل الحصول على راتب حكومي يحفظ له ماء وجهه بين أفراد عائلته في آخر أيام حياته وبعد مماته أيضا. إذ لا يختلف عراقيان على حقيقة أن الوظيفة الحكومية اشرف وأكرم ألف مرة من العمل تحت رحمة عراقي لاسيما إذا كان هذا العراقي حديث عهد بالثراء والنعمة ولا يقيم وزنا لمشاعر العاملين لديه.

وعلى هذا الأساس فقد أنجز سليم  99% من إجراءات التعيين بشق الأنفس ولم يتبق أمامه إلا جلب التزكية وتتمثل في شخص معروف لدى مكتب أحد الأحزاب السياسية النافذة ويُدعى أبو زكي، على سليم  أن يعثر عليه بأسرع وقت ممكن ليقنعه بتزكيته حزبيا.

لم يكن أمر العثور على أبي زكي صعب المنال فلقد تبين لسليم أن أبا زكي هذا هو محسن الجايجي صديقه الذي ارتبط معه بقصص في أيام الصبا والشباب خاصة عندما عملا سوية في مقهى واحد وطُردا منه شر طردة بسبب شجار مع صاحب المقهى الذي اعتبرهما مجرد معدان غرباء لا يستحقان العمل في مقهى داخل الولاية المقدسة.

عندما اكتشف سليم أن أبا زكي هو محسن بشحمه ولحمه حقا لم يتمالك نفسه من الفرحة. وفي ذروة السرور الغامر هتف سليم بصاحبه يالطيف الألطاف فرد عليه أبو زكي على الفور يالطيف الألطاف هاي انت.. وينك يمعود.. وينك يابه سلومي.

ولكن بعد ساعة تقريبا من الحديث وسرد ذكريات الماضي اكتشف سليم أن صاحبه قد تبدل تماما ولم يتبق منه سوى العبارة التي كان وما يزال يرددها بمناسبة ومن دون مناسبة وهي قوله يالطيف الألطاف. لكن هذا الاكتشاف لم يُثن سليم من أن يصرح لصاحبه القديم بأمله الأخير في هذه الحياة الفانية وهو أن يقضي أيامه الأخيرة موظفا حكوميا، وأن تنفيذ هذا الحلم متوقف فقط على تزكية من أبي زكي. لم ينبس أبو زكي بكلمة واحدة لكنه دس بيد صاحبه كارتا تعريفيا ملونا مكتوبا على وجهه الأول : أبو زكي الأديب وعلى الوجه المقابل ثلاثة أرقام هواتف خلوية.

ومنذ ذلك التاريخ وسليم  يحاول الاتصال بابي زكي من غير جدوى. لم يجب أبو زكي على مكالمات سليم التي جاوزت العشرات ولا على رسائله التي بدأها بالقول: يالطيف الألطاف استدرارا لعطف صاحبه ورحمته بل ظل أبو زكي سادرا في الاستمتاع برنات هاتفه من دون التفكير بالرد على المتصل ومن غير اكتراث بمشاعر صديقه القديم.

لكن أبا زكي قرر في نهاية الأمر أن يُغلق خطوط هواتفه جميعا ليس لأنه شبع من التلذذ بتعذيب صاحبه سليم ولكن ليتخلص من سيل رسائله النصية التي تقول : يالطيف الألطاف. يا جميل الأوصاف.  طيح حظ كلمن ما شايف وشاف.

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آذار/2012 - 28/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م