تأثير الثورات العربية على سياسة أميركا في المنطقة

قراءة في أحدث تقارير خدمة أبحاث الكونجرس

علاء بيومي

أميركا خسرت مصر كراعي لعملية السلام وترى صعوبة في إحلال الأردن مكانها الولايات المتحدة تستعد لتنحي أيدلوجية الإسلاميين جانبا والتركيز على سياساتهم وإسرائيل تشعر بالعزلة وأميركا تتخوف من مسئولية تقديم مزيد من الدعم لها.

أميركا تفكر في كيفية حماية مخازن الصواريخ والأسلحة غير التقليدية في سوريا في حالة سقوط نظام الأسد.

في السابع من مارس الحالي أصدرت خدمة أبحاث الكونجرس – وهي الذراع البحثي للكونجرس الأميركي – دراسة بحثية هامة تعد بمثابة كشف حساب مفصل بتعبات الثورات العربية على مصالح أميركا وسياساتها في المنطقة.

التقرير كتبه ستة من خبراء الشرق الأوسط بخدمة أبحاث الكونجرس وتناول مختلف القضايا التي تدور في عقلية صانع القرار الأميركي بخصوص الثورات العربية مثل علاقتهم بمصر وسوريا والإسلاميين ودول الخليج وإيران وتأثير الثورات على إسرائيل.

التقرير موجه بالأساس لأعضاء الكونجرس ويحتوي على تصورات وأفكار جديدة تدور في عقل صناع القرار الأميركي مما يحتم قراءتها بعناية، وفيما يلي ملخص بأهم هذه الأفكار كما وردت في التقرير.

مصالح أميركا

التقرير يبدأ بتلخيص مصالح أميركا في المنطقة والتي تتقدمها المصالح الأمنية والعسكرية والاقتصادية وتتذيلها قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالتقرير يلخص مصالح أميركا بالترتيب في قضايا ستة أساسية، وهي:

- منع الصراعات التي تهدد حلفاء أميركا في المنطقة وعلى رأسهم إسرائيل وتهدد مصالح أميركا الأخرى.

- حماية تدفق النفط والتجارة وهي أمور حيوية لمصالح أميركا والاقتصاد العالمي.

- ضمان وصول وسهولة حركة الجيش الأميركي وعملياته في المنطقة ومنافذها الهامة.

- مكافحة الإرهاب.

- الحد من انتشار الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.

- دفع عجلة النمو الاقتصادي ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ويعود التقرير ليؤكد على تضارب مصالح أميركا في المنطقة، فلديها على سبيل المثال تحالفات قوية مع بعض الدول العربية ومع إسرائيل في نفس الوقت، ويقول أيضا حماية مصالح أميركا العسكرية والأمنية والاقتصادية تتعارض أحيانا كثيرة مع الدفاع عن حقوق وحريات شعوب المنطقة، وأن واشنطن نادرا ما انتصرت للحقوق والحريات على حساب المصالح – كما يشير التقرير بوضوح في صفحته الثانية.

تأثير الثورات العربية

ويقول التقرير أن سياسة أميركا في المنطقة اعتمدت لعقود على فرضيات أو تصورات سياسية معينة، وأن الثورات قوضت بعض أهم هذه الفرضيات وعلى رأسها ما يلي:

أولا: يقول التقرير أن "الجماهير التي احتلت الميادين وأسقطت النظم أسقطت معها فرضية أن الخارج يمكنه أن يفهم العالم العربي ويتعامل معه جيدا من خلال التفاعل مع النخب فقط"، وهذا يعني أن الولايات المتحدة بدأت في ادارك القيمة الكبيرة للرأي العام العربي بعد الثورة والدور الذي سوف يلعبه في التأثير على السياسات.

ثانيا: أدت الثورات إلى صعود عدد كبير من الفاعلين السياسيين الجدد وعلى رأسهم التيارات الدينية وهي تيارات لم تتعود أميركا التعامل معها.

ثالثا: أضعفت الثورات من سلطة أجهزة الأمن في الدول التي قامت بها مما يفتح الباب لصعود عدد من التحديات الأمنية كتهريب السلاح وعدم الاستقرار خاصة على الحدود وفي مناطق الأطراف.

رابعا: فتحت الثورات عدد من الملفات السياسية الصعبة للغاية وعلى رأسها ما يحدث في سوريا والتي يرى التقرير أنها القضية الأصعب والأكثر تأثيرا على أكبر عدد من توازنات القوى الدولية والإقليمية في المنطقة.

خامسا: دفعت الثورات العربية كما يرى التقرير في اتجاه تراجع ملف علمية السلام، فإسرائيل - كما يرى التقرير - باتت أقل رغبة في الدخول في مفاوضات حول التنازل عن الأراضي المحتلة لأنها لا تعرف ماذا سيحدث في المستقبل، كما أن الثورات دفعت الفلسطينيين في اتجاه الوحدة الوطنية.

هذا ناهيك عن تزامن الثورات العربية مع انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية عام 2011 وصعود التوتر بخصوص الملف النووي الإيراني.

ويشير التقرير أيضا – في نصيحة إلى أعضاء الكونجرس – إلى أن قضية الكرامة بمستوياتها المختلفة من كرامة شخصية ووطنية وما تعنيه اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا تمثل أحد أهم مبادئ الثورات العربية وأنها قضية مرشحة لأن تكون محور هام لسياسات النظم العربية الجديدة في الداخل والخارج، وأنها قد تدفع القادة العرب الجدد لاتخاذ سياسات أكثر تحديا للخارج مما يحتم على الكونجرس وصناع الأميركي الوعي بذلك.

مصر

بعد انتهاء التقرير من جزئه الأول - الذي يوفر مقدمة مختصرة عن مصالح أميركا في المنطقة وتبعات الثورات العربية عليها - يفرد التقرير أجزاء خاصة للحديث عن عدد من أهم القضايا والدول المعنية مثل مصر وسوريا وإسرائيل ودول الخليج، وفيما يتعلق بمصر يشير التقرير إلى أربعة تغيرات رئيسية.

أولا: يقول التقرير أن الثورة المصرية فتحت الباب لصعود قوتين سياسيتين أساسيتين، وهما المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإسلاميين وأن المعسكرين سوف يتنافسان معا في المدى المنظور على صياغة سياسات مصر وأن على أميركا أن تستعد لتحول السلطة بعيدا عن المؤسسات الأمنية والعسكرية والتعامل مع نخب مدنية جديدة لا تعرفها ولم تتعاون معها في المستقبل، وربما لم تكن ترغب في التعامل معها.

ثانيا: يشير التقرير إلى تعاون نظام مبارك مع أميركا في قضايا مكافحة الإرهاب وضد جماعات مثل الجماعة الإسلامية والتي أصبحت جزء من النظام السياسي حاليا، في إشارة إلى تراجع هذا الجانب من الشراكة المصرية الأميركية.

ثالثا: يقول التقرير أن "سياسة أميركا نحو مصر قد تركز بشكل أكبر على احتواء مناطق النزاع المحتملة مثل غزة وسيناء"، وذلك في سياق صعود الرأي العام المصري وأهميته ورفضه لسياسات إسرائيل في غزة، ولم يوضح التقرير ماذا يقصده بسياسة الاحتواء في تلك المنطقة وخاصة سيناء.

رابعا: يقول التقرير أن أميركا فقدت مصر كراعي إقليمي رئيسي لعلمية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وأن الأردن قد تحاول ملء الدور المصري السابق ولكنها لا تمتلك نفس وزن مصر السياسي.

دول الخليج

يشير التقرير لدول الخليج كمنطقة تقدم فيها أميركا مصالحها الأمنية والاقتصادية على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، ويقول أن أميركا ترتبط بمعاهدات دفاعية هامة مع جميع دول الخليج، وأن هذه المعاهدات تتضمن التزام أميركي ضمني بالدفاع عن دول الخليج ضد أي اعتداء خارجي.

ويشير التقرير إلى وجود أربعين ألف جندي أميركي في الخليج حتى بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، حيث يتواجد 23 ألف جندي في الكويت، و7500 جندي في قطر، وخمسة آلاف جندي في البحرين، و3 آلاف جندي في الإمارات، وأعداد أقل بكثير من الجنود في كل من السعودية وعمان.

ويقول أيضا أن الوجود العسكري الأميركي في البحرين هو الأهم لأميركا في المنطقة نظرا لأهمية القاعدة العسكرية الأميركية البحرية هناك، ويشير إلى التعاون العسكري الوثيق بين أميركا ودول المنطقة، حيث تبيع أميركا للإمارات أهم ترسانة من صواريخها الدفاعية والمعروفة باسم THAAD لتمكنها من الدفاع عن نفسها ضد إيران، كما تبيع للسعودية صفقة الأسلحة الأكبر في تاريخ صفقات السلاح الأميركية حيث يقدر ثمنها بستين مليار دولار.

ويعبر التقرير عن قلق أميركي لما يجري في البحرين بسبب نشاط المعارضة السياسية الشيعية هناك، وشعور أميركا بضغوط دولية على موقفها تجاه البحرين.

ويقول أن المعارضة الكويتية هي الأصعب على الفهم و"التوصيف" لأنها تأخذ صورة اعتراضات تحدث على فترات وتهدف إلى دعم أعضاء برلمان على خلاف مع العائلة المالكة، ولكنها معارضة لا تؤثر على مصالح أميركا وأهدافها في البحرين.

ويقول أيضا أن السعودية حليف قوي لأميركا ولكن يصعب التنبؤ بسياساتها - في إشارة إلى تدخل القوات العسكرية السعودية في البحرين خلال العام الماضي.

وفيما يتعلق بقطر يذكر التقرير أن "إدارة العلاقات مع قطر أصبحت أكثر تعقيدا بسبب تحقيق قادة قطر أهدافهم الطموحة المتعلقة بالتنمية الاقتصادية بشكل تتابعي وأنهم أصبحوا أكثر ثقة وتأكيدا على الساحة الدولية"، هذا بالإضافة إلى دعم قطر لقيادات إسلامية كبيرة ودعمها الدولي "لجماعات وقيادات سنية إسلامية محافظة" مما يطرح "مخاوف معقدة" خاصة في ظل حالة التغيير والتنافس السياسي الجارية في المنطقة.

سوريا والإسلاميين وإسرائيل

بخصوص سوريا يقول التقرير أن ما يحدث في سوريا يمكن أن يغير بشكل جذري حسابات مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين في المنطقة، وأن عواقب تغيير النظام السوري ليست مضمونة لإسرائيل، ويقول أن أميركا قد تفكر في الاستعداد لاستجابة سريعة في حالة سقوط النظام السوري تهدف إلى تأمين مخازن الصواريخ والأسلحة غير التقليدية في سوريا.

أما بخصوص الإسلاميين فهو يقول أن الأميركيين يخشون من طبيعة الأحزاب الإسلامية ومدى التزامها بالديمقراطية وبقضايا كحقوق الإنسان والمرأة والأقليات، ولكنه يعود ويقول أن تركيز أميركا على مواقف الإسلاميين في مصر يركز على نظرتهم لإسرائيل، وأن إدارة أوباما قررت أن التركيز على سياسات الإسلاميين أهم من التركيز على أيدلوجياتهم.

أما إسرائيل فالتقرير يقول أن الأحداث الجارية تزيد من شعور قادة إسرائيل بالعزلة وتضع المسئولين الأميركيين في مأزق لأنهم سيتعرضون لضغوط داخلية (من لوبي إسرائيل) لزيادة مساعداتهم الضخمة لإسرائيل وزيادة الضمانات العسكرية المقدمة لها، والتي تضمن - من بين ما تضمن - عدم تزويد أي دولة من دولة المنطقة بأسلحة قادرة على تحدي سيطرة إسرائيل العسكرية النوعية وليست الكمية، بمعني أن القوانين الأميركية تسمح بتصدير كميات كبيرة من الأسلحة للدول العربية ولكنها كثرة لا تؤثر على التفوق العسكري الإسرائيلي بسبب نوعية الأسلحة التي تمتلكها إسرائيل.

ويقول أن تدخل أميركا لمنح إسرائيل مزيد من المساعدات والضمانات سوف يجعلها في نظر العرب والرأي العام العربي مسئولة بشكل أكبر عن تصرفات إسرائيل في المنطقة مما سيزيد من أعباء السياسات الأميركية أمام الرأي العام العربي الصاعد.

وفي النهاية يقول التقرير أن إدارة أوباما تتبنى نوع من السياسة الهادئة تجاه المنطقة وشعوبها الثائرة تتجنب الظهور بمظهر الساعي للتأثير على التغيرات الجارية حتى لا تثير مزيد من مخاوف الرأي العام العربي الثائر والساعي للكرامة الوطنية والمتخوف من التدخل الأجنبي والأميركي.

www.alaabayoumi.com

...............................

المصدر: تقرير "التغيير في الشرق الأوسط: تبعات على السياسة الأميركية"، خدمة أبحاث الكونجرس، 7 مارس 2012، http://www.fas.org/sgp/crs/mideast/R42393.pdf.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/آذار/2012 - 27/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م