(وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ،
وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ،
فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ
سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ. وَإِنَّمَا
عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ
لِلاَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الاُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ،
وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ).
تمر مصر بأيام انتقال صعبة من ديكتاتورية مطلقة تمحورت حول فرد أو
حفنة قليلة من الأفراد إما إلى ديموقراطية حقيقية تقوم على المساواة
بين البشر في الحقوق والواجبات والفرص أو إلى (إحتكاروقراطية) أقلوية
تقوم على احتكار قلة منظمة للفرص كل الفرص ولا فرصة ولا فرص لغير
المنتمين (للجماعة الوحيدة) التي والتي والتي!!.
بدا هذا واضحا في الطريقة التي جرت بها الانتخابات البرلمانية حيث
مالت الكفة بصورة صارخة لمن احتكروا المال الانتخابي والحشد الإعلامي
ولم يبقوا لغيرهم إلا الفتات أو لا شيء على الإطلاق.
لذا يرتبط السؤال عن هوية المرشح الرئاسي المقبل ارتباطا وثيقا
بالمعادلة السياسية المختلة في الوقت الراهن والتي تمنح حق المشاركة
فعليا لحفنة من الأفراد أو المجموعات وتحرم عامة الأمة من هذا الحق وإن
بقي هذا الحق متاحا من الناحية النظرية للجميع.
لا نرى إمكانية واقعية لبروز مرشح رئاسي من خارج دوائر احتكار
الثروة والقوة التي برزت وترسخت في الأشهر الأخيرة خاصة وأن جماعات
الاحتكار المالي والسياسي ترى أن امتلاكها للملايين هو نتاج طبيعي
لكدها وسعيها لا بسبب المنح المليونية الخليجية التي صبت في خزائنها
دعما لنفوذ هؤلاء الخلايجة وضمان بقاء هيمنتهم على القرار المصري.
وقبل أيام سمعت بأذني أحد مرشحي الرئاسة وهو يشكو من انعدام قدرته
على تمويل حملته الرئاسية مشيرا إلى أن الفضائيات لا تمنح فرصة الظهور
إلا لمن يدفع وهو كلام لا يحتاج إلى دليل لإثباته كما لا تحتاج الشمس
إلى دليل على سطوعها.
إنها نظرية الخاصة في مواجهة العامة، وأي خاصة؟!.
إنهم ليسوا خاصة أهل العلم والمعرفة، ولا خاصة أهل الخبرة، إنهم من
اختصهم أهل النفط خدم الاستكبار العالمي بدعمهم المالي لنبقى في تلك
الدائرة الجهنمية المفرغة.
الاحتكاروقراطية تقوم على الشح والاستئثار وإبقاء أموال الهبات
النفطية التي حرمت منها شعوبهم لتبقى دُولةً بين الأغنياء منهم ثم
إنفاقها بطرا ورئاء الناس ولم نر هذه الأموال يوما تنفق من أجل الصالح
العام بل هي تذرى إذراء الريح للهشيم يشترى بها سلاح يعطي لتنظيم
القاعدة لقتل البشر أو يمنح للجماعات الوهابية لشراء وتزييف وتغييب
إرادة البشر.
كيف يمكن أن نرجو من هؤلاء وأمثالهم خيرا فما بالك والمال ليس مالهم
بل هو مال المسلمين المسروق!!.
كان ابن آكلة الأكباد يشتري الشيوخ والرؤساء ليسوقوا الناس سوقا نحو
الهلكة كما هو حالنا الآن فكان أن اقترح أحدهم على الإمام علي بن أبي
طالب أن يشتري هؤلاء كما اشترى ابن أبي سفيان فجاءه الرد حاسما:
(أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ
وُلِّيتُ عَلَيْهِ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ "لا أقربه" مَا سَمَرَ
سَميرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ
الْمَالُ لي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ
مَالُ اللهِ لَهُمْ).
كيف نرجو العدل ممن عاش حياته يمارس شتى صنوف الظلم ومن كان صعوده
برافعة أهل الظلم والجور والاستئثار.
يتفاخر القوم برموز السلب والنهب والاحتكار ويسمون هذا اقتصادا حرا
وكأن الحرية عندهم هي للمستأثرين وليس للمحرومين والمستضعفين فيها حق
ولا نصيب.
يتفاخر القوم بتحريمهم للربا توأم ما يسمونه بالاقتصاد الحر وهو
المبدأ الذي قرر القوم اعتماده والذي يجعل المال دولة بين الأغنياء
منهم ويقطع الطريق أمام الضعفاء للوصول إليه إلا بشروط مجحفة تجعل من
نادي الثروة وليس الثورة ناديا مغلقا (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ
الزَّبَانِيَةَ * كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).
الثورة في الميادين أما الثورة فهي في البنوك وصناديق الاستثمار
والانتخابات!!.
(قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي
عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ
وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ
نَهْمَتُهُ وَلا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَلا الْجَافِي
فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَلا الْحَائِفُ للدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ
قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَلا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ
بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَلا الْمُعَطِّلُ
لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الُأمَّةَ). علي بن أبي طالب عليه السلام.
www.elnafis.net |