مسعود بارزاني الذي انهكه التوتر

عن حكمة الطغاة المتعالية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يذكر هادي العلوي، المفكر العراقي الماركسي الراحل، في احد كتبه (ان الطغاة يصنعون الحضارة)... والحضارة تكتسب تسميتها ودلالاتها من الحضور في الحاضرة او المدينة، وهما شيء واحد من حيث الدلالة الاجتماعية.. وهناك من يذهب الى ربط الحضارة بالثقافة والمثل العليا والاخلاق، فيفترض ان الحضارة غير المدنية، وان هذه الاخيرة تتعلق بالتمدن الاجتماعي، المادي والتقني، الى اخر ذلك.

والحضارة هي مجمل ابداعات المجتمع الكفيلة بتامين رقابته على شروطه الخاصة به، كالتقنيات والتنظيمات الاجتماعية والمنجزات العمرانية.. في معرض الاحاديث بين العراقيين كثيرا مايردد المتحدثون وهم يقارنون بين صدام حسين وساسة العراق اليوم ان الاول قد بنى الجسور والطرق السريعة، وبنى المدارس والمستشفيات وكثير من الصروح العمرانية التي لازالت شاهدة على زمنه الماضي.. هؤلاء المتحدثون وهم في فورة حماسهم المتقد لما يعدوه منجزات لصدام حسين يتناسون التهديم المنظم لشخصية الانسان العراقي وتخريبه لضميره ومسخ انسانيته وتحويله الى مجرد حمل او ماعز في قطيع كبير لايملك شيئا غير تزييت ماكنة النظام وادامة وجوده وبقائه.

كان صدام حسين يقرب العلماء والمفكرين والمثقفين، وكان يستبعد كثيرا منهم ايضا.. هل لانه كان مقتنعا بما يمكن ان يقدموه من خدمات لمجتمعهم، ام لانه كان يرضيه ذلك الخضوع والخنوع الغريب من هؤلاء وهم في حضرته او حتى وهم بعيدون عنه، وهو نوع من ارضاء نفسية مازومة قلقة امام معرفة اولئك وهو الذي لايمتلك مثل معرفتهم، ام انه كان يشعر بان تلك المعرفة التي يحملونها هي سلطة موازية لسلطته كحاكم اوحد للعراق؟

حين طلب الاسكندر المقدوني نصيحة الفيلسوف ارسطو قال له ذلك الفيلسوف: (كن قائدا لشعبك وسيدا لعبيدك) وقد سار الاسكندرعلى ضوء تلك المقولة – النصيحة، لكنه فكر في لحظة طائشة ربما اوحتها له نرجسية دفينة، او جنون عظمة مؤقت، وهو يرى الفرس يسجدون لملوكهم بان يستعير تلك الممارسة مع جنوده، واصدر امرا بالسجود له سرعان مانقضه حين سخر من طلبه احد جنوده وهو يدخل عليه طالبا منه السجود.

ماهي المسؤولية؟

انها في ابسط تعريف لها (اهلية الانسان لان يحاسب عن افعاله) او هي (إلحاق الاقتضاء بصاحبه من حيث هو فاعله و هنا يكون الفاعل مطلوبا منه الإجابة على التبعة التي تلزم من الفعل خارجيا) والاهلية هنا هي الحرية والقدرة على الاختيار، وهما معياران ذاتيان، في حين انها في التعريف الثاني تتعلق بما يرتبه المجتمع تجاه حامل المسؤولية.

وبهذا يصبح لدينا مستويان من المسؤولية هما، المسؤولية الاخلاقية والمسؤولية الاجتماعية، وهناك نوع ثالث وهو المسؤولية القانونية التي تتعلق بعلاقة الإنسان مع غيره فقط.

هناك عدد من الاختلافات بين المسؤولية الاخلاقية والمسؤولية القانونية، المسؤول في الحالة الاولى هو خصم وحكم في أن واحد، في حين أن الخصم في الثانية لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال حكماً.

تقوم المسؤولية الأخلاقية حتى لو لم يلحق ضرراً كبيراً بالغير، وقد يكون المسؤول فيها هو المضرور في الوقت نفسه، أما المسؤولية القانونية فلا تقوم إلا إذا وجد ضرر لحق بالغير.

مجال المسؤولية الأخلاقية أوسع من مجال المسؤولية القانونية، وذلك لأن المسؤولية الأخلاقية تتعلق بعلاقة الإنسان مع نفسه، ومع أقرانه ومع ربه. أما المسؤولية القانونية فتتعلق بعلاقة الإنسان مع غيره فقط.

المؤيد في المسؤولية الأخلاقية هو ضمير الفرد أو ضمير المجتمع، وبالتالي لا يمكن الإفلات من العقاب فيها، إذا ما خالف الشخص القواعد الأخلاقية في السر. أما المؤيد في المسؤولية القانونية فهو الجزاء المفروض من قبل الدولة، وهو إما مدني أو جزائي، وبالتالي يمكن للشخص الإفلات من العقاب فيها.

يتحدث السيد مسعود البرزاني عن المسؤولية الاخلاقية التي وجد نفسه فيها مرغما نتيجة لهذا التدافع والصراع الموجود في اروقة السياسة العراقية كفعل يومي مباشر ومستمر.. وهو يستشعر بثقل هذه المسؤولية الاخلاقية، لانه يعتبر نفسه احد حكماء الحل والربط الذي اختارته شخصيات التصارع السياسي مابعد العام 2003، ولانه يستشعر ايضا بنفسه احد حكماء الاكراد، لم لا وهو رئيس لاحد الحزبين الكبيرين منذ اكثر من ثلاثة عقود ورئيس لاقليم فرضته الاحداث والمؤثرات الخارجية قبل الداخلية بسنوات طويلة.

والمسؤولية الاخلاقية التي يتحدث عنها السيد مسعود البرزاني، مستعيرا ضمير الكرد فيها، فهو جميع الاكراد، والاكراد جميعهم هو، فهو يقول (لأن الأخلاق الكردية لا تسمح بتسليم من يلجأ إلينا).. وهي قريبة من مقولات سابقة شهدها العراق قبل العام 2003 مثل (اذا قال صدام قال العراق).. انه عودة الى شخصنة السلطة برجل واحد، وهو ما دأب عليه السيد مسعود البرزاني طيلة سنوات، من ترسيخ لحكم ونفوذ العشيرة، ونفوذ الحزب، وتكميم الافواه واغتيال الصحفيين وغيرها من انتهاكات تحجبها مولات اربيل والعمارات العالية.

والمسؤولية الاخلاقية التي يتحدث عنها حكيم الكرد، تتعلق بشخص واحد، وهو شخص طارق الهاشمي، الصادرة بحقه مذكرة استدعاء وتوقيف قضائية، لكنه تناسى المسؤولية الاخلاقية حين قام يتسليم اكثر من مائة معارض عراقي كانوا ضيوفا عليه في العام 1996 الى صدام حسين، وتم اعدامهم دون وجه حق ودون مذكرات قضائية، الا لمجرد انهم معارضون لنظام صدام حسين مثلما كان حاله هو، وهي ذات المسؤولية الاخلاقية التي تناسها حكيم الكرد والمتحدث بلسانهم حين وجه رسالة شكر الى طاغية العراق لتخليصه من زمرة جلال طالباني الاخ الكردي ايام اقتتال الاخوة الشهير، وقد نشرت جريدة العراق الصادرة في الثاني من ايلول عام 1996 على صدر صفحتها الاولى عنوانا رئيسيا جاء فيه (مسعود البارزاني يشكر القيادة لاستجابتها لندائه لتحرير اربيل من عبث جلال وزمرته العميلة لايران).. وفي الاطار صورته متوسطا صدام حسين وعزت الدوري، وقد بدت عليه علامات الرضا والارتياح والسرور.

لا اعرف كيف تتجزأ المسؤولية الاخلاقية، والتي هي في حالة السيد مسعود البرزاني لا تنطلق من تراكم ذاتي ومواقف متشابهة كما اثبت التاريخ القريب ذلك، ربما هي صحوة، وانتباهه يراد منها استغلال وضع لا يمكن الا ان يدر ارباحه على الاكراد ممثلين بحكيمهم، وهو موقف له مشابهات من مواقف سابقة، اقربها ورقة التسعة عشر مطلبا قبل تشكيل الحكومة، والتعارض الكبير بينها وبين الدستور الذي كثيرا مابكى عليه الحكيم الكردي حين يتعلق الامر بالاكراد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/آذار/2012 - 26/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م