شبكة النبأ: يبدو ان السلطات الكويتية
باتت تنجرف صوب الحملات الاعلامية التي تشنها بعض الجهات والتيارات
السلفية المتشددة المعادية لمن يخالفها في الرأي أو المعتقد، كما هو
حالها في عدائها المستمر للمسلمين الشيعة اينما حلو، غير مستثنين في
ذلك العداء حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية التي طالما تميزت بها
دولة الكويت.
حيث كان لإغلاق صحيفة الدار الكويتية مؤخرا مؤشرا خطيرا على طبيعة
سير الحراك الاجتماعي والقانوني داخل تلك الدولة، وهيمنة التطرف الفكري
على مبادئ حقوق الانسان بما فيها حق التعبير وابداء الرأي، الى جانب
انحياز المؤسسات الحكومية وتغليب فئة على أخرى دون اعتبار لدستور
البلاد الذي ضمنت بنوده المساواة دون تمييز.
ايقاف صدور صحيفة الدار
فقد قال رئيس تحرير صحيفة الدار الكويتية ان محكمة قضت بايقاف صدور
الصحيفة ثلاثة أشهر بتهمة التحريض على الفتنة الطائفية. وقال عبد
الحسين السلطان ان المحكمة أمرته بدفع 1000 دينار كويتي (3600 دولار)
أو مواجهة السجن ستة أشهر. وقال السلطان ان المحكمة اعترضت على مقالات
مؤيدة للاقلية الشيعية في الكويت.
وفي وقت سابق من هذا العام صدر أمر بايقاف الصحيفة المملوكة لرجل
اعمال لفترة قصيرة. لكن السلطان قال ان هذه هي المرة الاولى التي تضطر
فيها الصحيفة للتوقف عن الصدور لفترة طويلة نسبيا ويتعرض رئيس تحريرها
لتهديد السجن. واضاف ان الصحيفة تعتزم استئناف حكم المحكمة.
واقامت وزارة الاعلام الكويتية 135 قضية ضد الصحيفة على مدى الاعوام
الثلاثة الماضية. ويشير ساسة كويتيون الي الانقسامات الطائفية على انها
احدى أخطر المشاكل التي تواجه البلد الصغير المنتج للنفط. ومثل هذه
التوترات ربما ساهمت في استقالة الحكومة العام الماضي عندما هزت الكويت
ازمة سياسية وصلت الي ذروتها بحل البرلمان.
وتولي الكويت اهتماما خاصا للتطورات في البحرين -وهي عضو اخر في
مجلس التعاون الخليجي- حيث اطلقت الاسرة الحاكمة السنية حملة ضد محتجين
مطالبين بالديمقراطية غالبيتهم من الشيعة. بحسب رويترز.
وأكد عبد الحسين السلطان، يوم السبت، أن إغلاق الصحيفة بحكم قضائي،
"يسيء إلى سمعة الكويت، وتاريخها، وديمقراطيتها." وأضاف السلطان أن
الكويت "معروفة بأنها بلد الحريات والديمقراطية، والتعددية، والعدالة،
وأن هذه هي المرة الأولى منذ صدور قانون المطبوعات في العام 2006، التي
يصدر بها حكم بهذه القسوة والشدة."
وتحدث السلطان عن بداية القضية، فقال "بدأت القضية بشكوى من وزارة
الإعلام بحقنا، بأننا نشرنا مقالين بمناسبة انتخابات مجلس الأمة التي
أقيمت في 2 فبراير الماضي، وكنا قد تحدثنا خلالهما عن مقالات صدرت بحق
الشيعة تصفهم بألفاظ بذيئة بشعة، وقلنا إن هذه الأوصاف تزدري الشيعة
وتضطهدهم."
ومضى يقول إن "وزارة الإعلام اعتبرت أننا نقوم بالتحريض ضد السنة،
وهذا غير صحيح إطلاقاً، لأننا أردنا أن نقوم بتنبيه الجميع، سواء
المسؤولين أو أفراد المجتمع، بكافة أطيافه ومذاهبه وفئاته، بهذا
الخصوص، وبأن هناك من يتحدثون عن الشيعة بطريقة غير لائقة، ويصفونهم
بصفات سيئة."
وأضاف السلطان "لكن وزارة الإعلام رفعت الدعوى ضدنا، واتهمتني
بمخالفة قانون المطبوعات بنشر مقالات تثير الفتنة الطائفية والتحريض
على مخالفة النظام العام والمساس بكرامة الأشخاص ومعتقداتهم الدينية
والحض على كراهية وازدراء بعض فئات المجتمع." بحسب السي ان ان.
ولفت إلى أن "النيابة العامة طالبت بتطبيق أشد العقوبات بحقنا، وهذا
ما ذهبت إليه المحكمة، التي أغلقت بداية الجريدة لمدة أسبوعين، على ذمة
التحقيقات، ثم أتبعتهما بأسبوعين آخرين، ثم أسبوع، إلى أن صدر الحكم
بإغلاق الجريدة لمدة ثلاثة أشهر."
وقال السلطان: "نحن نحترم القضاء الكويتي، ونحترم أحكامه، لكن أن
يتم حكم في قضية رأي بهذه القسوة، هذا ما نعتبره بأنه يسيء إلى تاريخ
الكويت وإلى سمعتها، والآن محامونا استأنفوا الحكم وهم يعكفون على
إعداد مذكرة للطلب من المحكمة بإيقاف هذه الأحكام وإلغائها."
هيومن رايتس ووتش
من جهتها قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الكويتية أن توقف
فوراً تعليق إصدار صحيفة الدار وأن تلغي إدانة رئيس تحريرها بتهمة
التحريض. هذه العقوبة الجنائية، على مقالات أدان فيها السلطان كُتاب
آخرين أهانوا الأقلية الشيعية، هو خرق واضح للحق في حرية التعبير.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إنه أمر غريب حقاً أن يُتهم شخص ما
بالتحريض لمجرد أنه أشار إلى ما قاله أو نشره آخرون. على السلطات
الكويتية أن ترفع سريعاً التجميد المفروض على إصدار صحيفة الدار وأن
تُلغي حُكم إدانة رئيس تحريرها".
والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،
والكويت صدقت عليه في عام 1996، تكفل الحق في حرية التعبير، بما في ذلك
حرية "التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين
دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو
بأية وسيلة أخرى يختارها".
أي قيود على هذا الحق يجب أن تكون بنص القانون وضرورية "لاحترام
حقوق الآخرين أو سمعتهم" أو "لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو
الصحة العامة أو الآداب العامة". لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان،
التي أصدرت تفسيراً مُلزماً لهذه المادة، أشارت إلى أهمية حماية حقوق
الصحفيين والإعلام في حرية التعبير، لا سيما في مناقشة القضايا التي
تحظى باهتمام الجمهور، وذكرت أن الحظر المعمم على المطبوعات يجب ألا
يُسمح به مطلقاً، باستثناء في الحالات المحدودة التي قد يمكن فيها فرض
قيود على المحتوى الإعلامي بموجب نص المادة 19 و هذا ليس منفصلاً عن
باقي المطبوعات.
وقال جو ستورك: "ملاحقة عبد الحسين السلطان أمام القضاء وتعليق
إصدار صحيفته هو خرق واضح لمعيار دولي تعهدت الكويت بحمايته". وتابع: "لابد
من أن تتمكن صحيفة الدار من التعبير عن آراء الأقليات الدينية في
الكويت بحرية وبشكل سلمي ودون خوف من الانتقام".
منظمة شيعة رايتس واتش
فيما ادلت منظمة شيعة رايتس واتش بدورها ببيان جاء فيه، "لقد كان
عهدنا بالنظام السياسي في الكويت ومنذ زمن بعيد أنه يرعى جميع الحقوق
والحريّات ويتمسّك بالعمل الديمقراطي كمنهج لإدارة شؤون الحكم في
البلاد، كما عهدناه جادّاً في الحفاظ على حقّ التعبير عن الرأي وحريّة
الصحافة، وهو ما أكّده الدستور الكويتي بنصوصه وخاصة في المادة 36و37،
فحرية التعبير عن الرأي أحد أهم الحقوق الإنسانية التي تكفّلتها
الدساتير، وتتضمن أغلب دساتير دول العالم الديمقراطية نصوصاً تؤكّد
احترام هذا الحقّ وعدم المساس به، بينما يَعدّه الإسلام حقّ وواجب في
ذات الوقت استدلالاً بقوله تعالى: (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ) سورة التوبة: آية (71)".
ويضيف البيان، "ومع كل ذلك فإننا تفاجئنا بقرار وزارة الإعلام
الكويتي والقاضي بإغلاق جريدة الدار الكويتية والتي تعبّر عن رأي شريحة
واسعة من أبناء الكويت في بلد كفل تلك الحرية لجميع أبنائه".
وتابع البيان، "إن شقّ الصف الكويتي الذي تسعى خلفه بعض الشخصيات
المأزومة سيؤدي إلى الإضرار بالوحدة الوطنية بين الكويتيين، ونخشى أن
لا يقف الأمر عند إغلاق جريدة بل قد يؤدّي ذلك قمع أي صوت وطني حرّ من
شأنه إظهار الحقيقة وطرحها عبر وسائل الإعلام المختلفة".
وشدد البيان على إن، "إغلاق جريدة الدار يمثّل هضم لحقوق طائفة
كبيرة في المجتمع الكويتي وبادرة خطيرة في السير نحو تكميم الأفواه
وبالتالي التأسيس لمفهوم الاستبداد وقمع الحريّات.
إن مثل هكذا قرار لا يصب في صالح وسمعة الحكم في بلد سبق محيطه
الإقليمي بالعمل الديمقراطي، كما إن من شأن هذه الأعمال أن تثير غضب
منظمات دولية ترعى الشأن الصحفي والإعلامي وحقوق الإنسان في دول العالم
الحرّ، ومع إيماننا بأن حكّام الكويت غير راضين أو مقتنعين بمثل هكذا
إجراء تم إتخاذه ضد أحد وسائل الاعلام، إلاّ أننا نتوسم في القائمين
على السياسة الكويتية مراجعة القرار الذي تم اتخاذه ليشكّل إنجازاً
يضاف إلى إنجازات السلطة في الكويت برعايتها لحريّة الصحافة والتعبير
عن الرأي". |