التنمر... ظاهرة مقلقة تنتشر في المدارس

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن ظاهرة التنمر أو الاستقواء بدأت تتزايد حجما ونوعا وأسلوبا خاصةً في الآونة الأخيرة، بحيث صارت تحدث بمعدلات عالية جدا في شتى أنحاء العالم. ففي بريطانيا، تنتشر هذه ظاهرة بنسبة 25% في المدارس الابتدائية و10% في المدارس الثانوية. في حين تشير الإحصاءات إلى أن حوالي نصف الأطفال في العالم تعرضوا مرة واحدة على الأقل للتنمر، خلال المرحلة المدرسية، وأن نسبة 10 في المائة منهم يتعرضون لنوع من الضغوط العنيفة بشكل منتظم.

إذ يعرف التنمر في المدارس بأنه استقواء طالب أو مجموعة من الطلاب على زميل لهم في الصف أو المدرسة، مضايقته جسدياً أو معنوياً، ويرجع علماء النفس التربوي سلوك التنمر عند الطفل لعدد من الأسباب منها: رغبة الطفل في لفت الانتباه إليه، أو عدم شعوره بالأمان. أو كوسيلة للتعبير عن مشاعر الغيرة أو للتنفيس عن الإحباط الذي يعيشه نتيجة ظرف ما، ويسهم الأهل أيضا في هذه الظاهرة، من خلال تشجيع طفلهم على ضرب من يضربه، أو من خلال استخدامهم الضرب كوسيلة عقابية له، كذلك ... مشاهدة الكثير من أفلام العنف تؤدي أيضا إلى الأفعال العدوانية، إضافة إلى تساهل إدارة المدرسة في اتخاذ الإجراءات النظامية ضد الطلاب العدوانيين و المتنمرين.

إذ تظهر على الطفل الضحية بعض العلامات التي تؤشر إلى معاناته، وغالبا ما نراه يشكو ويتذمر من المدرسة، وقد يدعي المرض لعدم الذهاب إلى صفه. وقد يعود إلى المنزل وثيابه أو كتبه ممزقة، و أحيانا قد تكون هناك كدمات على وجهه أو جسمه، قد يصبح متقلب الرأي وسيئ المزاج، ويمكن أن يصاب بالأرق والقلق، أو يصبح عنيفا مع إخوته، أو أنه ينعزل ويرفض القيام بأي نشاط، حتى إن أداءه الأكاديمي يتراجع، ومن علامات تعرض الطفل للتنمر أيضاً فقدان أشيائه باستمرار، أو مطالبة أهله بمزيد من المال ليدفعها ربما إلى المتنمر الذي يطالبه بها، تفاديا لتعرضه للضرب، فيما أكد تربويون أن الأسرة والمدرسة والإعلام وراء انتشار ظاهرة الشغب والعنف بين طلاب المدارس المتمثلة بالتنمر، مطالبين في الوقت نفسه بتشريعات جديدة مشددة تحكم سلوك الطلبة داخل المدارس، لا تخضع لأية استثناءات من قبل الإدارات المدرسية، لتقليص هذه الظاهرة. ناهيك عن دور الأسرة في تنشئة الطفل وتصحيح مسار سلوكه من خلال التوجيه والمتابعة المنظمة وبأساليب تنمي شخصية الطفل تنمية سليمة، لذا يحتم على الأهل مراقبة أطفالهم عن كثب لحمايتهم ومساعدتهم على تخطي مشكلتهم.

أوباما يتصدى لظاهرة التنمر

فقد يظهر الرئيس الامريكي باراك أوباما في فيلم وثائقي لشبكة (كارتون نتورك) Cartoon Network التلفزيونية يهدف الى تشجيع أطفال المدارس الذين يتعرضون للترهيب من زملاء لهم على المجاهرة بشكواهم ويقول انه كأب لفتاتين يشعر بقلق بالغ بشان هذا الأمر.

وفي مقدمة للفيلم الذي تبلغ مدته 30 دقيقة يناشد الرئيس الأمريكي التلاميذ وأولياء الأمور والمعلمين التصدي لظاهرة التنمر، وقال أوباما الذي استضاف أول مؤتمر في البيت الأبيض بشان التنمر العام الماضي "انه خطأ .. انه مدمر ويمكننا جميعا منعه، وشدد على انه لا يتحدث بصفته رئيسا لأمريكا فقط بل أيضا كأب. وقال "هناك الكثير الذي يجب علينا عمله. كل منا عليه اتخاذ فعل ما بشان التنمر، ويمزج الفيلم الوثائقي -الذي من المقرر عرضه محليا يوم الاحد- بين قصص لاطفال تعرضوا للترهيب على يد زملائهم وبعض النصائح من أولئك الذين تخلصوا من هذه المحنة. ويتضمن مقابلات مع مشاهير ورياضيين وناجين يحثون الضحايا ومن يشاهدون هذه الأمور على التحدث وفضح الامر. بحسب رويترز.

 وقال ستوارت سنيدر رئيس ومدير تشغيل (كارتون نتورك) ان الفيلم موجه الى تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية الذين تتراوح اعمارهم بين ثماني سنوات الى 13 سنة، وتظهر في الفيلم أيضا الفتاة الاي بولاك (14 عاما) التي قاومت التنمر من خلال تسجيل مصور بدون صوت مدته ثلاث دقائق بثته على موقع يوتيوب، وصنعت بولاك الفيلم الذي حمل عنوان "الكلمات تؤلم" Words DO Hurt بعد ان تعرضت للترهيب على يد صبي لمدة عامين. وشاهد ذلك الصبي التسجيل المصور وقدم اعتذارا، وفيما بعد اصبح هو الذي يدافع عن الفتاة عندما حاول صبي اخر مضايقتها.

جون كي بالصدمة

في سياق متصل أصاب مقطع تسجيل مصور فيديو يظهر فتاة “15 سنة” تتعرض لضرب وحشي حتى فقدت وعيها على يد إحدى زميلاتها في الفصل الدراسي، رئيس وزراء نيوزيلندا جون كي بالصدمة، ما دفعه إلى إعطاء أوامر بمراجعة المدارس في أنحاء البلاد لسياساتها للتعامل مع ظاهرة التنمر، وقال كي للصحفيين بعد مناقشة الفيديو الذي صورته طالبة أخرى على هاتف محمول وبث في وقت الذروة على التلفزيون، في اجتماع للحكومة إنه “يشعر بالقلق إزاء الصغار الذين يذهبون للمدارس ويتعرضون للترويع من قبل آخرين”. وأضاف كي أن “هذا سلوك وحشي يحتاج إلى وقفة ونرغب في إرسال رسالة قوية بشأنه”، مطالباً بإجراء “حوار وطني” بشأن كيفية مواجهة هذه الظاهرة، وقالت القناة الثالثة “تي في3” إنها لن تعرض الفيلم الذي يصور الهجوم على الطالبة روبين دي جونج، وهي طالبة في مدرسة “وانجانوي جيلرز كوليدج” للفتيات، كما ذكرت صحيفة “نيوزيلندا هيرالد” أنها “لن تبث الفيديو على موقعها الإلكتروني بسبب العنف المفرط الذي يظهره”. وذكرت الصحيفة أن الضحية ركلت مرتين في الرأس ولكمت 24 مرة وطرحت أرضاً وسحق رأسها وركلت في ظهرها. وسقطت مغشياً عليها وسالت دماء من أذنها، ونقلت لتلقي العلاج في المستشفى، وقالت الصحيفة إنها تلقت 19 ألف إجابة على استطلاع للرأي غير علمي نشر على موقعها الإلكتروني. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

 ويوجه سؤالاً بشأن السبيل الأمثل الذي يمكن لضحية أن تتعامل به مع حالة تنمر في المدرسة وهو رقم يمثل ضعف عدد الردود عادة، وقال أكثر من 55% إنه يتعين على الضحية أن ترد الاعتداء عليها، وهي نتيجة أفزعت أستاذ الطب النفسي في جامعة أوكلاند إيان لامبي، والذي قال إنها تعكس المجتمع البدائي في نيوزيلندا الذي يفضل اتباع سياسة العين بالعين. بينما ذكر أقل من 44% أنه سيكون من الأفضل بالنسبة للضحايا أن يخبروا آباءهم أو معلميهم، ويقول ديان ليفي، المعالج الأسري، إن هذا يعكس ثقافة “لا تروي قصصاً”، حيث يتم التكتم على المعلومات. وهذا يحمي المتنمر ويزيد بصورة أكبر من وقوع مزيد من الظلم على الضحايا. وقالت دي جونج إنها تعتقد أنها تعرضت للاعتداء؛ لأنها قالت للمعلمين إن الفتاة التي هاجمتها حذرتها من أن شخصاً ما سيطعنها بسكين. وقال مدير المدرسة للصحيفة إن الشرطة وجهت اتهامات للفتاة المهاجمة وطردت من المدرسة، مضيفاً أن “هذا هو أقوى فعل يمكن اتخاذه.

المدارس اليابانية

من جهتها قالت وزارة التعليم اليابانية إن حالات العنف من جانب طلاب المدارس وصلت الى مستوى قياسي في العام الماضي، مع ميل طلاب المدارس الابتدائية الى استخدام العنف على نحو متزايد، وقفز عدد حالات العنف بنسبة 18% الى 53 ألفاً تقريباً، ويربطها بعض الخبراء بتزايد الضغط بين الاطفال من اجل التفوق في دراستهم وكذلك للانضمام في عدد من الانشطة خارج المنهج الدراسي، وقال مسؤول بوزارة التعليم «إن الاطفال لا يسيطرون على انفعالاتهم وإن هناك تراجعاً في قيمهم الاخلاقية وكذلك تراجعاً في قدراتهم على الاتصال جيداً»، وقفز عدد حالات العنف التي تتضمن اطفال المدارس الابتدائية سواء بالمدرسة او في مكان اخر بنسبة 37% لتبلغ 5214 حالة في هذا العام، لكن شهدت هذه المدارس حالات اقل من التنمر من جانب الطلاب التي تحصيها الوزارة بشكل منفصل، والتنمر في المدارس الذي يتراوح من السخرية الى الضرب والاهمال ومنع القبول في مجموعات طلابية الى الركل مازالت مشكلة منذ وقت طويل في اليابان. بحسب رويترز.

ترك المدرسة

الى ذلك أظهرت دراسة بريطانية جديدة أن أداء مواليد شهر أغسطس هو الأسوأ في الامتحانات، ما يجعلهم أكثر ميلاً إلى ترك مقاعد الدراسة في الـ16 من العمر، كما أنهم أكثر عرضة للوقوع ضحية التنمر في المدرسة الابتدائية، والنتيجة لجوؤهم في سن المراهقة إلى التدخين والجنوح. وأفادت صحيفة «دايلي مايل» البريطانية بأن احتمال حصول الذكور الذين يولدون في أغسطس على علامات سيئة هو 12٪ أقل من الذكور الذين يولدون في سبتمبر، في حين أن النسبة بين الإناث 9٪. كما أن مواليد أغسطس هم أكثر ميلاً بنسبة 20٪ إلى التخلي عن الدراسة وتعلم التجارة ابتداء من الـ16 من العمر، وهم 20٪ أقل ميلاً إلى الذهاب إلى جامعة جيدة. وتبين في الدراسة أن تأثير الولادة في هذا الشهر لا يقتصر على التعليم، بل هم أكثر عرضة للمعاناة من التنمر في المدرسة الابتدائية، ولديهم ثقة أقل بقدراتهم الأكاديمية. بحسب يونايتد برس.

وأشارت إلى أن النتيجة هي أنهم أكثر ميلاً إلى التدخين، وعدد قليل منهم يسيطر على حياته. وقالت كلير كراوفورد من معهد الدراسات المالية المشاركة في الدراسة أن «الأولاد يعانون لمجرد أنهم بسبب حظهم السيئ ولدوا متأخرين في السنة الدراسية. يشار إلى أن الباحثين استندوا في دراستهم إلى بيانات أكثر من ثلاثة ملايين تلميذ في مدارس حكومية.

البدناء أكثر عرضة للتنمّر

فيما اكتشف باحثون أميركيون، أن الأطفال البدناء في مرحلة التعليم الابتدائية أكثر عرضة للتعرض للتنمّر من زملائهم الأكثر نحافة بنسبة 63٪، وقالت المعدة الرئيسة للدراسة الدكتورة جولي لومنغ، من مستشفى الأطفال في جامعة ميتشيغن وزملاؤها، إن 17٪ من الأولاد الذين تراوح أعمارهم بين ست و11 سنة يعانون البدانة في الولايات المتحدة. وشملت الدراسة 821 ولداً، تم التدقيق في ما إذا تعرضوا للتنمر بناء على شهادات من الولد وأمه ومدرسه. ونشرت الدراسة على الإنترنت قبل نشرها في مجلة «طب الأطفال» في يونيو المقبل. وتبين أن الأولاد البدناء أكثر عرضة للتنمر أياً كان جنسهم وعرقهم ووضعهم الاجتماعي ومهاراتهم الاجتماعية أو إنجازاتهم الأكاديمية. بحسب يونايتد برس.

عملية تجميل لتجنب ظاهرة التنمر

على صعيد مختلف الى أي مدى تستطيعون مجاراة أطفالكم لكي لا يكونوا ضحية "التنمر"؟! الظاهرة المنتشرة خاصة في المدارس بين الطلاب. وللابتعاد عن ازعاج "المتنمرين" لطفلتها، قبلت ام امريكية ان تجري عملية جراحية تجميلية، لاذني ابنتها الكبيرتين ولتحميها من الازعاج كي لا تقل ثقتها بنفسها، انتقلت الطفلة البالغة من العمر 7 سنوات، مع امها، من منهاتن الى نيويورك، لاجراء العملية الجراحية لحل مشكلة أذنيها الكبيرتين، وذلك رغبة من الطفلة كي لا تتعرض للتنمر والسخرية من قبل زملائها في المدرسة واينما ذهبت، على شكل أذنيها، وقامت الام بالموافقة بهدف حماية ابنتها من هذه السخرية، ولتشكيل حياة افضل، وبيئة اجمل لابنتها، ولكي لا تتأثر ابنتها من هذا التنمر، ولتحافظ على تقديرها الذاتي، وشخصيتها القوية.

حرب الطلبة في شيكاغو

كما عاد تزايد العنف في مدارس شيكاغو ليفجّر من جديد جدلاً موسعاً، بين المسؤولين المحليين وأوساط الشرطة على مستوى المدينة والولاية ايضاً، حيث تعهد قادة الشرطة في شيكاغو بتكثيف الجهود ليلاً نهاراً واتخاذ تدابير ملموسة للتصدي للعنف بين طلبة المدارس وتعزيز أجواء الأمن والاستقرار والنظام داخلها وخارجها وفي الحافلات التي تقلهم من منازلهم وإليها، وفي آخر مستجدات اعمال العنف بين الطلبة فقد قتل الطالب فرانكو أفيلا - 17 عاماً - بإطلاق النار عليه مباشرة على بعد مبانٍ عدة من البناية التي يقطن فيها، ليكون الطالب الـ10 من مدرسة روزفلت الثانوية والطالب رقم 26 من طلبة المدارس الحكومية في شيكاغو، الذي يذهب ضحية للعنف ، على الرغم من تحذير زوج امه « دينيس كون » ونصيحته له بعدم مغادرة المنزل،وقال كون « كان يحاول اتخاذ الممر الصحيح وكان يصرخ وجسده يرتجف وقتل في حالة من الهرج والمرج، لقد كانت فوضى ولا أفهم ما حدث ولماذا فمازال صغيراً»، وفي 22 فبراير الماضي قتل الطالب «كيندريك بيتس »-1 عاماً، والطالب «رحيم واشنطن» 15عاماً والطالب « جوني ادواردز» 13عاماً من مدرسة بوين الثانوية والخريج السابق منها «كارنل بيتس» 18 عاماً شقيق كيندريك بالتبني، وقالت يللا بيتس أم كيندريك وكارنل بالتبني «إن العنف يتزايد في شيكاغو وأريده ان يتوقف وكل اب وأم يريد ذلك، ونريد لهذا الخوف المستمر ان ينتهي»، بينما قالت «باولا أوبيبي » - 42 عاماً التي كانت تسكن بجوار ثلاث من الضحايا «أنا خائفة كغيري ولابد للمسؤولين من بذل المزيد من الجهود لتفكيك عصابات العنف والجريمة، وأن يعمل اولياء الامور بحزم اكبر لمنع أبنائهم المراهقين من الانضمام الى تلك العصابات». بحسب فرانس برس.

وخلال الأيام الثلاثة التي تلت قتل الطالب افيلا انخرط مسؤولو مجلس المدينة ومكتب العمدة وممثلو الشرطة في سلسلة اجتماعات شارك في بعضها عدد من اولياء الأمور، للتداول في كيفية احتواء الخطر الناجم عن تزايد اعمال العنف، وقال كبير المسؤولين التنفيذيين عن المدارس الحكومية في شيكاغو رون هوبرمان إن الأمر يتطلب مزيداً من التنسيق وتعاوناً اوثق بين مختلف الجهات المعنية، وهي الأسرة والمدرسة والشرطة ورجال الدين لنشر الوعي ومحاصرة عصابات الجريمة وتفكيكها، من جانبه، قال نائب قائد الشرطة في شيكاغو نيك روتي إنه يتفق مع الرأي القائل إن مشكلة العنف بين المراهقين والشبان الصغار معقدة وترتبط بعناصر عديدة مثل طبيعة الحياة المنزلية والمجتمع المحلي وإغراءات العصابات لاجتذابهم للهو واللعب، وقال إن الشرطة تعمل مع مسؤولي المدارس لتشكيل مجموعات استخبارات من الطلبة لاختراق عصابات العنف والحيلولة بشكل استباقي من دون وقوع أعمال العنف، ومن بين الاقتراحات المتداولة بين المسؤولين لمواجهة ظـاهرة العنف المتزايد بين طلبة المدارس في شيكاغو تعزيز قوة الأمن المكلفة بمراقبة حظر التجول المفروض يومياً في ساعة متأخرة من الليل، ونشر عناصر شرطة واستخبارات متنكرين في الحافلات المكلفة بنقل الطلاب من منازلهم الى المدارس وبالعكس، إضافة الى زيادة الدوريات الأمنية في المدينة.

تحفز الأطفال على التنمر

على صعيد أخر وعلى الرغم من أن الأميركيين غالبا ما يغضون الطرف عن «التحفز» بوصفه واحدا من طقوس الطفولة، فإن ظاهرة التنمر bullying في المدارس قد أضحت مسألة يعترف بأنها شكل من أشكال العدوانية، التي قد تؤدي إلى عواقب نفسية بعيدة المدى ـ لكلا الجانبين: الضحية والمعتدي، واستجابة لهذه المسألة فقد أعادت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال AAP النظر في وثائقها الموضوعة حول عنف الشباب، بحيث شملت ولأول مرة، معلومات عن كيفية التعرف على التنمر وكيفية التعامل معه، وقد أجريت أغلب الأبحاث على التنمر في استراليا، وفي أوروبا أيضا التي تراوحت فيها معدلات أعمال التنمر المتكررة بين نسبة 2 في المائة بين الشباب في أيرلندا إلى 19 في المائة في مالطة، وأفادت دراسة مثلت فيها مختلف الفئات في الولايات المتحدة أجريت على 15 ألفا و686 من الطلاب الدارسين في صفوف السنوات من 6 إلى 10، بأن 9 في المائة منهم قاموا بأعمال التنمر ضد الطلاب الآخرين مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، بينما وقع 8 في المائة من الطلاب ضحايا لأعمال التنمر المتكررة، وكان معدل حمل السلاح من قبل ضحايا التنمر الأسبوعي أعلى بـ1.5 مرة مقارنة بالطلاب الآخرين، في حين زاد معدل حمل السلاح إلى 2.6 مرة لدى القائمين بأعمال التنمر أنفسهم.

إذ أن ضحايا التنمر والأشخاص الذين يمارسونه، والمتفرجون الذين يشاهدون التفاعل بين الجانبين، يعانون من هذه الظاهرة، ولكن بشكل يختلف من فئة لأخرى، الضحايا: الأطفال والمراهقون من ضحايا التنمر يعانون من شكل متدنٍ من أشكال البؤس الذي يوصف عادة في الأدبيات العلمية بأنه «تكيف نفسي سيئ، ولا يزال من غير الواضح في ما إذا كان هذا يحدث بسبب أنهم ضعفاء أو مهددون أكثر من غيرهم منذ البداية، أو نتيجة تعرضهم لأعمال التنمر، أو بسبب توليفة من هاتين الحالتين، وغالبا ما يشار إلى هؤلاء بوصفهم «مختلفين»، فمن الصعب عليهم إقامة صداقات، وهم يميلون إلى الوحدة والانعزال، ويعانون نفسيا واجتماعيا .. وبالنتيجة فإنهم قد يتغيبون عن حصص دروسهم ويتحاشون المدرسة، أو يتناولون المخدرات أو المشروبات الكحولية بهدف تخدير مشاعرهم، وضحايا التنمر المزمن هم أيضا عرضة لخطر حدوث مشاكل بعيدة المدى، فهم وفي الغالب، يتعرضون في أوقات لاحقة إلى الكآبة أو يفكرون في الانتحار، وقد وجدت دراسة مستقبلية أجريت في إنجلترا استندت إلى معطيات صحية ومقابلات سنوية مع 6437 طفلا، أن الأطفال بين أعمار 8 و10 سنوات الذين تعرضوا بشكل متكرر لأعمال التنمر، كانوا يمرون بأعراض الذهان العصبي خلال فترة مراهقتهم أكثر بمرتين من الآخرين.

التنمر المدرسي يطيح بهيبة الأستاذ

في حين شهدت المدرسة الجزائرية في السنوات الأخيرة تصاعدا في ظاهرة التنمر المدرسي، ولكن ليس تنمر الطالب على الطالب وإنما تنمر الطالب على الأستاذ، من خلال تسجيل عدد كبير من الاعتداءات على الأساتذة في مختلف أنحاء البلاد، ودقت العديد من الجهات ناقوس الخطر لاحتواء الظاهرة قبل خروجها عن السيطرة، وأمام توسع ظاهرة التنمر المدرسي ضد الأساتذة، والتي سادت حتى المدارس الابتدائية، أطلقت النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، مبادرة وطنية لجمع أكبر عدد من التوقيعات، في شكل عريضة احتجاج وطنية، للضغط على وزارة التربية لحملها على إصدار قانون لحماية المعلم والأستاذ داخل المؤسسة التربوية من جميع أشكال العنف التي أصبح عُرضة لها. وأكد الأستاذ محمد أوس، عضو المكتب الوطني للنقابة، بأن النقابة كلفت جميع مكاتبها في البلاد من أجل الشروع في جمع توقيعات مستخدمي القطاع في شكل عريضة اسمية، سيتم استعمالها لمطالبة الجهات المسئولة بتحصين الأستاذ من الاعتداءات الجسدية التي باتت تستهدفه، حيث "نطمح إلى جمع أكثر من مائة ألف توقيع على أقل تقدير للمطالبة بسن قانون خاص، ينتهي بفرض الحماية اللازمة لطاقم المُدرسين أثناء التدريس.

ويقول أستاذ الفلسفة محمود أوبعيش إن كل الأرقام تؤكد بأن الأستاذ هو "الضحية" في هذا الموضوع وغالبا ما "يدفع ثمن" قرارات الإدارة ومجالس الأقسام الصادرة في حق التلميذ التي تكون في أغلبها رمزية لا تتعدى التوبيخ البسيط والملاحظة الشفهية، وأقصاها النقل إلى مؤسسة أخرى. غير أن أن هذا يؤدي ببعض التلاميذ إلى التفكير في "الانتقام" سواء داخل المؤسسة أو خارجها، كل هذا في ظل استمرار غياب أطر حماية الأستاذ بكل أشكالها، وخاصة الزميلات اللواتي لا حول ولا قوة لهن داخل المؤسسة وخارجها، وهن أكثر تعرضا للعنف الجسدي واللفظي من الأساتذة الرجال، ويعكس عدد شكاويهن في أقسام الشرطة والمحاكم دليلا على ذلك، وبالرغم من صعوبة تحديد الطرف المسئول عن تنامي ظاهرة العنف، إلا أن المختصين يرون في الاكتظاظ وافتقاد الأساتذة للتكوين الخاص في علم النفس التربوي، وغياب أطر قانونية واضحة تحدد مسؤوليات كل طرف وضمانات حمايته، بالإضافة إلى إهمال الأسرة لمهمة التربية، إذ لم تعد تؤدي دورها في متابعة الأبناء داخل البيت وخارجه، وخضوع الأبناء لتأثيرات خارجية بعيدة عن منظومة القيم التي ينتمون لها، وغلبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع على القيم التربوية والتعليمية عوامل تراكمية عبر السنوات تدفع الآن بقوة أكبر بالعنف في الوسط المدرسي، ويؤكد الأستاذ علي شبيطة الباحث في علم الاجتماع التربوي في هذا الإطار أن 40% من التلاميذ في الجزائر يتميزون بسلوك عدواني يدفعهم إلى ممارسة العنف بمختلف أشكاله، ويقول لدويتشه فيله إن "العنف المدرسي ظاهرة عالمية، وهي مستفحلة في كل المجتمعات، وهو ما يعني أنها ليست خاصية جزائرية، لكن ما يميزها عندنا هو سرعة تناميها"، وعن الأسباب التي أدت إلى انتشارها، فترجع إلى وجود عدة عوامل، من أهمها "خصوصية مرحلة المراهقة التي يمر بها التلميذ، والتي يتميز فيها الفرد بطاقة مرتفعة يقوم بتفريغها في شكل سلوكيات عنيفة، بالإضافة إلى سنوات العنف في الجزائر التي أثرت سلبا على نفسية جيل بأكمله، علاوة على تأثير المحيط الخارجي، وأقصد بذلك وسائل الإعلام سواء التلفزيون أو الإنترنت، والأسرة العاجزة حاليا عن أداء دورها التربوي، ويضاف لهذه العوامل جميعها تنصل الوزارة الوصية عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة الظاهرة واحتواءها.

كيف يمكن التصدي ؟

من جانب أخر تشير الدراسات إلى تفاقم ظاهرة العنف بين الشباب في كل أنحاء أوروبا خلال العقدين الأخيرين. ومن أجل مواجهة هذه الظاهرة قامت مدرسة ألمانية بإلحاق تلاميذها بدورات لتعليمهم كيفية التصرف في حال تعرضهم للعنف اللفظي أو الجسدي، حيث أنهى تلاميذ الصف السادس درس السباحة وتزاحموا على الخروج من المكان. في هذه الأثناء يراقب المدرس نوربرت كيهماير التلاميذ بعينه الساهرة للتأكد من سير الأمور بسلام، فالعنف المدرسي أصبح ظاهرة منتشرة في ألمانيا وأوروبا. التلميذ فيليب والبالغ من العمر 11 عاماً شاهد ذات مرة تعرض أحد التلاميذ للمضايقات وللضرب أيضاً، حيث يقول: "شكل التلاميذ دائرة وأخذوا يهللون ويصيحون وهم يشاهدون تعرض الولد للضرب". ويقول فيليب إن أول ما طرأ على باله وقتها هو الهروب من المكان تجنباً للتعرض للضرب ولكنه تمنى في الوقت ذاته مساعدة الضحية. ورغم وجود العديد من التلاميذ المنحدرين من عائلات ذات مشاكل اجتماعية، فإن مدرسة نويس دورف لم تشهد حالات عنف خطيرة، ولكن كيف يمكن مساعدة ضحايا العنف في المدارس وهناك شعور دائم بالخوف لدى التلاميذ؟ فالعنف المدرسي له أشكال متعددة كالضرب والتهكم والسب. كما أن العنف قد يأخذ أشكالاً أخرى كالتجاهل والذي يسبب أيضاً الشعور بالألم، وعادة ما يتعرض الشخص للعنف عندما يكون بمفرده، بينما يكون الجناة عادة مجموعة، أما الشهود فلا يقومون بشيء أكثر من التفرج. بحسب وكالة الإنباء الألمانية.

 ولهذا السب قامت مدرسة نويس نورف بإلحاق 200 تلميذ بدورة تعليمية تسمى "تعلُم خالي من العنف" لتدريبهم على مواجهة العنف ولخلق مناخ جيد في المدرسة، يساعد التلاميذ على التعلم. ويرى المدرس نوربرت كيهماير أن مجرد تجاهل الإهانات ليس بالأمر الكافي وأن هناك أمور أخرى، يتعين على التلاميذ تعلمها لمواجهة هذه الظاهرة. "لا بد من فعل المزيد، لغة الجسد تلعب دوراً مهماً وهذا ما علمناه لأطفالنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آذار/2012 - 25/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م