
شبكة النبأ: أصبح العالم أشد خطورة من
أي وقت مضى. الولايات المتحدة تواجه تهديدات عديدة ومعقدة. لننظر فقط
الى الارهابيين والدول المارقة والاخطار الناشئة عن ثورات الشرق الاوسط
والهجمات الالكترونية وطموحات ايران النووية والقوة المتزايدة للصين.
وما أطول القائمة.
يصف وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا هذه الاوضاع بقوله انها تجعل
من العالم مكانا "أكثر غموضا وتقلبا وخطورة". وتشير استطلاعات الرأي
الى أن معظم النخبة في السياسة الخارجية الامريكية يعتقدون أن العالم
أصبح خطرا بنفس القدر أو ربما أشد خطورة مما كان خلال الحرب الباردة.
ويقول محللا السياسة الخارجية ميكا زينكو ومايكل كوهين ان هذا
الاعتقاد هو الذي يشكل مضمون وطبيعة المناقشات في السياسة الخارجية
الامريكية ويحدد أطر الفهم للشؤون الدولية.
وفي أحدث عدد من مجلة الشؤون الخارجية كتب الاثنان يقولان "هناك
مشكلة واحدة فقط. بمنتهى البساطة.. هذا خطأ. ان العالم الذي تعيش فيه
الولايات المتحدة اليوم هو مكان امن ومأمون الى حد كبير. بل هو عالم
يفترض أن ما يشهده من صراعات عنيفة أقل من أي مرحلة أخرى في التاريخ ".
وأضافا "ان الولايات المتحدة لا تواجه تهديدات ملموسة لوجودها ولا
توجد قوة عظمى منافسة لها ولن تواجه منافسة على المدى القريب على دور
القوة المهيمنة في العالم. والجيش الامريكي هو أكبر قوة على وجه الارض."
وأوضحا أنه على الرغم من أن هناك مجموعة متنوعة من التحديات على الصعيد
الدولي الا أنها لا تشكل خطرا يذكر على الاغلبية الساحقة من المواطنين
الامريكيين.
ويضرب زينكو وكوهين مثلا بالارهاب قائلين ان 13816 شخصا قتلوا في
هجمات ارهابية في عام 2010 لم يكن بينهم سوى 15 أمريكيا بنسبة (0.1 في
المئة). وبين عامي 2006 و 2010 تراجعت الهجمات الارهابية في جميع أنحاء
العالم بنسبة حوالي 20 في المئة وانخفضت أعداد الوفيات الناجمة عنها
بنسبة 35 في المئة. بحسب رويترز.
ويقول زينكو وكوهين ان هناك تفاوتا بين التهديدات الخارجية والترويج
الداخلي للتهديدات وهو أمر تبدو النخب السياسية في أمريكا غير مستعدة
للاعتراف به وغير راغبة حتى في الانخراط بشكل أكبر في صنع القرار فيما
يتعلق بالامن القومي.
والسبب وراء ذلك هو أن تضخيم التهديدات يخدم مصالح كلا الحزبين
وخاصة في سنة الانتخابات. فالجمهوريون يصعدون لهجة التحذير لابراز ضعف
الديمقراطيين المزعوم في التعامل مع التهديدات. ويبالغ الديمقراطيون في
تصوير التهديدات كسبيل للحماية من هجمات الجمهوريين.
ويشير زينكو وكوهين الى أن المبالغة وتضخيم التهديدات يتخذ أيضا
وسيلة لتبرير الميزانيات الضخمة للجيش ووكالات المخابرات الامريكية.
والنتيجة المترتبة على كل هذا هي عسكرة السياسة الخارجية وخلل توزيع
الاعتمادات المالية وعدم التركيز بما فيه الكفاية على أدوات الامن
الوطني غير العسكرية.
وفي تحد لما أصبح حكمة تقليدية كتب الرجلان ان "السياسة الخارجية
الامريكية تحتاج عددا أقل ممن يمكنهم القفز من الطائرات وعددا أكبر ممن
يمكنهم عقد المناقشات حول الطاولات المستديرة وقيادة المفاوضات."
لكن ميزانيتي وكالتي القوة (الناعمة) الرئيسيتين وهما الوكالة
الامريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الامريكية تتضاءل بالمقارنة
بوزارة الدفاع الامريكية. ان ميزانية البنتاجون الهائلة "لا تؤدي فحسب
لاهدار الموارد السابقة بل انها تشوه أيضا التفكير الخاص بالامن القومي
وصنع السياسة."
فهل ستدفع حجج زينكو وكوهين المثيرة للانتباه صناع السياسة لاعادة
التفكير.. ربما لا لكن حقيقة ظهور مقالهما في المجلة سيثير جدلا ولا شك
أنه سيثير انتقادات من المدافعين عما يسمى مبدأ الواحد في المئة وهي
الفكرة القائلة ان من الواجب بذل كل جهد لمواجهة التهديد حتى لو كان
احتمال حدوثه واحدا في المئة فحسب.
زينكو وكوهين ليسا الوحيدين اللذين يؤكدان أن العالم أصبح مكانا
أكثر أمنا على الرغم من أن ذلك يبدو غير منطقي في ضوء كم الاخبار
اليومية عن اراقة الدماء في أنحاء العالم.
وفي العام الماضي نشر ستيفن بينكر وهو أستاذ علم النفس في جامعة
هارفارد كتابا مؤثرا بعنوان (الملائكة الافضل في جنسنا) يتتبع فيه
تراجع العنف على مر القرون. وكتب بينكر "صدق أو لا تصدق -وأنا أعلم أن
معظم الناس لن يصدقوا- أن العنف تراجع على مدى فترات زمنية طويلة"
مضيفا "ربما نحيا اليوم في أشد العصور سلما في تاريخ البشرية". ويوضح
أن هذا الانخفاض هو تطور لا خلاف عليه وشيء ظاهر خلال فترات زمنية
تتراوح بين الاف السنين وعدة سنوات.
ويقر بينكر بأن تأكيده قد يعتبره البعض ضربا من "الهلوسة" نظرا لان
القرن الجديد بدأ بمقتل أكثر من 3000 شخص في الهجمات على نيويورك
وواشنطن وأودت الحروب في العراق وأفغانستان ودارفور بحياة ألوف اخرين.
لكنه يقول متحدثا بلغة الارقام والنسب أن الدماء التي أريقت في
بداية القرن الواحد والعشرين والقرن العشرين كله (على الرغم من الحربين
العالميتين والمحرقة) أقل من الحقب والعصور السابقة. ففي القرن السابع
عشر على سبيل المثال تسببت حرب الثلاثين عاما في انخفاض عدد سكان
ألمانيا بمقدار الثلث.
فهل تؤدي مثل هذه المقارنات الرقمية الى تغيير المفاهيم.. يجيب
بينكر بالنفي. ويقول في مقدمة كتابه ان "ملكاتنا الادراكية تجعلنا
ميالين لان نعتقد بأننا نعيش في زمن العنف.. خاصة عندما تذكيها وسائل
الاعلام التي ترفع شعار كلما زادت الدماء (في القصة الخبرية) كلما زادت
اهميتها". |