سلالة غاندي في الهند... آمال تصطدم بالانحسار السياسي

 

شبكة النبأ: نام راهول غاندي في العراء في ريف الهند وتقاسم وجبات بسيطة من العدس بالكاري والخبز مع ريفيين فقراء بل وألقي القبض عليه لانضمامه الى مزارعين في احتجاج متعلق بالاراضي.

حاول سليل عائلة نهرو-غاندي الهندية العام الماضي ان يصور نفسه على انه رجل الشعب. أرتدى أزياء بسيطة وأطلق لحيته ليبدو أكثر خشونة بينما كان يشن حملات بلا توقف لحزب المؤتمر الحاكم في ولاية أوتار براديش وهي ولاية شاسعة المساحة يقطعها نهر الجانج ويسكنها 200 مليون نسمة أي أكثر من سكان البرازيل.

قال غاندي البالغ من العمر 41 عاما لحشد من الريفيين في واحد بين أكثر من 200 تجمع انتخابي في الولاية "أريد أن يلسعني البعوض كما يفعل معكم حتى أتفهم ألمكم." لكن هذه الاستراتيجية لم تفلح. اذ ان فرز الاصوات أظهر أن حزب المؤتمر لم يحصل سوى على 28 مقعدا من بين 403 مقاعد في المجلس التشريعي للولاية ليحتل بذلك المركز الرابع. بحسب رويترز.

كان ينظر لاداء غاندي على أنه اختبار لمدى ملاءمته لتولي مقاليد الحزب من والدته المريضة سونيا غاندي الايطالية المولد ليصبح في النهاية رئيسا للوزراء في حالة احتفاظ حزب المؤتمر وحلفائه بالسلطة في الانتخابات الوطنية المقررة في 2014 .

وجاءت هذه النتيجة بمثابة صفعة موجعة للعائلة الاولى في الهند في نفس الولاية التي سطع فيها نجمها كمنارة للحرية قبل الاستقلال عن بريطانيا عام 1947 . وكانت ضربة أخرى لحزب أصبح يتوحد مع عائلة غاندي أكثر من توحده مع الفكر أو القناعات السياسية.

حصد المركز الاول حزب ساماج وادي (الاشتراكي) وهو تجمع أسسه مصارع سابق لا تتعدى شعبيته ولاية أوتار براديش. وسبق لحزب المؤتمر أن تعرض للهزيمة في مواجهة أحزاب اقليمية كثيرا ما كانت اكثر اقترابا من القضايا المحلية لكن طريقة تعامل غاندي مع الحملة الانتخابية لولاية اوتار براديش وعجزه حتى عن خوض معركة انتخابية ينذر بمشاكل كبيرة للحزب.

قال رشيد كيدواي الذي كتب سيرة سونيا غاندي "حزب المؤتمر في تراجع... المشكلة مع المؤتمر هو أنه لم يبحث عن زعماء خارج اطار عائلة غاندي. لا توجد مؤسسة بحثية داخل الحزب ولم تعد هناك أفكار كبيرة."

وعلى الرغم من كل الحديث عن الحاجة للتغيير فان استجابة الحزب تمثلت في الاحتشاد وراء ال غاندي والاصرار على أنه ليس ثمة خطأ في هذه الاستراتيجية. وقال ساتشين بايلوت وهو وزير دولة بوزارة الاتصالات الاتحادية ومن الدائرة المقربة لعائلة غاندي "سياسيا تحمل (راهول) المسؤولية عن الاداء الضعيف للحزب لانه قاد (المعركة) من الجبهة. هذا ما يفعله الزعماء."

وأضاف "من الواضح أنه يشعر بخيبة أمل لكني لا أعتقد أنه فقد العزيمة... نتطلع جميعا للعمل مع راهول غاندي في المستقبل لذلك لا يوجد تغيير على تلك الجبهة. هذا لا يغير جدول أعمال الحزب أو ما ندافع عنه. انها انتكاسة لكن ليست هزيمة."

ولعشرات السنين ظلت عائلة غاندي تهيمن على الساحة السياسية في أكبر بلد ديمقراطي في العالم. ويمثل تولي العائلة رئاسة الوزراء وزعامة حزب المؤتمر انعكاسا لطريقة الحكم في النظام الملكي الانجليزي. وأضفى اغتيال انديرا غاندي ابنة الزعيم جواهرلال نهرو عندما كانت رئيسة للوزراء عام 1984 وحفيده راجيف عندما كان يشن حملته الانتخابية عام 1991 هالة مأساوية شبيهة بالهالة المحيطة بعائلة كنيدي في الولايات المتحدة.

لكن في الوقت الحالي فان اجلال عائلة غاندي المتكتمة وحزبها ينحسر في بلد تغيرت فيه التطلعات بعد عقد من النمو الاقتصادي المذهل. كتب ام.جيه أكبر وهو عضو سابق في البرلمان عن حزب المؤتمر وكان من الاشخاص موضع ثقة بالنسبة لعائلة غاندي في صحيفة اينديا توداي يقول "العائلة.. في هذه العصور القائمة على المساواة.. لم يعد وراءها منطق ملائم لتولي المنصب" مضيفا أن حزب المؤتمر "اما أن يكون وقفا وطنيا أو ملكية عائلية وليس كليهما."

وأصبح للوعود التي تقطعها أحزاب اقليمية ثقل لدى الكثير من الناخبين أكثر من وعود حزب المؤتمر الذي ينظر له على أنه منفصل عن الواقع وبعيد ومتمسك بالماضي. ولم يبذل المرشحون مجهودا يذكر سوى الظهور في التجمعات الانتخابية والحديث عن اسم غاندي وتسليم اعانات للفقراء.

وستضيف الهزيمة المهينة في ولاية أوتار براديش - وفي ولاتين أخريين من أربع ولايات أخرى خاضت الانتخابات - المزيد من المتاعب للحكومة الائتلافية التي يقودها حزب المؤتمر في الوقت الذي تتجه فيه البلاد نحو الانتخابات العامة والمقررة خلال عامين.

هذه الهزيمة أثارت تكهنات في نيودلهي عن احتمال اضطرار حزب المؤتمر الى خوض انتخابات مبكرة لكن بمنطق غريب قد تفضل أحزاب المعارضة انتظار مزيد من التطورات. وكان رئيس الوزراء مانموهان سينغ الذي كان العقل المدبر للاصلاحات التي أطلقت عام 1991 والتي حققت الانتعاش الاقتصادي للهند بطة عرجاء بالفعل قبل أحدث ضربة. عانت حكومته من فضائح فساد وتتحالف مع أحزاب مواقفها زئبقية تحتاج مساندتها بشدة. وهي لا تقدم على الكثير من المخاطر السياسية وتبتعد عن الاصلاحات التي يمكن أن تعطي الاقتصاد دفعة للامام.

ومن المرجح أن يعود حزب المؤتمر مرة أخرى لرؤيته القديمة القائمة على الاشتراكية الديمقراطية حتى يتقرب الى حشود الريف. كما من المرجح أن يميل حزب المؤتمر الى السياسات الشعبوية خلال الفترة التي تسبق انتخابات 2014 مما يعني المزيد من الانفاق على البرامج الاجتماعية مثل الوعد بتوفير الامن الغذائي للجميع.

وربما تثير الهزيمة في انتخابات ولاية أوتار براديش كذلك تساؤلات جديدة عن فرضية تولي راهول غاندي القيادة كزعيم للحزب من والدته (65 عاما) التي خضعت لجراحة العام الماضي بسبب حالة مرضية لم يكشف عنها والتي يعتقد على نطاق واسع أنها حالة سرطان.

واذا لم يكن راهول غاندي قادرا على تحقيق نتائج في أوتار براديش سيتساءل كثيرون.. أي أمل يمكن أن يوجد في ظل أعداد للناخبين تزيد ستة أمثال في انتخابات 2014 ..

وقال رئيس الوزراء سينغ "هذه انتكاسة هائلة جدا.. خاصة لراهول غاندي... كانت هناك همهمات بالفعل داخل الحزب بشأن طريقته في القيادة وقدرته على الحصول على أصوات."

وقال سعيد نقوي وهو زميل في مؤسسة أوبزرفر للابحاث وصحفي مخضرم "سيحتشد حزب المؤتمر وراء راهول... هذا حزب لا يتخلى بسهولة عن زعيمه." لكن نقوي سخر من التاريخ السياسي لراهول غاندي مشيرا الى أنه خلال نحو ثماني سنوات كعضو في البرلمان فان أبرز مساهمة له كانت بيانا من صفحتين عن الفساد قرأه بنفسه. وقال نقوي "هذا تدليس تام ومتعمد على البلاد."

ونضج راهول غاندي بالفعل كمتحدث في حملته الانتخابية وزادت ثقته في القاء خطب طويلة وقوية. بدا مسترخيا بشكل متزايد في ولاية اوتار براديش موجها خطابه لعشرات الالاف باللغة الهندية العامة لاهل المنطقة.

لكن هناك شاب اخر هو الذي سرق الاضواء. انه أكهيليش ياداف (38 عاما) وهو ابن مصارع سابق والذي فاز في انتخابات أوتار براديش والذي تفوق كثيرا على راهول غاندي من حيث القدرة على مخاطبة المواطنين وتقمص صورة ريفية كان لها وقعها لدى الناخبين بينما كان يجوب الولاية راكبا دراجة.

والدرس المستفاد بالنسبة لحزب المؤتمر هو أنه يحتاج الى أن يعيد اكتشاف نفسه ويعيد بناء نفسه بزعماء اقليميين في بلد أصبحت فيه السلطة تنتقل الى الولايات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آذار/2012 - 23/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م