الجيش الامريكي في افغانستان... مهمة أكثر من مستحيلة

 

شبكة النبأ: تنامت مؤخرا حدة الخلاف بين امريكا وافغانستان رغم المسعى الجاد والمتواصل من قبل الطرفين الى لملمة بعض القضايا القديمة، الخلافات الجديدة اتت على خلفية اقدام بعض الجنود الامريكان بحرق نسخ من القران الكريم في القاعدة الرئيسية لحلف شمال الاطلسي والتي ادت الى اندلاع بعض اعمال العنف سقط على اثرها عشرات الضحايا، تبعها اعتداء اخر تسبب في مقتل 16 مواطن افغاني، الحوادث الاخيرة اسهمت بشكل مباشر بتنامي مشاعر الغضب والاستياء بين مختلف الاوساط في افغانستان التي تعاني في الاساس من الكثير من المشاكل الداخلية والخروقات الامنية ، من جانب اخر يخشى الامريكان من سعي العناصر المتطرفة الى اسغلال تلك الحوادث التي تصفها بالعرضية في تنفيذ بعض مخططاتها القتالية ضد قوات التحالف، وحذر مسؤولون امريكيون من احتمال وقوع هجمات انتقامية بعد مقتل 16 قرويا افغانيا معظمهم من الاطفال والنساء في عملية اطلاق نار من قبل جندي امريكي تضعف قبضة الغرب الضعيفة على حرب دائرة منذ عشر سنوات. وسارعت واشنطن لتفصل عملية اطلاق النار التي انحت باللائمة فيه على جندي امريكي وحيد عن جهود القوة الامريكية المؤلفة من 90 الف جندي في افغانستان ولكن اطلاق النار العشوائي في اقليم قندهار بجنوب افغانستان سيلهب بالتأكيد من جديد الغضب ضد الغرب.

ويأتي هذا الحادث بعد قيام جنود امريكيين بحرق نسخ من القران الكريم في القاعدة الرئيسية لحلف شمال الاطلسي في افغانستان مما اثار احتجاجات واسعة النطاق قتل فيها 30 شخصا.

وقالت السفارة الامريكية في بيان طارئ على موقعها على الانترنت ان "السفارة الامريكية في كابول تحذر المواطنين الامريكيين في افغانستان من انه نتيجة لحادث اطلاق نار مفجع في اقليم قندهار ضم عسكريا امريكيا فهناك خطر بحدوث مشاعر واحتجاجات مناهضة للامريكيين لاسيما في الاقاليم الشرقية والجنوبية." وقندهار هي مهد حركة طالبان التي اطاحت بها قوات مدعومة من الولايات المتحدة في اواخر 2001. وشهدت الاقاليم الجنوبية والشرقية بعضا من اعنف القتال خلال الحرب والتي لا تحظى بشعبية على نحو متزايد بين الامريكيين وحلفائهم الاوروبيين.

وقالت السفارة الامريكية على موقع تويتر ان قيودا فرضت على تنقلات كل افراد السفارة في الجنوب. وحدثت زيادة كبيرة في هجمات القوات الافغانية على القوات الامريكية بعد حرق القران. وكان الحادث الذي وقع في قندهار واحدا من اسوأ الحوادث في نوعه ووصفه شهود بانه"مذبحة ليليلة" اسفرت عن قتل تسعة اطفال وثلاث نساء. وقال متحدث باسم قوة المعاونة الامنية الدولية (ايساف) التي يدعمها حلف شمال الاطلسي ان قرويين في ثلاثة منازل هوجموا وأصيب مدنيون كثيرون.

واثار حرق نسخ من المصحف الشريف في قاعدة باجرام الجوية غضبا على نطاق واسع بين المسؤولين وقوات الامن والمدنيين الافغان على حد سواء. وتثبت هذه العملية ايضا التحديات المتبقية مع استعداد القوات الاجنبية لسحب القوات المقاتلة وتسليم مسؤولية الامن للافغان بحلول نهاية 2014. وربما يعزز الهجوم ايضا اجماعا متزايدا في واشنطن بشان ما يمكن انجازة في افغانستان حتى بعد زيادة القوات التي استهدفت تغيير مجرى الحرب . وتجاوزت تكلفة الحرب بالفعل 500 مليار دولار وقتل اكثر من 1900 جندي امريكي ليقترب عدد الجنود الاجانب الذين قتلوا من ثلاثة الاف شخص.

ويمثل سقوط ضحايا من المدنيين بسبب القوات الامريكية والقوات الغربية الاخرى احد الاسباب الرئيسية للخلاف بين واشنطن وكابول. وادان كرزاي اطلاق النار بوصفه "قتلا متعمدا" وطالب بتفسير. واصدر مكتب كرزاي بيانا نقل فيه عن قروي قوله "ايقظ جنود امريكيون اسرتي واطلقوا النار على وجوههم". وتضاربت الروايات بشان عدد الجنود الامريكيين الذين شاركوا في اطلاق النار حيث تقول روايات الشهود انهم عدة جنود.

وقال مسؤولون من السفارة الامريكية وايساف ومن واشنطن انه يبدو ان جنديا واحدا فقط هو الذي قام باطلاق النار. وقال متحدث باسم ايساف ان الجندي الامريكي "عاد الى القاعدة وسلم نفسه للقوات الامريكية " واضاف انه لم تكن هناك اي عمليات عسكرية في المنطقة. ووصف مسؤول امريكي في واشنطن الجندي المحتجز بانه سارجنت متزوج وله ثلاثة اولاد. واضاف المسؤول ان السارجنت خدم ثلاث مرات في العراق ولكن هذه اول مرة يرسل فيها الى افغانستان.

وقال اقارب وجيران للقتلى انهم رأوا مجموعة من الجنود الامريكيين يصلون الى قريتهم في منطقة بانجوايي في نحو الثانية صباحا ويدخلون منازل ويطلقون النار. وتقع بانجوايي على بعد نحو 35 كيلومترا من مدينة قندهار عاصمة اقليم قندهار.

ولكن وزير الشؤون الحدودية والقبلية الافغاني اسد الله خالد قال ان جنديا امريكيا اقتحم ثلاثة منازل قرب قاعدته عند منتصف الليل وقتل 16 شخصا من بينهم 11 شخصا في المنزل الاول.

وقال القروي حاجي صمد ان اطفاله واحفاده كانوا من بين 11 من اقاربه قتلوا في الحادث. وقال صمد وهو يبكي في مكان الحادث وقد تلطخت جدران منزله بالدم ان الامريكيين "سكبوا مواد كيماوية على جثثهم واحرقوها." وقال جيران انهم استيقظوا على صوت اعيرة نارية يطلقها جنود أمريكيون وصفوهم بانهم كانوا سكارى ويضحكون. بحسب رويترز.

ورفض مسؤول دفاعي امريكي كبير في واشنطن مثل هذه الروايات. وقال "بناء على المعلومات المبدئية الموجودة لدينا فان هذه الرواية خطأ بشكل قاطع."نعتقد ان عسكريا امريكيا واحدا عمل بمفرده وليس مجموعة من الجنود الامريكيين."واتصل وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا ايضا بكرزاي ليعزيه. وقال بانيتا "ادين مثل هذا العنف وقد صدمت وحزنت لمزاعم ان عسكريا امريكيا قام بذلك وقد عمل بشكل واضح خارج تسلسل قيادته."

في سياق متصل اعرب الرئيس الاميركي باراك اوباما عن "حزنه العميق" للمذبحة ووصفها بانها "مفجعة ومذهلة". وقال اوباما في بيان اصدره البيت الابيض "اشعر بحزن شديد للمعلومات التي اشارت الى موت مدنيين افغان. واقدم اصدق التعازي لاسر واعزاء الذين فقدوا الحياة والى الشعب الافغاني الذي تعرض لكثير من المعاناة والعنف". واضاف الرئيس انه "حادث مفجع ومذهل ولا يمثل اطلاقا الطابع الاستثنائي لقواتنا ولا الاحترام الذي تكنه الولايات المتحدة للشعب الافغاني". وايد ايضا اجراء تحقيق "لمعرفة الوقائع في اسرع وقت ممكن حتى يمكن محاسبة المسؤولين" عن هذه المجزرة. ولاحقا، اعلن البيت الابيض ان اوباما اجرى اتصالا هاتفيا بنظيره الافغاني حميد كرزاي معبرا له عن "ذهوله" و"المه" لهذه المجزرة. واضافت الرئاسة الاميركية ان اوباما "قدم تعازيه الى الشعب الافغاني وشدد على التزام ادارته بتحديد الوقائع في اسرع وقت ومحاسبة اي شخص يتحمل مسؤولية" في هذا الحادث.

وكان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا اكد في وقت سابق للرئيس الافغاني ان "تحقيقا كاملا يجري" لتحديد ظروف المجزرة التي اودت ب16 مدنيا افغانيا بيد جندي اميركي في ولاية قندهار. وقال بانيتا في بيان ان "مشتبها به قيد الاحتجاز وقد اكدت للرئيس كرزاي اننا سنحيل المسؤولين على القضاء"، معربا عن "ذهوله وحزنه لكون جندي اميركي تحرك بوضوح في معزل عن رقابة قيادته" ضالعا في هذا الحادث. واضاف "لن ندخر اي جهد لتحديد الوقائع في اسرع وقت، وسنعمل على ان يلاحق كل شخص مسؤول عن هذا العنف في شكل كامل في اطار القانون".

استمرار الشراكة

من جانب اخر قال البيت الابيض ان الرئيسين الاميركي باراك اوباما والافغاني حامد كرزاي اكدا في وقت سابق وخلال مؤتمر عبر دائرة فيديو مغلقة ، عزمهما على مواصلة الشراكة بين البلدين، على الرغم من التوتر الناجم عن حرق جنود امركيين نسخا من القرآن الكريم. وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض ان الرئيسين تدارسا موضوع الامن في المنطقة، وعملية السلام في افغانستان. واضاف كارني ان كرزاي اطلع اوباما على الوضع الامني في افغانستان. واوضح ان الرئيسين "نوها الى التقدم في عملية الشراكة الاستراتيجية (بين البلدين) التي تعزز السيادة الافغانية، مع التطرق في الوقت نفسه الى مسألة المتطلبات التطبيقية للعملية الانتقالية".

وكان كرزاي قد عبر عن امله في التوقيع على اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، لكنه اكد انه توقيع مشروط. ومن هذه الشروط احترام السيادة الوطنية لافغانستان، ووقف الغارات الليلية للقوات الدولية، ونقل السيطرة على سجن باغرام، الذي صار يسمى "غوانتانامو الافغاني"، الى السلطات الافغانية.

وقال كارني ان الزعيمين "اتفقا على انه من مصلحتنا المتبادلة مواصلة الشراكة القائمة على الاحترام المتبادل، واتفقا على ابقاء تواصل وثيق قبل قمة حلف الاطلسي (الناتو) في شيكاغو"، بالولايات المتحدة المقررة في ايار/مايو. وتسببت الاحتجاجات والشغب الذي تلى حرق المصاحف في قاعدة اميركية بجعل المفاوضات حول طبيعة العلاقات بين كابول وواشنطن اكثر تعقيدا. يشار الى انه من المقرر ان تنهي قوات حلف الاطلسي مهامها في افغانستان، وقد شرعت في مغادرته، على ان تنتهى المهام بالكامل في غضون عامين.

وتعهدت الولايات المتحدة بنقل سجن باغرام المثير للجدل الذي تشرف عليه، في غضون ستة اشهر الى الحكومة الافغانية، وهو احد الشروط التي وضعتها كابول لتوقيع اتفاق شراكة استراتيجية بين البلدين. وقد وقع الاتفاق في كابول وزير الدفاع الافغاني الجنرال عبد الرحيم ورداك وقائد قوة الحلف الاطلسي (ايساف) والقوات الاميركية في افغانستان، الجنرال جون الين.

وكان الرئيس حميد كرزاي يطالب منذ فترة طويلة بتسليم السلطات الافغانية هذا السجن، الذي عرف في بعض الاوقات باسم سجن "غوانتانامو الافغاني"، لأن الاميركيين اقاموه في الخارج ويستقبل اشخاصا متهمين بالارهاب، على غرار السجن في كوبا.

واشاد الجنرال ورداك بهذه "الخطوة المهمة في سبيل تعزيز السيادة الوطنية" الافغانية، موضحا ان عملية النقل ستحصل تدريجيا في غضون ستة اشهر. واضاف "نحن فخورون جدا بذلك". وتحول هذا السجن الواقع في قاعدة باغرام العسكرية الشاسعة التي تبعد ستين كلم شمال كابول، رمزا منذ عشر سنوان للاحتلال الاميركي في نظر العديد من الافغان. بحسب فرنس برس.

وتقول قوة ايساف ان هذا السجن يضم حوالى ثلاثة الاف معتقل هم اعضاء مفترضون في تمرد طالبان او تنظيم القاعدة، ويحاربون كابول وحلفاءها الغربيين منذ 2001. ودأبت كابول على انتقاد هذا السجن، باسم السيادة الوطنية، وكذلك منظمات الدفاع عن حقوق الانسان التي تندد باعتقالات تعسفية من دون محاكمة وتوجيه تهم. وعاد سجن باغرام الى واجهة الاحداث مؤخرا حين قام جنود اميركيون باحراق مصاحف فيه ما ادى الى موجة احتجاجات مناهضة لاميركا خلفت اكثر من 40 قتيلا وادت الى توتر اضافي في العلاقات بين القوات الدولية والافغانية.

وبموجب بنود الاتفاق الجديد، يتعين على السلطات الافغانية ان تبلغ الاميركيين بمشاريعها للافراج عن سجناء وان "تأخذ ايجابيا في الاعتبار" اعتراضاتهم المحتملة. وسيحتفظ الاميركيون فيه بوجود تقني ولوجستي واستشاري طوال سنة. ويتعهد الافغان بدورهم بتمكين الاميركيين ووكالات الامم المتحدة من زيارة المسجونين. بحسب فرنس برس. وذكر مسؤولون اميركيون ان المصاحف احرقت لانها كانت تستخدم لتبادل الرسائل بين السجناء الافغان في السجن. ولا ينص الاتفاق الذي وقع على نقل مسؤوليات اخرى غير تلك المتعلقة بباغرام، خلافا لما اكده مسؤول غربي في كابول.

وفي اواخر شباط/فبراير، اكد كرزاي انه يأمل في توقيع اتفاق طويل الاجل، لكنه طرح بضعة شروط منها نقل باغرام وانهاء الغارات الليلية للحلف الاطلسي على المنازل الافغانية، مما يسبب غضب السكان الافغان واستيائهم. وتطالب كابول منذ فترة طويلة بوقف هذه الغارات، معتبرة انها تقع فقط على عاتق القوات الافغانية. وينتشر في افغانستان حوالى 130 الف رجل من الحلف الاطلسي، ويشكل الاميركيون القسم الاكبر منهم، وسيتدنى هذا الرقم تدريجيا حتى نهاية 2014، وهو الموعد الذي حدده التحالف لسحب قواته المقاتلة ونقل المسؤولية الامنية في البلاد الى القوات الافغانية. ويحدد اتفاق الشراكة الاستراتيجية اجراءات الوجود الاميركي في افغانستان بعد 2014، وخصوصا احتمال اقامة قواعد عسكرية دائمة وهو موضوع بالغ الحساسية في افغانستان. ويذكر ان واشنطن فشلت في ابرام اتفاق مماثل في العراق، لأنها لم تحصل من الحكومة على ضمانة تؤمن الحصانة لجنودها، فاضطرت الى سحب جميع جنودها من البلاد.

الحرب في افغانستان لا تستحق الخسائر

من جهة اخرى يرى 60% من الاميركيين ان الحرب في افغانستان لا تستحق الخسائر التي تتسبب بها فيما تؤيد نسبه مماثلة تقريبا انسحابا مبكرا للقوات الاميركية من هذا البلد، بحسب ما اظهر استطلاع للراي اجرته شبكة ايه بي سي نيوز وصحيفة واشنطن بوست. وكشف التحقيق ان عدد المشككين في جدوى الحرب هو عمليا ضعف نسبة ال35% من الذين الذين يعتبرون ان المجهود العسكري المبذول منذ عشر سنوات يبرر النفقات والخسائر البشرية.

وبحسب الاستطلاع فان 54% من المستطلعين يؤيدون انسحاب القوات الاميركية من افغانستان حتى ولو لم يكن الجيش الافغاني مهيئ بعد لتولي المسؤوليات الامنية. ويؤيد هذا الموقف 60% من الديموقراطيين والمستقلين و40% من الجمهوريين. واخيرا يرى 30% من الاميركيين ان معظم الافغان يؤيدون الاستراتيجية الاميركية الحالية في بلادهم. وتعتزم الولايات المتحدة والحلف الاطلسي سحب قواتهما من افغانستان بحلول نهاية 2014 ونقل مسؤولية العمليات الامنية الى الجيش الافغاني.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آذار/2012 - 23/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م