السلفيون وإدارة الاجندات المضادة للربيع العربي

 

شبكة النبأ: للطغيان أشكاله المتعدد، وألبسته التي قد تختلف كثيرا فيما بينها، وللقمع ألوانه أيضا، حيث عانى العرب من أنظمة سامتهم القهر والويل، عبر سياسات قمعية تنتهج الظلم والعنف طريقا لحماية عروشها من السقوط، حدث هذا على حساب حقوق عشرات الملايين من المواطنين العرب، الامر الذي دفعهم الى أهمية تغيير الانظمة السياسية، ورفض النهج المستبد، فاندلعت الاحتجاجات والانتفاضات والثورات المتواصلة في مغرب ومشرق الوطن العربي، وأسقطت عروشا عمّرت عشرات السنين، من دون أن تمل أو تكلّ أو تعدل في ادارة السلطة، فتهاوى عرش حسني وزين والقذافي وصالح وغيرهم، وهناك في الطريق عروش تهتز لتؤول الى السقوط الحتمي.

إذن هي ثورة عربية شعبية استيقظت بقوة بعد عقود وربما قرون من السبات، والخنوع تحت هيمنة الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واشتعلت الارض تحت أقدام الانظمة الدكتاتورية، ففر منهم من فر ومنهم من يئن وهو يرزح تحت قبضة العدالة، واستبشر العرب (المواطنون) خيرا بما تحقق من ازاحة بعض الرؤوس التي تعفّنت في السلطة من كثر ما بقيت فيها، وبدأ المواطن العربي يرنو بعين الامل الى تأسيس منظومة سياسية معاصرة تحكم الناس وتسوسهم بما يحقق له العدالة السياسية والاجتماعية التي افتقدوها في ظل الانظمة المستبدة المطاح بها، وبعد أن ظهرت بعض البوادر الحسنة، بدأت أجندات مضادة للربيع العربي تطفو على السطح، يقودها متشددون اسلاميون (سلفيون) حاولوا أن يتسلقوا على ظهور المحتجين العرب كي يصلوا الى السلطة، ومن ثم ممارسة فكرهم المتطرف في ادارة الدولة كما حدث في مصر مثلا، حيث بدأ السلفيون يؤسسون لنوع آخر من القمع، عبر سن بعض التشريعات التي تزيد من المراقبة على الكتب ومختلف الفنون كما أظهرت الوقائع، وكذلك التأسيس لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في محاولة واضحة لإسباغ الصفة الدينية على افعال القمع التي يرتكبونها، معتمدين في ذلك على اثارة الفتن على نحو متواصل داخل الوطن العربي وخارجه.

فأجندات السلفيين لا تنحصر داخل الدول العربية التي أسقطت الجماهير حكوماتها القمعية، بل هم يثيرون الفتن في اوروبا وغيرها ويستهدفون الاقليات في اي مكان في الداخل او الخارج، في سعي محموم لفرض افكارهم على الجميع، ويتضح هذا مما حدث قبل ايام فقط في بروكسل حيث اعتدى السلفيون على حسينية للشيعة كما اشارت لذلك مصادر بلجيكية رسمية، فقد (أعلنت المتحدثة باسم الشرطة البلجيكية ماري فيرفيكي مقتل إمام حسينية في حي اندرلخت في بروكسل وإصابة شخص آخر في حريق متعمد تسبّب بتدمير قسم كبير من الحسينية. وأوضحت الناطقة الأمنية أن الشرطة أوقفت مشتبهًا به، مشيرة إلى أن الإمام توفي مختنقًا نتيجة تنشق الدخان. واتهم مسؤولون في بلجيكا مساء أمس الحركة السلفية السنية بحادث الحريق المفتعل الذي استهدف الحسينية في بروكسل ومقتل إمامه خنقاً بتنشقه الدخان. واعتبرت نائبة رئيس مجلس مسلمي بلجيكا ايزابيل برايلي أن الشهادات التي جمعت في الحسينية تشير إلى أن العمل من فعل سلفيين،  وصرّح مسئول شيعي آخر هو عز الدين لغميش الذي يعمل في المسجد، وفق وكالة "فرانس برس": "الشعارات التي أطلقها المعتدي الذي اضرم النار بالحسينية تشير إلى الحركة السلفية المناهضة للشيعة". وأضاف: "إنه سلفي، كل الشهادات التي أدلى بها الاشخاص الذين كانوا في المسجد تظهر ذلك).

إن السلفيين يحاولون بأقصى ما يستطيعون سلب المكاسب الكبيرة التي حققتها الجماهير العربية الثائرة في معظم الدول العربية، وقد أعادت هذه الانتفاضات زمام المبادرة الى المواطن والى الشارع، وهو امر لا يرغب به هؤلاء لأنه لا ينسجم مع أجنداتهم، وسعيهم لفرض افكارهم وسياساتهم، بل وتشريعاتهم على الجميع ومصادر حرية الرأي والفكر، واعادة الامور الى المربع الاول، حيث الفكر الدكتاتوري الاحادي الذي يرى الحق في جانبه حصرا، أما الآخرون فهم جميعا على نهج خاطئ، لذا لابد من وقفة دولية رسمية وشعبية جادة لوضع حد لهذا الانحدار المخيف الذي اعقب نجاح الثورات العربية، لأن الانحراف بالمكاسب الى تأسيس القمع والطغيان الجديد يبدو واضحا للجميع، على المجتمع الدولي والنخب العربية التنبّه الى خطورة ما يبتغيه السلفيون في محاولاتهم المحمومة للسيطرة على الوضع السياسي واشاعة النهج الاحادي مرة ثانية، والعودة بالأنظمة السياسة القديمة الى دفة الحكم، ولكن بوجوه جديدة لا تختلف عن الوجوه السابقة بشيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آذار/2012 - 23/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م