الجزائر... اصلاحات حذرة وخشية متنامية من صعود الاسلاميين

 

شبكة النبأ: رغم الإصلاحات المهمة التي قامت بها الحكومة الجزائرية والتي اتت على خلفية بعض المطالبات الجماهيرية و الحركات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد على غرار  ما عرف بثورات الربيع العربي التي شهدتها المنطقة، لا تزال الضغوط تتزايد الجزائر لضمان اجراء انتخابات نزيهة. ويتوقع أن تمنح الانتخابات الاسلاميين نصيبا اكبر في السلطة على غرار دول أخرى بالشرق الاوسط. وقال دبلوماسي مقيم بالجزائر "يتوقع الناس أن تسير الجزائر على نهج المنطقة. فهناك توقعات بأن الاسلاميين سيتمتعون بنفوذ اكبر وسيسيطرون على الاغلبية في تلك الانتخابات الامر الذي سيزعج الكثير من الاطراف على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ويرى مراقبون أن الجزائر ستتبع على الارجح نموذج المغرب حيث رضخت النخبة الحاكمة للضغوط وسمحت لحزب اسلامي معتدل برئاسة حكومة جديدة لكنها احتفظت بمقاليد السلطة الحقيقية وتفضل القوى الغربية هذا السيناريو وهي تعتمد على مساعدة الجزائر اكبر قوة عسكرية بالمنطقة في احتواء تهديد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في الطرف الجنوبي من الصحراء الكبرى. كما تخشى من أن يعطل اي اضطراب تدفق الغاز الطبيعي عبر خطوط الانابيب تحت البحر المتوسط. وتمد الجزائر اوروبا بنحو خمس وارداتها من الغاز.

ومن بين اهم العوامل التي قد تعرقل هذا الانتقال المحكوم الى ديمقراطية محدودة تاريخ الجزائر الدموي فبعد أن ألغت حكومة مدعومة من الجيش انتخابات ديمقراطية عام 1992 خشية أن يسيطر الاسلاميون اندلع صراع بين قوات الامن والاسلاميين أسفر عن سقوط 200 الف قتيل تقريبا. وفقد التمرد المرتبط بتنظيم القاعدة حاليا قوة الدفع لكن هذا الجناح من التنظيم لايزال يقوم بعمليات خطف وينصب الكمائن وينفذ تفجيرات انتحارية من حين لاخر. ولا يتوقع كثيرون العودة الى "السنوات السوداء" كما يطلق عليها في الجزائر فالاسلاميون الان أضعف كثيرا بينما باتت الدولة اكثر ثراء وقوة. لكن لم يتضح كيف سيكون رد فعل قوات الامن اذا حشد الاسلاميون تأييدا ضخما في الانتخابات وطالبوا بنصيب في السلطة الحقيقية. وقال ريكاردو فابياني محلل شؤون شمال افريقيا بمجموعة يوراسيا "أغلبية اسلامية في البرلمان... ستثير على الارجح رد فعل من النخبة العسكرية. "قوات الامن العلمانية مستعدة للتدخل لضمان مصالحها." بحسب رويترز.

ويقول معلقون ان هناك انقسامات داخل النخبة الحاكمة. ويعتقد معسكر أن التصرف العملي الان هو اتاحة المزيد من الديمقراطية. وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد قال ان على السلطات الا تتدخل في الانتخابات القادمة مثلما فعلت من قبل. وحصل نحو 20 حزبا على الضوء الاخضر لخوض الانتخابات بينها حزب واحد على الاقل يمثل تحديا حقيقيا للمؤسسة. وستشرف لجنة قضائية على فرز الاصوات تحل محل مسؤولي وزارة الداخلية الذين يتولون هذه المهمة عادة. ووجهت الدعوة للاتحاد الاوروبي ليرسل مراقبين للمرة الاولى. ولا يعتقد الكثير من الجزائريين أن الانتخابات البرلمانية التي ستجري في مايو ايار ستكون الشرارة التي تطلق حراكا. ويقولون ان الصلاحيات التي يخولها الدستور للبرلمان محدودة وفي كل الاحوال يتعامل معظم الناس مع النظام السياسي بلامبالاة اذ لا يشعرون بأن له صلة حقيقية بحياتهم. واحتوت السلطات هذا السخط بانفاق مبالغ كبيرة. على سبيل المثال تم تعيين الاف الشبان العاطلين في شركات حكومية على الرغم من أنها ليس لديها عمل لهم.

ويقول احمد سلمي (27 عاما) وهو من قرية تقع على بعد 150 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة تم تعيينه في شركة حكومية لكنه كان يحتسي القهوة مع أصدقائه في الحادية عشرة صباحا "أحصل على 15 الف دينار (200 دولار) ولا افعل شيئا." وأضاف "ليس لي عمل هناك."

ويعتقد عبده بن جودة (27 عاما) وهو ناشط معارض في العاصمة أنها مسألة وقت قبل أن يتغير الوضع وتعيش الجزائر "ربيعها العربي". وهو يقول ان الناس فقدت الثقة في الحكومة التي لم تستطع توفير وظائف وفرص حقيقية للشبان او توفير خدمات عامة لائقة. وقال بن جودة وهو أحد قيادات حركة الشباب المستقل من أجل التغيير في مقهى "لا توجد محافظة لا تشهد احتجاجات يومية. "انها رسالة سياسية. الناس يقولون ضقنا ذرعا بالادارة السيئة للبلاد. اذا لم تتحرك السلطات الان نحو الديمقراطية سيكون قد فات الاوان."

وفي سياق متصل افاد مصدر رسمي ان عدد النواب في المجلس الشعبي الوطني الجزائري سيتم رفعه من 389 الى 462 خلال الانتخابات التشريعية المقررة في ايار/مايو. واعلن هذا القرار اثر اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. واورد بيان رسمي ان مجلس الوزراء وافق على القرار الذي يحدد الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد المخصصة في الانتخابات البرلمانية. واضاف البيان ان هذا القرار "جاء مراعاة لتنامي تعداد السكان الذي تجلى من خلال احصاء العشرية الذي تم عام 2008 وحرصا على توفير الشروط المواتية لتطبيق التشريع الجديد القاضي بمضاعفة حظوظ تمثيل المرأة ضمن المجالس المنتخبة". كذلك، وافق مجلس الوزراء على مرسوم رئاسي "يتضمن تنظيم وسير اللجنة الوطنية للأشراف على الانتخابات" المؤلفة من قضاة عينهم الرئيس الجزائري. بحسب فرنس برس.

واوضح البيان انه تم تشكيل هذه اللجنة "استجابة للمطلب الذي تقدم به عدد كبير من الاحزاب والشخصيات السياسية، وهي مكلفة بالأشراف على العمليات الانتخابية بدءا من ايداع الترشيحات على غاية انتهاء الاقتراع". وقال بوتفليقة اثر اتخاذ هذين القرارين "انتظر من الحكومة وعلى الخصوص من اللجنة الوطنية المكلفة بتحضير الانتخابات التشريعية اتمام سائر التدابير التنظيمية المادية واللوجستية اللازمة لأجراء الانتخابات التشريعية في أحسن الظروف". واعلن بوتفليقة في 18 كانون الاول/ديسمبر ان الانتخابات التشريعية المقررة في النصف الاول من ايار/مايو ستكون مفتوحة للمراقبين لضمان شفافيتها، وخصوصا ان المعارضة الجزائرية نددت على الدوام بأعمال تزوير لمصلحة الاحزاب الحاكمة.

مراقبة الانتخابات

من جانب اخر قال وزير الداخلية الجزائري إن مراقبين من مركز كارتر والمعهد الديمقراطي الوطني الأمريكيين سيتمكنون للمرة الاولى من مراقبة الانتخابات البرلمانية المقررة في الجزائر في وقت لاحق هذا العام. واضاف الوزير دحو ولد قابلية أن الحكومة التي اتهمت في الماضي بالتلاعب في الانتخابات سيقتصر دورها على ما يتعلق بالنقل والامداد في الانتخابات المقررة في العاشر من مايو ايار في حين سيشرف القضاة والاحزاب السياسية على الانتخابات للمرة الاولى.

وفي اشارة الى تعزيز دور البرلمان عقب الانتخابات قال الوزير ان مهمة البرلمان الجديد ستكون اعداد دستور جديد بحلول نهاية العام. وينظر كثير من معارضي الحكومة للبرلمان حاليا على أنه مجرد اداة في يد الحكومة لاعتماد القوانين. وقال ولد قابلية ان الشفافية مؤكدة في الانتخابات بشكل يضمن حياد الحكومة. واضاف أن الجديد في هذه الانتخابات سيكون وجود مراقبين دوليين من الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية وغيرهما وأيضا من منظمات غير حكومية مثل المنظمتين الامريكيتين غير الحكوميتين مركز كارتر والمعهد الديمقراطي الوطني.

وأعلنت الحكومة في السابق أنه ستتم دعوة مراقبين من الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية في اطار اصلاحات نقلت أيضا السيطرة على عملية فرز الاصوات الى لجان قضائية. لكن السلطات لم تقل من قبل ما اذا كانت ستسمح للمنظمتين الامريكيتين غير الحكومتين بايفاد مراقبين. وتنظر كثير من الحكومات الغربية الى مهام مراقبة الانتخابات التي ترسلها المنظمتان باعتبارها معيارا لشفافية العملية. بحسب رويترز.

وقال مركز كارتر والمعهد الديمقراطي الوطني انهما لم يقررا بعد هل سيقبلان دعوة الجزائر لارسال مراقبين. وقال ديفيد كارول مدير برنامج الديمقراطية في مركز كارتر "يقوم المركز حاليا بدراسة الظروف في الجزائر وهل سيكون ممكنا ارسال بعثة أم لا في ظل الالتزامات الحالية المتصلة بانتخابات أخرى." واضاف قوله "لم يتخذ بعد قرار في هذا الشأن." وقال ممثل عن المعهد الديمقراطي الوطني في بيان "ان المعهد يشيد بدعوة الحكومة الجزائرية ورغبتها في عملية أكثر شفافية واشتمالا." واضاف قوله "نحن نتطلع الى امكانية مراقبة الانتخابات وندرس الخيارات المتاحة لترتيب بعثة مراقبين."

وقال ولد قابلية ان أهمية هذه الانتخابات تكمن في أن اعضاء البرلمان الجديد سيتولون مهمة اعداد الدستور الجديد مشيرا الى أنه سيكون أشبه بجمعية تأسيسية. وأضاف أنه من المتوقع انجاز الدستور الجديد في 2012. وبموجب الدستور الجزائري يحق للبرلمان دون غيره تعديل الدستور لكن محللين سياسيين يقولون ان البرلمان في الواقع يعتمد فقط التعديلات التي تحيلها اليه النخبة الحاكمة. واذا حصل البرلمان الجديد على نفوذ اكبر في العملية فقد يؤدي هذا الى تغييرات كبيرة بالدستور لانه من المرجح أن يكون حجم المعارضة بمن فيها الاسلاميون اكبر كثيرا مما كان من قبل.

بوتفليقة يريد الخلود

من جهة اخرى اعطيت اشارة الانطلاق للبدء في بناء جامع الجزائر الكبير بكلفة مليار يورو على مساحة 40 الف متر مربع يستوعب 120 الف مصل، وهو مشروع ضخم اراده الرئيس عبد العزيز بوتفليقة معلما ثقافيا وحضاريا على ان يتم انجازه بعد 42 شهرا. وبتوقيع الشركة الصينية "شاينا ستيت كونستراكشن" والحكومة الجزائرية على عقد بناء جامع الجزائر الكبير بالضاحية الشرقية للجزائر العاصمة، بدأ الانجاز الفعلي للمشروع. ووقع العقد من الجانب الجزائري مدير الوكالة الوطنية لانجاز وتسيير جامع الجزائر الكبير محمد علوي بحضور وزير الشوؤن الدينية والاوقاف بوعبد الله غلام الله ومستشار رئيس الجمهورية محمد علي بوغازي.

واكد غلام الله ان الاشغال "تبدأ فعليا اليوم بعد التوقيع على العقد ومدة الانجاز ستدوم 42 شهرا بكلفة مليار يورو". واعتبر وزير الشؤون الدينية ان جامع الجزائر الكبير "خاص" في كل شيء واكد انه "لا يوجد مثله في العالم لا في الماضي ولا في الحاضر لجوانبه الدينية والسياحية والاقتصادية". واشار الى ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة "الذي شيد الطريق السريع شرق-غرب (1200 كلم بحوالى 14 مليار دولار) اراد ان يترك اثرا" بهذا المشروع المتميز بمنارته التي سيصل علوها الى 270 مترا وعمق 48 مترا تحت الارض. ويعرف عن الرئيس بوتفليقة تدينه والمامه بالتاريخ الاسلامي واحترامه للزوايا والطرق الصوفية.

وكان الرئيس الشاذلي بن جديد (1979-1992) خلد حكمه بمشروع مقام الشهيد (92 مترا) الذي يمكن رؤيته من اي مكان من الجزائر العاصمة. وستتكون منارة جامع الجزائر من 25 طابقا، ويمكن صعود الى سطحها باستخدام ثمانية مصاعد لرؤية خليج الجزائر في البحر الابيض المتوسط. وتعد منارة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء بالمغرب اعلى منارة في العالم حاليا بعلو 210 امتار. وكان بوتفليقة وضع حجر الاساس للمشروع في 31 تشرين الاول/اكتوبر، وتطلب مراجعة العقد المتكون من عشرين مجلدا تضم 12 الف صفحة اربعة اشهر. وقدمت لجنة مكونة من مؤرخين و مهندسين معماريين ومختصين في الفن الإسلامي تصورها لجامع الجزائر الكبير لمكتب الدراسات الالماني المكلف بالمشروع، بحسب مسؤول في وزارة الشؤون الدينية. وقال مدير وكالة انجاز الجامع محمد علوي ان "كل الهندسة والحسابات الرياضية لجامع الجزائر مبنية على ثلاثة ارقام هي واحد وثلاثة وخمسة". واوضح "واحد لله وثلاثة للحياة والموت والبعث وخمسة لاركان الاسلام". بحسب فرنس برس.

وسيتكون جامع الجزائر الواقع بحي المحمدية بالضاحية الشرقية للجزائر العاصمة من 12 عمارة تحتل مساحة 20 الف متر مربع اما المساحة الاجمالية للمشروع فهي 40 الف متر مربع. وستتسع قاعة الصلاة ل120 الف مصل ودار للقرآن (مدرسة عليا) بسعة 300 مقعد لفائدة طلاب الكفاءة والدكتوراه علاوة على مركز ثقافي إسلامي ومكتبة تضم 2000 مقعد ومليون كتاب اضافة الى قاعة محاضرات ومتحف للفن والتاريخ الاسلامي ومركز للأبحاث حول تاريخ الجزائر. وسيتم رفع ارضية المسجد حوالى سبعة امتار لتصبح بنفس مستوى الطريق السريع المحاذي لها، لانجاز مواقف تتسع ل4000 سيارة.

وقال محمد علوي ان المشروع "سيوظف 17 الف عامل منهم 10 الاف جزائري في مرحلة البناء، وبعد التسليم سيعمل في ادارة الجامع ما بين 1500 و2000 موظف". ووعد مدير فرع الجزائر للشركة الصينية "شاينا ستايت كونستراكشن" شان وانجيان بتسليم المشروع "في الاجال المحددة والنوعية الجيدة". وقال "خلال المدة الطويلة التي عملنا فيها بالجزائر عرفنا كيف نتأقلم مع الوضع الجزائري وهذا ما ساعدنا على الفوز بصفقة بناء جامع الجزائر الكبير".

وتعمل الشركة الصينية في الجزائر منذ 30 سنة واشتهرت ببناء اكبر خمسة فنادق بالجزائر خاصة منها شيراتون الجزائر وشيراتون وهران ورونيسونس بتلمسان (غرب). وروعي في هندسة الجامع الجنب البيئي، اذ وضع المهندسون تقنية خاصة لتجميع 30 الف متر مكعب من مياه الامطار وتخزينها لاستخدامها في ري المساحات الواسعة من الحدائق المحيطة بالمسجد. وتشتهر الجزائر العاصمة بثلاثة مساجد تاريخية، هي الجامع الكبير (القرن الحادي عشر ميلادي) والجامع الجديد (القرن السابع عشر) وجامع كتشاوة المبني في نهاية القرن الثامن عشر والذي حوله الاستعمار الفرنسي (1830-1962) الى كنيسة، قبل ان يعود الى اصله عند استقلال الجزائر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/آذار/2012 - 21/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م